Home Page

اعترافات مريضة بالإيدز

مرض السرطان, الزواج العرفي, مواقع الزواج الإلكتروني, التعايش مع المرض, انتشار المرض, مرض نقص المناعة / الإيدز

23 يونيو 2009

عندما اكتشفت سحر التي لم تتجاوز 28 عاماً إصابتها بالإيدز اعتقدت أنها ماتت إكلينيكياً، خاصة أن الأطباء أكدوا لها أنها في مراحل متأخرة من المرض، لكنها قاومت وبدأت تفكر في استغلال كل لحظة بقيت لها بشكل صحيح. وقررت أن تمضي ما تبقى من حياتها في التوعية من أخطار هذا المرض، وبث نصائحها وتحذيراتها إ‍لى الفتيات قبل أن يسقطن في الفخ الذي قادها إلى المرض اللعين.
«لها» التقت سحر ودوّنت اعترافاتها.

دققت كثيراً في صورتيها، حاولت أن أنبهها إلى وجود اختلاف كبير بينهما، لكنها أكدت ان الفارق الزمني بين الصورة والحاضر لا يتجاوز العامين، لكن الصورة الأولى التي كانت تنبض فيها بالأمل والنشاط كانت قبل إصابتها بمرض الإيدز اللعين، والصورة الثانية كانت بعد إيداعها مستشفى الحميات واكتشاف الأطباء أن سحر تعاني إصابة بالإيدز، بل إنها في مراحل متأخرة من هذا المرض القاتل!
الشحوب يكسو وجهها الذي حاولت أن ترسم عليه ابتسامة واهنة تستقبلني بها وهي ترقد على فراش «الموت»، أقصد المرض، في مستشفى الحميات بالعباسية في عنبر لا يعيش فيه إلا مرضى الإيدز، تحت حراسة مشددة ورعاية طبية فائقة.

- سألتها: أعلم أنك لم تتجاوزي عامك الثامن والعشرين، لكنك تبدين أكبر بسنوات. فما هي حكايتك وما الذي جاء بك إلى هذا المكان؟
تنهدت سحر بأسى، وسالت دموعها رغماً عنها. بذلت مجهوداً كبيراً للسيطرة على مشاعرها، بدت وكأنها تقاوم كابوساً ثقيلاً جاسماً على صدرها يمنعها من الحديث، لكنها تمكنت بعد دقائق من الكلام، وخرج صوتها متحشرجاً من أثر البكاء والمرض وقالت: «أنا ضحية أم مستهترة قضت على حياتي. كنت أسخر قديماً من البعض حينما كانوا يرددون لنا مقولة: الأم مدرسة إذا أعددتها، أعددت شعباً طيب الأعراق. كنت صغيرة لا أدرك معنى لأي شيء والآن عرفت الحقيقة، فالأم هي المسؤولة عن بناء الأسرة أو تدميرها».

الوكر!
تواصل سحر حديثها قائلة: «حينما اكتشفت إصابتي بمرض الإيدز ذهبت بمفردي إلى مستشفى الحميات وطلبت إيداعي بكامل إرادتي، ورفضت استقبال أمي لأنها سبب ما وصلت إليه، هي المسؤولة عن القضاء على مستقبلي وأجمل أيام حياتي. لم تكن أماً بل كانت سيدة لا تعرف في حياتها سوى العبث والسهر، ولا تهتم بما يحدث لابنتها الوحيدة.
عندما بدأت أعي ما يدور حولي وجدت نفسي في كنف أسرة ميسورة الحال، الأب موظف كبير يمضي معظم وقته في عمله بحثاً عن الرزق، وسعياً لتوفير حياة كريمة لأسرته، لكن أمي كانت على عكسه تماماً، فهي عابثة، متمردة على حياتها، تكره الاستقرار، وتعشق السهرات، والشرب، والقمار. وتحول منزلنا إلى «ماخور» في غياب الأب الذي كان يسافر كثيراً بحكم عمله. لم أكن أدرك معنى وجود غرباء من الرجال في منزلنا أثناء غياب أبي، لكن أمي كانت تبث دون أن تدري هذه الصور في نفسي».

- ألم يكتشف والدك ما يحدث من وراء ظهره؟
 للأسف كان والدي طيب القلب، يثق بأمي، ويصدقها. وكانت أمي ترتدي ثوب العفاف أمامه، وتسعى لإخفاء حقيقتها، لكن والدي اكتشف هذه الحقيقة متأخراً للغاية.
تلتقط مريضة الإيدز أنفاسها اللاهثة وتواصل حديثها: «عاد والدي مرة من السفر قبل موعده بيوم، كان محمّلاً بالهدايا ويستعدّ لمفاجأتنا، لم يكن يدرك أن المفاجأة ستكون من نصيبه هو شخصياً. سمع ضوضاء أثناء اقترابه من باب شقتنا، فتح الباب وللوهلة الأولى لم يصدق نفسه. ظن أنه أخطأ المكان، كان يتصور أنه سيجد زوجته وابنته - ابنة الخمسة عشر عاماً - نائمتين، لكنه اكتشف أن شقته تحولت إلى وكر لكل شيء: قمار، خمر، رقص، ضيوف بالعشرات!
صرخ والدي، طرد الجميع بمن فيهم أمي، حتى أنا لم أسلم من غضبه وعقابه. بكيت وتوسلت إليه أن يتركني أعيش معه. بكي والدي وهو يصر على قراره واتهمني بالتستر على جرائم أمي ومشاركتها ما كان يدور في منزلنا منذ سنوات.

- ماذا حدث بعد ذلك؟
 استقبلت أمي القرار بهدوء، وحزمت حقائبها واستأجرت شقة بنظام الإيجار الجديد، وذلك بعد رفض معظم أفراد أسرتها استقبالنا. لم أشعر بأن والدتي تأثرت بما حدث واستمرت حياتها كما كانت من قبل.

- كيف بدأت رحلة الإصابة بالإيدز؟
 بدأت والدتي تفكر في استثماري وتعرضني على زبائنها للزواج العرفي، أو زواج المتعة، أو الزواج الصوري أياً كان اسمه، فهو زواج لمدة يوم واحد، بورقة عرفية وشاهدين. بعدها ينتهي كل شيء... تزوجت كثيراً ولم أكن أعرف أو أذكر أسماء أو أعداد كل من تزوجتهم، لكن بعضهم استمرّ زواجي به أسبوعاً واحداً. كنت أشبه السفينة التي لا ترسو مطلقاً، وتنتقل من ميناء إلى ميناء...

- ألم تشعر والدتك بخطورة ما يحدث لابنتها؟
 لم يكن يهم أمي سوى جمع المال لأنني أصبحت الدجاجة التي تبيض ذهباً. فأنا مصدر رزقها الوحيد، وهي لا تستطيع الاستغناء عن الشرب. أحياناً كنت أشكو إليها حالي، وأخبرها أنني أريد أن أعيش حياتي مثل أي فتاة. في منزل مستقر، مع زوج يحبها وتحبه وتتمنى أن يرزقها الله أطفالاً.
تضحك سحر بتهكم وتواصل: «كانت أمي تسخر بشدة من هذا الحديث، وتخبرني أن الحياة هي المال فقط، فلا سعادة بلا مال. وكانت تنصحني بالبحث عن المزيد من الأزواج الأثرياء».

- ومتى بدأت تشعرين بأعراض الإيدز؟
فجأة بدأت أشعر بدوار مستمرّ وتقيؤ دائم وهزال وعدم رغبة في الأكل. أهملت كثيراً الذهاب إلى الأطباء، ولكن بعدما ساءت حالتي تشجعت واتجهت إلى أحد الأطباء، فطلب مني إجراء بعض التحاليل ولكن للأسف لم ترغب أمي في مساعدتي في استكمال الكشف، بل طلبت مني أن أعود إلى عالمها. وبالفعل قهرت «مرضي» وعدت إلى عالم أمي.
تكمل سحر: «ازداد شحوبي وإجهادي. حسمت أمري وأجريت التحاليل وحينما قدمتها إلى الطبيب فوجئت بأني مصابة بالإيدز في مراحل متأخرة. لم أصدق نفسي وأدركت أن الله يعاقبني على حياتي، وعلى انسياقي في تيار أمي، فبعدما أصبح عمري 28 عاماً مازلت مسلوبة الإرادة أمامها.
قررت أن أبدأ من جديد في الفترة الباقية في حياتي. بدأت أراسل بعض الشباب والفتيات عن طريق الإنترنت لأحذرهم من خطورة مرض الإيدز وأبث في نفوسهم مواعظ وأخبرهم ببعض المشاهد من حياتي حتى يستوعبوا الدرس.
أحسست أنني أقوم بدور مهم، فالمطلوب ألا تسقط أي فتاة في المحظور الذي سقطت فيه. الزواج الرسمي الصحيح هو الأنسب، بدلاً من التنقل بين أكثر من زوج، لأن النتيجة الحتمية ستكون الدمار الذي وصلت إليه.
تواصل: «حاولت أمي أن تزورني لكنني رفضتها تماماً، فهى السبب في ما وصلت إليه، وأتمنى أن يتوب الله عليها بعد فعلتها الشنعاء لأنها لم يكفها تدمير حياتها مع زوج يحبها ولم يبخل عليها بشيء، بل قتلتني وأنا في أجمل أيام العمر».