الأثاث المنجد le capitonné

القماش المعدنيّ, كنبات حديثة, أثاث عصري, الأثاث الأثري

03 يونيو 2010

منذ كنبة «تشسترفيلد» النموذجية الشهيرة التي تعتبر بحق أيقونة في الطراز الزخرفي البريطاني، وبعدها كرسي «برشلونة» الذي ابتكره المهندس الألماني Mies Van Der Roche في نهاية العشرينات من القرن الماضي، لم يعرف الأثاث المنجد مثل هذا الأعجاب، الذي لقيه أخيراً في معرض ميلانو. وهكذا يعود هذا الطراز الى الواجهة، ليحتل مركز الصدارة، ليس كمظهر جمالي فقط، ولكن كقيمة جمالية لها خصائصها ومواصفاتها المؤكدة.

هذا الطراز الذي يتكىء على تاريخ عريق، عرف أوج مجده في ظل الأمبراطورية الثانية و في عهد نابليون الثالث، فاحتلت عناصره صالات القصور، وعكست الفخامة والأبهة، من خلال تصاميمها الأنيقة، وموادها النبيلة الآسرة. وها هو يعود اليوم معززاً بتقنيات حديثة تضفي عليه المزيد من الرونق الذي لا يشيخ.

وإذا كان المشترك بين كنبة «تشسترفيلد» وكرسي «برشلونة» هو الجلد المرصع بأزرار تخفي قطب الخياطة أو المسامير المغروزة، فإن ما يشهده الأثاث المنجد اليوم من مظاهر تجديد وإبتكار، سمح بتوسيع مروحة مواده وأشكاله وإضفاء المزيد من البساطة والمرونة عليه. فغابت التفاصيل المعقدة، لتحل محلها الخطوط البسيطة تعززها تقنيات معاصرة، تزيد امكانات استخدامها في الكثير من الأجواء والأماكن، مما يسهل  اندماجها مع غيرها من العناصر والمواد الزخرفية. إضافة الى تطعيمها بلمسات مختلفة من الطرافة أو الغرابة أحياناً، تماشياً مع التوجهات والميول الزخرفية المطلوبة التي تساعد على تحرير هذا النمط من الأثاث من بعض صرامته وجموده. ليساهم في إيجاد أجواء أكثر حيوية ونعومة بتعابير عصرية دافئة وألوان زاهية جديدة.
تركز العمل على تطوير الهياكل والأحجام وإستعمال أنواع مختلفة من المواد الحديثة والتقنيات، إضافة الى تشكيلات لا حد لها من الأقمشة والجلود، مما وفر لعناصر الأثاث وقطعه فرصة أكبر للانتشار في كل ركن من أركان المنزل.
وكانت الأشكال الكلاسيكية الأصلية لهذا الطراز مصدر إلهام لكثير من المصممين الذين عملوا على إعادة صياغتها وتعديلها،إضافة أو حذفاً، لمنحها المزيد من الأدوار التي تتلاءم أكثر فأكثر مع الحياة اليومية المعاصرة.

تطوير نجده اليوم في الكثير من مبتكرات مصممة اللانجري الشهيرة شانتال توماس التي بدأت بإبتكار خطوط جديدة من المفروشات، تحمل طابع عالمها المثير وأسلوبها المميز. وقد استطاعت ان تجمع وبكثير من الجسارة والذوق الرفيع، بين أسلوب لويس الخامس عشر وطراز نابليون الثالث في بعض مبتكراتها من المقاعد، بمعالجات ذكية بارعة للخطوط والمنحنيات وللإستدارات المبطنة المنجدة، لتنفّذ مقاعد بأشكال ملتفّة من المخمل الأزرق الليلي أو الوردي.
بينما عملت نخب أخرى من المصممين على استخدام مواد جديدة في صنع هذا الأثاث، مثل «البوليريتان» و«الفينيل» والمطاط. والتي تعززها ألوان مدهشة صاخبة، مثل الأصفر والليموني والأحمر الدموي والأخضر التفاحي واللون الفضي. وكل هذا أضاف الى تلك المبتكرات لمسات عصرية ساحرة.
ومن أكثر المبتكرات تعبيراً عن هذا الاتجاه من التصاميم، المجموعة التي أطلقتها Ligne Roset  أخيراً من ابتكار مصممة الديزاين الشهيرة Inga Sempe والتي تناولت الطراز المنجد، بمعالجة جسورة وطريفة، لا يمكن وصفها بالأمر السهل اوالمتاح لجميع المصممين.

فهذه المصممة التي غذت الكثير من مجموعات  المؤسسات الإيطالية الراقية المصنعة للأثاث، بأنواع مختلفة من التصاميم البارعة بينها مجموعات Edra من قطع الأثاث والأكسسوارات، لم ترهبها التجربة، فقدمت نهجاً جديداً من التصميم، يكشف عن رؤية شاعرية مميزة  و خياراً جمالياً مؤثراً في حركة التغيير الأنيقة البارعة.
ومن القطع التي تمكنت «إنغا» من اعادة ابتكارها وتضمينها أساليب ذكية من التقنيات، من أجل تطويع أحجامها، والتي تشكل علامة فارقة في مسيرة الأثاث المنجد، هي مجموعة أرائك القيلولة المبتكرة.
هذه الأرائك تندمج معها طنافس صغيرة الأحجام، بسيطة الأشكال، والتي تقدم امكانات عديدة من مجالات استخدامها، بشكل عملي ومفيد.
لقد صمم غطاء هذه الأرائك، بشكل لافت إذ يبدو وكأنه ملقى فوق هيكل القطعة، لكنه ورغم هذا المظهر البسيط يؤمن للجلسة  الكثير من الراحة والرفاهية، وذلك بفضل شبكة من الخياطة المتطورة، تشبه في تنظيم حناياها، خلية النحل، وهي تعكس مظهراً جمالياً مثيراً، بلمسات أنثوية ناعمة.
كما برز اتجاه آخر من أنواع التصميم والصياغات، بأسلوب لا يحفظ من نمط الأثاث المنجد سوى طابعه الجمالي وأسلوب القطبه المغروزة وأزرار الزينة.

وقد تصدر مبدعي هذا الأسلوب المصمم الشهير فيليب ستارك الذي وبعد النجاح الهائل لكنبته الشهيرة التي صاغها لمجموعة «كاسينا» عاد يكرر التجربة بابتكاره كرسيين آخرين من الجلد الأبيض والأسود يحملان إسمي «كابريس» و«باسيون».
وعلى المنوال نفسه  صمم الأسباني «خايمه  هايون» أرائك منجدة من الجلد و«البوليتيلين» باللون الأزرق الملكي،الأحمر الصاخب، بتأثير مدهش أنيق وغير عادي.
إضافة الى  كل هذه المبتكرات وفي ظل التقنيات المتطورة، خصوصاً التصوير والطباعة الرقمية، تبرز أساليب تزيين وتنجيد لا تخطر في بال، من خلال تأثيرات خادعة للنظر، تتيح تلبيس انواع مختلفة من العناصر المسطحة بورق جدران أو ملصقات مصورة بشكل بالغ الدقة. مبتكرات تستعيد مظاهر مختلفة من التنجيد بألوان بديعة ومدهشة، وملامس مختلفة من بينها الجلد المبرغل أو المالس اللامع، كذلك أنواع من الأقمشة المبطنة بالأسفنج تحمل طابع التنجيد ذاته، يمكن تثبيتها مشدودة فوق الجدران لإخفاء العيوب أو تجهيز المكان بمظاهر مدهشة  من الطراز الزخرفي البريطاني، بسهولة فائقة ونتائج غير منتظرة.
افكار جديدة، جميلة ومتعددة بحيث يصعب حصرها. تساعد في ابتكار أجواء وبيئات زخرفية أنيقة، وبمؤثرات غير محدودة لأثاث يكشف اليوم عن ملامح أكثر بساطة وهدوء، بأشكاله الهندسية التي تتماشى مع معظم الطرز وألوانه الأحادية اللون أو المزخرفة بألوان زاهية وعصرية، والتي يشع حضورها برونق غير مسبوق تتوجه الأصالة.

يذكر أن كرسي برشلونة المصنوع من معدن الكروم والجلد الأبيض والذي نال بإمتياز جائزة معرض «برشلونة» في حقبة عشرينات القرن الماضي مما جعله يكتسب إسم المدينة، لم يعد وحده في واجهة المشهد الجمالي، بل إن قطعاً ومبتكرات كثيرة من «نسله» تتوافد الى الساحة الزخرفية بإستمرار. ولعل مبتكره الذي صرح يومها أنه كان من السهل عليه ابتكار ناطحة للسحاب قياساً بالصعاب التي واجهته عند تصميم هذا الكرسي وتنفيذه، سيصفق لهذه الحيوية في الإبتكار والتجديد التي ستجعله بالتأكيد ينسى كل المشقات.