Home Page

الأسير المحرر حسام خضر

محمود درويش, القضية الفلسطينية, كاتبة, أسير محرر, حسام خضر

11 سبتمبر 2009

خرج من رحم المجتمع الفلسطيني وهو يحمل فكراً متألقاً. عانى الكثير من تجارب الاعتقال السياسي، كما تعرّض للإصابة برصاص الاحتلال الإسرائيلي أكثر من مرة. عمل حسام خضر على تطوير نفسه في الجانب الفكري والثقافي، وطرح في برنامجه الانتخابي عندما كان مرشحاً لعضوية المجلس التشريعي الكثير من البرامج الرامية إلى تقديم الخدمات الثقافية والإنسانية للمجتمع، وقد حصل على مناصب عدة منها نائب في المجلس التشريعي، ورئيس جمعية الدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين. أصبح حسام خضر الآن أسيراً محرراً بعد أن أمضى خمس سنوات ونصف سنة في السجن، ولكنه رغم ذلك بقي يحمل في داخله فكراً وعلماً وثقافة تدعم محيطه ومجتمعه وتعمل على إنارة الطريق للآخرين.


- كيف تعرف القارئ العربي إلى حسام خضر؟
أنا فلسطيني حر، وصاحب مبدأ وقضية، ومن أجل قضيتي مستعد لدفع أي ثمن. أنا رجل أحاول أن أطوّر ذاتي باستمرار، ولديّ برنامج قديم جديد، وهو نحو حسام إنسان مبدع ومتطوّر. وسنوياً أعمل على مراجعه ذاتي مع كل عيد ميلاد لي، أجلس جلسة صدق مع ذاتي، وأناقش ماذا سأقرأ؟ وماذا سأكتب؟ وأين نجحت؟ وأين أخفقت؟

- ما هي أبرز تجربة نضالية في حياتك؟
في عام 1976 كنت على عتبة المراهقة، ودخلت معترك العمل الوطني، و كسرت حاجز الخوف، وألغيت الكثير من المفاهيم ما بيني وبين الجندي الإسرائيلي والرصاص وغيره، وهنا كان الاعتقال الأول. وتمّ غرس بذرة الوطنية في داخلي، ورعت ذلك أسرتي. تخليت عن الكثير من الجوانب مثل الحب واللعب في الحارة، وسرت في درب الوطن. تلك المرحلة حدّدت ملامح شخصيتي الوطنية... وكل المحطات في حياتي كانت قاسية، ورغم ذلك وجدت من يرعاني ويأخذ بيدي.

- إلى أي مدى أثّر النضال السياسي في حياة حسام خضر الاجتماعية؟
لا شك أنه أثّر تأثيراً إيجابياً في حياتي، وعمل على توسيع مداركي وروابطي الاجتماعية سواء في العمل الاجتماعي التطوعي أو الشبابي وغيره. وقد ولّد ذلك مناخاً إجتماعياً وطيداً، وعلاقات متنامية خارج حدود المخيم والمدينة التي أعشقها. أما السجون فكان لها دور مهم جداً، وكذلك العمل السياسي والتنظيمي الذي أضاف إلى حسام بعداً إجتماعياً وإنسانياً، فعندما سقطت الشهيدة سحر الجرمي وغيرها من الشهداء، أثّر ذلك في نفسي بشكل كبير وجعل من حياتي نضال بكل معنى الكلمة.

- حدثنا عن فترة اعتقالك وبعدك عن عائلتك.
هذا الاعتقال هو الرقم أربعة وعشرون في الوطن، وكان هناك ثلاثة اعتقالات في المنفى. كنت أشعر بأن يوم التحقيق كان يعادل اليوم الواحد في المعركة، لأن إدارة الصراع وأنت إنسان مجردة من كل شي، وأنت رقم مهمل ومستهدف ومكلبش ومغمض العينين، تعني الكثير من الظلم والعنف. في السجن كنت أتمنى أن أقتنص لحظة نوم واحدة، إضافة إلى منعي من السهر أو الصلاة أو شرب الماء وغيره، كل ذلك كانوا يتحكمون فيه. التحقيق حرمان وتجريد للإنسان من إنسانيته واستهداف متواصل. وهناك تستطيعين أن تبحري في الزمن كما يبحر البحار في المحيط، والزمن محيط يغلفك أحياناً، ويقتلك أحياناً. ويشنقك أحياناً، ولكنا نحتاج باستمرار إلى رغبة في الانتصار. كتبت عن التحقيق داخل السجن ونشرت دارسة قصيرة تناولت فيها موضوعي الوقت والزمن في التحقيق، وسأنشر ما لديّ عن قريب. في السجن كتبت على أكثر من 125 دفتراً ويومياتي داخل السجن وتفاعلت مع كل حدث محلي وعربي وعالمي، ووثقت رحلة الاعتقال.

- كيف كنت تشعر وأولادك بعيدون عنك؟
في الاعتقالات السابقة الثلاثة وعشرين كنت ألعب دور الإبن، ولم يكن يهمّني أن تبكي أمي عليّ في الليل أو قلق والدي، أو افتقاد أخوتي الصغار لي. لم يكن يعنيني شيء، وكانت تخطر أمي في بالي دقائق معدودة، وكنت أقسي قلبي وأرفض أن أفكر في أمي وفي مشاعرها وانفعالاتها وما آلت إليه بعد اعتقالي. كنت أتجرّد من هذا الرحم الذي اسمه أم. وعندما اعتقلت كأب كان أحمد يتراءى لي باستمرار، وأبنائي هم في سن أحوج ما يكونون لي، وبتّ أعرف معنى شعور أمي نحوي في السابق، وأصبحت أشعر بأمي وأولادي معاً. بعد مضي تسعين يوماً على التحقيق في معبر الرملة، كتبت لأمي رسالة اعتذار، اعتذرت فيها عن قساوه قلبي عليها. ولكن الأمر الآن اختلف، فقد ضغط إبني أحمد الرقم السري في داخلي وجرّدني من لباسي الحديدي. كنت أكتب لجميع أولادي رسائل باستمرار، لكي أعوّضهم عن بعدي. إن رسائل الاعتذار كانت عبارة عن تكفير عن مفاهيم خاطئة وجفاء مصطنع كنت أحاول أن أتصنّعه من أجل أن أحمي نفسي من البكاء أمام أمي، ولكن أحمد أبكاني في نصف جلسة التحقيق لأنني علمت من المحامي أن إبني مريض. ورغم ذلك قدّمت نموذجاً أسطورياً في الصمود.

- هل تضمن برنامجك الانتخابي السابق برامج خاصة بالمرأة والمجتمع؟
أكذب عليك إذا قلت لك إنني قدت برنامجي الانتخابي على غير صوت جريء للدفاع عن حقوق الشعب، سواء أكان حقّ المرأة، أو حق الشاب، أو حقاً ديمقراطياً، أو حقاً وطنياً. وكنت الصوت الأجرأ في الوطن، وذلك قبل دخولي المجلس التشريعي. شخصت الواقع الوطني بشكل جيد، وقلت إنني أقود هذه الانتخابات بصوت جريء للدفاع عن الشعب ومحاربة الفساد، ومحاربة غيرها من السلبيات.

- أنت معروف بتقديم المساعدات لأبناء مخيم بلاطة التابع لمدينة نابلس، ومن كل من يطلب منك المساعدات التعليمية والخدماتية. هلا تحدثنا عن ذلك؟
هذا من خلال الإطار الوطني المبدع، فهذه أعمال تطوعية ومساعدات. ولولا جهود المخلصين من أبناء الشعب لما قدّر للجنة الدفاع عن حقوق اللاجئين ومركز يافا الثقافي ولحسام خضر التأثير في الحياة السياسية والاجتماعية بالشكل المطلوب.

- بعد خروجك من السجن ماذا تنوي أن تعمل؟
ليس هناك فكرة جاهزة الآن، فقد أستمر في رئاستي للجنة الدفاع عن حقوق اللاجئين. وأينما كنت في السلم الوظيفي، سيكون لديّ رسالة وطنية، وهي الدفاع عن حقوق شعبي. وعلى الصعيد التنظيمي أنا قائد في فتح وشريك في معاناة الشعب، وأتعاون مع أي قائد في حركة فتح من أجل إعادة المكانة التاريخية لحركة فتح كقائد للشعب الفلسطيني، وأنا وفيّ لدماء الشهداء والتاريخ النضالي.

- بعدما أصبحت أسيراً محرراً هل وجدت أن هناك اختلافاً في المجتمع الفلسطيني؟
بالتأكيد وكأني خارج إلى مجتمع آخر. فعندما نفيت من جنوب لبنان لم اشعر بالاغتراب الذي أعيشه الآن، كان هناك حضن دافئ. والآن خرجت إلى واقع فيه إرهاب وتخويف وفساد، والواقع الفلسطيني في حاجة إلى من يقرع الجرس.

- ما رأيك في انتشار المؤسسات الأهلية؟
أولا المبدأ إن المؤسسات الأهلية هي دليل على حضارة الشعب الفلسطيني، ولكن للأسف هناك أناس شخصوا هذه المؤسسات، كما أن هناك محاولة لإفساد شريحة المثقفين. ولابدّ من رقابة من خلال مجلس الأمناء وغيره.

- ما هي المرحلة التي وصلت إليها المرأة في فلسطين؟
أكثر ما فاجأني بعد خروجي من السجن، هو أن هناك انهياراً أخلاقياً شاملاً. وبعيداً عن انتشار المقاهي والخمور وغيرها، أنت تستطيع قراءة الشعب من خلال الآداب العامة، لأن كل ذلك إفراز لاتفاق أسلو. فنحن في سقوط، قادونا إلى الهاوية، ومن ثم دفعونا لكي يسقطونا في جحيم من كل الجوانب.

- ماذا يقرأ حسام خضر؟
كل شيء، وتحديداً روايات أمين معلوف، وأعمال باولو كويلو، وأدب تركي، وغيره. وأقرأ الرواية بشكلها المجرّد أياً كان موضوعها، فهذا يوسع مدارك الإنسان، وأي سطر أكتبه هو عبارة عن سطر في لوحة، وأفضل وسلية لاختراق السجن قراءة الأدب. وأنا متابع للجرائد والمجلات، ودون مبالغة أكتب في اليوم ثلاث ساعات، وأقرأ من خمس إلى ثماني ساعات.

- كيف استقبلت نبأ رحيل الشاعر محمود درويش؟
رحيل محمود درويش كان من أكثر الأخبار المؤلمة لي بعد وفاة أخي الأكبر فؤاد. وما يعزّيني أن محمود درويش سيبقى خالداً في ذاكرتنا.

- ما أجمل كلمه تسمعها باستمرار من أمك؟
«الله يرضى عنك يما». كنت أسمعها أثناء زيارتها لي في السجن، وأكثر موقف كان يؤلمني كان لحظة اللقاء الأول لأمي ولحظة الفراق. ولا أنسى تعليق إبني أحمد لإحدى الفضائيات أنه يشعر بأن مدة الزيارة التي هي خمس وأربعون دقيقة، أنها خمس وأربعون ثانية. وأنا كنت أشعر بالأمر نفسه.