المدرّبة المتخصّصة لانا نهاوي: تمكين المرأة يعني إدراك الشخص لقدراته ودوافعه وحدوده

حوار: جولي صليبا 21 مارس 2023
تسعى المدرّبة المتخصّصة في تمكين المرأة لانا نهاوي إلى تمكين المرأة بشكل عميق ومستدام. فالتجارب التي خاضتها في حياتها مثل الطلاق، وتحمّل مسؤولية الأولاد لوحدها، وترك عملها في الشركة، جعلتها مرهَقة ومتعَبة. غير أن هذه التجارب علّمتها أن الإنجاز الحقيقي لا يكمن في المسار الذي يفرضه علينا المجتمع، ولذلك شرعت في رحلة حب الذات والتقت بنساء أخريات يواجهن المشاكل نفسها، فأيقنت أن التمكين قائم على مبدأ أن كل ما نسعى إليه موجود بالفعل في داخلنا. في هذا الحوار، نتعرف على رحلة لانا والأسباب التي دفعتها إلى دعم النساء ومساعدتهن على التواصل مع أنفسهنّ المتجسّدة.


- ما هي الدوافع والأهداف التي أوصلتكِ إلى عالم تمكين المرأة؟

بدأت رحلتي مباشرةً بعد انفصالي عن زوجي، حيث وجدت نفسي أمام تحدّيات كبيرة كأمّ لديها الكثير من المسؤوليات، وتوجّب عليّ إعادة ترتيب أوراقي والانطلاق من جديد، وإعادة التفكير في أسلوب حياتي السابق وغير المدروس. وحرصتُ على التعافي من آثار الانفصال بشكل ينعكس إيجاباً على أطفالي، لذلك لم أسمح لنفسي بالانهيار. ساهمت تلك المرحلة في تغيير طريقة تفكيري ومنحتني المزيد من القوة.

شكّلت هذه التجربة نقطة تحوّل في حياتي، حيث بدأت سيدات كثيرات من الوسط الاجتماعي المحيط، سواء اللواتي اختبرن تجربة الطلاق أو على وشك الانفصال عن أزواجهنّ، بالتواصل معي لتلقّي الدعم اللازم من أجل تجاوز الألم والخوف الذي يرافق هذه المرحلة. ورغم أنني لم أكن مهيّأة بعد لتقديم المشورة والدعم، أصغيت إلى معاناتهنّ بكل شغف،مما دفعني إلى الانخراط في دورة متخصّصة في أصول التدريب على أساليب الحياة لتطوير قدرتي على المساعدة بطريقة احترافية،وبدأت أركّز على مجالات أخرى لتحقيق نتائج أكثر عمقاً على المستويين العاطفي والذهني.وأعمل الآن على دعم السيدات لمواجهة مختلف التحدّيات من دون التركيز على تجربة الطلاق وحدها،بهدف تقديم الدعم للمرأة على المدى الطويل وليس فقط خلال هذه المرحلة،لأنني أريد للمرأة أن تتصالح مع ذاتها وتثق في قدرتها على استكشاف قوّتها الداخلية وتطوير مهاراتها في التخلص من التوتر والاستمتاع بكل لحظة تعيشها.

- كيف نجحتِ في مساعدة السيدات على التواصل مع أنفسهنّ وبعضهنّ البعض واستكشاف نقاط القوّة لديهنّ؟

يكفي أن تركّز المرأة اهتمامها على نفسها من النواحي الذهنية والجسدية والعاطفية لتصبح أقوى. فنحن غالباً ما نؤدي الوظائف والمهمات خلال حياتنا بدون اكتراث أو تقدير كافٍ لمهاراتنا الشخصية، وهذا ما تركّز عليه جلسات التدريب التي نقوم بها. وأنا أتولّى تدريس المرأة الأدوات اللازمة للوصول إلى هذا الوعي الداخلي. ويركّز برنامج التدريب على تعليم آليات التأمّل وكيفية استكشاف أنفسنا للوصول إلى مرحلة التمكين.

ينقسم هذا البرنامج إلى ثلاث مراحل، تبدأ مع دعوة المشارِكات في الجلسة إلى كيفية التعرّف على شخصيتهن الحقيقية والتعبير عنها، قبل البدء بعملية تدريب تستهدف النقاط التي تتطلّب العلاج والدعم، ثم يختتم البرنامج خطواته بتعلّم كيفية الشعور بالسعادة والحيوية. والعملية في مجملها تتمحور على تجربة الحلول وجدوى كل منها، فنحن نغطّي على سبيل المثال مجموعةً من العادات ثم نخصّص المسار الأكثر فعّالية بالنسبة الى الجميع. وتوفّر منهجيّة التدريب مساحةً عمليةً تتيح لكل سيدة الإصغاء إلى آرائها الخاصة بدلاً من منحها أجوبةً من مصادر خارجية.

وبمجرّد أن يتمكّن المرء من التواصل مع ذاته بإخلاص، يمكنه التواصل مع العالم الخارجي بعمق وصدق. ويمكن تشبيه هذه الخطوات بعملية التنفّس، أي استنشاق الهواء إلى الداخل وطرحه نحو الخارج، حيث نخوص التجارب مع العالم الخارجي ثم نغوص في داخلنا لمقاربة الموضوع قبل أن نعيد التواصل مع البيئة المحيطة ولكن من منظور جديد.

- ما هي الأدوات التي تساعد المرأة على تجاوز القيود المجتمعية القديمة وتحقيق طموحاتها واستعادة ثقتها بنفسها؟

تختلف التحدّيات التي تواجه المرأة بين مجتمع وآخر، وقد تصل في بعض الثقافات المتشدّدة إلى مستويات تهدّد حياتها. وهذا يتطلّب وقفةً متأنيّةً لإدراك حجم المخاطر التي قد تنشأ عن تجاوز التقاليد السائدة، وعدد التحدّيات التي يمكن خوضها.وبشكل عام، هناك العديد من الأدوات التي تساعد المرأة على التحرر من القيود المجتمعية، ومنها الإصغاء إلى احتياجاتها وتنمية قدرتها على مواجهة التحدّيات مثل الخسارة أو العزلة، إضافة إلى تأمين بيئة تمنحها الدعم اللازم للمضيّ في هذا الطريق.

أمّا النقطة الأكثر أهميةً فهي تعزيز الوعي الذاتي وتطوير أدوات الدعم النفسي مثل النوم وتمارين التنفّس والحركة والتأمّل، وخوض المواجهات بشجاعة لاستكشاف قدراتنا والمدى الذي يمكننا الوصول إليه. وأشدّد على أهمية أن ندرك ما يناسبنا قبل أن نصغي لرد فعل العالم الخارجي على أفعالنا. فذلك يساعدنا على تطوير نظرتنا الخاصة وتصرفاتنا وتحسين قدرتنا على التفاعل مع الوسط المحيط من جديد. وأعتقد أن الفوز في الحرب يتطلب الانتصار في المعارك الصغيرة،وهنا يأتي دور الصبر والقدرة على التحمّل.

- ما هي البيئة الآمنة والملائمة لتمكين المرأة؟

تختلف هذه الظروف والبيئات من شخص إلى آخر، فالتمكين يعني أن يتمكّن الشخص من إدراك قدراته الخاصة ودوافعه وحدوده،بينما تلعب عوامل أخرى دوراً كبيراً في هذا السياق، مثل التسلّسل الهرمي وتفاوت السلطات والاضطهاد في حالات معينة والسلوك الذكوري. ومن الضروري للمرأة التمييز بين ما هو مقبول ومرفوض بالنسبة إليها لتحدّد مَواطن الضعف التي تشعر بها وتعرف الغاية من القيود المجتمعية المفروضة. وعند تحقيق ذلك يمكننا اتخاذ خطوات فعّالة قولاً وفعلاً.

لا بدّ أيضاً من معرفة السلوكيات التي أدت إلى تحجيم دور المرأة تاريخياً على كل الصعد، سواء في العمل أو الأسرة أو المجتمع، لأنها تساعدنا على فهم التحدّيات التي تعترض تمكين المرأة. وهناك ظروف أو عناصر تعيق تمكين المرأة، مثل الاستراتيجيات التي تروّج للمرأة على أنها جسد جميل فقط، وهنا يأتي دورنا في تحديد هذه العوامل. ثم يأتي دور تدريب الجهاز العصبي على إدارة الشعور بالقلق والتوتر، والراحة عند الإرهاق من العمل. فتعلُّم هذه الأدوات يساهم في تنمية الثقة بقدراتنا على رعاية أنفسنا والدفاع عنها. ومن الضروري أيضاً العمل على تعزيز وعي السيدات وتوسيع آفاقهن وتعليمهنّ كيفية التعامل مع الظروف بمرونة، فكل ذلك يساعد على توفير بيئة آمنة.

- كيف تعرّفين المساواة بين الرجل والمرأة، بعيداً من المبالغة التي رافقت هذا الموضوع؟

لا أعتقد بأن المطالبة بتوفير فرص عادلة للجميع تحتمل المبالغة، خاصةً مع استمرار التحيّز الى المجتمع الذكوري والتقدّم البطيء نحو تكافؤ الفرص. وعلينا إدراك المعنى الحقيقي للمساواة، لأن تولّي المرأة دوراً معيناً لم يكن متوافراً لنظيراتها في السابق لا يعني أنها بلغت المجد وحققت المساواة مع الرجل في مجالات الحياة الأخرى، على الصعيد الأسري أو المهني أو الاجتماعي مثلاً. فالتمييز والتحيّز يتغلّغلان في شتى مناحي الحياة.

لكن المساواة الحقيقية هي توفير فرص عادلة للجميع،من دون تحيّز داخلي يدفعنا للحكم على بعض المفاهيم بصورة غير عادلة.

- بمَ تنصحين المرأة للتعبير عن هويتها؟

نحن السيدات لا نعبّر عن أنفسنا بوضوح في بعض التجارب التي قد نخاف من نتائجها، وهذا الخوف لا ينبغي التخلص منه بل استعماله كمؤشر يكشف لنا موقفنا الحالي والقدرات التي نملكها. وفي هذا السياق، يمكن استعمال الأدوات التي تنظّم مخاوفنا للتمييز بشكل أكثر دقةً بين القيود والمعتقدات الذاتية والتهديدات الحقيقية. فالمخاوف التي تشمل الخسارة مثلاً والأرق والصراع والرفض تدفعنا بوعي أو بدون وعي إلى التصرف بطريقة لا تعبّر عن شخصيتنا الحقيقية، لذلك من الضروري قياس مدى خطورة كل تهديد ودراسة عواقب الخضوع لتلك المخاوف.

والنصيحة الأهم هي التفاعل أكثر مع الظروف والأجواء التي تسبّب لنا الفرح والسعادة، لأن هذه اللحظات تساعدنا في التعرف أكثر على أنفسنا. فعندما يتحوّل الفرح إلى ثقافة وأسلوب حياة، يختفي التوتر وترتقي المشاعر إلى آفاق جديدة من الحيوية.

- مَن هي المرأة التي تُلهمك في مسيرتها؟

تُلهمني المرأة صاحبة الشخصية القيادية والروح اللطيفة، المرأة التي تدعم السيدات الأخريات، السيدة المتواضعة التي تنظر إلى الجميع على قدم المساواة مهما بلغت مكانتها، والمقاتلة التي ترفض حياة الذل والاضطهاد.

من جهتي، تُعدّ أمي وجدّتاي مصدر الإلهام بالنسبة إليّ، حيث أجد فيهنّ تمثيلاً حقيقياً للصفات التي تعكس الأنوثة في مختلف الأدوار النسائية، من الطيبة والإحساس المرهف إلى المرونة والقوة والحزم.

- ما الذي يمنحك القوة في أوقات الشدّة؟

دائماً ما ألجأ إلى الله تعالى وقوة الإيمان والطبيعة والعائلة، كما أستعين بتقنيات الاسترخاء والنوم العميق ولحظات المرح والفكاهة.

حكمتك في الحياة...

تفضّل ثقافتنا العقل على الجسد، ولكن من الأفضل لنا المزج بينهما لاختبار الحياة بكل تفاصيلها. فالانتباه إلى إشارات الجسد يمكّننا من التعامل مع ضغوط الحياة وتعزيز الشعور بالسعادة والحيوية والتواصل مع عواطفنا الداخلية العميقة.