الفنانة التشكيلية فاطمة النمر

جدة - آمنة بدر الدين الحلبي 24 فبراير 2023

تتفرد بأسلوب فني لا مثيل له وتعمل على تحويل خيالها إلى واقع جميل تزرعه في لوحات لها عبق البحر بصبر جميل وإرادة صلبة فتغوص في التفاصيل الدقيقة لتنقشها بدقة لا متناهية... وتتلاعب بدرجاتها اللونية لتعطي بعداً واقعياً للوحة نظراً لأدواتها المتنوعة والمختلفة التي تستخدمها بأناةٍ لتطالع الجزئيات الصغيرة وكأنها تنقش الجمال بمختلف الأساليب ليمنح اللوحة روعة وجمالاً. عدسة» لها» زارت محترف الفنانة التشكيلية فاطمة النمر لتنقل لنا جمال الروح الذي تتميز به.


- بين خليج أزرق وحديقة سندسية اللون تعجّ بكل أنواع الورود يقع محترفك، ما الذي يضفيه هذا التنوع على روح الفنانة فاطمة؟

وُلدت وترعرعت في منطقة القطيف، وهي تتميز بزُرقة بحرها الجميل، وسهولها الخضراء وحدائقها الغنّاء التي طبعت في روحي الجمال منذ نعومة أحلامي وتركت أثّراً كبيراً في أعمالي الفنية. تلك البيئة أرخت بكل تراثها العريق وثقافتها المتنوعة على لوحاتي الفنية التي استوحيتُ تفاصيلها الدقيقة من زخارف الجدران والملابس الشعبية ونقوش المصوغات الذهبية.

كل هذا الجمال انزرع في جسد ذاكرتي وتجسّد في أعمالي الفنية طوال سنوات العمر التي حصدتها بدراستي للتصميم الداخلي، إضافة الى تصميم الذهب الذي أعطاني مساحة واسعة للتنوع والتفرد في تكوين اللوحة كالبنيان الجميل.

- هذا يدل على أن شخصية فاطمة بُنيت وتكاملت بين البحر ومزارع النخيل الخضراء لنطلق عليها نخلة سامقة القامة والفكر... 

رغم شغفي بالنخيل إلا أنني أعشق البحر وأمتلك مساحة واسعة من التفكير وخيالاً لا محدوداً، لكنني أسيطر على نفسي في حدود اللوحة كعلاج بعد أن أفرّغ كل طاقة كامنة في أعماق ذاتي.

- وهل من مثالٍ على ذلك؟

إذا تأثّرت بقصة قرأتها أو تجربة مررت بها، أبدأ بها كحلم ثم تتحقق على بياض اللوحة من خلال فرشاتي المغمّسة بعمق اللون

لأعيشها بكل تفاصيلها حتى تكتمل وأدع المتلقي يشاركني فيها في ما بعد.

- تلك العزلة في محترف فني يطل على جمال الطبيعة، ماذا تمنح فاطمة؟

البحر كالصديق المخلص يأخذ مني ويعطيني... يأخذ كل ما يزعجني ويمنحني الصفاء وهدوء النفس.

- تحقيق الحلم والعزلة في أمسّ الحاجة الى سماع الموسيقى، ما أهمية الموسيقى بالنسبة إليكِ؟

فرشاة الرسم هي الوتر لآلة الموسيقى، وتلك الموسيقى تحرّك فرشاتي كوتر استعداداً للرسم بشكل جميل.

- الفنان التشكيلي يعشق العزلة... لكن العزلة تؤدي الى التوحّد والبُعد عن العالم الآخر، ما رأيك؟

الفنان بطبيعته ينفصل عن العالم الخارجي، فرغم إيماني القوي بأهمية العائلة ووجودها في حياتي ودعمها المستمر لي، إلاّ أنها تمنحني تلك المساحة الحرّة لكونها مؤمنة بي كفنانة وبعملي الفني، كما أن ابتعادي عنهم لفترات طويلة دليل واضح على أن التوحّد في العمل الفني يُثمر أفضل النتائج. وأرى أن هذا التوحّد استقصائي وتأملي للذات الداخلية وأشبه باليوغا...

- إلى أي حدٍ العزلة مهمة للفنان التشكيلي؟

المرسم هو محراب الفنان بحيث ينتقي فيه مفرداته ويستقي إلهامه ويحاكي أفكاره، كما يشكّل ملاذاً للقراءة والتأمّل والبحث والاطّلاع على كل ما هو جديد في عالم الفن التشكيلي. ففي عزلتي أبحث دائماً عن الآخر في داخلي، وعن كل ما هو جديد في هذا العالم الواسع... ودائماً أحرص على السفر بمفردي للاطّلاع على تجارب الآخرين ونقلها في ما بعد الى أرض أحلامي.


- إذا غصنا في أعماق فاطمة، هل نرى نرجسيتها الإنسانية أم الفنية؟

أتجّرد من أجل الإنسانية لأكون كل إنسان... وأتقمّص في اللوحة الشخصية الإنسانية التي أعيشها، ولا أرى نفسي بمقدار ما أرى هذا الإنسان.  وأكبر مثال على ذلك، إن غصت في «ماجدة»، أعرف جيداً بماذا تفكر وأتخيّل لو كانت فاطمة مكانها فماذا عساها تفعل؟ أحاول أن أكون بملابسها بفكرها بكلماتها بمزاجها الذي تعبّر عنه بالحلم... حتى أخلق بيئة تلك الأنثى وأجسّدها باللون الذي تحبّه حتى وإن كان الأحمر.

- على ذكر الخامات، ما هي الخامات التي تستخدمينها في أعمالها الفنية؟

أستخدم في لوحاتي كل الخامات الموجودة على أرض الواقع، وأحاول إعادة تدوير كل خامة تراثية مثل السجاد والجلد، لأن لها قيمة تتمتع بحس الزمان والمكان.

- هل صحيح أن الصوفية تطغى على لوحاتك؟

نعم، أنا متصوفة حدّ النخاع ومتأثرة جداً بالشيخ جلال الدين الرومي، وهذا التصوف قادني إلى حالة من التأمّل العميق، وهو بالنسبة إليّ انتقال الروح إلى روح أخرى، ذلك أن الإنسان يستطيع العيش في داخل إنسان آخر من خلال تصوّفه، فما بالك بالفنان الذي يمتلك استشعارات أكثر تخوّله الغوص في عمق الآخر ورسم صورة عن الواقع!

- أعمالك تكمن في اللاوعي، كيف تخرجينها؟

بالحلم الجميل الذي يراودني ويدفعني لتنفيذ اللوحة نظراً لطقوس خاصة بالحلم. وعلى سبيل المثال لا الحصر، إذا كنت أبحث عن شخصية ما، أجلس معها وأطوّرها، وربما يستغرق البدء في تنفيذ هذا العمل وقتاً طويلاً، كنتيجة حتمية للحلم الذي يتخذ شكل اسكتشات ويتحقق في اللوحة.

- السيدة الأميركية الأولى زوجة الرئيس دونالد ترامب اقتنت أحد أعمالك، ما الذي جذبها فيه؟

الغرب دائم البحث عن أصالة الفنان وتراثه وثقافته، وهذا ما جذب السيدة الأميركية الأولى لاقتناء أحد أعمالي الفنية، والذي يعبّر عن شخصية المرأة العربية بعامة والسعودية بخاصة في منطقة الحجاز، حيث الشهامة والكرم في استقبال الحجاج في موسم الحج.

- قدّمت خمسة معارض شخصية بينها واحد بعنوان «الأزلي»... ماذا يعني هذا الاسم؟ 

معرض «الأزلي» أُقيم في عام 2009، وهو يتحدث عن الحب الأزلي وحب الذات تحديداً، أي أنه كلّما تعمقت المرأة في حب نفسها، تمكّنت من معرفة الأخرى أكثر، لأن في داخل كل امرأة أنثى أخرى تستطيع أن تفهمها جيداً.

- تناقشين في أعمالك التقاليد، إلى أي مدى أنتِ مرتبطة بها؟

أعتزّ بتقاليدي الجميلة كامرأة سعودية، لكن هناك أشياء دخيلة ولا تمت الى التقاليد والعادات بصلة، وضعتنا في بوتقة لتحرقنا في المجتمع، وتبين في ما بعد أنها غطاء على بصرنا وبصيرتنا، ومع الانفتاح الفكري من حكومتنا الرشيدة توضّحت الصورة وتبين أن تلك التقاليد والعادات عقيمة وبالية ولا علاقة للمجتمع السعودي بها، لكن البعض استطاع تسييسها.

ولذلك حاولت إبراز العادات والتقاليد المميزة في التراث والثقافة والملابس والطعام في أعمالي معتمدةً على دمج الأصالة بالمعاصرة بأسلوب حضاري، لنثبت للعالم أننا لا نريد التشبّه بالغرب بقدر ما نطمح الى استدراج الغرب إلى بيئتنا الجميلة وإطلاعه على أصالتنا.

- نسجتِ صورة المرأة السعودية على السجّاد، ما الهدف من ذلك؟

قرأتُ في كتاب فارسي عن الملوك، أنه حين يُنصّب ملك على العرش تُحاك له سجادة منقوشة بالمنمنمات تحكي عن شجرة العائلة  وإنجازاتها... وبما أنني شغوفة بنقل أجمل صورة عن وطني، نسجتُ صورة رمزية للمرأة السعودية على السجاد لتكون نافذة يتعرّف منها العالم إلى تلك الشخصية السعودية.

- ثمة روايات تُحكى عن النساء السعوديات مثل Snow White كحالة بحثية مطلقة... ماذا أطلقتِ على تلك الأعمال؟

«نساء من القطيف»، وذلك في معرض ريحانة عام 2019 والذي استمر العمل عليه ثلاث سنوات للحديث عن المعلمة والشيخة والحناية والحكواتية وأم الخير والسفافة...

- نلتِ جوائز عدة عربية وعالمية، أي الجوائز الأحبّ الى قلبك؟

حصدت الجائزة الأولى عام 2010 في معرض «السعودي المعاصر» وتسلّمتها بحضور كبار الفنانين، وتركت هذه الجائزة أثراً عميقاً في روحي وصنعت لي البهجة في الحياة، كما زادت شغفي للفن ودفعتني للسير قُدماً في هذا المجال.

- شاركت في العديد من المعارض الدولية والعربية ما بين السويد وبومباي وإسطنبول والشارقة... أي المعارض ترك أثراً جميلاً في روحك؟

كل معرض من هذه المعارض صنع فاطمة النمر الإنسانة والفنانة التشكيلية والحالة الجميلة التي عشتها خلال وجودي في تلك المعارض.

- ماذا لديك من فن بمناسبة احتفال المملكة العربية السعودية بيوم التأسيس؟

عملتُ على لوحة حوّلتها الجهات المعنية إلى سبيكة من الذهب لتُوزّع على شخصيات مهمة احتفالاً بيوم التأسيس، وسيكون هناك مجسم جميل احتفالاً بنساءٍ سعوديات، ومن بينهنّ شخصية المعلمة «سلطانة» من القطيف والتي كان لها دور كبير في الدولة السعودية الأولى في تدريس القرآن الكريم مرتديةً الزي القطيفي وحاملةً العلم السعودي، وسوف تتحوّل الى سبيكة من الذهب.


- ما هي مشاريعك الفنية المقبلة؟

سأُشارك في معرض بعنوان «ذات النورين»، والذي سيُقام في قاعة المعرفة بمتحف «إثراء» في الظهران.

- ما هي أحلامك؟

أحلم بامتلاك متحف يجسّد ثقافة وطني عن المرأة السعودية. كما أتمنى من حكومتنا الرشيدة وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمير محمد بن سلمان أن تقدّم لنا كفنانين دعماً أكبر.

- ماذا تقولين للمرأة السعودية؟

أقول لكل امرأة سعودية: حافظي على إيمانك المطلق بنفسك، وكوني أيقونة ومثالاً للعطاء، تفتخر بك المملكة العربية السعودية بقدر إنجازاتك وعطائك.