black file

تحميل المجلة الاكترونية عدد 1090

بحث

مأساة لم تشهد الكويت مثلها

الكويت كلها تبكي الفاجعة التي تعرّضت لها منطقة الجهراء بحريق عرس نسائي أقيم في خيمة وخلّف حتى طباعة العدد 45 ضحية ما بين امرأة وطفل، والعدد في ارتفاع لأن هناك أكثر من 77 حالتهم حرجة من مختلف العائلات والقبائل. رائحة الموت لفّت المكان ودماء الجثث المتفحمة وبقايا بشرية، صور لا يقدّمها أفضل فيلم رعب ومآسٍ تعجز السينما عن تصويرها.

من أشعلت الحريق سيدة شابة لم تتجاوز عامها الثاني والعشرين، نهشت الغيرة قلبها على زوجها الذي سمع نصيحة شقيقاته وأمه بالزواج الثاني، لكنها توعدته بالانتقام الذي نال من مجتمع بأكمله.
السلطات ألقت القبض على المتهمة نصرة العنزي التي أقرّت بفعلتها حيث أنها سكبت البنزين على خيمة الحفل. وكان المقصود من فعلتها أن تُفهم زوجها أنها غير راضية عن زواجه من امرأة أخرى، لتنهار مرات عدة في التحقيق وتبكي بحرقة وتقرّ لاحقاً أنها من أشعل الخيمة بالبنزين، وأنها «تستحق الموت» وأنها لم تتوقع أن تحدث هذه الكارثة بينما كان الهدف أن تصل الرسالة، وتفسد العرس على أخوات زوجها اللاتي دأبن على مضايقتها ومحاربتها نفسياً وإرسال صور العروس الجديدة عبر «الموبايل»، وصور الشبكة والهدايا لينغصن عليها حياتها كل يوم حتى وجدت نفسها أسيرة فكرة الانتقام منهن ومن أخيهن.
السلطات واجهت الجانية بخادمة جيرانها التي أكدت أن الجانية كلّفتها بوضع أوراق الصحف تحت أطراف خيمة العرس لتساعد على اشتعالها.
وأعربت الجانية خلال التحقيق معها عن ندمها على ما فعلت، وقالت «أنا مجرمة أستحق الموت»، خصوصاً بعدما علمت أن من بين الضحايا نساء تعرفهن وتربطها بهن صلة قربى.  وأضافت أنها كانت ليلة العرس جالسة في منزل ذويها في الرحاب، واشتعلت نار الغيرة والحقد في قلبها، فأخذت «تاكسي» وتوجهت الى الجهراء ومرّت بمحطة وقود وملأت قنينة ماء كبيرة بالبنزين ثم قصدت خيمة العرس في العيون، وسكبت البنزين على الخيمة من جميع أطرافها وأضرمت بها النار، وقالت «كنت أتوقع أن العروس في داخل خيمة العرس الا انها لم تكن قد وصلت بعد».
أفادت مصادر أمنية اخرى متابعة للحدث أن «التحقيق استمرّ ساعات عدة، وتمت مواجهة المتهمة بشقيقات زوجها اللاتي هددتهن قبل إقامة العرس، فأكدن أنها توعدت بإفساد حفل الزفاف. وتم التضييق عليها بإعلامها عن مصرع أقربائها وأصدقائها في العرس، لتعترف بما فعلت». وأشارت المصادر الى أن «ما تسبب بانتشار النيران هو أن سيارة جيب تخصّ إحدى المدعوات كانت متوقفة بجانب الخيمة، فاندلعت فيها النيران وبلغت خزان الوقود الذي انفجر ليحصد أكبر عدد من الضحايا العرس».

«المعرّس» المنكوب زايد الضويحي: خراب بيوت

«الحزن دخل الكثير من البيوت دون استئذان، أمهات رحلن وتركن أطفالهن  قبل رمضان والعيد دون أي ذنب اقترفنه سوى أنهن أحببن المشاركة في الفرح، وأطفال قضوا نحبهم حين كانوا يلعبون ويمرحون». بهذه الكلمات اختنق المعرّس وزوج الجانية معبراً عن حزنه الشديد وألمه  بعدما تحوّل عرسه الى مجزرة.
وأكمل زايد محمد الضويحي الظفيري قائلاً: تدخلات والدة زوجته الكثيرة في حياته وتحريضها للزوجة أدت الى هذا الخراب.
وشرح زوج المتهمة: أبلغ من العمر 23 عاماً، وأنا عاطل عن العمل منذ 5 سنوات، حيث كنت في السابق أعمل عسكرياً بوزارة الدفاع وتركت العمل لأسباب خاصة بي. وقد تزوجت زوجتي الأولى وهي المتسببة بالحريق في العام 2004 وهي من الجنسية الكويتية، ولي منها ولد وبنت. كنت أريد الزواج من أخرى منذ وقت طويل، وذلك بسبب أمها وخالتها ولرفضها إعطائي جميع حقوقي مثل الجلوس معي في البيت والطبخ والاهتمام بالأسرة. كما أن خالتها فاسدة، والدليل على ذلك أنها تبلغ من العمر 40 عاماً ومتزوجة من شاب عمره 18 عاماً، الأمر الذي جعل زوجتي تتمرّد لأنها تشاهد خالتها تخرج وترجع الى البيت على راحتها من دون حسيب ولا رقيب.
وأضاف: كانت تتمنى أن تكون حياتها مثل حياة خالتها، وهي لا تعمل لكنها أرادت أن تخرج حينما تشاء وتسافر، علماً أنني بعد الزواج اكتشفت أنها عاقلة وتحبني كثيراً، كنا نعيش أفضل حياة وكنا سعداء، وقبل 3 أشهر خطبت الزوجة الثانية وهي من فئة البدون وعاطلة عن العمل، وكان من المفترض أن يتم الزواج ليلة الكارثة.



قبل 15 يوماً  خرجنا معاً، وكانت علاقتي بها طبيعية وإن كانت لا تعجبني حين تنصاع لخالتها. وذهبنا معاً الى بيت أهلي في الرحاب، وطلبت من أهلها عدم التدخل في حياتنا، لكن خالتها رفضت وكانت تردد هذا «مو زواج» هذا سجن ولا يجوز أن يسجن بنتنا في بيته.
وأكمل قائلاً: أشقاء زوجتي أصدقائي وقريبون مني، وهذا السبب الذي جعلني لا أقدم على طلاقها، وأكرر وأقول إن المتسبب بما حصل هو خالتها التي حرّضتها وربما شجعتها على افتعال الحادث. وعند وقوع الحادث لم أشك في البداية بزوجتي رغم توعدها بالانتقام، لكن في اليوم التالي فوجئت بما سمعته من بعض الشهود ومنهم الشاهدة وهي خادمة الجيران (الهندية)، التي شاهدتها وهي تسكب البنزين، وطلبت منها أن تعطيها جريدة. وكان يرافقها رجلان  وامرأتان، مؤكداً أن الخادمة تعمل عند جيرانهم منذ 8 سنوات وتعرفهم جيداً. مشيراً أيضاً الى أن السيارة التي  أحضرتهم الى مكان الحادث تخصّ ابن خالة المتهمة والسائق هو شقيقها.

أهالي الضحايا: قصص تدمي القلب
فقدت زوجتي وبناتي الثلاث

أبو محمد  بعينين تملأهما الدموع قال: «في الوقت الذي كنت أبحث في المستشفيات عن زوجتي وبناتي الثلاث، تلقيت اتصالاً هاتفياً من أحد المسؤولين في الادارة العامة للادلة الجنائية فقال لي «البقاء لله، فقد توفيت زوجتك». وبعدها بساعة وصلني خبر وفاة ابنتي الكبرى، ولم يمرّ كثير من الوقت حتى علمت بوفاة ابنتيَّ الوسطى والصغرى، وذهبت لتسلم جثامينهن لدفنهن «هل هناك أسوأ من ان يفقد الأب زوجته وبناته الثلاث في لحظة واحدة؟ لقد خرجت زوجتي وبناتي الثلاث من منزلنا المجاور لمنزل المعرّس بعدما تحلّين بأجمل ما لديهن من ثياب وخرجن للاحتفال بعرس الجيران، فتحولن بعد ساعات معدودة الى جثث متفحمة لم يستدل عليها الا عن طريق الحمض النووي D.N.A».

12من عائلة الشمري

قال وحيد الشمري: «الكارثة لم ترد على البال ولا تحتمل، والعدد الذي حصدته النيران 12 امرأة من عائلة الشمري ما بين متوفاة وأخرى مفقودة لم يعثر عليها حتى الآن وأخريات بحالة حرجة جداً وفي العناية المركزة».
ويقول هلال الشمري وهو الابن الأكبر للعائلة المفجوعة: «لا أستطيع نسيان المشهد، ولا يمكنني وصفه في الوقت نفسه. لقد رأينا النساء متفحمات والأطفال يحتضنون أمهاتهم، شاهدنا عجوزاً متفحمة وأخرى مرمية وثالثة ورابعة وخامسة، وبين الانقاض نبحث عن نسائنا، مستدركاً هذا قضاء الله وقدره».

والد فاطمة يحمل «شنطتها» ويبكي

والد الطفلة فاطمة التي تبلغ 15 عاماً قال: «هذه شنطة ابنتي التي تحمل معها آثار الحريق وجزءاً من شعرها الذي التصق بـ«الشنطة» بعد أن أتت عليها النيران. يخرج من داخلها الطعام الذي وضعته كوجبة فطور لها لأنها صائمة وعلبة ماكياج وأدوية «روماتيزم» وعدسات لعينيها.
يذرف الدموع... ويظل صامتاً وعيناه تطالعان الشنطة... «راحت فاطمة».
ويتابع «خرجت إلى العرس عصر الحادثة مع شقيقها الذي أوصلها إلى بيت جدتها لترافقهم إلى العرس، وقبل ذلك ودعت الجميع، وكأنها تودعنا للأبد».
وقال بوخالد والد إحدى الضحايا «بعد ان علمت بالحريق توجهت إلى الموقع بحثاً عن والدتي وابنتي، وما ان انشغلت بالبحث حتى أبلغنا بأن والدتي تمت العثور عليها في مستشفى البابطين وحروقها من الدرجة الاولى، ولكن لم نجد ابنتي».
يتوقف الأب عن الحديث... ليكمل شقيقه الحديث «دخلنا في بيت المعرس وهناك شاهدنا بالقرب منه الجثث المتفحمة حيث قمنا بوضع الشراشف والبطانيات... وخلال ذلك وجدت جثة متفحمة لطفلة، وكان عقلي يقول إنها ابنتنا ولم استطع أن أغطيها بعد ان رأيتها محترقة، حتى جاء شخص آخر وقام بوضع الشرشف عليها فقد اغمي علي».


قصص محزنة ومآسٍ

أمام مسجد في الجهراء الشيخ فرحان عبيد روى لنا بعض ما رأى قائلاً:
هناك قصص وردتني من أهل الضحايا، وهناك ما شاهدته بأم عيني ومنها عن سيدة متوفية وإصبعها (الشاهد) منتصبة لأنها كانت تردد أثناء الوفاة الشهادتين، وسيدة أخرى كانت النيران تأكل جسدها فبدلاً من الصراخ والاستغاثة كانت تردد الشهادتين.
وأكمل: «سبحان الله هناك من كتب الله لها الحياة مثل سيدة دخلت العرس وخرجت في خمس دقائق بعد أن هنأت أهل المعرّس متعذرة بظروفها وبعد خروجها وقع الحادث».
وهناك سيدة كانت في العرس الا أن صغيرها خرج من الخيمة فركضت وراءه فنجت هي وابنها.
حسين سويط قال: «أصيبت أمي وأختاي في الحادث، وحين اشتعل الحريق تدافعت النساء وسقطن على والدتي، فقامت شقيقاتي بسحبها من تحتهن والنيران مشتعلة حولهن ودخلت عليهن الخيمة وساعدتهن في الخروج وسط المأساة التي لم أشهد لها مثيل في حياتي».
فهد قال: «مررت بجانب الخيمة لحظة الحريق كان من الممكن ان ننقذ أكبر عدد لولا اشتعال السيارة من نوع جيب بقرب الخيمة وانفجارها حينها. صارت النساء والخيمة كتله من اللهب ومنظراً أشبه بالابادة الجماعية مرعباً مهولاً».
خالد: «شاهدنا النساء يركضن والنيران تمسك بهن في الخيمة ولم نستطع مساعدتهن وسيطرت على الرجال حالة هستيرية من الصراخ والانهيار لمنظر الجثث المتفحمة. شاهدت فتيات كن مستعدات للموت دون الخروج بدون أمهاتهن، وكن يبحث ويصرخن «يما يما وينك». ورأيت إحدى الفتيات التي أخرجها الرجال وحين بحثت عن أمها ولم تجدها في الخارج عادت لتدخل الخيمة وتسحب والدتها وخرجتا معاً ثم نقلتا العناية الفائقة في المستشفى».

  • 1100 متبرّع هرعوا الى بنك الدم في اليوم الاول للحادث، وكان من بينهم النائبة د.معصومة المبارك التي كانت من أول النواب الذين تفقدوا ضحايا الحريق بعد ساعات من وقوع الحادث.
  • تحتفظ وزارة الداخلية بالمتهمة نصرة العنزي في مكان خارج الجهراء لا تعلن عنه خوفاً من انتقام أهالي الضحايا منها والذين يتمزقون غيظاً.
  • أب التقيناه فقد بناته التسع حرقاً وكان عاجزاً عن الكلام من شدّة الصدمة وهول المصيبة.
  • بلغ عدد المصابين السعوديين من النساء والأطفال في حريق الجهراء بالكويت بين 12 و14 مصاباً، والوفيات ما بين ثلاث وأربع حالات، فيما بقيت سيدة وطفلها في عداد المفقودين.
  • الأطفال جابوا مكان الحريق بحثاً عن أمهاتهم وأهاليهم المفقودين على أمل العثور عليهم.
  • خيام العزاء غطّت الجهراء وبعض النساء أصبن بانهيار عصبي ومصدومات من الحدث ويحاولن فهمه.
  • عدد الأيتام الذين فقدوا أمهاتهم في الحادث كبير.
  • دفنت30 جثة دفعة واحدة في وقت واحد مما أثار حزن كل الكويت.

المجلة الالكترونية

العدد 1090  |  تشرين الأول 2025

المجلة الالكترونية العدد 1090