سلاح في حقيبة نسائية!

السلاح, حقيبة, التحرش, قضايا المرأة

08 ديسمبر 2013

داخل معظم الحقائب النسائية الآن سلاح للدفاع عن النفس، ربما يكون «سبراي» تخدير أو سكيناً أو حتى سلاحاً نارياً، لكنه في النهاية سلاح وجدت المرأة نفسها مضطرة لاستخدامه. فما الذي دفعها إلى ذلك؟ وهل يحميها السلاح الموجود في حقيبتها من المواقف الصعبة التي يمكن أن تتعرض لها، أم أن هناك حلولاً أخرى لمواجهة العنف والتحرّش، بدلاً من اللجوء إلى السلاح بكل أخطاره؟


إبرة ومشرط

رغم أن عمرها لا يتجاوز الخمسة والعشرين عاماً، خاضت نيرفانا سامي سلسلة من معارك الدفاع عن المرأة. عملها الذي تتقدم فيه يوماً بعد آخر كان بمثابة المرصد الذي يعرض ما تتعرض له المرأة المصرية من حوادث يومية. طالما جلست أمام شاشتها الصغيرة في جمعية نهوض وتنمية المرأة التي تعمل فيها، لمراقبة ما تتعرّض له فتيات مجتمعها من تحرّش وحوادث عنف وقتل في بعض الأحيان، لمجرد كونها امرأة رفضت أن ينتهكها المجتمع ويقف لمشاهدتها دون تدخل. انضمت إلى الحركات النسوية للدفاع عن المرأة المصرية ضد الانتهاك، فكانت عضواً مؤسساً في مبادرة «شفت تحرّش» التي تجمع بين عدد من الحركات النسوية القوية في مصر. ولم تكتف نيرفانا بذلك، بل اتجهت إلى مبادرة شخصية للدفاع عن نفسها ضد ما يمارسه معها المجتمع من انتهاك لم تقبله على نفسها، فكان الحل هو «شيلي سلاح»، وهو المبدأ الذي بدأت نيرفانا تنفيذه على أرض الواقع، بعدما وجدته الحل الأمثل للتعامل مع عنف المجتمع.

«إذا رفض المجتمع حمايتي فأنا قادرة على حماية نفسي»، هكذا بدأت «نيرفانا حديثها عن السلاح الذي لا يفارق حقيبتها، إلى جانب «الإبرة» التي تعلّقها في ملابسها متحفزة لرد العنف بمثله، وتضيف: «الفكرة بدأت من حملة «اتكسفوا» التي أطلقناها في أيار/مايو الماضي بالتعاون مع مجموعة من الحركات النسوية، وكان هدفها الضغط لتشريع قانون يعطي المرأة المصرية أحقية حمل سلاح غير قاتل للدفاع عن نفسها. الحملة طالبت في البداية بتفعيل قانون ضد التحرّش بكل أنواعه، وإعادة صَوغه ليشمل كل ما تتعرض له الفتاة من انتهاكات ومضايقات في الشارع، وهي الحملة التي توقفت بعد حل مجلس الشورى، واتجهت بعدها لحمل السلاح في حقيبتي للدفاع عن نفسي».

تكمل: «حالة العنف ضد المرأة التي وصل إليها الشارع المصري، تجبرنا على اللجوء إلى ما يفوق الدفاع عن النفس. وما لا يعرفه الجميع أن الغالبية العظمى من السيدات في مصر يحملن السلاح للدفاع عن أنفسهن في الشارع ووسائل المواصلات التي لم تعد تسمح بوجود الفتاة وسط غابة من المتحرشين والمتربصين بالمرأة، وخاصة في ظل صمت المجتمع الذي اكتفى بدور المشاهد لما يحدث، والدولة التي لا تساند المرأة إذا ما تعرضت لانتهاك، أياً كان حجمه».


سكين ومطرقة

مشهد لفتاة مصرية بسيطة تحمل سكيناً ضخمة إلى جانب لافتة كتبت عليها «المرأة هتاخد حقها»، يلفت الانتباه إلى شخصية جريئة لم تكتف بحمل سلاح بسيط دفاعاً عن نفسها، بل تسلحّت بسكين مخيفة تقف ملوحة بها لكل من يجرؤ على الاقتراب.
تقول رانيا: «سيكون لي شرف أن أوذي أول من يعتدي عليَّ»... لم تحمل كلماتها سخرية أو تردداً بقدر ما حملت جدية وصلابة وغضباً في مواجهة ما تراه في حياتها اليومية التي لم تعد قابلة للتعامل مع الشارع برقة، على حد تعبيرها: «الشارع لم يعد مكاناً للفتيات الرقيقات اللواتي اعتدن ارتداء الفساتين. ما يمارسه علينا المجتمع، هو ما دفعنا للجوء إلى العنف والتحفز والرغبة في الانقضاض على كل من يعطي نفسه حق الاعتداء عليَّ، لمجرد كوني أنثى ضعيفة لا أقوى على حماية نفسي، لذلك اخترت المطرقة والسكين حتى لا أحتاج إلى الشرح طويلاً عند التعرض لموقف مماثل».
أما عن رد فعل الشارع الذي شاهدها مراراً متجولة بسلاحها فتحكي رانيا: «لا ألقي بالاً للنظرات من حولي فانا لا أستخدم السلاح إلا في حالة الشعور بالخطر، والمسؤولية على المجتمع الذي وضعنا في حالة من الخوف الدائم».


من الكاراتيه إلى «السبراي»

جسد رقيق، قامة طويلة، صوت منخفض لا يوحي أن صاحبته من ممارسات لعبة الكاراتيه التي لجأت إليها سارة هاني للدفاع عن نفسها. ولم تكن ممارسة الرياضة العنيفة هي طريقتها الوحيدة لرفض الأمر، بل قررت حمل «سبراي» لرد العنف عنها... رحلتها من المنزل إلى العمل تمضيها في صدّ محاولات جذبها أو الاعتداء عليها في وضح النهار أثناء مرورها على محطات المترو أو عبورها الشارع، أو رجوعها متأخرة إلى المنزل بعد يوم عمل طويل... في يدها اعتادت حمل ما يمكنها الدفاع به عن نفسها بعنف وتحفز لما يحيطها من خطر، وهو ما دفعها لتطوير الأمر والاتجاه إلى ممارسة رياضة قتالية وحمل السلاح في حقيبتها.

«في البداية حضرت مجموعة من الورش التي تشجع الفتيات على الدفاع عن أنفسهن بممارسة رياضة عنيفة تفيد في جَبه خطر الشارع». هكذا بدأت «سارة حديثها عن تجربتها في مواجهة عنف المجتمع، وتكمل: «بدأت ممارسة رياضة الكاراتيه وتعلم قواعدها استعداداً لما قد أواجهه من تطور للمضايقات اليومية، خاصة في ظل الحوادث التي نصطدم بها يومياً من اختطاف للفتيات وسرقتهن واغتصابهن».
أما عن السلاح الذي اعتادت تحسسه داخل حقيبتها بين ثانية وأخرى للتأكد من وجوده، فتقول: «بعد فترة من تعلم الكاراتيه، شعرت بأن الرياضة العنيفة ليست كافية، خاصة في حالة حدوث مفاجأة قد تربكني في حالة الخطر، وهو ما دفعني إلى وضع «سبراي» حارق داخل حقيبتي للجوء إليه في حالة حدوث موقف خطر، خاصة أن الشارع لم يعد مكاناً آمناً للفتيات اللواتي قررن النزول للعمل أو العودة في أوقات متأخرة ليلاً، أو ركوب المواصلات العامة».


ظاهرة

«ليست مقصورة على الفتيات»، هكذا وصفت الدكتورة هدى زكريا، أستاذة علم الاجتماع السياسي جامعة الزقازيق، ظاهرة حمل السلاح التي عممتها كظاهرة سائدة في الشارع المصري الذي أصبح مسلحاً بالكامل، على حد تعبيرها. وقالت: «في ظل ما نعيشه من غياب للأمن وحالة من الخوف المستمر، أصبح السلاح من الأمور العادية. أما في ما يخص الفتيات فهي ظاهرة دخيلة على ثقافة الفتاة المصرية التي اضطرها المجتمع للوقوف في وجهه بسلاح أبيض للدفاع عن نفسها».
تضيف: «الفتاة من حقها أن تحمل ما تدافع به عن نفسها، بما أن المجتمع رفض الدفاع عنها، وأعلن استسلامه وبقاءه في مقاعد المشاهدة فقط. كما لم تعطهن الدولة قانوناً واضحاً لحمايتهن، وهنا أصبح حمل السلاح أمراً ضرورياً للفتاة التي اختارت الخروج لمواجهة المجتمع».
وعن الأسباب الرئيسية التي دفعت المرأة المصرية لحمل السلاح، تقول زكريا: «إلى جانب الحوادث اليومية لاختطاف الفتيات وسرقتهن والتعدي عليهن، يعتبر التحرش الجنسي أكثر الأسباب التي دفعت الفتاة المصرية لحمل السلاح في حقيبتها».


بوليس نسائي

رأي آخر تبنته الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع كلية البنات جامعة عين شمس، التي طالبت بوجود بوليس نسائي يحمي المرأة ويراقب ما تتعرض له عن قرب: «في البداية أرى ظاهرة حمل السلاح دخيلة على المجتمع، رغم أهميتها، خاصةً للفتيات والسيدات اللواتي يتعرضن يومياً لمواقف لا تنتهي من العنف بكل أشكاله وصوره في الشارع. ومن حق كل فتاة أن تحمل ما تدافع به عن نفسها مثل الرجال، لا فرق بينهما في محاولات الدفاع عن النفس ضد العنف الذي أصبح من علامات مجتمعنا الواضحة».
وترى خضر أن «البوليس النسائي» هو الحل، وتشرح قائلةً: «في الدول الأوروبية، وخاصةً فرنسا، نجحت تجربة البوليس النسائي في حماية حقوق المرأة خاصة في الشارع، من خلال تبني هذه الفرقة من الأمن حياة المرأة التي راقبتها عن كثب، ورصدت تحركاتها وتحركات من حولها. وأرى أن حل أزمة الخوف التي تعيشها المرأة المصرية هو وجود بوليس نسائي خاص بالدفاع عن المرأة في الشارع. كما أن فكرة وجود بوليس من النساء تبعث على الطمأنينة التي تفتقدها المرأة، وهذه خطوة أولى لإزالة الخوف الذي يسكن قلوب الفتيات والسيدات في مصر».


تحذير

تؤكد مزنة حسن، المديرة التنفيذية لمركز «نظرة للدراسات النسوية»، أن الشرطة هي التي «تحقق الأمن الداخلي لكل المواطنين، بصرف النظر عن جنسهم وأعمارهم. إلا أنه من المؤسف أن الثورات العربية أوجدت واقعاً أكثر اضطراباً وأقل أمناً، مما أثر على إحساس المواطنين بالأمن، وخاصة المرأة التي تدفع ضريبة كبيرة من خلال قلقها الدائم ليس على نفسها فقط وإنما على كل أفراد أسرتها».
وحذرت المرأة من حمل السلاح بشكل عشوائي، ظناً منها أنها بذلك توفر الحماية نفسها، لأنه قد يستخدم للفتك بها مما يجعله وسيلة تعرض حياتها للخطر، وخاصة إذا كان المتربص بها أو من يهاجمها يتصف بالوحشية.


قانون الغاب

تشير أمل المهندس، مديرة برنامج المدافعات عن حقوق الإنسان في مركز نظرة للدراسات النسوية، إلى أن التصريح بحمل المرأة السلاح دفاعاً عن النفس هو إقرار بفشل الجهاز الأمني المنوط به توفير الأمن لها ولغيرها، ونقل المسؤولية إلى الأفراد، وهذا يجعل المجتمع يحتكم إلى «قانون الغاب»، حيث يأكل القوي الضعيف، ويقتل المسلّح غير المسلّح، سواء كان رجلاً أو امرأة. لهذا فإن الوضع الطبيعي والأمثل الذي يحمي المرأة هو تنشيط المنظومة الأمنية لحماية أفراد المجتمع كافةً.
وأوضحت المهندس أن الدور المكمل لدور الشرطة، حتى في حالة تراجعه في بلاد الثورات والحروب، هو تنشيط منظمات المجتمع المدني ومؤسساته، خاصةً القانونية والنسائية، لتوفير الحماية القانونية للمرأة وتقديم النصائح لها والرصد الميداني لكل مشكلاتها، بما فيها مشكلة افتقادها للأمن وتفكيرها في حمل سلاح، وتوثيق تلك التحديات التي تواجه المرأة، ليس في الشارع فقط بل وفي المنازل أيضاً، وخاصةً مع اشتعال كثير من المشكلات الأسرية التي تدفع المرأة ضريبتها، مما يعرضها وأولادها لافتقاد الأمن الحقيقي في حالة طلاقها وعدم وجود مأوى لها ولأبنائها.


شهامة الرجال

رفضت سلمى النقاش، المدربة في أكاديمية المشاركة السياسية للمرأة، التصريح بحمل المرأة للسلاح دفاعاً عن نفسها؛ إلا في أضيق الحدود للعاملات في مهن خطرة أو تضطرهن الظروف القهرية لذلك، أما الحل العام والأمثل فهو قيام الشرطة بواجبها الذي أنشئت من أجله. ورأت أنه «يمكن تشكيل مجموعات مدنية تساعدها في عملها لسد العجز أو علاج الخلل في الدول التي أضرت الثورات والحروب بمنظومة الأمن بها، على أن تكون الأجهزة المساعدة للشرطة في إطار منظومة تشرف عليها الدولة والمنظمات النسائية ومؤسسات المجتمع المدني».
وطالبت النقاش أجهزة الإعلام ومؤسسات التنشئة والتربية ممثلة في الأسرة وكذلك المدارس والجامعات ووزارات الثقافة، بالتكامل في نشر الوعي بأهمية المحافظة على أمن المواطنين وسلامتهم، وإحياء روح الشهامة المعروفة عن الرجال في الوطن العربي، مما يجعل الرجل ينظر إلى المرأة التي تسير في الشارع على أنها أخته أو أمه أو زوجته، وعليه المساعدة في توفير الأمن لها والتصدي لأي عدوان قد تتعرض له.