حدائق برية فوق شرفات باريسية

أسياخ شوي خشبية, المطبخ اللبناني, الحديقة السرية , علاج بالنباتات, القناة الأرضية السورية, الديكور البيئي

02 أغسطس 2010

لم تعد أساليب الديكور االداخلي ومعالجاته كافية لتخفيف ضغوط الحياة اليومية في المدن الكبيرة. فبالرغم من التقديمات الكثيرة التي وفرتها هذه الأساليب والمعالجات للداخل، فإنها لم تكن سوى ملامسة للمشكلة. لذا كان لا بد من إجتراح حلول أكثر كفاءة وقدرة ليس على الملامسة ولكن على المعايشة.

من هنا تبدو أفكار هيغ بيفرني على غرابتها أكثر نجاعة من غيرها. ورغم شروطها الصعبة في مدينة مثل باريس، استطاع  مهندس المناظر أن يطوع المساحات الصغيرة والشرفات الملحقة بالشقق الباريسية ويحولها الى أمكنة فريدة، ليس فقط في طبيعتها، ولكن أيضاً في قدرتها على توفير أجواء مدهشة يصعب تخيلها بين سطوح الأسمنت والقصدير.
فقد نجح هيغ في نقل أجزاء من ريف الحنوب الفرنسي المتوسطي الى قلب المدينة، لتكون ملاذات يلجأ اليها أصحابها هرباً من ضغوط الحياة وإيقاعها الرتيب.
انطلق هيغ في تصوره من فكرة تصميم جو حقيقي لحديقة برية. حديقة تشبه،  بتنوعات نباتاتها وازهارها وحتى تنسيقاتها البدائية، المساحات البرية. فعمد الى تأهيل المساحة بما يلزمها من نباتات متسلقة وأشجار صغيرة، تساعد على عزل المكان عما يحيط به من مبانٍ وشقق، لتوليد اجواء مريحة وحميمة. فسيّج الجدران الفاصلة عن الجوار بنباتات متسلقة وبعض الشجيرات الصغيرة التي ساهمت في تمويه المساحة. كما عمد في تصميمه إلى تشكيل لعبة من الأشكال الزخرفية الخادعة للنظر، فثبت باباً خشبياً لكوخ قديم عند طرف احد الجدران الفاصلة عن الجوار، ليمنح احساساً أكبر باتساع المساحة وتتابعها.

أما الجهات الأخرى من الشرفة المزينة بحاجز منخفض من الباطون فقد نسقت بأحواض مختلفة من البلاستيك الملبس بالقصدير، أو الخشب القديم، ليزرع فيها نباتات مختلفة، في تربة مجبولة بمواد مرطبة تساهم في تغذيتها ونموها، دون ان تشكل وزناً اضافياً ثقيلاً، يضر بالبناء على المدى البعيد.
وقد تصدرت تلك الأحواض أنواع مختارة من النباتات ذات الأوراق الكثيفة المتساقطة، والتي ساهمت في اخفاء كل التوصيلات والدعائم التي ثبتت فوقها الأحواض.
اما الأرضية الأصلية الملبسة بالبلاط الباهت اللون والمرصع بممرات خشبية، فقد أبقى التصميم عليها دون تغيير، خصوصاً انها ساعدت في تنسيق المساحة  وشطرها الى قسمين يزين كل منهما تعريشة، تعربش عليها النباتات المتسلقة، لتهدي  الكثير من الظلال والأجواء الناعمة، وتحول المساحة الى شيء يقترب كثيراً من  أجواء لوحات الرسامين الانطباعيين.
وتتواصل احدى هذه التعريشات مع المطبخ من خلال ركن تحتله طاولة للطعام، مصنوعة من الخشب وقد احيطت ببعض الكراسي  البسيطة الطابع، بينما  ينفتح الصالون على التعريشة الثانية والتي تتشكل فيها جلسة ناعمة تساعد على الاستراحة والأستمتاع بمناظر الحديقة والمدينة.
اختار هيغ لهذه الحديقة تشكيلة من نباتات المناطق المتوسطية المعتدلة المناخ، مثل شجر الزيتون والكينا، إضافة الى قصب البومبو، اللاوند والياسمين وهي نباتات تتميز أوراقها بلون أخضر ممتزج بالرمادي المائل الى الزرقة. ألوان تمنح النبرة الأولى لأجواء الديكور المتأرجح بين ايقاعات من الأزرق البنفسجي والزهري والخوخي والأبيض.

ويعزز اسلوب توزيع النباتات، الخطة التجميلية للتصميم، مع المحافظة على حياة النباتات واحترام طبيعتها واسلوب نموها. لذلك نجد ان النباتات المحبة للشمس والدفء، وزعت في أماكن محددة تحميها من برودة الطقس والعواصف.
بينما توزعت حولها المزيد من النباتات الأكثر مقاومة والأزهار، وكل ذلك بشكل أنيق، مع المحافظة على المساحة الداخلية الخاصة بالجلسات المختلفة. وفي قلب هذه الجلسات سنشعر تماماً بأننا في حديقة أرضية برية.

وتخضع النباتات في هذه الحديقة لأسلوب ري ميكانيكي مدروس، يضخ كميات ضئيلة من المياه ثلاث مرات في اليوم، وذلك لتجنب اغراق جذور النباتات بالماء مما يتسبب في باتلافها وتعفنها.
وهذا اسلوب اثبت فاعليته من خلال نمو النباتات، خصوصا بالنسبة الى بعض انواع الأزهار ولا سيما الياسمين والورد اللذين يبسطان سلطانهما على مساحات محددة، ناشرَين العطر فيها طوال اليوم، عطراً يجعلنا ننسى ولو الى حين اننا على سطح بناء اسمنتي يرتفع  ربما عشرات الأمتار عن شوارع المدينة المزدحمة.