عندما تصل تضحية أم إلى حبل المشنقة

إعدام, جرائم, محاكمات, تضحيات

02 يوليو 2009

حينما قالوا إن الأم تضحي بأي شيء لترفع الضرر عن أبنائها لم يكن الكلام مجرد شعار. فالسيدة سامية اقتحمت النيران... لم تفكر وهي تدلي باعترافها أمام رئيس المباحث بأنها قد تدفع الثمن باهظاً، وقد ينتهي بها المطاف عند حبل المشنقة. لم تبال ولم تهتم بمصيرها، لم يكن يهمها سوى إنقاذ مستقبل ابنها الفتى محمود ابن الثامنة عشرة. فهو في ريعان شبابه وينتظره المستقبل. باعت السيدة سامية الدنيا كلها من أجل ابنها الوحيد، فهو الذي تبقى لها من هذا العالم بعد موت والده الذي دمر حياة أسرة بأكملها. اعترفت سامية كذباً بجريمة قتل لم ترتكبها من أجل أن تبعد الاتهام عن ابنها الذي لم يرضه في النهاية أن يورط أمه وكشف الحقيقة. كثيراً ما نسمع عن تضحيات الأمهات، وما يفعلنه من أجل أبنائهن. لكن ما فعلته السيدة سامية يتجاوز المعقول، لأنها قررت أن تضحي بحياتها مقابل إنقاذ ابنها، كانت تعلم أن الإعدام ينتظرها ولم تتردد لحظة واحدة وهي تسابق الزمن إلى رئيس مباحث إمبابة شمال القاهرة لتدلي باعتراف وهمي يدفع عن ابنها تهمة القتل.


البداية

البداية في الثالثة فجراً، حين أنهى رئيس المباحث يومه الشاق واستعد لمغادرة مكتبه. الإرهاق كسى ملامح وجهه وهو يطلب من عسكري الحراسة أن يغلق المكتب، لكن المجند تردد قبل أن يخبر الضابط أن هناك سيدة تريد مقابلته بشكل عاجل.

استقبلها رئيس المباحث وسألها عن سر زيارتها في هذا التوقيت، بكلمات مرتعشة قالت: «لقد قتلت زوجي». ظن الضابط أن السمع خانه، وعاد يطلب منها أن تكرر ما قالته، فأكدت سامية أنها أطلقت النار على زوجها، أصابت الدهشة رئيس المباحث لأن الجرائم التي تستخدم فيها النساء السلاح الناري نادرة، والحوادث التي تطلق فيها الزوجات النار على أزواجهن معدودة على الأصابع. لكنه في النهاية طلب من الزوجة أن تشرح له تفاصيل اعترافها.


جثة ومسدس

طلب من سامية أن يصطحبها إلى منزلها حتى ترشده الى مكان الجثة، وفي أحد الشوارع الضيقة في منطقة إمبابة حيث منزل أسرة الزوجة تجمع الأهالي ليشاهدوا ما حدث. وبكل ثبات صعدت سامية درجات السلم، وفتحت باب شقتها وأشارت نحو غرفة نومها حيث كانت جثة الزوج مسجاة والدماء تغرقها، وقربها مسدس ملقى على الأرض.

عاد الضابط بسامية إلى قسم الشرطة لاستكمال التحقيق والفضول يقتله ليعرف سر هذا الحادث المثير، فيما واصل رجال الطب الشرعي والمختبر الجنائي عملهم بفحص مكان الحادث.


نهاية الكابوس
«زوجي يستحق القتل لأنه باع ابنتي الصغيرة، كان يزوجها إلى الأثرياء ليحصل على مهرها وينفق على مزاجه. لم يكن يهتم بنا بل تركنا نقاسي كثيراً حتى نحصل على قوت يومنا». بهذه العبارات بدأت سامية اعترافها وواصلت قائلة: «حسمت أمري وقررت أن أقتله. أطلقت عليه النار من مسدسه المرخص أثناء نومه، وأنهيت هذا الكابوس الجاثم على صدورنا».

استمر التحقيق مع المتهمة ساعات طويلة، وأعتقد رئيس المباحث أن القضية انتهت، ولكن فجأة أقتحم مكتب الضابط فتى في الثامنة عشرة صائحاً: «ياحضرة الضابط لا تصدق أمي، أنا الذي قتلت أبي». صرخت الأم: «أرجوك يا محمود، عد إلى المنزل، لقد اعترفت وانتهى الأمر».

اندهش رئيس المباحث بشدة من هذا الحوار، وطلب من الأم أن تلتزم الصمت حتى يبوح ابنها باعترافه. حاولت سامية عبثاً أن تقاطع ابنها، لكنه أصر على الحديث، وأكد أنه القاتل وطلب من الخبراء الجنائيين معاينة بصماته على المسدس الذي ارتكب به الجريمة.

احتضن الابن أمه وبكيا، طلب منها أن تعود الى منزلها فهو غير نادم على جريمته. وأكد لرئيس المباحث أن أمه حاولت أن تدفع عنه التهمة حرصاً على مستقبله.

اعترافات تفصيلية
لم تجد سامية مفراً من التزام الصمت، وأجبرها رئيس المباحث على مغادرة غرفة التحقيق الى حين انتهاء ابنها من الإدلاء بأقواله. وأكد محمود أنه غير نادم على جريمته لأن والده يستحق الموت 100 مرة بعدما دمر حياة الأسرة بأكملها. وقال إن أمه حاولت ثنيه عن قراره حين علمت بنيته قتل الأب، لكنه كان قد حسم أمره فأوهم أمه بأنه اقتنع بوجهة نظرها وانتظر ساعة الصفر ليضرب ضربته.

تمكن من سرقة مسدس الأب، وغافل الجميع وأطلق عليه النار وهو نائم. وأقنع أمه أن تدعي بأن أحد الأشخاص من خصوم الأب اقتحم الشقة وقتله بسبب خلافاتهما، واختفى الابن لاجئاً الى منزل أحد أصدقائه في منطقة إمبابة. لكنه فوجئ باعتراف والدته بارتكاب الجريمة مما اضطره إلى تسليم نفسه للشرطة حتى يوضح الأمور وينقذ أمه من حبل المشنقة.


الشيطان أبي

الابن وصف والده بالشيطان، اتهمه بتدمير كيان الأسرة. فضحيته الأولى هي ابنته منى التي تحولت إلى سلعة تباع وتشترى. ومرة فوجئ الابن بوالده يقحم رجلاً في الستين من عمره داخل الحياة الخاصة للأسرة. ولم يدرك السبب الحقيقي وراء اندماج هذا الرجل داخل الأسرة إلا بعدأسابيع من زيارته حين اكتشف أن والده سيزوج العجوز لشقيقته الصغرى رغم فارق السن بينهما.

تقاضى الأب 60 ألف جنيه مقابل هذا الزواج، واحتفظ بهذه الأموال لنفسه وأرسل ابنته إلى منزل زوجها رغم بكاء والدتها التي لم تصدق أن ابنتها ستواجه هذا المصير. ولم يكن هناك من يجرؤ على الاعتراض على أوامر الأب الذي أصدر هذا الفرمان.

لم تمض بضعة أشهر حتى عادت الابنة منى إلى منزل أسرتها ومعها وثيقة طلاقها، حصل زوجها العجوز على متعته وطلقها. وظن الابن والأم أن المأساة انتهت عند هذا الحد. لكن الأب احترف هذه اللعبة المشبوهة، وبعد شهرين استقبل ثرياً ليزوجه منى بعد إتمام العدة. وقبل أن تعترض الأم أو تبدي منى رأيها طلب الأب 30 ألف جنيه مهراً، ووافق الثري، لتتكرر المأساة ثانية.


لعبة الزواج

الابن القاتل قال: «أدمن والدي لعبة الزواج، والضحية لم تكن شقيقتي مني فحسب ولكننا كلنا أصبنا بالإحباط. حاولت أن أقنع والدي بالتراجع عن أفكاره فضربني بقوة، وهددني بالطرد من المنزل. وطلبت مني أمي ألا أتدخل في هذا الموضوع حرصاً على حياتي. وثار جداً عندما حاولت والدتي أن تناقشه في إحدى المرات وتطلب منه تزويج ابنتها لأحد أقاربها، فلاقت أمي مصيري وباتت مهددة بالطرد».

يكمل محمود: «كنا نبكي كل يوم على حالنا، ونواسي منى ونؤكد لها أن الكابوس سيزول. كنت أخطط لتخليص الأسرة من شرور أبي الذي لا يستحق كلمة الأبوة لأنه أصبح سمساراً لجسد شقيقتي، لا يهتم سوى بمصلحته الخاصة، والأموال التي يحصل عليها من تزويج منى للأثرياء... «كادت شقيقتي تنتحر بسببه لكننا تمكنا من إنقاذها في اللحظة الأخيرة، وقتها قررت قتله، صارحت أمي بهذه الفكرة فرفضت ليس خوفاً على والدي، انما خوفاً على مستقبلي. كانت تردد دائماً أنني الأمل الوحيد الذي بقي لهذه الأسرة، لكنني لم أتحمل هذا الشيطان، فحددت ساعة الصفر وسرقت مسدسه وأطلقت عليه النار.

أنهى الابن اعترافه وغادر القسم متجهاً إلى محبسه وسط نحيب أمه التي حاولت إنقاذه بكل السبل ولكن بلا جدوى.