أول مهندسة طيران إماراتية - الدكتورة المهندسة سعاد الشامسي: المرأة لا تنافس الرجل بل هي سند له

حوار: جولي صليبا 30 ديسمبر 2022
سعاد الشامسي هيأول مهندسة طيران إماراتية، وأول باحثة عربية في مجال الطيران، ومستشارة طيران الاتحاد في مشروع مطار أبو ظبي الدولي . حصلت الشامسي على شهادات عدة في إدارة الطيران وهندسة الفضاء، وشغلت منصب مهندس طائرات مرخّص في "شركة طيران الإمارات".نالت عدداً من الجوائز ومثّلت دولة الإمارات في العديد من المؤتمرات والمعارض الخارجية، وتم تصنيفها ضمن النساء المبدعات في الإمارات العربية المتحدة."لها" التقت المهندسة الشامسي خلال مشاركتها في منتدى المواطن العالمي الذي أُقيم في رأس الخيمة، وكان هذا الحوار:


- أخبرينا عن مشاركتك في منتدى المواطن العالمي وكلمتك التي تمحورت حول أهمية تمكين المرأة ودعمها؟

مشاركتي في منتدى المواطن العالمي هي مشاركة إنسانية لتمكين المرأة، ليس فقط في مختلف القطاعات، وإنما أيضاً لإبراز أهمية الوعي ومساندة النساء الراغبات في دخول المجالات المختلفة. شاركت في منتدى المواطن العالمي مع الكثير من النساء المتحدّثات وركزنا جميعاً على أهمية المساواة بين الرجل والمرأة في التخصّصات المختلفة والنادرة، مثل تخصّص قطاع الطيران، وهندسة الطيران تحديداً.

- هل هناك مساواة بين الرجل والمرأة في الإمارات العربية المتحدة والعالم العربي؟

باتت دولة الإمارات العربية المتحدة مثالاً يُحتذى به في العالم لناحية المساواة بين الرجل والمرأة. فالنساء أصبحن الآن في مراكز قيادية حكومية كبيرة، وبلغت نسبة مشاركة النساء مثلاً في المجلس الوطني الاتحادي في حكومة الإمارات العربية المتحدة 50 في المئة، أي أن النسبة متساوية تماماً مع الرجل. وهناك أيضاً الكثير من النساء في مناصب حكومية عالية، ومناصب مهنية أخرى. المرأة باتت عنصراً أساسياً فعالاً في العمل والمنزل،كما أنها لا تنافس الرجل إطلاقاً، وإنما هي سند للأب والأخ والزوج والزميل.

لله الحمد، باتت الإمارات العربية المتحدة مثالاً يُحتذى به في الدول العربية والعديد من دول العالم لناحية الاستراتيجية المتبعة في المساواة بين الرجل والمرأة.

- لكن هذه المساواة لم تكن قائمة عندما قررت دخول عالم الطيران قبل 22 عاماً. كيف استطعت تحقيق هدفك رغم كل المصاعب التي واجهتك آنذاك؟

صحيح أن المساواة بين الرجل والمرأة لم تكن موجودة يومها، لكن رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، بالترافق مع رؤية الشيوخ والأمراء ليس فقط في إمارة دبي، وإنما أيضاً في كل الإمارات العربية المتحدة، كانت أكبر حافز لي للمضي قُدماً في أحلامي. وبالفعل، استطعت تحقيق حلمي بفضل دعم ربّ العالمين أولاً ودعم الأسرة ثانياً، إضافة طبعاً إلى الدعم الأساسي لسمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الذي ساعدني على السفر على حسابه الخاص وحساب برنامج إعداد القادة في دبي لدراسة التخصّص. كانت الرؤية موجودة يومها في المساواة، ولكن ليس بالصورة الكبيرة الموجودة حالياً. لقد احتاج تطبيقها حيزاً من الوقت، لكننا أصبحنا الآن متفوّقين على العديد من الدول التي تفكر في اعتماد المساواة بين الرجل والمرأة. إلا أن مكانة الرجل وتقديره واحترامه تبقى حتماً تفرض نفسها من دون منازع في كل المناصب والمجالات.

- تحدّثت عن الدعم الحكومي ودعم الشيخ محمد تحديداً. أخبرينا أكثر عن ذلك؟

عندما أردت التخصّص في قطاع الطيران، وتحديداً في هندسة الطيران، لم يكن هذا المجال موجوداً في الإمارات، ولذلك قررت مراسلة الشيخ محمد شخصياً وأطلعته على رغبتي في دراسة هندسة الطيران. وأذكر أنني أخبرته في العام 2000، يوم أردت التخصّص في الطيران، أن حلمي قد يكون مستحيلاً، لكن جوابه لي يومها كان: "ما من مستحيل في دولة الإمارات". وبعد أيام قليلة، تواصلوا معي من برنامج إعداد القادة في دبي وأخبروني أنه تم قبولي للسفر إلى بريطانيا على حساب سمو الأمير لدراسة هندسة الطيران. هذا من دون شك وسام على صدري سأفتخر به مدى الحياة.

وقبيل سفري إلى بريطانيا، قال لي الشيخ محمد: "تذكّري أنك ابنة الإمارات. نحن عندما ننجح ونصل إلى مناصب عالية، فإننا نرفع اسم دولة الإمارات". أكرر أن دعم سمو الأمير هو شرف كبير لي ووسام على صدري، واستطعت رفع اسم الإمارات في العالم. وها أنا أمثّل المرأة الإماراتية وأشارك مثلاً في منتدى المواطن العالمي، الذي يضم ممثلين من مختلف دول العالم. هذا من دون شك شرف كبير لنا.


- وماذا عن دعم الأسرة؟

أكيد، لولا دعم الأسرة لما استطعت النجاح وتحقيق ما أصبو إليه. لا شك في أن دعم الأسرة يبقى أساسياً لأي نجاح، لأن النجاح في الأسرة هو نجاح في العمل، والنجاح في العمل هو نجاح في الأسرة. لقد كان دعم والدتي وإخوتي وأخواتي أكبر حافز لي لتحقيق أهدافي والنجاح، إضافةً طبعاً إلى دعم زملاء العمل ومساندتهم لي لكي أصل إلى ما أصبو إليه. هذا يؤكد مرة جديدة أن المرأة تستطيع النجاح في أي مجال تريده، في حال حصلت على الدعم اللازم، حتى لو كان المجال غريباً نوعاً ما، مثل مجال الطيران الذي كان حكراً على الرجال.

كيف توفّقين بين العمل والعائلة، خصوصاً أن عملك ليس روتينياً ويتطلب منك الغياب عن المنزل في أوقات مختلفة ولساعات طويلة جداً أحياناً.

دوام عملي لا يختلف أبداً عن دوام الطبيبة التي تذهب إلى المستشفى، أو الإعلامية التي تبقى لساعات وساعات في التلفزيون، أو الصحافية التي تغطي الأحداث الميدانية لأيام متتالية... نحن بحاجة فقط إلى الإيمان بأن العلاقة الأسرية ضرورية جداً للنجاح في العمل. فوجود شريك حياة متفهّم أمر أساسي جداً بحيث لا يقف عائقاً أمام نجاح زوجته.

علينا تبديل النمط السائد القائل إن المرأة الناجحة في عملها لا تستطيع الزواج أو إنجاب الأولاد أو تكوين أسرة. نحن الآن في دولة أعطت كل الحقوق للمرأة والرجل على حد سواء، فلماذا لا تستغل المرأة هذه الفرصة لتحقيق أهدافها المهنية وتكوين أسرة في الوقت نفسه؟ نعم، بات بوسع المرأة النجاح في العمل والأسرة على حد سواء. علينا أن نتخلص تماماً من الأفكار السلبية التي تقول للمرأة إنها لا تستطيع تكوين أسرة إذا خاضت غمار العمل. وهناك الآن الكثير من الطبيبات والوزيرات والمهندسات والرائدات اللواتي نجحن في تكوين أسر رائعة بالترافق مع نجاحهن في العمل. تحتاج المرأة فقط إلى الدعم والمساندة لكي تبدع في شتى المجالات وتكوّن أسرة ناجحة. فالمرأة لا تستطيع أبداً أن تنجح من دون دعم الأسرة والأهل والإخوة. إنها بحاجة إلى الدعم العائلي للنجاح في المجال المهني.

- ماذا عن "جمعية المرأة في مجال الطيران"؟ هلاّ أخبرتنا أكثر عنها؟

تم إطلاق"جمعية المرأة في مجال الطيران" ذات النفع العام لتوفير بيئة جاذبة للمرأة في قطاع الطيران وإتاحة الفرص لتطوير المبادرات لاستقطاب المرأة وتمكينها وتعزيز تواجدها في المحافل الإقليمية والدولية المختلفة. تأسّست هذه الجمعية قبل 10 أعوام، وهي جمعية غير ربحية برعاية سمو الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم، رئيس هيئة دبي للطيران المدني، والعديد من الشركات الرائدة في مجال الطيران، وننظّم سنوياً العديد من المؤتمرات التي ندعم فيها المرأة والطالبات لدخول مجال الطيران، إضافة إلى النساء العاملات في قطاع الطيران. فخلال هذه المؤتمرات، تتم مناقشة التحديات التي تواجهنا وكيفية التصدّي لها، وعرض الحلول المناسبة مع الشركات. كما نساعد كل فتاة راغبة في دخول مجال الطيران على تحقيق حلمها من خلال توفير الدعم المادي والمعنوي لها.

- بصفتك سيدة إماراتية رائدة، كيف يمكننا برأيك تحقيق العدالة الاجتماعية في العالم العربي؟ وما هي الخطوات الممكن اتخاذها لتعزيز هذه العدالة؟

لا بد من نشر الوعي حول هذه العدالة الاجتماعية، ومخاطبة الفتيات والشبان في الوقت نفسه حول أهمية مشاركة المرأة في كل القطاعات. فالمرأة ليست مجرد جسد، وإنما هي عقل وجسد وقلب وروح، تماماً مثل الرجل، ولذلك فإن تمكين المرأة في رأيي هو جعلها تؤمن بقدراتها وتدعم الرجل. نحن بحاجة إلى نشر الوعي لدى جيل الشباب لأنه مع طفرة السوشيال ميديا أصبح الشبان والشابات يتوقون إلى بلوغ الشهرة من دون تلقي التعليم. ولكن لا يمكننا تأسيس جيل مثقف للمستقبل من دون تعليم، ولذلك علينا تمكينهم بفكر ووعي حقيقي ونؤكد لهم أن العلم هو السلاح الوحيد للمستقبل، والسبيل الأوحد لتحقيق العدالة الاجتماعية في العالم أجمع.

- واجهتِ في بداياتك الكثير من التحديات، وكانت بعض العائلات ترفض ركوب الطيران إذا كنتِ أنت قائد الطائرة. هل لا تزال هذه التحديات موجودة اليوم، أم أن هناك تحديات أخرى؟

لا يزال الكثير من الأشخاص يرفضون فكرة وجود المرأة في مجال الطيران، علماً أن الشروط كثيرة وصعبة لدخول مجال هندسة الطيران، إذ تبرز الحاجة إلى التعليم الدائم والتدريب المستمر، لكن لا بد من مواجهة تلك التحديات والإثبات للعالم أن المرأة الجميلة وحسنة المظهر يمكن أن تكون مهندسة طيران أو طبيبة أو دكتورة في الجامعة. يجب عدم الحكم على الناس من خلال أشكالهم. وأقول دائماً اعرفوا الشخص قبل الحكم عليه. ويتعين على النساء مساندة بعضهن البعض لمواجهة التنمّر الشكلي والوظيفي.

- أجمل ذكرى لك مع عالم الطيران؟

دخولي أول يوم لدراسة هندسة الطيران هو من دون شك أجمل ذكرى لي. كما أن حصولي على لقب أول مهندسة طيران إماراتية لم يكن أبداً في الحسبان، ويرتّب عليّ مسؤولية كبيرة وأن أكون صورة جيدة للكثير من الطالبات والنساء في هذا المجال.

اتّجهتِ أيضاً إلى المجال الأدبي، وكتبت روايات عدة. هل الكتابة متنفس لكِ أو وسيلة لإيصال رسائل معينة؟

الكتابة الأدبية هي هوايتي التي أهرب إليها من الواقع إلى عالم الخيال وسحره، فعملي وهوايتي محوران أساسيان في حياتي كلٌ منهما يكمّل الآخر. وكتاباتي بمعظمها روايات تتحدث عن قضايا مجتمعية تلامس المرأة والرجل، وأحب إيصال آرائي ورسائل معينة من خلال كتاباتي بهدف المساهمة في عرض تلك القضايا والتكلم عنها بعيداً من الخيال والحب والغرام.

- المستقبل يبدأ مع النساء... ما رأيك في هذه المقولة؟

المرأة هي رمز الصمود والحنان. ولولا وجود المرأة، لما تواجد الرجل. المرأة هي الأم والمدرسة وبذرة الحياة. البذرة هي أساس الشجرة، والمرأة هي أساس المجتمع والحياة والعدالة.

- أنت أم لولدين في الثامنة والرابعة من عمرهما. كيف تزرعين فيهما فكرة احترام المرأة؟

أوجّه دائماً ولديّ بوجوب احترام الفتيات والنساء من حولهما، سواء كانت المدرّسة، أو الأم، أو الأخت... ومثلما نربّي الفتيات الصغيرات على احترام بعضهنّ، علينا أيضاً تربية الأولاد الصغار على احترام الفتيات والتشديد على أهمية وجودهن في الحياة العملية. فالأنثى لا يقتصر وجودها على المنزل فقط، وإنما يمكنها أن تبرع أيضاً في الحياة المهنية والعملية، وعلينا زرع هذا الوعي في أولادنا.

- من أين تستمدين قوّتك؟

من ولديّ والعائلة. فوجود العائلة مهم جداً في حياتي لأنه يعطيني الدعم والحافز للاستمرار.

- مثلك الأعلى في الحياة...

الوالدة طبعاً لأنه لولاها ولولا دعمها لما وصلنا إلى ما نحن عليه. أمّي ربّت عائلة مثالية من دون زوج بعد وفاة والدي، فأختي أول جرّاحة أطفال، وإخوتي يعملون في السلك الدبلوماسي والسلك العسكري. وهذا أكبر دليل على أن المرأة قادرة على تأسيس أجيال متعلّمة تحترم المساواة.

- أمنيتك؟

أتمنى المساهمة في إبقاء صورة المرأة الإماراتية مشرّفة في المؤتمرات العالمية، والتأكيد أن المرأة قادرة على بلوغ النجاح والقمة تماماً مثل الرجل، من دون التخلّي عن تقاليدنا.