سوسن البهيتي أول سوبرانو سعودية: صوت لا يعرف الحدود



في زمنٍ تتقاطع فيه الهويات الفنية والثقافية، وتبحث الأصوات عن مكانٍ لها في فضاء العالم الرحب، وُلد صوتٌ لم يكن يشبه سواه... صوت أنثوي، عميق، رنّان، خرج من قلب الجزيرة العربية ليصدح على المسارح العالمية. إنه صوت سوسن البهيتي، أول سوبرانو سعودية، التي كسرت حاجز الصورة النمطية للأوبرا، وأعادت رسم ملامحها بروحٍ شرقية وهويةٍ سعودية. تنسج سوسن البهيتي قصة استثنائية، لم تبدأ بالنجومية، بل بالإيمان بالصوت كأداة تغيير، وبالفن كجسر ثقافي يصل بين العوالم، ويختزل المسافات بين الشرق والغرب. في هذا الحوار، نرافق سوسن في رحلة صوتها، ونغوص معها في تحدّيات الغناء بالعربية، وتوازنها الحسّاس بين الوفاء للأوبرا واحترام القيم الثقافية.
- ما الخصائص الصوتية التي يجب أن تتوافر في مغنّية أوبرا ناجحة؟
الخصائص الصوتية التي يجب أن تتوافر في مغنّي أو مغنّية الأوبرا عديدة وتختلف باختلاف نوع الصوت وتصنيفه إلى سوبرانو، آلتو، تينور، بَيس ومشتقاتها. أهم هذه الخصائص، عذوبة الصوت حيث تكون طبيعته غنية تُطرب المستمع. كذلك من المهم أن يتميز الصوت بالمزج بين القوة والمرونة في الوقت ذاته ليتمكّن من أن يصدح إلى الطبقات العالية بقوة. كما يجب أن يتمتع مغنّي الأوبرا بقوة تنفّس وتحكّم عالٍ جداً بجسمه، وخاصةً في الأجزاء التي تنتمي إلى آلة الغناء مثل عضلات البطن والحجاب الحاجز والأجزاء الداخلية في الفم والحنجرة.
- ما نوع "السوبرانو" الذي تنتمين إليه، وما التحدّيات المرتبطة به؟
في الحقيقة أنا محظوظة بنوع الصوت الذي أملكه، حيث إنه في تصنيفات طبقات الأصوات الأوبرالية ينتمي صوتي إلى طبقة الليريك سوبرانو، مع قدرتي على غناء الطبقات المنخفضة أيضاً بقوة وراحة، وهذه من خصائص الصوت الميتزو سوبرانو. تُستخدم هذه التصنيفات في عالم الأوبرا كدليل إرشادي للمغنّين والمؤلفين لمنح الأدوار المناسبة لكل صوت في مسرحيات الأوبرا. صوت الليريك سوبرانو يتمتع بحدّته وقدرته على غناء الطبقات العالية في السلَّم الموسيقي مع وجود سماكة في الصوت إلى حد ما تعطيه نبرة غنية موسيقياً. هذا الصوت يتطلب رعاية في ما يخص مرونته، ولذلك أمرّن صوتي يومياً، وأحاول تفادي كل ما يضرّ بالجهاز التنفسي من عدوى فيروسية، دخان، بخور، عطور، بخّاخات تثبيت الشعر وغيرها. التغيّرات الجوّية مثل الجفاف، الهواء البارد ودرجات الحرارة المنخفضة عامةً تُفقد الصوت مرونته وتقلّل من جودته.
- كيف تختارين الريبرتوار الأوبرالي المناسب لصوتك وشخصيتك الفنية؟
بالطبع أول ما أعتمد عليه في الاختيار هو توافق القطعة الموسيقية (الآريا) مع طبقة صوتي وطبيعته. فكل قطعة موسيقية أوبرالية تكون محدّدة النوع لطبقة الصوت المناسبة لها. بعد ذلك، أتوجّه إلى قصة هذه الآريا ومعناها وصفات الشخصية التي تؤدي دور هذه الآريا في الأوبرا الخاصة بها. ويهمّني أن تتناسب إلى حد ما مع توجّهي كفنانة، وأن تكون من الألحان الشهيرة أو المألوفة لدى الجمهور. كما يهمّني اتباع هذه الطريقة في الاختيار ليسهُل نشر هذا الفن الجميل لدى الجمهور السعودي والعربي بشكل عام، ولدى الفئة العمرية الشابة بشكل خاص.
- كيف توفّقين بين الهوية الثقافية السعودية والطابع الأوروبي الكلاسيكي للأوبرا؟
من الناحية الفنية الموسيقية، ثمة فرصة ثمينة لخلق طابع جديد للأوبرا بحلّة سعودية يحافظ على هيكل موسيقى الأوبرا الكلاسيكية ويمزج معها الألحان السعودية، وخاصة الإيقاعات السعودية. وقد رأينا ذلك فعلاً في أوبرا "زرقاء اليمامة" حيث بدا هذا المزج واضحاً جداً في الموسيقى. ولذلك كثيراً ما أؤدي قطعاً موسيقية من هذه الأوبرا. ولكن من الناحية الثقافية، يهمّني الحفاظ على الهوية السعودية والعربية من خلال الأزياء التي أختارها في أي ظهور لي، سواء كان مسرحياً أو إعلامياً، كما أحرص على أن أقدّم الأدوار في مسرحيات الأوبرا التي تحترم ثقافتنا وقيمنا.
- هل تعتقدين أن الغناء الأوبرالي باللغة العربية يواجه صعوبات تقنية معينة؟
بالطبع، هناك صعوبات في غناء الأوبرا بأي لغة، عدا الإيطالية بحكم أن هذا النوع من الغناء نشأ في إيطاليا وانبثقت من اللغة الإيطالية خصائص نطقه. أسهل لغة في غناء الأوبرا بعد اللغة الإيطالية هي اللغة الفرنسية، حيث تتميز باستخدام صوت الأنف وأحرف هجاء دائرية ومفخّمة تناسب طريقة غناء الأوبرا. تتبعها الألمانية التي تشكّل صعوبات على مغنّي الأوبرا بحكم طبيعة اللغة التي تتضمن مخارج حروف عديدة قاسية ولا يمكن إبرازها أثناء غناء الأوبرا. بعدها تأتي اللغتان الروسية والعربية اللتان تتشابهان كثيراً في صعوبات غناء الأوبرا. بوجود هذه الصعوبات، أعمل دائماً مع مدرّبي الصوت المختصّين في غناء الأوبرا على الموازنة بين نطق اللغة وأسلوب غناء الأوبرا الصحيح.
- كيف أثّر إتقانك لأربع لغات في جودة أدائك الأوبرالي؟
حين يتقن الفنان اللغة التي يغنّي بها، يظهر ذلك في غنائه من خلال إحساسه الفني في التعبير عن المشاعر والكلمات التي لا بد من أن يفهم معانيها بطلاقة ويشعر بها في وجدانه قبل عقله. كما أن نطق اللغة بالطريقة الصحيحة يُكسب الفنان تقدير جمهور هذه اللغة، وبالتالي ينسجمون مع غنائه. أذكر حين كنت أؤدي الأغاني الإيطالية قبل تعلّمي اللغة، أنني لاحظت اختلافاً كبيراً في أدائي من الناحية التقنية بعد تعلّمي اللغة وإتقانها وثناء الجمهور الإيطالي على حُسن نطقي لهذه اللغة، والأمر ذاته تكرر مع اللغة الفرنسية، فلا أنسى كيف أشاد المدير الفني للأوبرا الوطنية في باريس بنطقي السليم للفرنسية في غناء الأوبرا، مؤكداً أنه أفضل من نطق الفرنسيين لها!
- ما التحدّيات التي تواجه تعريب النصوص الأوبرالية من دون فقدان جمالها الموسيقي؟
طبعاً الترجمة عملية صعبة جداً وفيها تحديات كبيرة للحفاظ على المعاني القصصية، ومن ثم تغيير النص ليكون على وزن الموسيقى المصاحبة التي لا يمكن تعديلها أو تغييرها احتراماً لأصالة الموسيقى والتأليف. هناك عملان معرّبان فقط في العالم العربي عن مسرحيتَي أوبرا، هما "زواج فيغارو" و "حلاّق سيفيليا". لم أشاهد أيّاً منهما للأسف لقلّة العروض، ولكن شخصياً أنا ضد فكرة تحويل لغة مسرحية أوبرا ما إلى لغة ثانية، وخاصة إذا كانت الثقافة النابعة منها هذه اللغة بعيدة عن ثقافة اللغة الأصلية.
- تدريبك في إيطاليا، كيف أثّر في أسلوب أدائك؟
تدريبي في إيطاليا كان له كل التأثير في أدائي، وأحدث نقلة نوعية في غنائي من حيث إتقان أسلوب غناء الأوبرا، نطق اللغة الإيطالية، ومهارات التمثيل. التحقتُ ببرنامج أوبرا مكثّف شمل 7 مواد درستها على مدى سنة ونصف السنة. كل مادة كان لها دور مهم في تطوير أدائي الغنائي على المسرح، حتى عزف البيانو كان له تأثير كبير في إتقاني لغناء القطع الموسيقية من حيث القدرة على تعلُّم الموسيقى بنفسي بالخطوات الفنية الصحيحة من دون الحاجة لمساعدة خارجية.
- ما أهم درس تعلّمته خلال وقوفك على مسارح مثل "مسرح المرايا" و"أوبرا باريس"؟
هيبة المسرح لا تتلاشى مهما كانت حصيلة الخبرة المسرحية، فهي دائماً تضفي على الفنان إحساساً بالتواضع والامتنان لحضور هذا العدد الهائل من الجمهور للاستماع الى غنائه.
- متى شعرتِ أن صوتك نضج فعلاً كمغنّية أوبرا محترفة؟
شعرت بذلك بعد أن تلقّيت التدريب المكثّف والمتواصل لمدة سنة ونصف السنة في إيطاليا.
- كيف تطوّر أسلوبك في الغناء خلال السنوات الأخيرة؟
أشعر بتطوّر كبير في أسلوب غناء الأوبرا، كذلك خبرتي في الأداء المسرحي أعطتني الثقة للتعبير أكثر من خلال الغناء. وبالطبع طبيعة صوتي نضُجت بشكل ملحوظ.
- ما الذي يجذبك لتقديم الأغاني العربية بأسلوب أوبرالي؟
أرى في الموسيقى العربية الكلاسيكية ثراءً فنياً وموسيقياً لم يتم اكتشافه بعد، ومن الممكن إبرازه من خلال إعادة توزيع الموسيقى على النمط الكلاسيكي الأوبرالي.
- ما الرسالة الفنية التي ترغبين في إيصالها من خلال فنّك؟
رسالتي الفنية هي التجديد في الموسيقى والفنون، إضافة إلى أهمية الإيمان بالقدرات الشخصية وعدم الاستسلام للتحدّيات.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1086 | حزيران 2025
