طلاق الزوج السكران يثير جدلاً بين علماء الدين
مكالمة من زوجة لأحد البرامج الدينية قالت فيها إن زوجها طلقها وهو سكران أثارت جدلاً فقهياً على الهواء مباشرة بين اثنين من علماء الأزهر، الأمر الذي زاد حيرة الزوجة في ظل تأكيد أحدهما أن طلاق السكران يقع، في حين اعترض الآخر مؤكداً أنه لا يقع ولم تعرف الزوجة هل طلاقها وقع. أم لا ولم تعرف بأي الرأيين تأخذ. «لها» استطلعت آراء الفقهاء حول القضية فماذا قالوا؟
تعود القصة عندما استضاف أحد البرامج الدينية مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية والدكتور صبري عبد الرؤوف أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر وشكت زوجة اليهما ما فعله زوجها الذي طلقها وهو سكران، وسألت هل هي مطلقة أم لا ؟
الدكتورة صالح أكدت أن رأي جمهور الفقهاء أن الطلاق لا يقع لافتقاده العقل الذي هو مناط التكليف في الأحكام الشرعية، والعلة أوضحها القرآن في قوله تعالي: «يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون» (آية43 سورة النساء). وعن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا طلاق ولا عتاق في إغلاق»، وهذا دليل على عدم وجود الإدراك أوالقصد بسبب الجنون أو السكر أوشدة الغضب أو الحزن الشديد ولهذا ليس للمجنون ولا للسكران ولا للمضطهد طلاق.
وشددت صالح على أن الأعراض النفسية للسكران منها النسيان والخطأ والإكراه وحسب شريعة الإسلام لا تأثير في الأقوال والأعمال والإهدار والإلغاء للسكران لأنه يعذر بما لا يعذر غيره لتجرده من القصد والإرادة. ويعد السكران غيرعاقل لأنه لا يدري بما نطق من ألفاظ الطلاق مما يترتب عليه ضرر يلحق بالزوجة والأطفال، وبالتالي لايجوز أن يعاقب الآخرون بذنب لم يقترفوه خاصة أن الله يقول «ولا تزر وازرة وزر أخرى» (آية 18 سورة فاطر)، بناء عليه فإن السكران غير مسؤول عن الطلاق لأنه متأثر مباشرة بالسكر.
التهاون مرفوض
أما الدكتور صبري عبد الرؤوف فيعارض رأي صالح، مؤكداً أن طلاق السكران يقع خاصة إذا كان يعلم بحرمة ما فعله وبالتالي فهو يتحدى أحكام الشرع ويجب أن نقسو عليه حتى لا يتهاون في أحكام الدين ويتجرأ عليها، لأنه يعلم أن ما يفعله لن تتم محاسبته عليه، ولكن إذا علم أن أفعاله وأقواله سيحاسب عليها فإنه سيفكر ألف مرة قبل ارتكاب مخالفة للشرع. ويجب أن يعلم شاربو الخمر أنهم استباحوا كبيرة من الكبائر «أم الخبائث» وهي مفتاح كل شر، وهناك حديث للنبي صلى الله عليه وسلم يؤكد فيه أنه لا يشرب الخمر مؤمن، بل أخبرنا أن من شربها في الدنيا لم يشربها في الآخرة. وقد فسر العلماء معنى « لم يشربها في الآخرة» بلا يدخل الجنة، وقال آخرون لا يشربها في الآخرة يعني لو دخل الجنة. فإنه يُحرم لذة التنعم بشرب خمر الجنة ويكفي أن لعنة الله ورسوله النبي صلى الله عليه وسلم تقع على شارب الخمر، ولهذا فإن طلاق السكران يقع عقوبة له على شربه وهو عاصٍ لله، فلا ينبغي أن يقابل عصيانه بالتخفيف عنه وعدم وقوع الطلاق منه.
الزوجة تدفع الثمن
ويرى الدكتور عبد الحي عزب عميد كلية الدراسات الإسلامية في بني سويف أن قضية طلاق السكران من القضايا الخلافية حيث قال بعض العلماء إن طلاق السكران لا يقع لأنه لا يعي ما يقول ولا يدري ما يفعل فكيف نلزمه بنتائج أمر لا يدري عنه شيئاً. وهناك من يقول إن عقوبة شارب الخمر إنما تكون عليه نفسه وهو معاقب بالجلد أو الضرب، وإذا عاقبناه بإيقاع الطلاق فهذه العقوبة تدفع ثمنها معه زوجته دون ذنب لها وربما يكون لهما أولاد فتنهار العائلة ويحصل الضررعلى غيره. «وأرى أنه لا يقع طلاق السكران ولا يعتد بكلامه مع وجود عقوبة رادعة عليه لما اقترفه من استحلال كبيرة من الكبائر، وهذا الأمر يرجع فيه إلى القاضي حتى لا نحكم ببقاء الزوجة معه أو بفراقه إياها إلا بحكم شرعي يرفع الخلاف. وعلينا الاستفادة من اجتهادات السلف مع مراعاة ظروف الزمان واحترام اجتهادات المخالفين مثلما حدث مع خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز، حينما جاء اليه رجل وقال: طلقت امرأتي وأنا سكران. فكان رأي عمر بن عبد العزيز أن يجلده ويفرق بينه وبين امرأته حتى حدثه ابن عثمان بن عفان عن أبيه أنه قال« ليس على المجنون ولا على السكران طلاق»، فوافق عمر على أن يكون هناك عقاب للرجل وهو الجلد ورد إليه امرأته. وكذلك ما ورد عن ابن عباس: «أن طلاق السكران والمستكره ليس بجائز»، ولا يعني هذا التهاون مع شارب الخمر بل الأخذ بأخف الضررين. ومن المعروف شرعاً أن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة «وآثار الطلاق وتدميره للأسرة بمن فيها من زوجة وأولاد ضرر كبير ولكن يجب عقاب السكران بالجلد وعدم إيقاع طلاقه».
تهديد
على العكس من ذلك، يرفض الدكتور عبد الفتاح الشيخ الرئيس الأسبق لجامعة الأزهر المهادنة مع شارب الخمر وعدم معاقبته ومحاسبته على ما يقول ويفعل مما يشجعه على التمادي، ولهذا فإن تهديده بمعاقبته شخصياً وتفعيل ما يقول ويفعل حتى وإن كان الطلاق فيه ردع له يخشى من خلاله أن تنهار أسرته فلا يُقدم على شرب الخمر التي سماها الرسول صلى الله عليه وسلم «أم الخبائث» لما يترتب عليها من أضرار على الشارب ومن يعولهم بل والمجتمع كله وأستدل أصحاب هذا الرأي بتفسير آخر للآية القرآنية «لاتقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون» (آية 43 سورة النساء). بالتالي فإن طلاق السكران واقع ومسؤول عنه وإن كان فاقداً للوعي لأن الله خاطب المؤمنين ونهاهم عن الصلاة وهم سكارى بهذا يقصد أنهم مكلفون وقت سكرهم والمكلف إذا طلق وقع طلاقه ولا يجوز تبرير جريمة بالفهم الخاطئ للحديث النبوي « كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله» ووجه الدلالة هنا أن الذي لا يقع طلاقه هو المعتوه لا السكران لأنه هو من تسبب بغيبوبة عقله بما هو ممنوع ومغضب لله. أما المعتوه أو المجنون فلا حرج عليه لأن فقده للعقل ليس بإرادته.
قضية خلافية
يقول الدكتور حامد أبو طالب عضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر: «طالما القضية خلافية فيجب أن تُعرض على المجامع الفقهية لاتخاذ رأي واحد فيها، وإن كنت أرى في ما توصلت إليه ندوة مجمع الفقه في الهند قبل سنوات من قرارات يحل الخلاف جزئياً حيث قرر الفقهاء المشاركون فيها أن من سكر دون علم بالحرمة أو كان تناول شيئاً مسكراً للتداوي أو لحاجة ضرورية أو كان مكرهاً فإن الطلاق لا يقع، فإن كان شربه باختياره ولم يغب عقله وقع الطلاق، فإن غاب عقله ففي الأمر خلاف والأكثر أنه لا يقع».
تشديد العقوبة
وتطالب الدكتورة ملكة يوسف زرار أستاذة الشريعة الإسلامية في جامعة القاهرة واضعي قوانين الأحوال الشخصية في الدول الإسلامية بعدم مساواة طلاق السكران بطلاق المعتوه والمكره والمغمى عليه والنائم وضرورة استخدام القاضي سلطته التقديرية في ردع السكران لأنه أحياناً يتمادى في سكره معتمداً على أن كلامه غير معتد به، فهناك من يعتبر ذلك وكأنه رخصة ليفعل ويقول ما يشاء دون حساب ومن لا يعقل على كلامه وأفعاله فليس بمكلف.
وتضيف الدكتورة ملكة: «بناء على ذلك أرى أن يقع الطلاق وله مراجعة زوجته إذا لم تنته عدتها فإن انقضت فلابد من تجديد العقد عليها إن أراد الرجوع إليها إذا لم يكن طلقها قبل هذا مرتين، فإن كان سبق له أن طلقها مرتين فلا تحل له حتى تتزوج بغيره ويدخل بها ويطلقها بإرادته التامة بعيداً عن أي ضغوط أو اتفاقيات مسبقة، وإلا أصبح المحلل كالتيس المستعار كما وصف في الحديث النبوي لأنه أراد التحايل على شرع الله. ففي هذا تنبيه له ولأمثاله الى أن تعاطي المخدرات وتناول المسكرات ليس معصية عادية بل كبيرة من كبائر الذنوب وعليه التوبة الصادقة والإقلاع عنها والندم على فعلها والعزم على تركها للأبد».
الأكثر قراءة
إطلالات المشاهير
تيا ديب ابنة نوال الزغبي تعتمد موضة الكروب توب...
إطلالات النجوم
آيس سبايس بإطلالة من الدانتيل الأبيض في عرض...
إطلالات النجوم
أبرز فساتين سيدني سويني في عام 2025
إطلالات النجوم
الفساتين القصيرة… التوقيع الأبرز في إطلالات مي عمر
إطلالات النجوم
كايلي جينر تتألق بفستانٍ من الريش مكشوف الظهر
المجلة الالكترونية
العدد 1091 | تشرين الثاني 2025
