أسرار سقوط «سفاح النساء»

سفاح النساء, عقد نفسية, تحرّش جنسي, حالات التحرّش, رجل / رجال شرطة, قسم الشرطة

05 مايو 2009

بعد عامين من البحث سقط صدفة، فأخيراً أسدلت أجهزة الأمن المصرية الستار على حكاية سفاح النساء، الذي لم يكن سفاحاً بالمعنى المعروف، فهو لم يقتل لكنه كان كابوساً للسيدات والفتيات اللواتي أطلقن عليه لقب «سفاح المعادي» - المكان الذي ارتكب فيه جرائمه في القاهرة - بعدما تحرّش بأكثر من 15 سيدة ومزّق ملابسهن بشفرة حلاقة وهرب تاركاً الذعر والتوتّر في كل مكان ظهر فيه. جاءت اعترافاته لتكشف أسرار جرائمه، وتفاصيل حياته المفككة التي صنعت منه مجرماً شغل الرأي العام المصري طويلاً.

قبل ساعات من القبض على «سفاح المعادي» الذي أثار الذعر في أوساط النساء ولمدة عامين ظن المواطنون أن الحكاية وهم، وأنه شبح يرتكب أفعاله دون أن يستطيع أحد أن يتوصل إلى مكانه. لكن الأسطورة انتهت عندما اكتشفت أجهزة الأمن أن السفاح الذي أثار الرعب وتحول إلى بطل لأفلام الخيال لم يتعد العشرين من عمره، ويعمل حلاقاً.
ملف القضية كان يضم اعترافات المتهم، وقصة القبض عليه مصادفة في مدخل إحدى عمارات حي شبرا الشعبي في القاهرة. يبدو أن المتهم أصابه الملل من جرائمه، وطوال فترة اختفائه عن الأنظار، ظلت العقد النفسية القديمة التي جعلت منه سفاحاً يرتكب جرائم غير معتادة تؤرقه. وبمجرّد القبض عليه قرر أن يعترف بكل شيء.
الذهول أصاب الحاج مصطفى أحد سكان حي شبرا حين فوجئ بالشاب الذي يجلس في مدخل عمارة يخبره بأنه سفاح المعادي الذي يبحث عنه الجميع. ظن الرجل أن الشاب يهذي، لكن الحلاق قال: «والله العظيم أنا السفاح الذي تبحث عنه الشرطة. أنا الذي ارتكب كل الجرائم التي كتبت عنها الصحف».
راجع الحاج مصطفى ما حدث منذ ساعات حين خرج من منزله لقضاء بعض حاجات المنزل فوجد الشاب الغريب نفسه يقف عند مدخل عمارته بشكل مريب. تلعثم الشاب عندما سأله الحاج مصطفى عن سبب وقوفه، فزعم أنه ينتظر أحد أصدقائه. وحين عاد الحاج بعد ساعات وجد الحلاق الشاب وقد تجرّد من سرواله فأدرك أنه ليس طبيعياً... وتوالت الأحداث المثيرة.

اعترافات
أمام اللواء فاروق لاشين مدير مباحث العاصمة المصرية أدلى الشاب محمد مصطفى «الحلاق» باعترافات تفصيلية وقال إنه هو نفسه السفاح الذي ارتكب أكثر من 15 حادثاً مروعاً في حي المعاي الهاديء (في جنوب القاهرة)، ومنطقة وسط المدينة أحياناً.
المتهم الذي احترف الظهور في الظلام وتمزيق ملابس النساء من  الخلف والتحرش بهن، والهرب دون أن يستطيع أحد الإمساك به، حير أجهزة الأمن ولم يستطع أكثر من 100 ضابط مباحث الإمساك به.

المواجهة
قبل استكمال خطوات التحقيق اقتحمت أسرة السفاح مكتب ضابط المباحث، وأكد أفرادها أن محمد بريء، فهو شاب هادئ، متدين لم يسىء مطلقاً إلى أحد من جيرانه أو أقاربه، والجميع يحبونه في منطقة الشرابية (في شمال القاهرة). لكن رجال المباحث أكدوا للأسرة أنهم لم يجبروا محمد على الاعتراف بل هو أدلى بنفسه بهذه الاعترافات، بعد ضبطه وهو يرتكب فعلاً فاضحاً في الطريق العام.
مدير المباحث قرر أن يستدعي ضحايا السفاح ليتعرفوا عليه وحسم القضية،  وهل هو السفاح أم لا؟ وبدأت المباحث بإحدى السيدات التي فاجأها السفاح وهي تستقل مترو الأنفاق ومعها شقيقتها وابنتها وتحرش بهن وأمسك الناس به وضربوه ثم أطلقوه حين توسل إليهم، ووعدهم بعدم تكرار فعلته. واكتشفت السيدة بعد ذلك أنه مزق ملابسها بشفرة الحلاقة، فأبلغت الشرطة.
وفي عرض قانوني تمكنت السيدة وبسهولة من التعرف على حلاق الشرابية وأكدت أن ملامحه مميزة ولا يمكن أن تنساها. فأدرك رجال المباحث أنهم يسيرون في الطريق الصحيح، وتغيرت نبرة أسرة السفاح ووالدته آمال عطية وأشقائه هبة ومحمود وإبراهيم، فبدأوا يتحدثون عن مرضه النفسي، وخجله، والتفكك الذي يعيشه.
واصل رجال المباحث عرض المتهم على بقية المجني عليهن، ولم يكن هناك مجال للشك. محمد مصطفى هو نفسه السفاح، لأن ملامحه الأجنبية وتكوينه الجسماني لا يمكن أن يخطئها أحد. وتأكد مدير مباحث القاهرة أن بعض الضحايا ساهمن في تضليل الشرطة من خلال الإدلاء بأوصاف غير صحيحة، بل إن البعض تفنن في اختراع حوادث لا علاقة لها بالواقع عن تعرض بعض النساء لتحرش وهمي.

تفكّك أسري
اعترافات المتهم عكست واقعه المؤلم، فقد نشأ في أسرة تفكّكت بعدما انفصل والداه، وتزوج والده من أخرى، وعاش محمد مع والدته التي تفرغت لتربيته مع باقي أشقائه. وأصيب الشاب بمرض الانفصال عن عالمه والوحدة، لم يعد له أصدقاء. وزاد أوجاعه إصابته بمرض عضوي خطير في الحوض يمنعه من الإخراج بشكل طبيعي. وخضع لجراحات عدة وأصبح يكره العالم. يعيش مع نفسه في غرفته، ولم يرغب في إكمال تعليمه رغم محاولات والدته المستميتة لأن تجعله يستمر، لكنه ترك دراسته في مرحلة الإعدادية ليبدأ تعلم مهنة الحلاقة.

سلوك شاذ
تنقل محمد بين أكثر من محل، ولكنه لم يكن يعقد صداقات. صامت، هامس الحديث، يعود إلى منزله فوراً بعد انتهاء عمله، يغرق في عالم مليء بالعقد النفسية والإخفاقات التي عاشها بسبب عدم استطاعته تحقيق أي حلم من أحلامه، فهو لم يعلم أن مرضه يمنعه من أن يصبح شاباً طبيعياً، يحب وتحبه فتاة ويتزوجها.
وجد محمد في مشاهدة الأفلام الإباحية منفساً له، وبدأ السلوك الشاذ  ينمو بداخله ويبحث عن وسائل غير تقليدية لإشباع غرائزه. وتشبع بحالة من الكراهية للجنس الآخر، ورغبة في الانتقام منهن لأنهن لا ينظرن إليه، بل تعتبره بعض فتيات المنطقة التي يسكنها شاباً غريب الأطوار.
وبدأت الفكرة تراود محمد فراح ينهي عمله في محل الحلاقة ويحمل شفرة حادة ويتجه إلى الأماكن النائية في حي المعادي الهاديء، ويستمتع حين يشقّ ملابس النساء من الخلف ليشاهد أجسادهن ثم يهرب وهو يستمع إلى صيحاتهن. وشجعه على الاستمرار عدم تمكن إحداهن في بداية سلسلة الجرائم من أن تلتقط أوصافه.

الضحايا
المتهم وبحسب اعترافاته ارتكب جرائم عدة في منطقة المعادي، وضحاياه تلميذات مدارس، وطالبات جامعة، وربات بيوت. ولكن السفاح قرر بعد فترة أن يبتعد عن منطقة المعادي بعدما شعر بأن الشرطة تحاصر المنطقة وبدأ يتجه إلى حي البساتين القريب من المعادي، وبعض الأحياء الشعبية حيث الزحام.
وارتكب محمد جرائم عدة، وبعض الضحايا في البساتين تمكّن من تحديد أوصافه، وفي ميدان رمسيس تمكنت إحدى السيدات من الإمساك به أثناء محاولته تمزيق ملابسها لكنه بكى وتوسل إليها أن تتركه وأخبرها بأنه مريض. وبالفعل رق قلب السيدة وتركته.
كان المتهم يعود إلى منزله سعيداً بما أنجزه، يسترجع مشاهد تمزيق ملابس الضحايا ويزداد شعوره بالفرحة لأنه حقّق هدفه. ثم يروح يخطط لجريمة جديدة، ولكنه قرّر أن يوقف نشاطه بعض الوقت بعدما شعر بجهود أجهزة الأمن التي قلبت الدنيا عليه، وأدرك أن عليه أن ينتظر بعض الوقت قبل أن يرتكب جريمة جديدة.
اعترافات السفاح أكدت أيضاً أنه تراجع عن ارتكاب بعض الجرائم بسبب حذر الضحايا والوجود الأمني المكثف في بعض المناطق. وأكد اللواء فاروق لاشين مدير مباحث القاهرة لـ «لها» أنه تم القبض على أحد الأشخاص بعدما انطبقت عليه أوصاف الضحايا، لكن المباحث استدعت إحدى المجني عليهن، فأكدت أنه ليس هو السفاح الذي اعتدى عليها.

شقيقة السفاح: لا أتخيل أن شقيقي فعل ما يقولون عنه
هبة شقيقة سفاح المعادي قالت عندما التقيناها: «شقيقي عنده حياء، متدين، لم يتحدث مطلقاً إلى أي فتاة. لا أصدق حتى الآن كل ما يقال عنه، لا أتخيل أن محمد يفعل كل ما يقولون عنه».وأضافت: «يوم الحادث كان في عمله وتأخر واختفى، وتحركنا جميعاً للبحث عنه واكتشفنا أنه في قسم الشرطة. فوجئنا بأن الجميع يقولون إنه السفاح الذي ارتكب جميع الجرائم التي كنا نقرأ عنها في الصحف. ولا أدري هل هذا صحيح أم لا؟ في أي حال نحن أوكلنا إلى محام الدفاع عنه بعدما قررت النيابة تجديد حبسه 15 يوماً على ذمّة التحقيقات ومواجهته بالضحايا».