Home Page

أهلي أصدقائي...

مراهق / مراهقون, العائلة والأصدقاء, دعم الأهل, دور الأهل, قلق الأهل, صداقة

05 ديسمبر 2012

رغم أن علم النفس يشدّد على ضرورة أن يكون الأهل أصدقاء أبنائهم، فإنه يحذّر من المبالغة في هذه الصداقة، فمصطلح cool parents الذي تستحضره مسلسلات الـ sitcoms لا تعكس الواقع كما هو، رغم أنها تلقي الضوء على مشكلات يواجهها الأباء مع الأبناء، لا سيما المراهقين، وتنتج عنها مواقف طريفة، فالمبالغة في إلغاء الحدود بين الأهل والأبناء بحجة ضرورة تعزيز الصداقة بينهم قد تؤدي إلى عكس المتوقّع، وتكون لهذه الصداقة سلبيات أكثر من الإيجابيات.
فما هي حدود الصداقة بين الأبناء والأهل؟ ومتى تكون هذه الصداقة إيجابية ومتى تكون سلبية؟ وهل يجوز للأهل أن يتصرّفوا كأبنائهم المراهقين؟ « لها» التقت الإختصاصية في علم النفس سرار معلوف التي أجابت عن هذه الأسئلة وغيرها.

- من هما الوالدان الصديقين؟
من المهم جدًا أن يكون الوالدان صديقي أبنائهما. ولكن صداقتهما مختلفة عن صداقة الأقران، فهي عمودية (vertical friendship) أي تراتبية فيما صداقة الأقران أفقية (horizontal friendship) أي متساوية. مثلاً يمكن الطفل أو المراهق أن يعبّر عن غضبه من صديقه بالتفوّه بعبارة قاسية تجاهه، بينما هناك حدود لا يجوز تخطيها مع والده أو والدته وإن كانت صداقته بهما وطيدة، وكذلك في حالات المزاح.
وفي المقابل للأصدقاء شخصيات وأدوار مختلفة بحسب السن والجنس، فالصداقة بين البنات مختلفة عن الصداقة بين الأولاد.
ففي الطفولة الأولى الصديق يعني ببساطة رفيق اللعب، وفي الطفولة التي تسبق المراهقة الصديق هو الذي يشارك في النشاطات، فيما خلال مرحلة المراهقة الصديق هو الذي يشارك في النشاطات نفسها، والشخص الموثوق به وكاتم الأسرار.
وتكون الصداقة في الغالب حقلاً لتجربة النمو واختبار مهارات الذكاء الإجتماعي وخصائص الشخصية وتعديلهما. وقد يشارك الأهل أبناءهم في كل هذا ولكن بأسلوب مختلف.

- هل يجدر بالأهل القيام بدور الأصدقاء مع أبنائهم المراهقين؟
يجدر بالأهل أن يكونوا أصدقاء أبنائهم بغض النظر عن سن الأبناء، شرط أن تكون صداقتهم قائمة على التواصل والإحترام والأذن الصاغية والقلب العطوف، وألا يتعاملوا معهم على أساس أنهم في سن أصدقائهم. بل عليهم الحفاظ على مكانتهم كراشدين وأنهم أكثر حكمة، وبالتالي يُبقون المسافة الواقعية بينهم وبين أبنائهم لا سيما احترامهم.
فالأبناء في حاجة إلى إرشادات أهلهم ويحتاجون إلى معرفة الفارق بين مفهومي الصداقة العمودية والصداقة الأفقية.
فالأبناء لا سيما المراهقون قريبًا يكونون راشدين وبالتالي سوف يخوضون مجالات العمل حيث يتواصلون مع زملاء يختلفون في المراتب الوظيفية، فكيف يمكن أن يعرفوا أسلوب التعامل مع كل شخص بحسب موقعه إذا لم يعتادوا هذا الأمر مع أهلهم.
مثلا التعامل أو التواصل مع المدير يختلف مع الزميل الذي هو في المرتبة الوظيفية نفسها.

- هل يحتاج المراهقون فعلا إلى أهل أصدقاء؟
يحتاج الطفل والمراهق على حد سواء إلى راشد يكون نموذجًا يتماهى به. فهو لديه ما يكفيه من نماذج أقران من السن نفسها.
فالمراهق يحتاج إلى أهله لفهمه، ونصحه، وإرشاده ومساندته، وبالتالي صداقتهم تكون قائمة على أساس الإحترام، إذ لا يجوز أن يتعدّى الأبناء حدودهم في التواصل مع أبائهم لأنهم يعتبرونهم أصدقاءهم.

- بماذا يشعر المراهق أو المراهقة عندما يتصرف الوالد أو الوالدة مثل المراهقين أو كما يعرف بمصطلح cool parents؟
يشعر المراهق بالإحراج عندما يتصرف والداه مثل المراهقين، فهو وصل إلى مرحلة من النضج العقلي يعرف أن لكل سن ولكل موقف سلوكهما المقبولين، ونحن لا نتحدث هنا عن المعايير الإجتماعية، بل عن الخط الطبيعي لتطور السلوك الإنساني، فلكل مرحلة من عمر الإنسان خصائصها السلوكية والفكرية والإجتماعية.
فالمراهق من حيث الهوية والتقويم الذاتي والوضع الإجتماعي يشعر بالإحراج أو ربما بالخجل المؤلم من تصرفات والديه المراهقة، مثلاً عندما تبالغ الأم في إرتداء أسلوب الملابس نفسه مثل ابنتها، أو عندما يبالغ الأب في لعب دور المهرج مع ابنه بوجود أصدقائه.
وربما يكون دافع الأهل رغبتهم في مجاراة ابنائهم المراهقين، ولكن ليس الى درجة التشويش على المراهق.

- ما هي انعكاسات تصرّفات الأهل المراهقة على الأبناء؟
من المعلوم أن الأهل هم النموذج الأوّل الذي يتعلّم منه الأبناء سلوك الراشدين، لذا تصرّفات الأهل المراهقة تؤثر، وبشكل كبير، سلبًا في الأبناء من حيث تشكيل صورة الذات وتكوين الهوية الخاصة والإحترام الذاتي.
فضلاً عن أنهم يتلقوّن رسالة مشوشة حول دور الأهل الذين هم نموذج الراشدين. إذ يرون أهلهم يتصرّفون ليس تبعًا لسنهم كراشدين وفي الوقت نفسه يطلبون من أبنائهم التصرف كما الراشدين، وعمومًا يتعلّم الأبناء من خلال مراقبة النموذج الذي أمامهم وليس من خلال الوعظ والتوبيخ، فهؤلاء الأطفال مشوشون بالتناقضات بين الأفعال التي تكون على عكس الأقوال.
وبالتالي فإن ذلك يؤثر في سلوكهم في المستقبل، فهم إما يقلّدون أهلهم ويصبحون صورة طبق الأصل عنهم أو يرفضون سلوك أهلهم ويبالغون في التصرف على عكسهم تمامًا، ويظهر ذلك في ما بعد في تعاملهم مع أطفالهم في المستقبل، وكذلك في مكان عملهم حيث تتأثر علاقاتهم مع من هم في مرتبة وظيفية أعلى أو أدنى إلى حد كبير برد فعلهم تجاه سلوك أهلهم معهم.
فالمراهق حسّاس جدًا تجاه الأخطاء مهما كانت صغيرة (واقعية أو خيالية)، فمثلاً إذا كان يعاني حب الشباب يظن أن جميع االناس تراها ويشعر بالخجل، فكيف إذا كان أهله يتصرّفون بشكل مراهق، فمن المؤكد يشعر بالخجل والإحراج.

- ولكن هناك بعض المراهقين يفتخرون بأن أهلهم عصريون (cool Parents) ويتعاملون معهم كأصدقائهم؟
صحيح، قد يجد بعض المراهقين أن المسألة طريفة، مثلاً عندما ترتدي الأم أو الأب أسلوب الملابس نفسها مثل ابنتها أو ابنه لأنه يسمح له بالشعور أنه يكبر، ولكن لفترة قصيرة وبعدها سوف يدرك أن أهله يمرون بحالة نكوص عمرية، لذا فإما يسوّغ تصرفات أهله بالقول إنه لأمر ممتع وسوف يقوم بالتصرف نفسه في المستقبل، أو أنه يتهرّب من الخروج مع والديه ولقاء أصدقائه ليتجنب الإحراج الذي يسببه سلوك أهله.
الأهل الأصدقاء مهمون في حياة المراهق بشرط ألا يتخلّوا عن وظيفتهم الأبوية.

- لماذا يتصرف بعض الأهل على هذا النحو؟ ألا يدركون نتائج سلوكهم المراهق؟
للأسف هناك بعض الأهالي يسيئون فهم نظرة علم النفس المعاصر الى موضوع صداقة الأبناء. فهم يظنون أن الصداقة تعني إلغاء كل الحوجز والحدود بينهم وبين أبنائهم، والذوبان إلى أقصى حدود في حياة أبنائهم.
وبالتالي لا يسمحون للمراهق بأي انفصال عنهم مما يجعلهم نموذجًا سيئًا لتصرفات الراشدين. وفي المقابل هناك بعض الأهل يحرّرون مراهقتهم المكبوتة من خلال علاقتهم بأبنائهم ويبرّرونها بأنهم أهل معاصرون ويعاملون أبناءهم كالأصدقاء، ولكنهم في الواقع يخرّبون العلاقة بينهم وبين أبنائهم المراهقين، وبالتالي يحرمونهم التطور المهم جدًا لنموهم وهو الإنفصال عنهم والاستقلالية.
فيما يظن بعض الأهل أنهم بصداقتهم لأبنائهم المراهقين يستطيعون مراقبتهم، وبالتالي حمايتهم من الفوضى الموجودة في العالم، ولكنهم في الواقع وفي لا وعيهم لا يثقون بأبنائهم لأنهم في أعماق تفكيرهم يخشون أنهم لم يقوموا بواجباتهم على أتم وجه في تنشئة أبناء قادرين على اتخاذ قراراتهم والحفاظ على احترامهم الذاتي في الأفعال التي يتولونها.
وهناك بعض الأهل الذين يقلدون ما يرونه في الإعلام عن الأهل (cool parents) وبالتالي فهم لا يفكرون بعمق ولا يستعملون فكرهم النقدي في التمييز بين الواقع وما يرونه على الشاشة.

- هل يؤدي ذلك إلى عدم احترام المراهق والديه؟
ربما، وإذا لم يفقد احترامه لهما فإنه يشعر بالإرتباك، بمعنى أنه لا يعرف متى عليه التجاوب معهما على أساس أنهما راشدان ومتى التعامل معهما على أنهما مراهقان، وهذه مسألة غير طبيعية. فالوالدان اللذان لا يتصرفان بشكل مناسب لن يكونا قادرين على الطلب من أطفالهما التصرف على النحو المناسب.
والطفل أو المراهق سوف يعترض بالقول: «ولكن لمَ تفعل هكذا»، وبالتالي فإن المراهق الذيي صبح راشدًا في المستقبل سوف يتذكر أن والديه لم يكونا أهلا بالمعنى التقليدي بل تخليا عن وظيفتهما، وهذا ما لايريد الأهل سماعه. وبذلك يفشل الأهل في مهمتهم ويوجِدون أرضًا خصبة لفشل أبنائهم.

- ما المطلوب من الأهل حتى يكونوا أصدقاء أبنائهم وفي الوقت نفسه يُبقون المسافة الطبيعية بينهم وبين أبنائهم؟
كما ذكرت سابقًا، من الضروري أن يكون الأهل أصدقاء أبنائهم ولكن بشروط، أي أن يحافظوا على احترام أبنائهم لهم وألا يتصرّفوا معهم وكأنهم أقران لهم، فالأبناء في حاجة إلى صداقة الوالدين للنصح والإرشاد وليكونا مرجعية لهم تشعرهم بالأمان والطمأنينة، فلديهم ما يكفي من أصدقاء.
يمكن الأهل أن يكونوا معاصرين بانفتاحهم على متطلبات أبنائهم من خلال الحوار المستمر معهم وتعزيز قدرتهم على تحليل الأمور، وتوفير اختيارات واضحة لهم ومساندتهم في اختياراتهم بعد المناقشة، والسماح لهم بحرية التعلّم من أخطائهم.
وعليهم التعرف إلى أصدقائهم والترحيب بهم و لا ضير من مشاركتهم في بعض الأحيان في بعض النشاطات من دون المبالغة أو فرض أنفسهم عليهم.
ومن الضروري أن يكون الأهل دائمًا حاضرين عندما يحتاج إليهم أبناؤهم، والاستماع إليهم، وعلى الأهل أن يفهموا أن ابناءهم ليسو امتدادًا لهم أو نموذجًا مصغرًا عنهم، بل أشخاص مستقلون لهم هوياتهم الخاصة.
الأهل «الكول» (cool) المناسبون هم الأهل الذين يسعدون أبناءهم ويدركون أنهم أهل أصدقاء وليسوا أصدقاء من السن نفسها.