تجربة للمهندس ربيع الحاج...

أثاث, ورق الجدران, لندن, الهندسة الداخلية, عروض باريس, الرفاهية المنزلية, فخامة المساحات, لوحة / لوحات فنية, ديكور عصري, كتاب نوافذ صغيرة, زخرفة , باب / أبواب, مهندس ديكور, بيوت بقرميد, فلسفة, ربيع الحاج

19 يوليو 2011

بالقرب من محطة سانت بانكراس لسكك الحديد في قلب لندن، يقع هذا المبنى الذي يعود بتاريخه الى زمن الملك جورج. واجهة تقليدية من القرميد، نوافذ كبيرة على شكل مقصلة، وباب يشبه أبواب كل المباني في ذلك الحي اللندني، والذي لا يبعد أكثر من ساعتين وربع ساعة عن العاصمة الفرنسية باريس.
ومع هذا المبنى، كان لمهندس الديكور ربيع الحاج تجربة مميزة، تستدعي التوقف عندها. ذلك أن تحويل هذا المبنى الى فندق Rough Luxe، لا يشبه غيره من الفنادق، كان يتطلّب رؤية جديدة، بل فلسفة خاصة لكي تكون النتيجة ما آلت اليه.

'الجمال ذاتي والكمال لا يعني بالضرورة الجمال'. من هذا المنظور 'الفلسفي' - إذا جاز التعبير - انطلق ربيع الحاج في عمله على هذا الفندق، لتكريس صياغة زخرفية جديدة، بل مخالفة لكل القواعد الزخرفية القائمة.

ولعل أول مظاهر هذا الاختلاف، يبدو في تجاوز الحاج لما يعرف بموجة Bling-Bling المغرقة في بهرجتها. هذه الموجة التي تتكرر مظاهرها في الكثير من تيارات الديكور المعروفة في العالم.

لقد كان الهم الأول للمهندس ربيع الحاج العودة الى مفهوم السفر، وإحياء معانيه وتجديد مفرداته.
ومفهوم السفر هذا ينطلق في الأساس من فكرة الاكتشاف، إكتشاف الأماكن وفضاءاتها، مما يثري الذكريات ويحولها الى ملاذ ممتع للسرد والتفنيد. ومن أجل ذلك كان لا بد من التركيز على عوامل أساسية لتحقيق هذا الهدف. ليس أقلها دفء العلاقة، وحسن الخدمات، وتقاليد الضيافة.
الجسارة كانت السبيل الوحيد لتنفيذ هذا المشروع الذي يخرج عن الأنماط المعتادة، فالرؤية التي رسمت صياغته غير المسبوقة، جعلت من هذا المكان بالنسبة إلى نزلائه مرادفاً للمنزل الثاني.
ومن أجل ذلك تركز الاهتمام على الكثير من التفاصيل، وتم صقلها، بطريقة خفية.
وهكذا تحول المبنى القديم الى قصر صغير معالج بروح الأجواء الخام، دون تصنّع أو مظاهر فاخرة. فالفخامة كما يقترحها التصميم تأخذ مظهرا آخرا وليس أي مظهر... لقد ضحى التصميم بالرخام  والتذهيب والطلاء المالس وورق الجدران مفضلا الأرضيات الخشبية وبلاط الغرانيت، وعناصر الإضاءة التي تعود الى الستينات، تاركا العديد من التمديدات ظاهرة  لتتآلف برونق غريب مع قطع الأثاث المعاصرة او تلك اللوحات الزخرفية والأعمال الفنية الحديثة.
كما لعب بعناية على صَوغ الحواجز الفاصلة او المفتوحة على الجدران بشكل مدهش خادع للبصر، يمنح احساسا بالاتساع لغرف  صغيرة لا تكاد تزيد مساحتها عن حجم السرير الا قليلا.

وقد حرص الحاج على إبراز مظاهر أسطح الجدران  المقشرة  والتي تمنح فضاءات المكان ملامح  نصف أصيلة ونصف فاخرة وذلك انطلاقا من فلسفة حياة خاصة، مفادها أن 'الرفاهية ليست بالضرورة مرادفة للملكية المادية، بل هي بالقدرة على التمتع بما فيه الكفاية بكل ما يحيط بالمرء من الوقت الذي يمرّ واللقاءات مع الآخرين وما يستطيع بناءه من علاقة مع الطبيعة والبيئة والاستفادة مما يحمله اليه الفن والهندسة الداخلية'.

واقتراح ربيع الحاج من خلال هذا المشروع يشكل انتفاضة زخرفية على المفاهيم المعلبة والجاهزة للرفاهية بمفهومها المتداول. فتخلص هذه الانتفاضة الى تقديم صياغات بتفاصيل مختلفة ومعايير تحقق التوازن بين الديكور والزخرفة غير العادية التي جسدها هذا المكان الجورجي الطابع.

فهذه الجدران، بقشورها المتهاوية، المثقلة بذكريات ماضيها، تحولت الى إطار مميز لعرض اللوحات الفنية التي توزعت في الأماكن بلطافة بالغة وظرف مثير.
كل هذا جعل من المكان معرضاً فنياً في فضاء يرتفع الى مستوى النجوم الأربع.

انقلاب ناجح على كل معايير الموضة وتيارات الزخرفة الداخلية. يحرّض على طرح أسئلة جوهرية حول ماهية الرفاهية وتعربفها.

إنها بالطبع، ليست فقط في الجدران الملساء والزوايا القائمة. وهي أيضاً ليست في الطلاء النضر والموكيت الوثيرة فحسب. فهذه نجدها في كل مكان، بإستثناء هذا الفندق.

حيث تم تظهير المشاهد بأسلوب ذكي، يحوّل الشوائب الى عناصر جمال، تدعو للابتسام والطمأنينة.

الأعمال الكبيرة كلها نفذت بطواعية على هذا الشكل، وعلى مستوى عالٍ من المهارة والدقة، من دون إهمال تفاصيل أخرى جميلة مثل الأقمشة  النبيلة التي اكتست بها بعض موجودات المكان، وكذلك بعض قطع الأثاث المميزة والتحف الفنية.