هكذا تصطاد 'البندقية' القلوب...

سياحة, أوروبا, زوارق شراعية, بلد السياحة, مدينة البندقية

03 يناير 2013

قد تكون «كولمار» الفرنسية هي «البندقية الصغيرة»... لكنها ستبقى نسخة أوروبية مصغّرة لا تبعد عن ملكة الأدرياتيكي كثيراً.
قد يكون قيصر الأغنية كاظم الساهر غنّى في البندقية «أكرهها» وكانت رومانسية في أصداء هذه المدينة المدينة للحضارات الرومانية والبيزنطية والعثمانية.
وقد يكون القناع رمزاً سلبياً في وصف الأشياء. ولكن أن يقال إن البندقية قناع إيطاليا فهذه حقيقة خيالية عن مدينة الماء التي ترفل فيها الكرنفالات. وكأنها دخول إلى عالم آخر.
جوهرة عائمة ليلاً ولوحة حالمة نهاراً وخرافة ذات مغزى. هذه البندقية التي لا تُشهر أسرارها بسرعة لنا نحن الطرائد.


تستحق اسماً عربياً آخر
لطالما تساءلت عن التعريب المأسوي لهذه المدينة الشاعرية والفريدة التي يشعر فيها المرء حقاً بما يعنيه تعبير: «منتهى السعادة».
هل يعقل أن تكون Venezia البندقية؟ كل زاوية ومنعطف في المدينة الإيطالية وملتقى شارعين والجزر المحيطة في البيئة المائية التي ألهمت المسافرين الزوار والفنانين من كل مكان على مدى القرون لجمالها الخيالي والخالد الذي لا ينضب، تستحق اسماً عربياً آخر.
فهي ملهمة الرسم والشعر الرقيق في وصف الظلال المرهفة والتفاصيل المرهقة من التجذيف الجذاب.

مدينة مشهدية عائمة على الماء
عرّفها الشاعر البريطاني اللورد بايرون بـ «مدينة القلب الخرافية» وأحد أكثر الأماكن تأثيراً وسحراً. كانت البندقية «نافذة» وقوة بحرية أساسية خلال القرون الوسطى والنهضة وعرفت بـ «أكثر الجمهوريات سكوناً» Serenissima Republic.
تتألف البندقية من 117 قطعة أرضية يربطها 400 جسر ممتدة فوق 150 قناة. هي مدينة مشهدية عائمة على الماء وموجودة في «قائمة الإرث العالمي» World Heritage Site على طول «لاغوناتها» Lagoons.
قد تكون مدينة غير تقليدية لكنها مطبوعة بالتقاليد التي تتمثل بالاحتفالات وتوريث صناعة الزوارق. ساهمBellini  وPaolo Veronese وTintoretto وغيرهم من الفنانين في جعل البندقية كنزاً فنياً وأكثر المدن الإيطالية جمالاً وتاريخاً.

زوارق وزوايا
مركز البندقية مدمج ومحكم ومكتنز كعلبة تجميل فاخرة أو صندوق مجوهرات صغير.
هي متاهة جميلة مزخرفة بالشوارع-الممرات والماء، وشوشات القنوات والزوايا الساكنة.
الغسيل المنشور لا ينال من ترف اللحظة بل يجعلها أكثر حميمية. كأن ذاك القميص القطني المنشور يعود لجدّي.
سحرها يصادق عليه فيض المتاحف العالمية الراقية. صالات عرضها للآثار الفنية، فن واستديوهات حرفية وبوتيكات وبيوت الموضة العريقة... الفن والماء متدفقان أبداً في هذه المدينة.
 شوارعها وساحاتها أجنحة تاريخية مطوقة بالأجنحة البيضاء التي تبعث مقاهيها والمطاعم القديمة حيث متعة التلذذ بالأطباق المحلية الشهية، البحرية غالباً. فهي تعكس إرث المدينة .
اختبري قائمة مطاعم Al Covo وDa Fiore وLinea d'Ombra.
أجنحة الحمام كلها تتجمع هناك في ساحة «سان ماركو» Piazza San Marco - حيث سهولة الإنقياد - المحيطة بمقهى «فلوريان» Florian 1720. كان مكان الروائي الفرنسي مارسيل بروست المفضل.
ترسي البندقية تحدياً للحواس بين العصرية والفرادة الخارجة من إطار الزمن الموقت.

فنادق البندقية
فندق Gritti palace
وصفه الروائي الأميركي إرنيست هيمنغواي بـ «أفضل فندق في مدينة الفنادق الرائعة».
معروف بأناقته المدهشة، كان يزوره حتى ألفه وينستون تشرشل وأندريه مالرو وإيغور وفيرا سترافينسكي ولوتشينو فيسكونتي وأورسون ويلز... هو قصر من القرن السادس عشر وكان يوماً مقراً لسفراء الفاتيكان في البندقية، أي أنه أكثر العناوين ثقلاً وترفاً.
بموقعها السيّد على القناة الكبيرة Grand Canal، هذه المملكة الفخمة المرصعة بثريات المورانو والمزخرفة بالستائر الوافرة وذهب الأسقف المقلّمة هي رمز موجز للحياة الإيطالية الرفيعة في البندقية.

فندق Danielli
على مساحة خطوات قليلة من ساحة «سان ماركو» وقصر Ducalالقوطي، يحضر المناخ الإيطالي النبيل والنادر ويقع فندق «دانييلي» الذي كان قصراً لعائلة «داندولو». وكأن المرء يلتقط أنفاساً جديدة أمام شرفاته.
أعاد المهندس جاك غارسيا عام 2008 تصميمه بأسلوب قوطي منسجم مع البانورما غير المنسية على القناة الكبيرة.
يكفي أن مشاهد فيلم The Tourist لأنجلينا جولي وجوني ديب صوّرت هناك وفي أحد أجنحته.

شخصية المدينة المزدوجة
الدينية بعمق والمنغمسة في النزق
تخترق البندقية المخيلة والحواس قبل أن نصل إليها أو نقترب منها كما الحب والفن.
سحرها عالمي ومفهوم يصعب نقله أو وصفه أو ترجمته بكلمات. ولذلك تبدو المهمة الأسهل المجيء واكتشاف هذه المدينة عن قرب.
إذا قمت بنزهة تأملية عبر البندقية ستجد أن كل زاوية مخفية تحمل لوحات أثرية للسكان والزوار الغرباء من آلاف السنين.
فهي تدين بجمالها الفاتن للحضارات الرومانية والبيزنطية والعثمانية، التي كانت البندقية بالنسبة إليها محوراً تجارياً بحرياً.
لكن البندقية هي أيضا مسقط رأس اكتشافات العالم الغربي الثقافية الأكثر أهمية.
عندما سافر المستكشف الإيطالي ماركو بولو عبر طريق الحرير إلى مملكة قوبلاي خان، عاد إلى دياره مع الابتكارات التي شكلت الحضارة الغربية، إذ لم يقم فقط بإرساء عقلية المغامرة بين سكان البندقية، بل حب الغرابة والتفاصيل الدخيلة أيضاً.

نجمة المجتمع الأوروبي
الماركيزا كاساتي
يتمسك سكان البندقية دائما بالبحر مدركين التوازن الذي جعلهم بين حلقة حساسة تربط أكثر من مئة جزيرة. وقد بدأت المدينة الاحتفال باقترانها الرمزي بالمياه في القرن الحادي عشر.
إن الجغرافيا المتعرجة للمدينة تجعل من التجوال فيها تجربة فريدة وسهلة، إذ يمكنك التجول بكل ثقة دون خريطة، ومن الصعب أن تضل الطريق بالنظر إلى القناة الكبرى كدليل لك.
سوف تتذكرين دائماً أثناء تجولك أقطاب البندقية التاريخيين. هنا، في الشوارع المتعرجة والساحات المتألقة ضربت المواعيد العاطفية حتى قبل قيام رمز الرومانسية الأكثر شهرة فيها، كازانوفا، بإغراء ضحاياه المستعدات للرضوخ.
كانت المدينة مركزاً ترفيهياً في أوروبا على مر العصور، والملعب الأثرى لحياة صديقة المصمّم بواريه ونجمة المجتمع الأوروبي الماركيزا لويزا كاساتي (1881-1957) الصاخبة التي ألهمت بأرستقراطية الدراما الفريدة رسوماً وصوراً وإحدى مجموعات كارل لاغرفيلد للملابس الجاهزة (دار شانيل - كروز 2010) وغيره من المبدعين في عالم الموضة والجمال. فهي قالت يوماً : I want to be a living work of art. كانت تسكن قصر Venier dei Leoni المطل على القناة الكبيرة.
كانت هذه مدينة - دولة تجارية وقوية محكومة من قبل «الدوج»- القادة الكنسيين والمدنيين والعسكريين الذين حكموا مدى الحياة حتى نهاية القرن الثامن عشر - كما كان لديها تقليد منضبط من حيث المظاهر والملابسات.
الكرنفال الشهير في المدينة خير مثال على ذلك. كان الاحتفال يمثّل الفرصة الأخيرة لارتكاب سوء الأعمال أو إطلاق العنان للرغبات والمظاهر الإستفزازية قبل الصوم الكبير.
يرصد الاحتفال شخصية المدينة المزدوجة، الدينية بعمق والمنغمسة في النزق في آن واحد.

جولة تاريخية سيراً على الأقدام
سوف يرشدك الدليل لزيارة المركز التاريخي لمدينة البندقية، بدءا من قلب مدينة البندقية: ساحة «سان ماركو» التي سماها نابليون «غرفة الرسم الأرقى في أوروبا» التي كانت المركز السياسي للبندقية في ما مضى.
في الساحة، تجد البازيليكا الذهبية الفريدة من نوعها حيث مذبح Pala d›Oro البيزنطي. بوشر العمل بالبازيليكا في العام 830 كي تضم رفات سان مارك الذي هرِّب من الإسكندرية.
شيّدت كمصلى صغير ومتواضع، وعلى مدى السنوات، أصبحت واحداً من أكثر النماذج المعمارية روعة وأثراً وتاريخاً.
تقف شامخة في المدينة الحالمة مبان تاريخية. عظمة فن وتاريخ البندقية يجسدها قصر «دوج»، البناء الرشيق الوردي والأبيض مع ترّاسه المزدوجة والنادرة. استمر المقر الرسمي للدوج لقرون.
وهو مزين بالسقوف الرائعة المنحوتة بالذهب مع لوحات تخطف الأنفاس، من تيتيان وفيرونيزي وتينتوريتو.
وما ان تعبر جسر التنهداتBridge of Sighs ، سوف تزور الزنزانات القديمة لسكان البندقية حيث تعاقبت أجيال من السجناء السياسيين والمجرمين الذين قضوا فيها أيامهم الأخيرة البائسة قبل إعدامهم.

جولة البندقية المخفية
يمكن التخطيط لهذه الجولة بطرق مختلفة كي تشمل بحسب خيارك المقاطعات الست في البندقية، وسوف تتطلب منك استكشاف المدينة مع إيلاء اهتمام خاص بالتفاصيل والعجائب، بحيث تقدِّم لك منظوراً مختلفاً عن البندقية، مع التركيز على نمط حياة السكان المحليين في الماضي، ونمط الحياة اليوم.
ما الذي تغير وما لم يتغير. يمكن استكشاف مقاطعة Dorsoduro. من ساحة سانتا مارغريتا الواسعة، حيث يلتقي الطلاب والفنانون في المقاهي المفتوحة الكثيرة، يمكن الوصول إلى كنيسة النهضة لسان سيباستيانو المزينة بمهارة بجداريات باولو فيرونيزي الذي دفن هناك.
بعد سان تروفاسو San Trovaso، تنتهي الجولة عند زاتيري Zattere، المتنزه المشمس على طول قناةGuidecca ، التي يتردد إليها سكان البندقية في أمسيات الصيف الحارة تحديداً.

البندقية البانورامية
البندقية بعيداً عن الطرق السياحية، هي البندقية الأصلية الأقل شهرة. تمر هذه الجولة على كنيسة الدومينيكان الرائعة لـ «سان جيوفاني وباولو» التي تشكل مع كاتدرائية Frari مثالاً رائعا للعمارة القوطية في البندقية حيث مقابر الشخصيات البارزة لجمهورية Serenissima.

المنابع Wellheads
ثقافة جمع المياه
لا تزال المنابع ومنذ سنوات عنصراً أساسياً لحياة الناس في البندقية، وكانت المصدر الوحيد لمياه الشرب فيها.
لم يتوافر للبندقية إمكان الوصول إلى الأنهار والينابيع والخزّانات أو طبقات المياه الجوفية كونها تضم مجموعة من الجزر في وسط بحيرة من المياه المالحة.
لذلك كان جمع مياه الأمطار في خزانات تحت هذه المنابع السبيل الوحيد المناسب في الماضي لسكان البندقية لجمع المياه العذبة.
كان يتم جمع المياه وفق قواعد صارمة لضمان استخراج المياه ونقاوتها: إذ كان ممنوعاً على الإطلاق استخدام الدلاء القذرة ولم يُسمح للحيوانات المائية بالشرب منها.
ورغم عدم استخدامها حالياً، تحولت هذه المنابع إلى معالم تاريخية في البندقية وطريقة بنائها وتصميمها عكست ثقافة المدينة وحبها للفن. تزيّن غالباً بنقوش القديسين وأعراف الأسرة وسكان البندقية. وتقابل عادة منحوتات القديسين الكنائس.

رحلة إلى مورانو وبورانو
كانت مورانو مأهولة بالسكان منذ العصر الروماني. وجد اللاجئون من ألتينو والبر الرئيسي المأوى فيها خلال غزوات البرابرة، وأدخلوا الطواحين وأحواض الملح.
في العصور الوسطى، ارتبط تطور هذه الجزيرة بالزجاج، وحالياً، مورانو تعني مصانع الزجاج ونفخه.
تعرّفي إلى نشأة فن نفخ الزجاج الذي يعود إلى الإمبراطورية الرومانية، وكيف أصبحت جزيرة مورانو - في القرن الثالث عشر - مركزا لصنع الزجاج عندما أمرت جمهورية البندقية ببناء كل مصانع زجاج المدينة في مورانو بهدف حماية المباني الخشبية في البندقية من الحريق.
سرعان ما أصبح صناع الزجاج في مورانو المواطنين الأكثر أهمية في الجزيرة، وصقلوا أساليبهم على مر العصور بفضل التبادل التجاري لجمهورية البندقية مع جميع دول الشرق الأوسط والأدنى التي امتازت بتقاليد صنع الزجاج والنفخ السحري.
أما بورانو، فهي جزيرة الصيادين، حيث الدانتيل والمنازل المطلية بألوان زاهية. هي الجزيرة الأكثر روعة من بين جزر البحيرة ويمكن رؤيتها من مسافة بعيدة من خلال برجها العالي وجرسه.
البيوت ذات الألوان الزاهية والستائر الخشبية هي السمات المميزة لشوارع بورانو وأرصفتها. هنا، أصبحت حرفة الدانتيل فناً وتقليداً ما أدى إلى تأسيس مدرسة مهنية، Scuola dei Merletti.

جولة الفيلم
هو حدث يُقدم لجميع هواة الأفلام تجربة فريدة من نوعها. سوف يقودك الطريق من كنيسة Salute، إلى المكان الذي التقى فيه إنديانا جونز حسناء شقراء جذابة، وحضن وودي آلن فيه جوليا روبرتس.
بعد عبور جسرAccademia ، منطقة Toletta ثم Cà Macana التي تقدّم أقنعة لتوم كروز في Eyes Wide shut وحيث تقع كاثرين هيبورن في القناة المائية التي تظهر في The Italian job وحيث يظهر هاريسون فورد مجدداً في Holy Graal.
زيارة البندقية تزامناً مع مهرجانها السينمائي وحضور الدورة الـ70 فكرة جذابة أيضاً نهاية آب/أغسطس المقبل.

الحقيقة وراء القناع في  Ca' del Sol
جولة في ورش العمل الحصرية لمدينة البندقية تظهر كيف يتم صنع المنتجات التقليدية الأكثر شهرة. قدمت البندقية على مر القرون منتجات مصنوعة يدوياً عالية الجودة تم تصديرها إلى جميع أنحاء العالم كي تستخدمها القلة المتميزة.
لا تزال البندقية تستحضر جوّا من الترف الحسي والأناقة المتطورة وبهجة الأحاسيس عن طريق اللمس والبصر.
مجدداً وبعيداً عن الطرق السياحية التقليدية، اكتشفي تراث الحرف اليدوية الأفضل في البندقية: المخمليات، المطرزات والورق الرخامي والكتب والأغلفة الجلدية...
أما تفاصيل صنع الغندول(الجندول) المصمّم لينزلق ويرسو في مياه البندقية فهي حرفة تتناقلها الأجيال الإيطالية.
تعرّفي على زخرفة نقطة الإرتكاز التي تحمل المجذاف. زوري مشغل سافيريو باستور Saverio Pastor. اصنعي قناعك في محترف  Ca' del Sol ولا تكتفي بوضع جاهز.
امتثلي لمدوّنة الدوج فاليريو (عام 1094) الذي سمح لشعبه بالإحتفال والانعتاق من المألوف قبل الصوم...  أو استعادة الروتين الحياتي. وإن كنت مستاءة من أي إنسان إحملي إليه قناع
Dottore Peste (الطبيب مكافح الأوبئة) لأنه سيكون التذكار «الأجمل». وإن كنت مسرورة من عزيز فقناع Dama الذي كانت تضعه جميلات عصر النهضة الإيطالية هو التعبير.