قصّة إيفا من طفلة إلى 'امرأة' منتهَكة

زواج شرعي, خطف, عقد قران, إغتصاب

07 ديسمبر 2013

أسدل الستار على شباك طفولتها لتحجب نور الشمس عن براءتها، وخُطفت تاركة وراءها الدمية «دورا» معلّقة على باب الغرفة. الجاني انتظرها منتقماً ليغتال طفولتها «بعقد قران شرعي»، وبعد ساعات قليلة من الإختطاف تحولت إيفا من طفلة إلى امرأة منتهَكة الطفولة والنضج معاً. وجدت القوى الأمنية اللبنانية إيفا غزال (13 عاماً) بعد 15 يوماً على اختطافها وأعادتها إلى أهلها بنفسية متعبة وبضياع تام. وأبطل المفتي الشيخ أحمد قبلان العقد لعدم توافر شروط الزواج الصحيح، وتعتبر هذه الخطوة سابقة من نوعها. إيفا الطفلة الخجولة التي لا تعرف معنى المراهقة، وضعت في مركز لرعاية حالات إغتصاب القاصرات لمدة ثلاثة أيام. إلا أنها ليست الحالة الأولى في ضاحية بيروت الجنوبية، إذ يفوق عدد شكاوى اغتصاب قاصرات لدى مخفر الضاحية ما معدّله سبع حالات شهرياً.


لم يعلم حسين غزال أن العمل مع حسن مشيك والإستدانة منه سيكون ثمنه ابنته، بحيث وقع الخلاف عندما أقدم حسين على ردّ قيمة المبلغ. وبعدها زار حسن برفقة ولده حسين منزل حسين غزال في وقت لم يكن الأخير موجوداً، ثم أرسلت والدة ايفا ابنتها إلى الدكان لتشتري الأغراض، فما كان من حسين إلا أن خرج والتقى الفتاة وتحدّث إليها لتذهب معه ويتزوجها عند الشيخ حسن المولى الذي عقد قرانهما في غياب وليّ أمرها ومن دون التأكد من هويتها، مع أنه كان على بيّنة من أن الفتاة مخطوفة وهو اعترف بذلك عبر شاشات التلفزيون، فقد وثّق العقد باستناده إلى فتوى المرجع السيد محمد حسين فضل الله، التي تقول إنه «باستطاعة الفتاة أن تعقد قرانها من دون اذن ولي أمرها في حال كانت قد بلغت البلوغ الطبيعي وأن تكون راشدة». 


فضل الله: زواج القاصرات يخلّ بالنظام الإجتماعي

وردّ السيد جعفر فضل الله على ما أقدم عليه الشيخ المولى عبر «لها»، موضحاً صحة الفتوى بالقول: «يُشترط لاتخاذ الفتاة قراراً بشكل مستقل عن أهلها شرطان أساسيان،أن تتحوّل إلى شخصية شرعية بالمعنى القانوني مستقلة عن ولاية أبيها أو أي ولي آخر، أي أن تكون بالغة البلوغ الطبيعي، والأمر الآخر هو أن تكون راشدة، أي أنها تملك القدرة الكافية لكي تكون إمرأة أو فتاة تعرف مصلحتها وتحدد أهدافها وتستطيع أن تدفع عن حياتها كل المفاسد التي يمكن أن يحملها إليها الآخرون. والشرط الثاني هو الأساسي حتى تستطيع الفتاة أن تعقد زواج بنفسها من دون الرجوع إلى ولي أمرها، بحيث لا يُفترض هذا الإذن. أما الفتاة البالغة والتي لم تتمتع بالرشد بعد، فتعتبر فتاة قاصراً والفتاة القاصر لا يمكن أن تتزوج من دون إذن أبيها ولا بد من هذا الإذن وإلا الزواج لا يكون صحيحاً».

عن حالة ايفا، لفت فضل الله إلى أن «بعض الملامح التي ظهرت على الطفلة من خلال وسائل الإعلام وكيفية تفاعلها مع المحيط لا توحي أنها تملك الرشد الكافي الذي يؤهلها للقيام بهذا الأمر الذي يحتاج إلى اختبار دقيق». وحول وضع الشيخ المولى الذي عقد القران واستناده إلى الفتوى المذكورة آنفاً، اعتبر أن «فتوى السيد فضل الله واضحة في لزوم توافر الشرطين وبالتالي لا يصح إجراء أي زواج من هذا النوع مع توافر شرط واحد وهو البلوغ وعدم توافر الشرط الثاني لأن الزواج في هذه الحالة سيكون باطلاً». ويضيف: «انطلاقاً من العناوين الثانوية لا يمكن التشجيع على إجراء زيجات كهذه. ولو فرضنا أن الفتاة راشدة، هذا النوع من الإرتباط يفتح الباب أمام التلاعب بهذه المسائل وإختلال النظام الإجتماعي الموجود. هذا فضلاً عن أن الفتاة بحد ذاتها لا توحي الرشد».


غزال: إبنتي اغتُصبت والدين أبطل زواجها

أما الوالد المفجوع بما حل بابنته، فيعتبر أن ايفا طفلة خجولة لا تعرف معنى المراهقة، حنونة وعاطفية، ورجح أن تكون ابنته قد تعرضت لضغوط، مشيراً إلى أنها اختطفت والموضوع لا يتعلق بزواج «الخطيفة». وحول ما قاله والد الشاب بأن الفتاة خطفت إبنه عبر أحد البرامج التلفزيونية الذي ظهرت الفتاة معه خلاله، تساءل حسين: «هل من الممكن أن تقوم فتاة بعمر 13 سنة بخطف شاب يبلغ من العمر 27 سنة ووالد عمره 65 سنة؟!». ولفت إلى أن ثمة إغراءات تقدم له من أجل الموافقة على تزويج ابنته مجدداً من حسين، سائلاً: «كيف سنزوجها من شخص ليس لديه أدنى مستوى من الكرامة؟ ابنتي اختطفت واغتصبت، كيف لي أن أؤمن عليها مع هؤلاء الأشخاص؟ هم يخافون من الشكوى التي قدمناها والتي تتضمن اختطاف قاصر واغتصابها. لن أتفاوض معهم ولن أبيع إبنتي بمال العالم. حتى الدين أبطل هذا الزواج مما يعني أن الفتاة اغتصبت».
وعن طريقة استعادة ابنته، قال: «تم الإمساك بالمجني عليها والجاني فرّ وهو يتنقل في الشارع على مرأى ومسمع من الجميع»، مضيفاً: «وجدوا إبنتي في بيت وحدها وأعادوها، ما هي هذه التمثيلية؟! القوى الأمنية تقول إنهم كلما ذهبوا لإحضاره يجدون عنده 50 أو 60 شاباً». ويتابع: «من المعيب على القوى الأمنية أن تضحك على الناس».


الخليل: للتحرك من أجل استصدار قانون يمنع زواج القاصرات

تسلمت المحامية بشرى الخليل ملف قضية ايفا بعد اختطافها بفترة وجيزة، وتوضح أن «هناك عملية اختطاف لقاصر كرهينة من أجل إلزامات مالية»، مشيرة إلى أن «هذا الفعل عقوبته السجن المؤبد. كما أن الإغتصاب فعل جرمي جنائي وعقوبته أشغال شاقة». وقالت: «كان من المفترض أن يتصل الشيخ فوراً بالأجهزة الأمنية ويبلغ عن خطف قاصر لكنه لم يقم بهذه الإجراءات، لذا هو شريك في جرم الخطف وسيُعاقبه القضاء الجزائي لإشتراكه بجرم الخطف لذلك قمنا بالإدعاء عليه». وفي التفاصيل تقول الخليل: «عندما سمعت بالحادثة ووكلني والد ايفا لأتابع القضية تواصلت فوراً مع المجلس الإسلامي الشيعي ومع المفتي الجعفري الممتاز أحمد قبلان وأعطيته السن القانونية للفتاة، وبناء على المعطيات التي بين يديه أقدم على إبطال الزواج. كما أنني حضّرت دعوى لنزع إجازة المشيخة والعمامة عن الشيخ المولى». وتضيف: «ذهبت إلى المدعي العام كلود كرم وكان قد سمع بالقصة وطلبت منه أن يرسل الشكوى إلى قسم التحري في المنطقة المعنية وأن يعطينا إياها باليد لتسريع القضية، وهذا ما حصل.  واجتمعت برئيس مفرز التحري الذي وضع آلية للتحرك وأخذوا إفادتي كمدعية عن ولي الأمر وبدأ تحرك المفرزة. كان لدي اقتناع بأن مفرزة التحري لديها إمكانات لأن تصل إلى أي جريمة على أن يترك لها الأمر من دون تدخلات سياسية».

وأشارت إلى أن المدعية العامة غادة أبو علوان أعطت «إشارة بالملاحقة ليلاً نهاراً وذلك بعد ظهور الفتاة في برنامج تلفزيوني، وبدأت الملاحقات على قدم وساق في الوقت نفسه كانت عائلة حسين ترسل شباباً إلى الشارع لكي يصطدموا مع القوى الأمنية في أكثر من مكان لإعاقة تحركهم، وكانت هناك حالة مداهمات متواصلة لكل الأماكن التي يمكن أن تكون فيها الفتاة».
وأضافت: «اتصلوا بي من مفرزة التحري للحصول على بطاقة الهوية الخاصة بالفتاة، وبعد فترة وجيزة أخبروني أن الطفلة بحوزتهم، توجهت إلى مفرزة التحري ووجدت الطفلة هناك، عندما تحدثت إليها سألتها إن كان أخذها إلى بعلبك في اليوم الأول وأجابت بالنفي لكني لم أستطع الدخول معها في تفاصيل لأنها كانت متعبة».

وعن كيفية إكتشاف مكان الفتاة في اللحظات الأخيرة، اعتبرت الخليل أن «هذه المعلومات تبقى من أسرار المفرزة القضائية لأن الأمر يتعلق بتفاصيل عملهم ولا يمكن أن يكشفوه»، لافتةً إلى أن «الفتاة نقلت إلى مركز للرعاية الإجتماعية وبقيت هناك لمدة ثلاثة أيام، لأنها كانت متعبة نفسياً كما كانت كالضائعة. وأبدت النيابة العامة خشيتها من ردة فعل عائلتها بالإقدام على أمر ما تحت عنوان «غسل العار»، إلا أن والدها لا يفكر في هذا الموضوع وهو يعتبرها طفلة حقيقية».
ودعت الخليل المجتمع المدني إلى «التحرّك من أجل استصدار قانون يمنع زواج الفتيات قبل سن الـ18 والشرع الإسلامي لا يحدد سن الزواج ولا أعتقد أنه من الممكن أن يكون هناك عائق ديني». وتوجهت لإيفا بالقول: «تهجير طفولتك حدث كبير ولكن ليس نهاية العالم. ولتأخذي طاقة وقوة ولتعيشي حياتك مع أصدقائك وألعابك ودراستك».