حكاية المحامي الذي حاول ابتزاز الوليد بن طلال

تحقيق, الأمير الوليد بن طلال, اختلاس, شركة روتانا, قنوات روتانا

18 مايو 2009

ربما كانت هي المرة الأولى التي يتعرض فيها الأمير الوليد بن طلال لهذا النوع من الابتزاز، لكن هذا ما حدث من أحد المحامين الذي انتهز كل لحظة أمضاها في شركات روتانا التي يمتلكها الأمير الوليد قبل أن يبدأ خطته المثيرة مستغلاً ما في جعبته من أوراق تتعلق بالعمل والمنافسات الاقتصادية بين الشركات، وكذلك ما سرقه من مستندات وعقود وشيكات.
في أحد الفنادق الشهيرة سقط المحامي المتهم وهو يتسلّم نصف مليون جنيه من مندوب الأمير الذي اتفق مع الشرطة على مسايرة المحامي حتى يسقط. فما هي تفاصيل تلك القصة المثيرة؟

اندهش رجال مباحث الأموال العامة وهم يقرأون رسائل البريد الإلكتروني المستفزة التي أرسلها المحامي تامر للأمير الوليد بن طلال صاحب مجموعة شركات «روتانا». تجاوز المحامي كل الحدود في تهديداته للأمير. وتضمنت الرسائل عبارات: «قد أعذر من أنذر.. ولا تلومن إلا نفسك». هذه التهديدات كانت آخر رسائل بعث بها المحامي إلى الإيميل الخاص بالوليد بن طلال ليطالبه بمبالغ طائلة تتجاوز 750 ألف جنيه في مقابل التوقف عن الابتزاز.نجح المحامي في إشاعة جو من التوتر في شركات «روتانا» بعد أن أوحى للجميع بأنه تمكن من سرقة مستندات مهمة خاصة بالشركة، بل إنه أرسل رسالة للأمير يوحي فيها بأن هناك شركات منافسة تدفعه لاستغلال هذه المستندات وإلحاق خسائر بمجموعة شركات «روتانا».المثير أن مساعدي الأمير أصابهم القلق خاصة أن المحامي صاحب هذه التهديدات ظل يعمل 4 سنوات في مجموعة شركات «روتانا»، ويحمل توكيلات عامة بالتصرف في أمور كثيرة مالية وتجارية. وخشي المسؤولون أن يسيء المتهم استغلال التوكيلات.

الفخ
حسم الأمير الوليد بن طلال أمره، وأرسل مستشاره الإعلامي محمد حلمي السيد إلى القاهرة لتقديم بلاغ رسمي إلى أجهزة الأمن. والتقى المستشار الإعلامي باللواء عبد الله الوتيدي مساعد وزير الداخلية ومدير الإدارة العامة. لمباحث الأموال العامة وحكى المستشار حكاية المحامي كاملة مؤكداً أنه التحق بالعمل في الشركة منذ سنوات وكان يحصل على راتب مجزٍ، وقبل شهور طلب من إدارة الشركة الحصول على مبلغ 55 ألف جنيه قرض زواج، ووافقت الإدارة لكن المحامي تامر فاجأ الجميع وانقطع عن العمل فجأة دون أي مبررات.

أرسلت إدارة الشؤون القانونية للمحامي رسائل عدة تطلب منه توضيح موقفه، وتفسير سر اختفائه، لكن المحامي تجاهلهم تماماً، وبدا كأنه يجهز لأمر ما. فوجىء الأمير الوليد بن طلال بإنذارات قضائية موجهة من المحامي إليه، طالبه فيها بمبالغ هائلة وتعويضات عن أضرار وهمية، وحينما تجاهل الأمير الوليد هذه الإنذارات تحولت إلى رسائل تهديد تحمل إيماءات من المحامي برغبته في إلحاق أضرار بالشركة. وقال في إحدى الرسائل الموجهة للدكتور وليد عرب هاشم أحد مساعدي الأمير في إدارة شركاته: «لم أسع لكتابة هذا الخطاب إلا بعد ضغوط شديدة من آخرين نما إلى علمهم ما بيننا من مشاكل ويحاولون أن ينالوا مني للإضرار بكم واستعدادهم لتمويلي في جميع ما أحتاجه من أموال لمعاونتي إياهم فيما يصبون إليه من مخططات. بعد انتهاء المستشار القانوني من تقديم بلاغه طلبت منه المباحث جرد عهدة المحامي ومجاراته فيما يطلبه، وكانت المفاجأة حينما انتهت لجان جرد العهدة من عملها أن المحامي اختلس عقود فيلمي «طبول في الليل» و«الطريق إلى مستشفى المجانين» وثمنهما يتجاوز 55 ألف دولار بل أصبح من حقه بيعهما.

كشف الجرد أيضاً عن استيلاء المحامي على أموال تصل إلى 200 ألف جنيه بالإضافة إلى مستندات أخرى لم يتمكن مسؤولو الشركة من تحديدها. سارع مستشار الشركة الى مراسلة المتهم وطلب منه تحديد مطالبه. بعث تامر رسالة بالبريد الإلكتروني للمستشار محمد حلمي يؤكد فيها أنه يريد 750 ألف جنيه نظير خدماته لشركات الأمير الوليد بن طلال، وهي تعويض على راتبه «البخس» على حد تعبيره والذي تقاضاه طوال 4 سنوات.

طلبت مباحث الأموال العامة من المستشار الاستمرار في التفاوض مع المحامي وإيهامه بالموافقة على دفع هذه المبالغ في مقابل إعادة المستندات التي اختلسها. والتقى المستشار محمد حلمي مع المحامي مرات عدة في أماكن متفرقة، وكان يتم تسجيل هذه اللقاءات بالصوت والصورة دون أن يشعر المحامي بأي شيء. اكتشف رجال المباحث أن المتهم كوّن قاعدة علاقات مع بعض المسؤولين في مقابل هدايا قيّمة كان يقدمها لهم أثناء وجوده في شركات «روتانا»، هذه الهدايا كانت عبارة عن اسطوانات الأفلام التي تقدمها قنوات روتانا، حاول هؤلاء المسؤولون أن يدعموا موقف تامر ولكن من وراء الستار.

الشعور بالخطر
تم الاتفاق الأخير بين مندوب الأمير وتامر على أن يتلقى الأخير 500 ألف جنيه مقابل التوقف عن رسائل الابتزاز والتشهير وقيامه أيضاً بتسليم عقود الأفلام التي اختلسها. وحدد المحامي اللقاء مع المستشار محمد حلمي في مطعم «جروبي» الشهير في وسط المدينة. وفجأة طلب تامر تغيير مكان اللقاء بعد أن شعر بالخطر، وحدد المكان في أحد الفنادق الكبرى على كورنيش القاهرة. كان المحامي يهدف إلى التأكد من خلو المستشار محمد حلمي من أي وسائل تسجيلات والبوابات الإلكترونية للفندق كانت كفيلة بهذه المهمة، ولكن رجال مباحث الأموال العامة كانوا يسابقون الزمن وتمكنوا من تعطيل بوابات الكشف عن الأجهزة المريبة حتى تكتمل المهمة. جلس المتهم مع مندوب الأمير في أحد الأركان المعزولة في الفندق وطلب تامر أن يرى الأموال التي أحضرها محمد حلمي، لكن مستشار روتانا اشترط إعادة عقود الأفلام المسروقة أولا.ً ابتسم المحامي، وأكد أنه يجهز مفاجأة سارة وغير متوقعة للمستشار الإعلامي. أخرج من حقيبته مجموعة من أصول شيكات بمبلغ 275 ألف دولار تمتلكها شركات روتانا ضد المنتج الفني إيهاب طلعت الهارب للخارج، وتمكّن المحامي من اختلاس هذه الشيكات دون أن يدري بها أحد، وساوم بها أتباع إيهاب طلعت.

لم يتمالك المستشار الإعلامي نفسه من الدهشة، ولكنه عاد وأصرّ على الحصول على عقود الأفلام المسروقة. وطلب تامر من شقيقه سرعة إحضار العقود من سيارته، ولحظة التسليم كانت مثيرة، فوجىء تامر بأكثر من 30 شخصاً يحاصرونه، وألقوا القبض عليه بتهمة تهديد الأمير وابتزازه واختلاس عهدة من شركته.أمام النيابة حاول المتهم الإنكار لكنه اكتشف أن جميع اللقاءات والمحادثات بينه ومندوب الأمير الوليد بن طلال كانت مسجّلة بالصوت والصورة. ولم يجد مفراً من الاعتراف وقرر النائب العام المستشار عبد المجيد محمود حبسه بعد أن وجهت إليه النيابة اتهامات عدة.