Home Page

عزوف الطفل عن هوايته

رعاية الطفل / الأطفال, نمو وتطور الطفل / الأطفال, دعم الأهل, طفل / أطفال, نشاطات ثقافية, المزاج, التفكير الإبداعي, نشاطات وألعاب الطفل / الأطفال, ممارسة التمارين الرياضية, ممارسة هواية, دور الأهل, نشاطات تربوية

18 أبريل 2011

«تلحّ جنى على تعلّم الباليه ولكنها بعد مضي أقل من شهر تقرر أنها لم تعد ترغب في ذلك، وتنتقل إلى هواية أخرى، فيما كريم انضمّ إلى صف الكاراتيه لكنه بعد فترة غيّر رأيه...». يعكس هذان المشهدان، لطفلين يغيّران رغبتهما في تعليم هواية معينة، تقلب مزاج بعض الأطفال في تحديد الهواية المفضّلة بالنسبة إليهم، وتقليد بعضهم الآخر أقرانهم في هوايتهم. وفي المقابل قد يحقق الأهل هذه الأمنية أو يفرضون على أطفالهم ممارسة هوايات كانوا يرغبون في القيام بها عندما كانوا في سنّهم. وفي كلتا الحالين فإن ممارسة الطفل نشاطًا رياضيًا أو هواية ما مفيد على الصعيدين النفسي والذكائي لأنه يساعد في تطور الطفل ونموّه.
ولكن يبقى السؤال لماذا يغيّر الطفل رأيه في تعلّم هواية ما؟ وهل تبديل النشاطات أمر إيجابي أم سلبي وإلى ماذا يشير؟ ولماذا يعزف بعض الأطفال عن تعلم الهواية التي يرغبون فيها جملة وتفصيلاً؟
لها التقت الاختصاصية في علم نفس الطفل ريما عنيد وطرحت عليها هذه الأسئلة وغيرها.


- لماذا يغيّر الطفل رأيه في ممارسة هواية معينة رغم أنه كان يبدو  سعيدًا بها؟
يشير تغيير الطفل أو تبديل رأيه في ممارسة هواية معيّنة إلى أمور عدة منها أنه يجد صعوبة في تعلّمها أو أنها ترهقه جسديًا، أو أنه أصيب بخيبة أمل، وقد يكون أستاذ المدرّب يعامله في شكل سيئ، أو أنه لم يطّلع مسبقًا على شروط وقواعد ممارسة هذه الهواية أو النشاط. لذا على الأهل أن يتحققوا من أسباب التي جعلته يعزف عن المتابعة.

- ماذا تعنين بأن الطفل يصاب بخيبة أمل؟ وكيف يمكن الأهل مساعدته؟
يصاب الطفل  بخيبة أمل لأن النشاط لم يحقق له ما كان يتوقعه. فمن المعلوم أن الخيال يشغل مكانًا أساسيًا في النمو النفسي عند الطفل، فهو يظن مثلاً أنه سيسجل أهدافًا كثيرة أثناء مباراة كرة القدم أو أنه سيفوز على خصمه في مباراة الجودو، ولكن الواقع يبدد حلمه فيصاب بخيبة أمل وتوتر لأنه لم يحقق أحلامه. فضلاً عن أن الطفل الذي يكون محرّكه الأساسي الحصول على السعادة الفورية، يصعب عليه الاعتراف بأن كان عليه بذل مجهود للحصول على نتيجة يرضى عنها.
في هذه الحال لا يجوز الأهل مجاراته بالتخلي أو عدم متابعة الهواية التي يمارسها لأنهم بهذا التصرف يجعلونه يعتقد أنه في إمكانه الهروب من الواقع إذا كان يتطلب منه بذل الكثير من الجهد. لذا على الأهل ليطمئنوه إلى قيمته وقدرته على التقدّم، التحدّث إليه عن التمارين التي يقوم بها الأبطال الرياضيون أو الموسيقيون البارعون ليصلوا إلى ما هم عليه.
ويجب أن يشرحوا له أنه لا يمكن أحدًا أن يصبح بطلاً بضربة عصا سحرية. لذا من الضروري أن يشرح الأهل، قبل اختيار النشاط أو الهواية التي يريد الطفل ممارستها، شروطها ومتطلباتها حتى يكون على دراية مسبقة بما ينتظره أثناء ممارسته الهواية.

- ذكرت أن الأستاذ المدرّب قد يكون السبب. ماذا على الأهل أن يفعلوا؟
صحيح، فبعض الأساتذة المدربين يظنون أن الطريقة التربوية القاسية أحيانًا تحفز الطفل على إعطاء أفضل ما لديه. قد تنجح هذه الطريقة مع بعض الأطفال ولكن ليس مع جميع الأطفال. فإذا كان الطفل حساسًا جدًا ويعاني عدم ثقة بنفسه، فإن نتيجة التربية القاسية قد تكون كارثة على هذه الفئة من الأطفال. فهذا الطفل يتلقى ملاحظات أستاذه وكأنها إذلال له، وتسبب له ألمًا نفسيًا.علمًا أن أي نشاط يقوم به الطفل هدفه مساعدته في الانفتاح على الآخرين  وفتح أفاق جديدة تغني معرفته ولا يجوز أن يتحول إلى مصدر قلق، فعندما يشكو الطفل أستاذه وتتأكد الأم من الشكوى عليها أن تسحب ابنها من النشاط على أن تشرح له سبب قرارها وأنه ليس هو المشكلة  وإنما الأستاذ الذي لا يعرف كيف يتصرف معه. وفي المرحلة الثانية يجب التأكد أن الطفل يريد فعلاً الاستمرار بهذا النشاط. وتذكّره بقواعده كأن تقول له: «يسعدني  أنك تريد الاستمرار في هذا النشاط ، ولكن تذكّر أنه لا يمكنك أن تتوقف ساعة تشاء و لا يجوز تفويت الصفوف بل أنت ملزم باتباع القواعد كلها وإكماله حتى النهاية».


 
شروط الهواية وقواعدها

- عندما يتبيّن أن سبب تغيير الطفل نشاطه المعلّمة هل تستمر الأم في تسجيله في النشاط نفسه؟
أكيد، ولكن شرط أن يحدث حوار بين الطفل وأمه، فكل الأمور يجب أن تكون واضحة، وعندما يختار نشاطًا معيّنًا يجب اختيار المكان والمعلّمة المناسبين ، ومن الضروري أن تتأكد أن كل شيء مريح للطفل.هناك أمور يجب إعلامه بها قبل الوقت، فإذا لم نخبره كيف يمكنه أن يعرف ما تطلبه ممارسة هذه الهواية! كيف يمكنه أن يعرف أن هناك إجراءات قبل العزوف عن هذا النشاط أو ذاك.

- هل للأقران دور في عدم متابعة الطفل نشاط محدد؟
صحيح، فقد يكون الأقران سبب عزوف الطفل عن متابعة هواية خصوصًا إذا كانت نشاطًا رياضيًا. فعندما يكون الطفل محط سخرية أقرانه يشعر بألم داخلي. وفي الواقع هناك الكثير من الأطفال الذين يقعون ضحيّة ما يسمى ظاهرة الشلة أو العصبة التي تسعى إلى إذلال الآخرين، وربما إذا كان التلميذ من المتفوقين في الصف، قد تسعى هذه الشلة إلى الانتقام منه في النشاط اللاصفي الذي يقومون به، فيحاولون تهديده أو السخرية منه انتقامًا منه.
هنا على الأهل ألا يخافوا وألا يسحبوا ابنهم من النشاط اللاصفي بل عليهم تسليحه بالثقة بالنفس وعدم الخضوع للتلامذة الذين يحاولون النيل منه. فمثلاً يمكنهم مساعدته في إدراك الوسائل التي لديه، روح النكته لديه، أو شخصيته اللطيفة، ونصحه بالاتحاد مع الأقران اللطيفين الذين يقومون بالنشاط نفسه، فتجربة العصبة تساعده في تكوين قدرته الاجتماعية وتطويرها.
اختيار الطفل هوايته

- هناك بعض الأطفال يختارون هواية تبعًا لاختيار أصدقائهم. ماذا على الأم أن تفعل؟
اختيار الطفل نشاطًا ما لأن صديقه اختاره يساعده في مواجهة شيء جديد معًا، ويمكن أن يشعره بالأمان. إذًا ليس خطأ اختيار النشاط تبعًا لاختيار الصديق ولكن ضمن حدود معينة وانطلاقًا من أن النشاط قد أحبه.
فإذا كانت الأم تعرف أن طفلها مثلا لا يحب لعب كرة القدم، بل يفضل ألعابًا فكرية، ولكنه قرر ممارسة كرة القدم لأن صديقه المقرّب اختارها عندها على الأم أن تناقش الأمر مع طفلها، وتفسّر له أنها تعتقد أن سبب اختياره هو أن صديقه يكون معه وهذا ممتع، ولكن قد يندم بعد ذلك لأنها تعرف عنه أنه لم يكن لديه الحماس لممارسة كرة القدم.
لذا يمكنها أن تقول له قبل موافقته على اختياره: «عليك أن تفكر وسأعرض عليك النشاطات الأخرى وماذا يمكنك أن تفعل ومن بعدها هذا قرارك، ولكن لحظة قرار بدء القيام بهذا النشاط عليك أن تكمله حتى النهاية، ولا يمكنك تغيير رأيك متى تشاء». فبهذه الطريقة نعلم الطفل كيف يقرر ولكن بمساعدة أهله  إذ لا يمكن جعله يقرر وحده.

- هناك بعض الأهل يفرضون على طفلهم هواية بعينها لأنهم كانوا يرغبون فيها عندما كانوا في سنّه. ألا يؤدي هذا الفرض إلى عزوف الطفل عن هذه الهواية؟
بعض الأطفال لا يجرؤ على أن يقول لوالدته إن هذه الهواية لا يرغب فيها، بل يقوم بها لأنه يريد إسعاد أهله وتحقيق رغبتهم، فلا يعارضهم  ويعتاد عدم التعبير عما يشعر به فيصاب بالتوتر. لذا عندما يلمّح الطفل إلى أنه لم يعد يرغب في القيام بهذا النشاط على الأم أن تصغي إليه، وتعرف حقيقة ما يريده ومساعدته في توضيح رغبته، والسماح له بالتعبير عما يجعله سعيدًا، وكيفية التسجيل في نشاط معيّن، ومرة أخرى إطلاعه على قواعده والأوقات التي يمكنه خلالها ممارسته والمكان، والتأكيد له أنه عندما يشرع في عمل ما عليه إنجازه. 

- هل يمكن أن يكون تغيير الطفل رأيه في هواية معيّنة مؤشرًا لأنه متطلب ومفرط الدلال؟
هناك بعض الأطفال المدللين ولا يشعرون بالاكتفاء وبمجرد تحقيق رغبتهم يغيّرون رأيهم ويريدون القيام بأمر جديد، أو يريدون  أن يفعلوا  مثلما يفعل أصدقاؤهم. فمثلا «صديقي فعل هذا أريد أن أفعل مثله» وبعد فترة يريد أن يقلّد الصديق الثاني. 
وهكذا نجده يقوم كل شهر بنشاط فقط ليقول إنه فعله. وهذا خطأ الأهل لأنهم يسمحون لابنهم بأن يكون تصرّفه على هذا النحو، فهم لم يعطوا قيمة لما يقومون به لأجله. إذًا الطفل الذي يغير ويبدّل في النشاطات هو طفل ضائع، ويجب مساعدته في تحديد ما يريده فعلاً.
كما من الضروري أن نحرم الطفل من بعض الأمور كي يعرف قيمة الأشياء المتوافرة له.


الملل ضروري لتعزيز قدرة الإبداع والابتكار عند الطفل

- يرى بعض الأهل أن تسجيل الطفل في نشاطات عدة في الوقت نفسه يجعله مشغولاً طوال الوقت. فهل هذا التصرّف جيّد؟
هناك الكثير من الأطفال يشعرون بالتعب طوال الوقت، فكلمة «هيا» هيا استيقظ، أغسل وجهك، تناول فطورك، البس ثيابك، هيا جاء الباص، وعند العودة من المدرسة هيا أغسل، يديك تناول غداءك، أنجز فروضك، هيا إلى ساعة الموسيقى .... «أين وقت الراحة، فنحن نعيش في مجتمع «الأداء» يجب فعل كذا وكذا، والأهل أصبحوا «سوبر أهل» ويريدون أبناءهم أن يكونوا «سوبر أبناء».
من الضروري إعطاء الطفل حقّه في أن يكون طفلاً، وهذا يعني طفلاً يشكو من الضجر، فيما الأهل يريدون طفلا  لا يشكو ومشغولاً طوال الوقت. على الأهل أن يسألوا أنفسهم هل طفلهم منفتح على كل نشاط، وهل وقت النشاط يسمح له بوقت فراغ خاص له لا يفعل خلاله شيئًا، فمن المهم أن يشعر الطفل بالملل.
في مجتمعاتنا ننظر بشكل سيئ إلى الشخص الذي يفضل الاستلقاء وعدم فعل أي شيء أثناء وقت الفراغ ، ونسمع عبارة كم هو كسول! فيما هو ليس كذلك،  فأداؤه المدرسي جيد  وينجز واجباته، من ثم يأخذ قسطًا من الراحة، يستلقي على السرير أو يلعب ألعاب فيديو... فهذا الطفل ليس كسولاً، وإنما في حاجة إلى وقت حر لا يفعل فيه شيئًا.
وعلى الأهل أن يدركوا أن الملل يثير ملكة الابتكار والإبداع عن الطفل، فبفضل ساعة الملل يبدأ الطفل باختراع قصص أو ألعاب. من المهم جدًا مثلا أن يتصل بصديقه للتحدث والثرثرة فقط ليس لأنه يريد أن يسأله عن موضوع معين في الدرس.
هناك متعة في عدم فعل شيء ولا يجوز للأهل أن ينظروا إلى الأمر بشكل سلبي.

- بعض الأهل يفضلّون تسجيل أبنائهم في نشاط رياضي أو تعليمه هواية خلال العطلة الصيفية كي لا يتأثر أداؤه المدرسي. هل أنت مع هذا التصرّف؟
هذا يعود إلى نمط الطفل ونوع النشاط الذي يمارسه أو الهواية التي يتعلّمها. لذا أشدد على أنه على الأهل الأخذ في الاعتبار نمط طفلهم وقدرته على التوفيق بين الهواية والواجبات المدرسية. فهناك بعض النشاطات من المفضل القيام بها خلال العطلة الصيفية فالسباحة مثلاً  يمكن تأجيلها إلى الصيف لأنها رياضة متعبة وفي الصيف يمكن الطفل ممارستها صباحًا، وأخذ قسطً من الراحة. 
وفي المقابل من الجيد أن ينقطع الطفل عن نشاطه، فمثلاً عندما يتعلّم عزف البيانو طوال فصل الشتاء من الجيد أن ينقطع عن الدروس شهرًا خلال الصيف، فهذا يشعره بالراحة. لا يجوز تحويل الهواية إلى عقاب، بل يجب أن يكون الطفل سعيدًا في النشاط الذي يمارسه.
وأخيرًا على الأهل أن يشرحوا لابنهم متطلبات الهواية أو النشاط الرياضي الذي يقوم به وضرورة التزامه بقوانينه وإكماله.