بادن-بادن المدينة الألمانية

المهرجان القومي للمسرح المصري, ألمانيا, فندق Grosvenor House, قطار بيروت, أوروبا, القطار السريع, المنتجعات

19 يوليو 2010

«بادن بادن» هذه المدينة الألمانية التي تختصر كل جمال جنوب ألمانيا القابع في أحضان الغابة السوداء. أذكر أنني حين زرتها العام الماضي شعرت بأن فيلقًا من الجمال حاصرني فاستسلمت له إراديًا وتمنيت لو أبقى أسيرة قبضته مدى الحياة، ولكن الزمن الأرضي دائمًا يدهمنا على غفلة مدّعيًا لعبة الإنقاذ من أمكنة تشبه عالمًا افتراضيًا تعجز أخيلتنا عن تصور تفاصيله.  هنا  في بادن- بادن يمكن التجوال  مشياً على القدمين أو بواسطة العربات التي تجرها الخيول أو بواسطة القطارات، ليستمتع زائر البلدة بلوحات طبيعية آسرة تفتن من يدخل في متاهة ألوانها.

جبل مركور  ومغامرة الوقوف فوق السحاب
إذا أحببت أن تدخل سريعاً عالمًا مفعمًا بالمتعة والإثارة، فعليك زيارة جبل «مركور»  Merkur  الشهير الذي يبلغ ارتفاعه 2191 قدماً. يستغرق الصعود إليه خمس دقائق فقط بواسطة القطار الذي يعتبر من أكثر القطارات الأوروبية تطوراً من الناحية التقنية. يصل بك القطار إلى النقطة التي يبلغ ارتفاعها إلى 1214 قدماً، حيث يمكنك الوقوف لتتأمل بادن- بادن الجميلة!أما عندما يحين وقت تناول الطعام، فلا بد أن تتوجه إلى مطعم القمة الذي يقدم أشهى الأطباق في جلسة مميزة.

وتجدر الإشارة إلى أن محطة «مركور» لقطار سكك الحديد المعلقة تنظّم رحلات يومية إلى قمة الجبل كل 15 دقيقة، من العاشرة صباحاً ولغاية العاشرة ليلاً. ويمكنك الوصول بسهولة إلى محطة القطار من وسط المدينة بواسطة الحافلة رقم 204 أو  205 . و يمكنك شراء تذكرتك من سائق الحافلة.
أما إذا قررت الاستغناء عن القطار، فهنالك فرصة للصعود إلى قمة الجبل سيراً على القدمين! وكل ما عليك فعله هو اتباع الممر المخصص لذلك، حيث سيكون طريقك إلى قمة الجبل زاخرًا بالمناظر الخلابة التي رسمتها الطبيعة على أرض بادن- بادن، كما ستتاح لك فرصة إلقاء نظرة على محمية الحيوانات واكتشاف الكثير من الأشياء التي تستحق فعلاً أن يشاهدها المرء عن كثب.
ولمن يرغب في الحصول على المزيد من المشاهد البانورامية المذهلة، فما عليه سوى التوجه إلى صخرة «باتيرت» «Battert». فعلى مقربة من هذه الصخرة استقر المستوطنون السلتيون عندما قصدوا بادن- بادن. هنا يستقبلك السحاب الرقيق الذي يلف ببياضه الناصع منحدرات الغابة السوداء، وتحظى بمنظر رومانسي لا يمكنك مشاهدته حينما يكون الطقس نقياً.

فندق ومنتجع «Brenner's Park-Hotel & Spa» ثالوث الضيافة واللياقة البدنية والصحة
ينفرد فندق ومنتجع برينيرز بارك «Brenner's Park-Hotel & Spa» بإطلالة مركزية على شارع «ليشتنتالر آليه» الشهير، حيث يحتل موقعاً رائعاً وكأنه في حديقة أسطورية، لاسيما مع ما يمتلكه من تاريخ يمتد لأكثر من 135 عاماً.

ويتميز هذا الفندق ذو الخمس نجوم بسمعة عالمية كبيرة، ويمثل مع الشعار الذي يحمله «الحياة في وئام مع الطبيعة» مقصداً للذين يرغبون في دخول تجربة ثالوث الضيافة واللياقة البدنية والصحة.

التجوال في المدينة رحلة في عالم ألماني مترف بالتاريخ والفن والجمال الطبيعي
قد تكون الجولات السياحية برفقة المرشد السياحي مقدمة جيدة للتعرف إلى المدينة، إذ تشمل العديد من المعالم السياحية الفريدة التي تدور حولها سلسلة من الأساطير والقصص التي تتناقلها الأجيال. أما إذا أتعبك المشي، فيمكنك استكمال جولتك بواسطة العربات التي تجرها الخيول والاستمتاع بالمناظر الرومانسية التي تتصف بها بادن- بادن. وهناك فرصة أيضاً لركوب القطارات الجوالة في وسط المدينة، التي تمرّ من أمام «كورهاوس» إلى ساحة «أوغوستابلاتس» «Augustaplatz»، ومن ثم إلى الـ «باراديس» «Das Paradies»، وهي نافورة مصممة على النمط الإيطالي الذي راج في عصر النهضة، حيث بإمكانك الاستراحة على مقربة منها قبل التوجه إلى ينابيع المياه الطبية الدافئة.
ومهما كانت الطريقة التي ستستخدمها للقيام بجولتك الاستكشافية، فستحظى بمقدار كبير من المتعة والفائدة والترفيه، لاسيما إذا عرفت أن مدينة بادن - بادن تضع كل كنوزها الفنية والثقافية على طول شارع واحد يُطلق عليه «الميل الثقافي».

هناك حيث يمتد من الطرف الغربي للمدينة حيث تقع صالة «فستشبيل هاوس»، إلى شرقها، وتنتشر ما بين الغرب والشرق المباني التاريخية مثل «ترينك هاله» و«كورهاوس»، ومسرح المدينة المتسم بهندسته الباروكية. ويستكمل «الميل الثقافي» امتداده إلى حدائق المدينة المحاذية لشارع «ليشتنتالر آليه» الشهير الذي بدأ حكايته كشارع تجاري بسيط، ولكنه بدل صورته مع الزمن ليصبح أهم شارع تجاري في بادن- بادن، والعنوان الذي يفضل الكثير من الأثرياء أن يحمل اسم متجرهم أو مقر سكنهم. في شارع «ليشتنتالر آليه» ستكون لديك الفرصة التجوال بين أشجار العتيقة والجسور المزدانة بأجمل النقوش التي ترسم ظلالها على نهر «اوس» «Oos»، كما يمكنك أن تلقي نظرة على فنادق الشارع الفخمة وقصوره الصغيرة لتخوض مغامرة التسوّق في هذا الشارع، الذي لا يزال يحافظ على مكانته كأحد أهم الشوارع التجارية في العالم منذ أكثر من 350 عاماً.
ويعتبر متحف «فريدر بوردا» «Frieder Burda» الذي افتتح عام 2004 جوهرة بادن- بادن.
أما من يرغب في اكتشاف تاريخ بادن- بادن الطويل وخصوصًا خلال الفترة التي استعمرها فيها الرومان، وشهرتها كبلدة لينابيع المياه الحارة الطبية وكمركز مهم للاهتمام بالصحة، فعليه التوجه إلى «متحف بادن- بادن». فقد حظيت المدينة بشهرة واسعة خلال القرن التاسع عشر نظراً إلى غناها بالينابيع، ولكثرة مرافق الترفيه والتسلية التي تقدمها لزوارها.

عند زيارتك «بقايا الحمامات الرومانية» فسوف تتعرف إلى الطريقة التقليدية في استخدام المياه الدافئة الطبية. فلقد أدرك الرومان القدامى أنفسهم أهمية الاسترخاء في مياه بادن- بادن التي تتدفق من ينابيعها الشهيرة بمياهها الساخنة والتي تمنح الجسم الكثير من المنافع الصحيّة.

للموسيقى والخيل في بادن- بادن صولات وجولات 
للتعرف إلى الأجواء الموسيقية والمسرحية في بادن- بادن، ننصحك بزيارة  «فستشبيل هاوس» «Festspielhaus» حيث يتردد العديد من الفنانين الكلاسيكيين أمثال آن صوفي موتر، دانيال بارينبويم،كانت ناغانو، بالاسيو دومينغو، جايمس ليفاين، توماس هامبسون وغيرهم كثيرون. وفي هذه الصالة تتلاقى أنواع الهندسة التي تنتمي إلى حقبات تاريخية مختلفة، فالواجهة الخارجية التي كانت في السابق المدخل الرئيسي لمحطة قطار سكك الحديد، تتمتع بالهندسة الكلاسيكية الحديثة، وتقودك بدورها إلى صالة الحفلات العصرية، التي استبدلت هندستها التي راجت منذ أكثر من مئة عام، بأساليب الهندسة الحديثة المعروفة في يومنا هذا. ورغم عمرها القصير، فأنها تحظى بشهرة عالمية في مجال تقنيات هندسة الصوت المتطورة.
وسيكون عشاق الموسيقى على موعد هذا العام مع العروض الموسيقية التي تشمل أروع المقطوعات الموسيقية التي تقدمها فرق الأوركسترا العالمية، وعروض الأوبرا التي تؤنس القلب والروح، إلى جانب الحفلات الموسيقية التي تقدمها فرقة «هربرت فون كارايان ويتسان».

وبالانتقال إلى مسرح بادن بادن، سوف تطالعك الهندسة الرائعة في كل زاوية من زواياه، حيث يشبّه كثيرون واجهة المسرح الخارجية بدار الأوبرا في باريس، أما في الداخل فسوف تستقبلكم العروض الفنية التي تضرم من جديد اللقب الذي حملته بادن-بادن في السابق: «عاصمة المصايف الأوروبية». وقد وضعت مديرة المسرح «نيكولا ماي» برامج متنوعة لمسرحيات وأعمال فنية لتتماشى في كل موسم مع الأذواق المختلفة لمحبي المسرح.
أما عند زيارتك «منزل برامز»، فستتمكن من دخول الغرفة الزرقاء التي كان يمضي فيها الموسيقار يوهان برامز معظم أوقاته، حيث ستنقلك الأجواء الحلوة إلى الماضي خلال لحظات قليلة. وفي هذا المنزل المعروف بإسم «ليشتنتال» رقم 8، ستشعر بروح الخلق والإبداع، وستسر بكل لحظة فيه. فهنا أمضى برامز فصل الصيف بين عامي 1865-1874  وكتب بعض مقطوعاته الموسيقية العالمية.
ولا تقتصر إقامة الفعاليات والحفلات الموسيقية على المسارح، بل تمتد إلى أماكن أخرى. فمثلاً يعتبر مضمار «إيفزهايم» لسباق الخيل بأجوائه الرائعة، المكان المثالي للتسلية وإقامة المناسبات السعيدة والحفلات الموسيقية وغيرها من النشاطات الترفيهية. تتوجه أنظار العالم ثلاث مرات سنوياً إلى هذا المضمار الشهير في بادن بادن، إذ تبدأ أولى الحفلات في فصل الربيع أي بين نهاية شهر أيار/مايو وبداية حزيران/يونيو، يليها المهرجان الأسبوعي الكبير الذي يقام بين نهاية شهر آب/ أغسطس وبداية أيلول/ سيبتمبر، وتودع المدينة موسم المهرجانات بما يُعرف بمهرجان سباق الخيل والمبيعات الذي يقام في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر.

وعندما تحملك الرحلة إلى بادن-بادن تذكر دائماً أنه يجب أن تستيقظ باكرًا لتتناول فطورك في النادي المشرف على المكان الذي يمارس فيه الفرسان تمارينهم الصباحية، حيث تحظى بمشهد رائع يدفعك إلى الانتظار بشوق ولهفة بدء السباق الذي يضع بادن- بادن على قائمة أشهر مدن العالم.

لوحات من صنع الطبيعة
كلما تجولت في شوارع بادن-بادن أكثر وتعرفت إلى أجوائها وفعالياتها ومعالمها، توقن أن جمال هذه المدينة لا يختبئ أبداً، بل يظهر دوماً أمام عينيك ويمنحك فرصة رائعة للتمتع والاسترخاء. فإذا أردت مثلاً أن تمضي وقتك في مكان مناسب فما عليك سوى التوجّه إلى منحدرات «ميشائيلسبرغ» «Michaelsberg» حيث المتنزهات والحدائق الغنّاء. وكل ما عليك القيام به هو إتباع شلالات الماء التي تتدفق وراء مبنى «ترينك هاله» «Trinkhalle»، أو «غرفة الضخ»، المزدانة بأعمدة كورنثية الطراز، وبجدران ترتاح عليها أروع اللوحات الزيتية. في هذا المكان تفوح رائحة القهوة اللذيذة والحلويات، وكأنها تدعوك لتذوقها فوراً، حيث يوجد مقهى يستقبل الزبائن على مدار الساعة، يحلو فيه الاسترخاء والاستمتاع بمنظر في غاية الجمال.
كما يوجد في مبنى «ترينك هاله» مكتب لتزويدك المعلومات السياحية، حيث بإمكانك شراء التذاكر لحضور المسرحيات والعروض الفنية وغيرها. كما يزود المكتب السياح النصائح حول النشاطات التي يجب القيام بها خلال وجودهم في بادن- بادن، مما يساهم في تسهيل جولتك السياحية في المدينة.

ومن المعالم المعروفة والتي تستحق الزيارة أيضاً، مبنى «كورهاوس الذي تبهرك صالته بتصميمها المفعم بالسحر والجمال. وقد شيدت الصالة بين عامي 1821-1824 على يد فريدريش فاينبرنر، وهي تشمل أجنحة ضخمة وصالات للمآدب، وفيها يحلو الاحتفال بأي من المناسبات السعيدة. تحيط «كورهاوس» حدائق غنّاء، تنتشر بقربها المتاجر الراقية.
عندما يهبط الظلام في بادن- بادن . تُضاء شوارعها بمصابيح الغاز القديمة وتغازل البيوت الشمس أثناء المغيب بانبعاث أنوارها الخافتة لتدخلك في أجواء ساحرة لم تعشها من قبل!