تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

من قال إن الطفل لا يحب المطالعة!

تصر نهى على أن تضع طفلها في شهره السادس في حضنها وتقرأ له قصة، فيما تؤكد لها جارتها نبيلة أنه من المبكر البدء بهذا النشاط. فمن منهما على حق؟
يجيب إختصاصيو علم نفس الطفل بأن نهى على حق. إذ أنه من غير المفيد أن تنتظر الأم إلى أن يصبح الطفل قادرًا على الكلام حتى نُدخله في عالم الكتاب. ففي إمكانها أن تشارك طفلها مغامرة الولوج إلى عالم القراءة منذ شهوره الأولى.  فالمطالعة لطفل دون السنتين تشكل مصدرًا لتعزيز ملكة التنبه لديه وتوفر له لحظات حميمة مع والدته، وهي طريقة جيّدة لتحضير الطفل لوقت النوم، وحتى لو كان لا يتكلّم بعد فإنه يستفيد من هذه التجربة. فعندما يقرأ له أحد والديه قصة يجد نفسه وسط عالم من المشاعر الجميلة والحوار الذي يغني قدراته الذهنية ويطوّرها. ويشرح الاختصاصيون كل ما يحدث مع الطفل أثناء إصغائه إلى والدته أو والده سواء كان في شهره السادس أو  في سنته الثالثة.


يتواصل مع أحاسيس والديه

تشكّل المطالعة بالنسبة إلى الطفل متعة، خصوصًا إذا اعتمدت الأم( أو الأب)  نبرة صوت مميزة تختلف عن تلك التي يسمعها الطفل خلال اليوم. وهي نبرة معبّرة ومعدّلة تغلّف الطفل بأصوات توفّر له شعورًا قويًا بالأمان. فمن خلال الصوت ذي الإيقاع السردي تمر كل المشاعر التي تحدثها القصة المقروءة ولحظات الجلوس مع والده أو والدته، و هي  المتعة والمرح والدهشة... كما يمكن خلال فترة المطالعة هذه  أن يستعيد الأهل ذكريات طفولتهم . وفي المقابل تساهم هذه المشاعر والذكريات في إيجاد هالة تحيط الطفل والأم تضعهما في علاقة مميزة حيث لا تعود الأم مجرّد مربية وظيفتها تحديد الممنوعات، وطفلها يخضع لها، بل يتحوّلان إلى قارئين ينظران إلى الكتاب نفسه.


بين الماضي والمستقبل يتعرّف إلى عالم الوقت

تبدأ معظم القصص بعبارة «كان يا مكان في قديم الزمان» التي تجعل الطفل يشعر بأنه يجول في عالم من السحر يُنقل إليه من الماضي مما يسمح له باختبار أمور أخرى مختلفة عن حياته اليومية واللحظات الحاضرة التي تشكّل بالنسبة إليه المرجع الزمني الوحيد. فبفضل عامل التشويق في القصة، يصبح في إمكان الطفل التجوال في السلم الزمني، ويبدأ تقريبًا إدراك معنى وجود ماض قبل أن يولد، ويصبح جزءًا من تاريخ الإنسانية.

وفي المقابل تعلّمه المطالعة  أن ينظر إلى العالم المحيط به انطلاقا ليس من وجهة نظره الصغيرة بل من خلال وجهة نظر الآخرين أيضًا، مما يجعل أفقه واسعًا  ويساعده في الانفتاح على الآخرين. كما أن استعمال الكتاب فتحه وإغلاقه وتصفحه يساعده في فهم الأفكار المجرّدة لمعنى الزمن أي قبل وبعد والبداية والنهاية.


يتعلّم سلطة الكلمات وأهميتها في التعبير

عندما يكتشف الطفل مفردة جديدة  تترجم أمورًا محددة يريد التعبير عنها حتى وإن لم يفهم التفصيل، فإنه يتعلّمها. ومن جهة أخرى ليس من الضروري أن تشرح الأم الكلمات الجديدة أو الصعبة أثناء القراءة، بل عليها أن تنتظر إلى أن يطلب منها طفلها. فهي إذا أعطت تفسيرًا محدّداً لمعنى الكلمة فإنها تضعف مخيّلته ولا تترك له مجالاً ليكوّن نظريته الخاصة وينقّي فهمه خلال المطالعة. فضلاً عن أن اختيار الكتاب هو أساسي، والأفضل اختيار كاتب يرتكز على أسلوب لغة يعرّف الطفل إلى مستوى آخر من الحوار يختلف عن لغة الحوار العامة أي المحكية.

وفي المقابل خلال قراءة الأم القصص لطفلها فإن دماغه لا يكف عن العمل، بل يطبع في لاوعي الطفل المفردات وصياغة العبارات التي يسمعها. ويحدث هذا التطوّر تدريجًا وبشكل تلقائي لأن المطالعة تشكّل متعة للطفل.


يتواصل مع مخيّلته

كما كل إنسان يمتلك الطفل كنزًا كبيرًا هو المخيّلة. ويعتبر هذا الجزء من تكوينه الذهني بعيدًا كليًا عن كل الأسباب المنطقية و ما يكتسبه في العالم الواقعي، ويسمح له بالغوص في عالم مختلف، وبالحلم بحياة مختلفة عن الواقع يتخيّل فيها نفسه شخصًا آخر. وتزوّده كل القصص التي ترويها له والدته بمحتوى فريد من نوعه. فشخصيات القصّة والحبكة القصصية والحوارات ورسوم الكتاب كل هذه المثيرات وغيرها  تثري مخيّلته وتطوّرها، ولكن على الأم تجنب تحويل وقت القراءة إلى محاضرة تربوية. فالمخيلة محرّك حقيقي  وقوة خفية تطوّر حياة الطفل وتساعده على الذهاب قدمًا في اكتشاف المحيط حوله ومواجهة كل الصعاب. وهي أيضًا التي تشكل الشخصيّة وتكوّنها لذا على الأهل إيجاد كل الوسائل لتعزيزها وتطويرها. فمن دون مخيّلة غزيرة لا وجود للإبداع والابتكار.


بين الكتب العلمية والقصص الخيالية

 يؤكد التربويون أن الأطفال الذين اعتادوا المطالعة قبل دخولهم المدرسة يتميزون بأداء ممتاز وقدرة عالية على الاستيعاب.

لذا على الأهل مع بدء العام الدراسي أن يستمروا في تشجيع الطفل على القراءة اليومية، ولو مدة نصف ساعة يومياً قبل أن يأوي إلى فراشه. ومن المهم اختيار الكتب التي تحوي معلومات علمية مرتبطة بالمعلومات التي يتلقاها في المدرسة. فمن المعروف أن المعلومات الواردة في الكتاب المدرسي غالباً ما تكون مختصرة لذا من المهم اقتناء كتب علمية أو قصص تغني معرفته وتطور لغته. فمثلاً يمكن الأم أن تعرف ما هو برنامج طفلها لهذه السنة وتتصفح موضوعات كتبه المدرسية، وأن تعمد إلى شراء كتب تتضمن موضوعات تثير فضوله وتجعله يربط بين ما يتلقاه في المدرسة وبين ما يقرأه في شكل عفوي. والأهم من هذا كله هو مناقشة الطفل في الموضوعات التي قرأها الأمر الذي يعزز لديه القدرة على الحوار ويمنحه الثقة بنفسه، فلا تكون المطالعة بالنسبة إليه واجباً يجب التخلص منه.

وفي المقابل، لا يوافق بعض اختصاصيي علم نفس الطفل  رأي البعض في أن توفير الكتب العلمية أو الموسوعية في مكتبة الطفل أفضل له من القصص الخيالية، نظراً إلى أن هذا النوع من الكتب يساعده في تطوير قدراته الذهنية وبلورة أدائه المدرسي. فبحسب رأيهم أن هذه الكتب لا توفر انسجاماً بين التطور الفكري  والعاطفي عند الطفل. إذ لا يكفي أن نرى طفلاً ذكياً بل من الضروري أن يكون طفلاً سعيداً ويعبّر عن مشاعره سواء كانت سعيدة أو حزينة بكل تناقضاتها. فمثلاً كل طفل يخاف ولكن من الضروري أن يفهم أن خوفه هذا طبيعي وأنه حين يكبر سوف يتمكن من فهم الواقع اكثر و يصبح أقل خوفاً.

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078