طفلات في اليمن أجبرن على أن يكنّ أمهات!

مشكلة / مشاكل إجتماعية, قضية / قضايا الطفل / الأطفال, اليمن, مشكلة / مشاكل الزواج, حمل وإنجاب, زواج مبكر, الأمومة المبكرة, فاطمة مشهور

01 سبتمبر 2009

عندما تجبر طفلة على الزواج فإنها تجبر على أن تكون أماً وهي لم تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها ربما. وفي هذه الحالة تتحوّل حياتها  إلى عذاب لا يقتصر عليها، وإنما تمتدّ آثاره السلبية إلى حياة المجتمع بشكل عام... إنها مأساة يصنعها ويباركها النظام الإجتماعي اليمني على مسمع ومرأى من القانون. ولكن ما هي أخطار الأمومة المبكرة؟ وما أسبابها؟ هذا ما نحاول معرفته من خلال هذا التحقيق.

تبدأ المشكلة عندما يوافق الأب على زواج ابنته وهي مازالت في سنّ الطفولة... لكن المال يغري نفوس الآباء، وبعض الرجال مغرمون بالعبث بطهر الطفولة فيتعمّدون اختيار الفتيات الصغيرات.
وإذا كان الزواج من الفتاة الصغيرة مشكلة، فالحمل والإنجاب قد يتحوّلان إلى كارثة سواء ماتت أثناء الولادة أو أصبحت أماً وهي في سنّ الطفولة، وكلا الأمرين أحلاهما مر على مستقبل الحياة الأسرية والاجتماعية، لأن الإنجاب بحد ذاته يجبرها على أن تكون أماً وهي لم تصل إلى مرحلة الشعور بالأمومة. لهذا الدور الأسري الذي تكلّف به من ليست أهلاً تبعات كثيرة سواء على الأم أو على المولود وعلى حياة المجتمع بأسره. وإذا حاولنا البحث عن أسباب هذه الظاهرة فسنجد أن الفقر من أهم الأسباب التي تشجّع الآباء على تزويج بناتهم وهن في سنّ الطفولة.
وهذا ما أكّده لنا الدكتور عادل الشرجبي الأستاذ في قسم علم الإجتماع - جامعة صنعاء، الذي قال إن «كثيراً من الدراسات والبحوث الإجتماعية التي أجريت على الأسر اليمنية خلّصت إلى أن الأسرة الفقيرة تحرص على تزويج بناتها في سنّ مبكرة، لأنهم يعتبرون البنت عبئاً على الأسرة لعدم قدرتها على العمل. ولأنهم يفكرون في تزويج الأبناء في سنّ مبكرة فلابدّ أن تتزوج البنت أولاً، وبعضهم يخشى العنوسة فيبادر لتزويج ابنته من أول متقدّم لها ولايهمه عامل السنّ».
ويضيف الشرجبي أن هناك معتقدات تدخل ضمن أسباب الزواج المبكر مثل الحرص على العفاف والطهارة وغيرها.

أين ينتشر الزواج  المبكر؟
كشفت دراسة صدرت حديثاً عن مركز دراسات المرأة والتنمية في جامعة صنعاء أن ظاهرة الزواج المبكر والأمومة المبكرة تكثر في المحافظات الساحلية مثل الحديدة وحضرموت أكثر من غيرها بحيث يتمّ تزويج الفتيات وهن في التاسعة أو العاشرة.
وأشارت الدراسة إلى وجود فوارق كبيرة في السنّ بين الأزواج يتراوح ما بين ٧ و ١٠ سنوات، وفي معظم الحالات يكبر الزوج الزوجة بعشر سنوات.
ويصل حجم ظاهرة الزواج المبكر في اليمن إلى نسبة 53 في المئة من أصل حالات الزواج الكلية، أي أن نصف النساء المتزوجات، تزوجن قبل وصولهن إلى سنّ الزواج، وتحولنّ إلى أمهات وهنّ دون سن الأمومة.
وفي دراسة استطلاعية أجراها المركز المذكور، حول الفئة العمرية للزواج، أجاب أكثر المشمولين في الدراسة أنهم يفضلون سنّ الزواج ما بين ١٥ و ١٦ عاماً بالنسبة إلى الفتاة. ويفضل ٦٠٪ من سكان المدينة أن تكون سنّ الزواج للفتاة فوق ١٨ عاماً. وفي استطلاع خاص أجري في أوساط الشباب والفتيات الذين تقلّ أعمارهم عن ١٨ عاماً في ثلاث محافظات، كان رأي معظم الفتيات أنهنّ يفضلن الزواج قبل بلوغ الـ١٨، في حين أن الشباب لا يفضلون ذلك. ويقول أحد الباحثين معلّقاً على آراء الفتيات، أن الفتيات المشمولات بالدراسة يعشن في سنّ المراهقة ولا يدركن أخطار الزواج المبكر والأمومة المبكرة، ويفترض أن يكون الآباء أكثر حرصاً على مستقبل بناتهم.

أخطار الأمومة المبكرة

الزواج المبكر تترتّب عليه أمومة مبكرة. ولهذه أخطار وتبعات أهمها احتمال وفاة الأم أثناء الولادة. فقد جاء في التقرير الصادر عن المؤتمر الوطني للسكان عام ٢٠٠٥، أن الأمومة المبكرة من أهم أسباب الوفاة أثناء الولادة، والسبب في ذلك برأي الدكتور شوقي السقاف أن أجهزة  الحمل لدى الفتاة صغيرة السن لم يكتمل نضجها، بما في ذلك الرحم الذي لم يصبح مهيأ لتأدية وظيفة الحمل والإنجاب. لذلك قد تصاب الفتاة عند الحمل بارتفاع في الضغط وقد يحدث أثناء الولادة تمزّق في أغشية الرحم يصاحبه نزيف حادّ يؤدي إلى الوفاة.
ولا تقف أخطار الأمومة المبكرة وتبعاتها عند المستوى الصحي، إذ يرى المختصّون أن لها تبعات كثيرة نفسياً واجتماعياً. وعلى مستوى الأسرة يؤدّي الزواج المبكر إلى عدم الإستقرار الأسري والعائلي، كون الزوجة غير مؤهّلة لتحمّل المسؤولية، ويكفي أن هذا النوع من الزواج يحرم الفتاة طفولتها، وأكثر ما تخسره الفتاة ويحزّ في نفسها حرمانها مواصلة تعليمها.
وهناك فتيات عديدات صمّمن على مواصلة التعليم بعد التخلّص من الحياة الزوجية ولو بعد حين، وبعضهن يحظين بأزواج طيبين يساعدهن على مواصلة تعليمهن. وبهذا الخصوص تقول الأستاذة أفراح مديرة مدرسة ثانوية للبنات أن عندها في المدرسة ثلاث طالبات انقطعن عن الدراسة بسبب الزواج المبكر، وبعد أربع سنوات عدن لمواصلة تعليمهن. اثنتان منهن مطلّقتان وواحدة ما زالت متزوجة وكلهن أصبحن أمهات.
اعتدال -طالبة في كلية الشريعة والقانون- مطلقة تعمل في مكتبة، ولديها إبنة عمرها ٦ سنوات. تقول: «زوجني أبي وأنا لم اتجاوز الثالثة عشرة. وكان الزوج في سن أبي». وتشير إلى أنها طالما كرهت أباها وزوجها، ولكنها كانت تضطرّ لمجاملة زوجها لكي يسمح لها بمواصلة تعليمها. وعندما أنهت المرحلة الإعدادية منعها من مواصلة التعليم، فرفضت البقاء معه وعادت إلى بيت أبيها الذي سجنها في إحدى غرف المنزل أياماً بهدف إجبارها على العودة إلى بيت زوجها. وتفادياً للعذاب المهين نزلت عند رغبة والدها وعادت إلى زوجها وبقيت معه خمسة أشهر، ثم اضطرّت للهروب إلى بيت خالها وبقيت عنده حتى أنجبت، وعندما حاول الزوج أن يعيدها إلى بيته هددت بقتل نفسها مما اضطرّ الخال لدفع غرامة تعويضية للزوج وتمّ الطلاق. وعملت اعتدال في مكتبة وتمكّنت من تربية ابنتها ومواصلة تعليمها.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك حالات قليلة تعلن الفتاة فيها رفضها المطلق للزواج وتحاول التمرّد على سلطة الأب والزوج. ومن هذه الحالات:

 فتاة أجبرها أبوها على الزواج في سنّ الثانية عشرة، وبعد شهرين فقط هربت إلى بيت أحد وجهاء المنطقة فلجأ الزوج إلى المحكمة يشتكي الرجل ويطلب إعادة زوجته، مما دفع أخو البنت الأكبر منها بعامين إلى قتل ذلك الزوج والفرار مع أخته إلى مكان مجهول، فيما اقتيد الأب إلى السجن.

نجاة (٢٥ عاماً) تعمل في عيادة طبيب اختصاصي أمراض نساء وولادة، مطلّقة ولها ولدان وبنت. زوّجها أبوها وهي دون العاشرة لرجل في الأربعين، وقد تحمّلت كل الأذى والقسوة من الزوج وأبنائه للزوجة الأخرى مقابل سماح الرجل لها بأن تواصل دراستها. وعندما أنهت الصف الأول الثانوي منعها من مواصلة تعليمها، ولم تجد في والدها معيناً لها لأنه الرجل كان يغريه بالمال فيضطرّ لردّها إليه حتى اضطرّت هي الأخرى لأن تلجأ إلى القضاء والشرطة بسبب أنه كان يعتدي عليها بالضرب. فأجبرته المحكمة على الطلاق. وفي أصعب الظروف تمكّنت نجاة من إكمال المرحلة الثانوية بمساعدة أختها الكبيرة وبعض الطيبين من أقاربها، وهي الآن تعيش مرتاحة البال والضمير. أنهت الثانوية العامة منذُ عامين وتستعدّ هذا العام للإلتحاق بالتعليم الجامعي.

 الدكتورة فاطمة مشهور من المركز اليمني للدراسات الإجتماعية، ترى أن الزواج المبكر يسرق من الفتاة طفولتها، ويفرض عليها أن تصبح زوجة وأماً وهي لم تصل بعد إلى السنّ التي يؤهّلها لتحمّل أعباء الحياة الزوجية والقيام بواجبات الأم. وفي هذا غبن كبير يقع على الفتيات اللواتي يجبرن على هذا النوع من الزواج الذي يؤثّر سلباً على حياة الفتاة وأطفالها وعلى المجتمع بشكل عام، لأن البنت عندما تتزوج في سنّ مبكرة تحرم من مواصلة تعليمها، كما أن عدم قدرتها على تربية أبنائها يؤثّر سلباً على النظام الإجتماعي مستقبلاً.

المحامية شذى ناصر تؤكد أن قانون الأسرة لايحدّد سنّ الزواج، وبالتالي «حتى عندما تصل قضايا من هذا النوع إلى القضاء فان القاضي لايستطيع أن يقضي بإلغاء عقد الزواج لأنه لايوجد نص قانوني يستند إليه. وبالتالي فإن المسألة تخضع للأمزجة الشخصية للقاضي.