تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

محارِبة السرطان ومؤلفة كتاب "كان سراًّ" ميساء رعد: السرطان غيرّني كلياً ولن أستسلم له

محارِبة السرطان ومؤلفة كتاب

ميساء رعد

"هناك لحظة واحدة في الحياة، إذا اقتربت منها، من المستحيل أن ترى الحياة بعدها كما كنت تراها في السابق. هذه اللحظة هي عندما تقف في موازاة الموت ومن ثم يقرّر الله بكرمه أن يمنحك فرصة ثانية. هذه الحقيقة ستغيّرك! حقيقة نرفض جميعاً تصديقها وتجعلك تصدق أن لا شيء يستحق العناء. فجميعنا راحلون وتقرّر بعدها أن تحيا من جديد بحب أكبر، وحقد أقل، وسعادة بأبسط الأمور قبل أعظمها، تجعلك تترفع عن كل التفاصيل الصغيرة، فقد منحك ربُّ هذا الكون فرصة أخرى لتحيا من جديد...". كلمات معبّرة نابعة من قلب ميساء رعد، السيدة الجميلة التي هزمت السرطان وتحاربه اليوم للمرة الثالثة وألّفت كتاب "كان سرّاً" لتروي فيه حكايتها الطويلة مع المرض وكيفية مواجهتها له.


ناعمة مثل نسمة الصباح، صلبة كالجذور، خشنة كأشواك زهرية جورية، طيّبة كعطر الياسمين... إنها ميساء رعد أو "أم نديم" التي تضعك حكايتها مع السرطان في امتحان أمام ذاتك بحيث تسأل نفسك: هل ثمّة فعلاً ما يستحقّ أن نحزن ونغضب من أجله باستثناء الصحة والبقاء على قيد الحياة مع مَن نحب؟ قصة ميساء مع السرطان هي قصّة شابّة في مقتبل العمر هاجمها سرطان الثدي مراتٍ ثلاثاً، فاستطاعت أن تهزمه مرتين وتخوض معركة جديدة معه متسلّحةً بحبّ الحياة.


- خطف سرطان الثدي والدتك وأنت لا تزالين طفلة صغيرة. إلى أي مدى جعلك ذلك أكثر إصراراً على مواجهة المرض الخبيث؟

لطالما كنت في مواجهة دائمة مع مرض السرطان، ولكن الغريب أنني ما زلت عاجزة عن تصنيف وجوده في حياتي إذ إنه الوحش الذي حرمني والدتي وأنا في أشدّ الحاجة إليها، ورأيته يسلبها جمالها وصحّتها ووقتها معنا ومع عائلتها بشكل عام. وفي بداية عمر العشرين، اجتاح السرطان جسدي من طريق الثدي، مما جعلتي أكثر إصراراً على محاربته والانتقام لخسارة والدتي والإصرار على عيش الحياة بكل جوارحي وأكون صورة مصغّرة عن والدتي. اليوم، وبعد عودة المرض للمرة الثالثة الى جسدي، أشعر بأن السرطان أصبح صديقاً دائماً مزعجاً أحياناً ولكنه غيّر فيّ الكثير.

- أصابك المرض للمرة الأولى وأنت في عمر 22 ربيعاً، ثم أصابك مجدّداً في عمر الـ 33. هل كان وقع الصدمة أكبر في المرة الأولى أم في الثانية؟

الاختلاف هو اختلاف الأولويات، ولكن المرض يبقى نفسه من ناحية العلاج والألم والعوارض الجانبية. في المرحلة الأولى، أي في عمر 22 عاماً، كانت أولوياتي تتمثّل في تقبّل خسارة الثدي والتعامل مع تلك الخسارة على أنها انتصار من أجل الحياة، والحفاظ قدر الإمكان على المظهر الخارجي بشكل مقبول للآخرين، لأننا نعيش في مجتمع لا يزال يعطي الكثير من الاهتمام للمظهر، وكلماته وتعليقاته قاسية أحياناً. لذلك اهتممت وقتها باختيار شعر مستعار ومساحيق تجميل يمكن أن تخفي شحوب الوجه... إضافة طبعاً الى محاربة المرض.

لكن في المرة الثانية، باتت أولوياتي مختلفة جداً، لأنني متزوجة وأمّ لطفل لم يُكمل عامه الخامس بعد وعليّ أن أحارب بشراسة انتشار المرض لكي أجنّب طفلي تجربتي المؤلمة التي عشتها مع خسارة والدتي. توجّب عليّ أيضاً اختيار كلماتي ومراقبة تصرفاتي أمام طفلي للمحافظة على صحته النفسية والاهتمام بعلاجي وإدارة الوقت لأوفّق بين حاجات ابني وزوجي والاهتمام بصحتي ومتابعة العمل لأنني سيدة عاملة.

- أي فترة هي الأصعب في رحلتك مع المرض؟

الفترة الأصعب هي عندما أغيب عن المنزل بسبب العلاج أو وعكة صحية جراء العلاج والمرض. لا أطيق الابتعاد عن ابني نديم وزوجي طارق، وهذا ما يساعدني ربما في كل مرة على المقاومة والتحدّي من أجل العودة سريعاً إليهما.

- ما هي الأمور التي اختبرتها خلال رحلتك مع المرض ولم يخبرك أحد عنها أو لم تكوني على علم بها؟

اختبرت الكثير من الأمور، أهمها أن الصلاة والدعاء لا يقلاّن أهميةً عن العلاج والطب، لا بل إنهما ربما أهم. لكن هذا لا يعني أنه يمكننا الاستغناء عن العلاج. كما تعلّمت الفرق بين المعارف والصداقة الحقيقية، واكتشفت أن الحب والتعلّق بمَن نحب يمنحاننا قدرة هائلة على الشفاء.

- تخضعين لعلاج دائم لمحاربة السرطان. ألا تشعرين بالإحباط أو اليأس أحياناً؟

أمرّ طبعاً بلحظات تعب وخوف وملل وتنتابني رغبة بأن أملك القدرة على إنهاء كل شيء للعيش كالآخرين من دون ألم ومواعيد طبية متكررة وفحوص وأشعة، لكنّ مرضي باقٍ وعليّ التعامل معه كجزء من حياتي. أنا بشر ولديّ مشاعر مختلفة ومن المهم الاعتراف بوجود المرض لنتعلم كيفية التعامل مع تلك المشاعر وتجاوزها.


- لستِ خائفة من السرطان والابتسامة لا تفارق وجهك. من أين تستمدين التفاؤل؟

أستمد قوّتي من الله، فهو القادر على كل شيء وهو الشافي لأي مرض أو داء. لدي حُسن ظنّ به، وأنا متأكدة من أنه يحبّني وظنّي به لن يخيب أبداً.

- قررتِ مشاركة قصتك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتحديداً تطبيق "إنستغرام"، فأصبحت واحدة من أكثر الشخصيات المؤثرة في مواجهة السرطان حول العالم. لماذا السوشيال ميديا، وهل توقعتِ هذا الكمّ من الأصداء الإيجابية؟

عندما تلقيت خبر عودة المرض وانتشاره وتشخيصه على أنه في مرحلته الرابعة، اجتاحتني مشاعر لا توصف من الحزن والخوف وبدأت رحلة البحث عن أشخاص لديهم حالة مماثلة لحالتي ولا يزالون على قيد الحياة، فلم أجد سوى أقل من خمسة وجميعهم في دول أجنبية. لذا قررت أن أكون داعمة لنفسي وأشارك تجربتي على تطبيق "إنستغرام" بصدقية وحب... وقد فاجأني تفاعل الناس ومحبتهم ودعمهم الذي له تأثير نفسي مهم في علاجي اليوم وكل يوم.

- تلقيتِ الدعم من جهات رسميّة وفنية لبنانيّة، أبرزهم رئيس الوزراء السابق سعد الحريري والفنان راغب علامة. هل ساعدك ذلك في اكتساب المزيد من القوة؟

تلقيت الدعم من جميع الناس بغض النظر عن مكانتهم الاجتماعية ومراكزهم ومناصبهم. دعم الجميع متساوٍ بالنسبة إليّ ومنحني الكثير من القوة والقدرة على مواصلة معركتي مع المرض. ويبقى الحب والدعم الصادق الذي لا تشوبه غاية هو الأهم والأقرب إلى قلبي.

- النجمة إليسا أعلنت إصابتها بسرطان الثدي وخضوعها للعلاج والشفاء منه من خلال أغنية "إلى كل اللي بيحبوني". ما رأيك في تلك الخطوة؟

خطوة جريئة ومهمة. عندما نقرر أن نشارك المرض أو أي تجربة أخرى مع الآخرين، نكون بذلك قد اخترنا التخلّي عن خصوصيتنا ونصبح مجبرين على الإجابة عن كل التساؤلات والاستفسارات. ونعلم جميعاً أن للفنانة إليسا ملايين المعجبين والمتابعين، لذلك يكون التزامها أكبر بكثير من ناحية مشاركة تجربتها والعمل على نشر التوعية والثقافة الصحية لدى النساء بشكل خاص، وهنا تكمن أهمية مشاركة تجربتها في رأيي.

- "كان سرّاً"، كتابك الذي تروين فيه رحلتك مع المرض الخبيث. كيف وُلدت فكرة الكتاب، ومَن شجّعك لتأليفه، ولماذا اخترت هذا العنوان؟

"كان سرّاً" هو عنوان كتابي الذي ساعدني في إعداده الدكتور سامي كليب. لهذا العنوان معانٍ عدة، أهمها أن مرض السرطان في مرحلة من المراحل ربما لا يزال لدى البعض سرّاً لا يريدون مشاركته مع الآخرين إما لأسباب عائلية أو اجتماعية أو حتى مهنية خوفاً من خسارة العمل أو الوظيفة. نتيجة ذلك، تلجأ المريضة الى إخفاء مرضها بالشعر المستعار والتكتم على المرض وربما الابتعاد عن المناسبات والعزلة خلال مرحلة العلاج فيما هي بأشدّ الحاجة إلى مشاركة مشاعرها وتلقّي الدعم النفسي. وللعنوان "كان سرّاً" بُعد آخر أيضاً، وهو أن الأسرار التي نخفيها عادةً عن الآخرين هي تجارب وأحداث مؤلمة نمرّ بها في حياتنا ولكننا نخجل من مشاركتها، فيتحول كتمانها مع الوقت الى ورم يسبّب ألماً جسدياً وربما يكلّفنا حياتنا. لذلك أردت من خلال كتابي إيصال رسالة الى الآخرين، وخاصةً النساء، بضرورة الإفصاح عن مشاعرنا وإخبار الآخرين عمّا نمرّ به، سواء كان عنفاً أو تحرشاً أو حتى مضايقات صغيرة تتجمع في داخلنا لتولّد انفجاراً نفسياً وعاطفياً في ما بعد، وتسبّب من دون شك الأمراض الجسدية.

- هل تفكرين في التحضير لكتاب جديد؟

نعم أفكر في ذلك إن شاء الله، ولكن آمل هذه المرة في كتابي الجديد أن أشارككم خبر شفائي وأخبركم عن قدرة العقل والإيمان والثقة بالله على تحقيق المعجزات.

- أنت الآن قدوة للكثيرات من المصابات بالسرطان. ما هي نصيحتك لهنّ كي لا يفقدن الأمل؟

أقول لكل إنسان، وليس فقط للمصابات بمرض السرطان، إن الحياة عبارة عن تجارب ولحظات متعددة ومتنوعة لكل منها أسبابها، حتى تلك التي نعتبرها صعبة أو ربما مستحيلة. فهي تأتي لتعلّمنا درساً جديداً وتغيّر فينا أشياء معينة. لكل لحظة من تلك اللحظات نهاية، وعلينا أن نتذكر ذلك جيداً حتى لا نستسلم أمام الصعاب.

- ماذا غيّر فيك المرض والمواجهة مع الموت؟

المرض غيّرني كلياً. ليس من السهل أن تشعري بأن الموت يناديك في كل وقت وكأنه جهاز إنذار يحذّرك بشكلٍ متواصل بأن الحياة فانية ولا شيء يستحق التوقف عنده إلا إرضاء ربّ العالمين. نعلم جميعاً أننا راحلون ولكن المرض وخاصةً ألمه المبرح يجعلنا مدركين الأمر أكثر من الآخرين، وهذا ما ساعدني ربما على أن أكون أكثر رأفة ومحبةً وإيماناً عما كنت عليه سابقاً.

- كيف تعيشين الحاضر، وكيف تنظرين إلى المستقبل؟

أنظر الى الحاضر والمستقبل بتفاؤل وأمل. لدي الكثير من الأحلام وسأحارب من أجل تحقيقها. لن أستسلم للمرض ولا لأي تشخيص طبي. لدي من الإيمان ما يكفي لأن أثق بربّي وبعظمته وقدرته على تحقيق المعجزات وسيكون شفائي يوماً ما إن شاء الله.

- نقطة ضعفك؟ ومصدر قوّتك؟

ابني نديم هو نقطة ضعفي، ولكنه أيضاً مصدر قوّتي وإلهامي لأستمر وأتحمّل وأصبر وأنا واثقة بأنه يستحق ذلك.

- حكمتك في الحياة؟

إجعل حياتك قصة تستحق أن تروى. حكمتي هذه هي التي تدفعني لأن أعمل بجهد وأحارب وأطارد أحلامي كي أترك بصمة في هذا العالم.

- كلمة أخيرة لقرّاء "لها"...

أتمنى الصحة للجميع لأنها أهم ما يمكن أن يملكه الإنسان، ولجميع قرّاء "لها" أتمنى أن تكون تجربتي مصدر إلهام لهم.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077