سانت-لوسيا الجزيرة التي تبحر منذ الأزل...

إسترخاء, سفرجل, سياحة, مصادر الطبيعة, بلد السياحة, كواليس, سانت-لوسيا

26 فبراير 2013

كثيرة هي الجزر السابحة في بحر الكاريببي التي تتنافس على لفت الأنظار إلى جمالها العائم وسط الأزرق الفيروزي، بعضها ربحت الرهان وسكنت في لاوعينا لتجتاح صورها المنبثقة من الشبكة العنكبوتية مخيّلتنا وتكون أول ما نبحث عنه عندما نرغب في إجازة نستمتع خلالها بذروة الاسترخاء.
لنفاجأ بجرز لا تقل روعة كانت تبحر منذ الأزل في كواليس عالم البحار والمحيطات.
ها هي جزيرة سانت- لوسيا تستعمل أدواتها لإدهاشي، فاخترقت مخيلتي أثناء بحثي الإلكتروني معلنة أنها إحدى جميلات البحر الكارييبي.

هكذا قرّرت جزيرة سانت- لوسيا ذات الإرث الإستعماري المزدوج الفرنسي والإنكليزي والسابحة على مسافة مئات الأمتار جنوب جزر المارتينيك، أن تكون جزءًا من لعبة الجمال الإفتراضي المتحوّل واقعًا يضجّ بالطبيعة الخلابة العائمة في متاهة الألوان التي تتعمد العبث بأنظارنا فتحار الأعين هل تبصر وترى بواسطة انعكاس إشعاعات الواقع المبصَر أم بواسطة شعاع ينبثق من المخيّلة إلى العين إلى الأشياء؟ وحده السفر إلى هذه الجزيرة يعطينا الجواب الشافي.

شواطئ سانت- لوسيا
تأخذك شواطئ سانت- لوسيا إلى عالم فردوسي بكل تفاصيله، حتى تظن نفسك أنك وسط بطاقة بريدية هولوغرافية بأبعادها الثلاثية تتغير أشكالها مع حركة الأمواج والرياح وتواتر الليل والنهار، فتتمنى لو أن الزمن يخرج على مسلّماته الفيزيائية والفلكية والرياضية ويتوقّف لتنعم بالمشاهد الخلابة الممتدة على شطآن لؤلؤية وأنت تستلقي على أرجوحة شبكية تاركًا للشمس وظيفة تسميرك.
وشاطئ رودوي Reduit الممتد حتى خليج رودني Rodney bay الأكثر شهرة في سانت لوسيا، يتميّز برماله اللؤلؤية التي تزنر الخليج حيث تمتد عند محاذاته مجموعة من الفنادق الفخمة، مما يجعله أكثر استقطابًا للسياح هواة البحر ورياضاته.
وبين العاصمة كاستري ورودني باي اجتاحت الساحل التفاصيل المُدُنية التي لم تتمكن من تشويه روعة الشواطئ التي تنتهي حدودها عند مغيب الشمس.
فشاطئ فيجي الذي يعرف أيضًا بـ مالابار يمتد على طول مطار الجزيرة، فيما شاطئ شوك، قوس من الرمال الذهبية التي تغازلها الشمس بلا هوادة، وفي الضاحية الجنوبية لكاستري، فشاطئ توك مرتع هواة الغطس بين الشعب المرجانية.

ليه بيتون Les Pitons
يقال إنه هنا تبدأ صباحات العالم، وإذا كان من اللازم تحديد مساحة الديكور الطبيعي الأروع في الجزيرة فمن المؤكد تكون بلدة سوفريير Soufriere التي تأخذ الألباب وتحبس الأنفاس لجمالها.
فهنا في القسم الجنوب الغربي لسانت- لوسيا ظهر بركان الجزيرة بكل بهائه، مما جعل سوفريير ضمن لائحة التراث العالمي للإنسانية في الأونيسكو منذ عام 1984.
فسوفيير لديها سحر قرى الصيادين بجو كريولي (لغة تدمج بين الفرنسية واللغة الأم).
لا يمكن مقارنة جبلي بيتون الصغير وبيتون الكبير اللذين تمتد سوفيير عند قدميهما، بأي من هضاب الكارييبي رغم أنهما لا ينتميا إلى عصر جيولوجي قديم جدًا.
فهما مغروسان كما أسنان الزمرد وكأني بهما ينظران إلى زرقة المحيط باستخفاف من عليائهما الذي يصل إلى 700 متر ليستمتع من يقف عند إحدى قمتيهما بمشاهد بانورامية عز نظيرها في العالم.
فهنا في هذين الجبلين تستعرض الطبيعة ترفها النباتي الإستوائي أكثر من أي مكان آخر في الجزيرة حيث يبرز الوهج الدغلي والبدائي للأرياف.
وعلى مقربة من البيتون يقع واد صغير قمري حيث تنزلق حمم البركان الكبريتية التي لم تبرد.
تكمن جاذبية هذه المنطقة بالمغامرات الفريدة التي تمنحها للزائر. ومن يتوق إلى لحظات من الإسترخاء والتكاسل يتحقق مراده على الشواطئ الصغيرة التي لم تشوّه جمالها الفنادق الفخمة التي تشرف عليها.
فهنا تشبع الخلجان الرملية والشواطئ الوديعة الهادئة رغبة من يهوى الإستمتاع بنسائم البحر وهي تتلاعب بأرجوحة شبكية معلّقة بين شجرتي جوز الهند المرصوص بشكل أنيق وكأنه حرس جمهوري يستعرض وقفته ويتمايل يمنة ويسارًا يلاعب هواء المحيط، ويراقب زبد الأمواج وهي تذوب في الرمال اللؤلؤية التي تقود من يتمشى عليها إلى شلالات أو إلى متاهات من المناظر الرائعة، فتغريه المياه الفيروزية لإكتشاف جوفها ليرقص مع قطعان الأسماك المتمايلة بين مستوطنات المرجان.

قرى الصيادين
تفيض جزيرة سانت- لوسيا بالمتناقضات فخلف الوجه السياحي العصري الممتد بين كاستري ورودني- باي، يسكن الوجه الآخر الأصيل حيث قرى الصيادين تنبسط في جنوب الجزيرة وشرقها.
على طول اللسان البحري للشاطئ يسكن عالم الصيادين البسطاء الكريولي، ببيوته الصغيرة من الخشب التي تتوجها الأسقف الحديدية، وبموائنه الصغيرة المتناثرة حول الخلجان المحمية مثل خليج شوسزول في الجنوب الغربي.
والمرفأ الأكثر حراكًا في دانري Dennery على الساحل الشرقي. فكل يوم ترسو المراكب السريعة التي يقودها بحّارة خبراء حاملين معهم غنائمهم البحرية من مختلف أنواع السمك.
ولم يختف هذا النمط الحياتي في المنطقة البحرية في الشمال الشرقي، ففي قرية غروس إيسليه Gros Islet لا يزال السكان يعيشون على إيقاع الصيد، وحتى العاصمة كاستري التي تتجه نحو تنشيط السياحة الشراعية تضم مرفئًا للصيد، فعند الغروب يعرض الصيادون غنائمهم على بسط على جانب الطريق الرئيسية عند مدخل المدينة ليصطادوا المارة بثروات البحر التي تلمع كما الفضة المتحوّلة لحظة الغروب.

الشلالات والمتنزّهات قصيدة الطبيعة
في داخل الجزيرة الحياة الدغلية والترف تنزلق في أودية غامضة، مكسوة بالغابات الكثيفة، ومخدّدة بالشلالات التي تفجّر بعضها من أحشاء البراكين، فالمناخ الإستوائي يساهم في الثراء النباتي للجزيرة، ويتضح ذلك في متنزّه ماميكو في الساحل الشرقي، ففي هذا المتنزّه الريفي تنتشر كل أنواع الزهور، والنبات والأعشاب الطبّية.
كما تكثر في الجزيرة الممرات التي تصل الحدائق بعضها ببعض.
فبالقرب من بابونو توجد يونيون نايتور تريل Union Nature Trail وهي حديقة صغيرة خاصة بالنبات الطبّي تستقبل الزوّار والسياح.
وفي سوفريير متنزّه diamond Mineral baths & Botanical Gardens الذي يجمع في آن مساحات بركانية رائعة وشلالات وينابع حارة.
ولابد لزائر الجزيرة أن ينسى إغراء المحيط الفيروزي ويغوص في الأحواض المائية التي تقع عند أقدام الشلالات، فغالبية شلالات الجزيرة يسهل الوصول إليها، ويكفي أن يسير بضع دقائق حتى يدخل عالم سانت لوسيا البرمائي في الساحل الشرقي حيث شلال تايل، وفي دينيري شلال سولت وفي بيتون شلال توراي وبيتون، وكذلك شلالات الغابة المطرية بالقرب من ميكو Micoud.
وبعض هذه الشلالات يختلط بالينابيع الجوفية ذات الخصائص العلاجية.