مفتي مصر السابق يعلن
تحقيق, طلاق, المجتمع السعودي, الحياة الزوجية, الطب الشرعي, د. أحمد عمر هاشم, د. نصر فريد واصل, مفتي مصر, كلية الدراسات الإسلامية, د. عفاف النجار, د. سعاد صالح, جامعة الأزهر, إتفاقية القضاء, طلب الطلاق, الزوج المسافر, الواجب الزوجي, عقد الزواج, د. حام
09 نوفمبر 2009 حلول موقتة
ويرى أستاذ الصحة النفسية في جامعة عين شمس الدكتور سيد صبحي أن وجود الأب وسط أسرته يعد صمام أمان للزوجة وأولادها، ولهذا فإن غيابه يؤدي إلى خلل ومشكلات نفسية لدى كل أفراد أسرته وخاصة الأولاد في مراحل النمو النفسي.
وغياب الأب يؤدي إلى الارتباط الشديد بالأم والاعتماد الكامل عليها وقد يؤدي هذا أحيانًا الى وجود مشاعر عدوانية نحوها من خوفها الشديد عليهم وحمايتها المفرطة لهم وقيامها بدور الأب والأم معًا مما يفقدها الكثير من حنان الأمومة ورقتها. ولا يمكن أن يعوض الإغداق المادي المبالغ فيه من الأب غيابه عن زوجته وأولاده.
ويدعو أستاذ علم الاجتماع في جامعة عين شمس الدكتور علي ليلة إلى استخدام وسائل الاتصال الحديثة لتقليل إحساس الزوجة بالاغتراب وزيادة تواصلها مع الزوج المسافر، مثل التشات والمحمول وغيرهما، فتتحول المحادثة إلى ما يشبه جلسة عائلية منتظمة بالصوت والصورة فهذه وسيلة لجمع شمل الأسرة ولو بشكل موقت، وفي الوقت نفسه لابد من تنظيم عقود العمل في الخارج بما يسمح بأكثر من زيارة في السنة.
القاعدة الشرعية
وأيد الدكتور أحمد عمر هاشم الرئيس السابق لجامعة الأزهر الفتوى السابقة قائلاً: «تعريف «الغيبة» في الاصطلاح الفقهي يستعمله الفقهاء للتعبير عن غيبة الزوج عن زوجته وبعده عنها مع معرفة مكانه وإمكان الاتصال به. والقول الراجح أن مدة غيبة الزوج دون عذر مشروع والتي تكون سبباً مقبولاً للتفريق هي ستة أشهر، فإذا غاب هذه المدة وطلبت الزوجة التفريق أنذره القاضي بكتاب يرسله إليه يأمره فيه بالرجوع الى زوجته أو نقلها إليه، فإن لم يفعل فسخ عقد زواجه.
أما إذا كان للزوج الغائب عذر قبله القاضي أمهله ولم يفسخ عقده بشرط أن يرجع بمجرد انتهاء العذر وألا تطول المدة عن أربع سنوات في جميع الأحوال لإزالة تضرر الزوجة من هذه الغيبة. أما إذا كان ليس لديه عذر ورفض العودة أو سفر زوجته إليه فمن حقها طلب الطلاق عن طريق القضاء إذا غاب أكثر من ستة شهور على رأي جمهور الفقهاء. ويجب تطبيق القاعدة الشرعية «لا ضرر ولا ضرار» فإذا تضررت الزوجة من غياب زوجها ضرراً بالغاً وجب إزالة هذا الضرر، وخاصة إذا كانت غيبة الزوج بلا عذر ففي هذه الحالة يجوز للقاضي تطليقها بناءً على طلبها».
زوجات كثيرات يتحملن سفر أزواجهن وغيابهم الطويل لتوفير حياة كريمة أو لأي أسباب أخرى. لكن ماذا عندما تعلن الزوجة أن صبرها على بعد زوجها نفد وأنها لم تعد تتحمل ما ينتج عن غيابه؟ وماذا لو طالبته بالعودة ورفض؟ هذا هو السؤال الذي فجر فتوى جريئة من الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر السابق عندما أعلن بكل صراحة أنه من حق الزوجة أن تطلب الطلاق إذا رفض الزوج المسافر طلبها العودة. فما هي أسانيد الفتوى؟ وماذا يقول علماء الدين عنها؟ هل يؤيدونها أم يتحفظون عنها؟
مدة فسخ العقد
وترى عميدة كلية الدراسات الإسلامية في القليوبية الدكتورة رجاء حزين أن الأربعة أشهر أو الستة أشهر ليست فرضاً وإنما هي اجتهاد من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، ولكن لابد أن يراعى أن هذه المدة قد تطول أو تقصر حسب الأعراف واختلاف الطباع. فالشابة إذا خافت الفتنة على نفسها بسبب غياب زوجها ورفضه العودة فلها الحق في رفع أمرها فوراً إلى القضاء لإجراء اللازم نحو عودته أو تطليقها حفاظاً على الأعراض ومنعاً للفساد، لأن بقاءه بعيداً عنها رغماً عنها يتنافى مع المعاشرة بالمعروف.
وقد استند بعض الفقهاء الذين حددوا الحد الأقصى للغياب بأربعة أشهر الى قوله تعالى: «للذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهر فإن فاءو فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم »الآيتان ٢٢٦ – ٢٢٧ سورة البقرة .والمقصود بالإيلاء الذي يتحدث عنه القرآن هنا هو قسم الزوج ألا يعاشر زوجته في مدة أقصاها أربعة أشهر فإن زاد فمن حقها طلب الطلاق للضرر الذي لا تتحمله لبعده عن معاشرتها.
وذهب بعض الصحابة إلى أن يمهل الزوج في الغيبة ستة أشهر إلا إذا أذنت له الزوجة بأكثر، أما إن لم تأذن له فليس له تجاوز تلك المدة فإن تجاوزها وطلبت زوجته رجوعه ولم يرجع فللمرأة التقدم إلى القاضي للنظر في فسخ عقد زواجها».
ما قبل القضاء
وتشير عميدة كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر الدكتورة عفاف النجار إلى أهمية نظر القاضي إلى عوامل أخرى في طلب الزوجة التفريق لغيبة الزوج، فمثلاً لا تتساوى فيه الشابة مع المسنة ولا المتدينة مع غيرالمتدينة ولا من تعيش تحت رعاية أبويها مع من تعيش وحدها دون رقيب. وهذه العوامل مع وضعها في الحسبان ليست مبرراً لطول غيبة الزوج. «وفي الوقت نفسه ننصح الزوجة بالصبر وخاصة إذا كانت تثق أن زوجها اغترب من أجل مصلحتها وتأمين مستقبل أولادها، ويكون الحل بالتفاهم بينهما وأن تكون غيبته لفترات قصيرة حتى يوفر لزوجته وأولاده سعادة نفسية وعصمة خلقية لا توفرها المادة التي سافر من أجلها ولهذا يجب الموازنة بين المكسبين. ولاشك أن شرف الإنسان أغلى من كل شيء».
حقوق الزوجة
ووصف الرئيس السابق للجنة الفتوى في الأزهر الشيخ جمال قطب رفض الزوج تلبية رغبة زوجته في العودة إليها بأنه نوع من الظلم لها والعقوق لأولاده لأنه فرط بالأمانة التي سيسأله الله عنها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوصى كلاً من الزوجين بشريك حياته خيراً حتى لايهدما عش الزوجية بالعناد.
فلهاأن تصبر قدر استطاعتها إذا كان سفره من البداية برضاها وأن يشعر هو بحب زوجته له ورغبتها فيه وتحمله مسؤولية الأولاد معها. وإذا فشلا في التفاهم أوصى أن يتدخل أهل الزوجين قبل اللجوء الى القضاء حتى لا تتفاقم المشاكل لأن شر البيوت ما ساء ت فيه الأخلاق وتقطعت بين أفراده الصّلات وضاعت فيه الحقوق وخاصة حقوق الزوجة التي حددها الرسول صلى الله عليه وسلم لكل الأزواج بقوله: « أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت » وامتدح رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجلَ الذي تنطبق عليه هذه الصفات فقال :« أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله».
و لقد بلغ من اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بالنساء في حياته أن جعل إكرامهن من الخصال الحميدة التي يُمتدح بها الرجل فقال عليه الصلاة والسلام: «ما أكرم النساءَ غيرُ كريم وما أهانهنَّ غيرُ لئيم». ثم كانت رعايتهن من الوصايا التي أكد عليها في آخر توجيهاته التي ودَّع بها الدنيا فقال :« اتقوا اللهَ في النساء ، اتقوا اللهَ في النساء، وأوصيكم بالنساء خيراً».
أقوال فقهية ظالمة
وترفض مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح استناد الأزواج في غيبتهم بلا حدود عن زوجاتهم إلى بعض الآراء الفقهية القديمة مثل القول بأن المذاهب الحنفية والشافعية والجعفرية قالت إنه لا يحق للزوجة طلب التفريق ولا تجاب لطلبها لعدم وجود ما يصلح سبباً للتفريق في نظرهم.
وفي حين يجب الأخذ برأي المذاهب الأكثر إنصافاً للمرأة ومعايشة للواقع حيث ذهب المالكية والحنابلة إلى جواز التفريق بالغيبة إذا طالت حتى ولو ترك لها زوجها مالاً تنفق منه فإنهم اختلفوا في حد الغيبة الطويلة فحددها الحنابلة بستة أشهر استناداً إلى ما روي عن عمر، وحددها المالكية في الراجح عندهم بسنة وقيل بثلاث سنين، واختلفوا في تلك الغيبة هل هي التي تكون بغير عذر كما يرى الحنابلة أو مطلقاً بعذر وبغير عذر كما يرى المالكية لأن المرأة تتضرر بها في الحالتين، والمقصود بالتفريق رفع الضرر عنها.
في البداية أكد الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر السابق أن «الحياة الزوجية مسؤولية أمام الله انطلاقاً من قوله تعالى: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون» آية ٢١ سورة الروم.
فهل تتحقق المودة والسكن والرحمة مع زوج يرفض العودة الى زوجته التي في أشد الحاجة إليه من الناحيتين الجسدية والنفسية. ومن هنا تأتي الحكمة في الأمر الإلهي «وعاشروهن بالمعروف» آية ١٩ سورة النساء.
وقد حرم الإسلام ظلم النساء أو إلحاق الضرر بهن ولنتأمل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «كلكم راع ومسؤول عن رعيته». فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عنهم، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم. فمن الواجب على الزوج عند سفره أن يستأذن شريكة حياته لأنها هي التي ستتحمل المسؤولية الأسرية بعد سفره ويمتد حقها عليه بعد سفره وألا يستمر في السفر دون رضاها».
وأضاف: «رفض الزوج العودة بناء على طلب زوجته هو نوع من الإضرار بها سواء من الناحية النفسية حيث قد لا تستطيع فراقه أو عدم قدرتها على تحمل مسؤولية نفسها وأولادها. ومن حق الزوجة طلب الطلاق من زوجها الرافض تلبية رغبتها في عودته من سفره لأنه فرط بالأمانة التي ائتمنه الله عليها». وعن الضوابط الشرعية لمدة السفر قال واصل: «رغم أنه لم يرد نص صريح بهذه المدة إلا أن هناك قواعد شرعية يستند إليها الفقهاء، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولاضرار».
وهنا ما فعله الفاروق عمر بن الخطاب بعدما مر في المدينة يتحسس أحوال الرعية ليلاً فسمع امرأة سافر زوجها وتركها وحيدة تنشد قائلة:
تطاول هذا الليل وأسود جانبه وأرقني أن لا خليل ألاعبه
فوالله لولا الله أني أراقبه لحرك من هذا السرير جوانبه
ولكن تقوى الله عن ذا تصدني وحفظًا لبعلي أن تنال مراكبه
رجع الفاروق إلى بيت ابنته حفصة وسألها عن أقصى مدة يمكن أن تتحملها الزوجة بعيدة عن زوجها المسافر فأخبرته أنها ستة أشهر وفي رواية أربعة، فما كان من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلا أن قال. «لا أحبس أحداً من الجيوش أكثر من ذلك».
فراغ وقلق
ويوضح الدكتور حامد أبو طالب العميد السابق لكلية الشريعة والقانون وعضو مجمع البحوث الإسلامية أن من أهم مقاصد الزواج «عفة الزوج والزوجة عن الحرام ووجود الذرية التي تتربى في أسرة مستقرة. فكما أن للزوج على زوجته حقوقاً فلها هي أيضاً حقوق عليه ومنها أن يبيت عندها ويعفها ولايسافر ويتركها وحيدة رغماً عنها، أو أن يسافر برضاها ثم اذا احتاجته يرفض العودة مما قد يعرضها للفتنة والضياع في عصر كثرت فيه الفتن وإن كان الحياء يمنعها من المطالبة به بطريق مباشر في غالب الأحيان.
ومن هنا لم يرض النبي صلى الله عليه وسلم عن سلوك عبد الله بن عمرو بن العاص عندما صرفته عبادته عن حق زوجته، فكل من الزوجين حين يبتعد أحدهما عن الآخر يحس بالفراغ وينتابه القلق ويتعطش للاطمئنان إلى شريك حياته سواء في ما يحتاجه الجسد أو القلب، فإذا غاب الزوج عن زوجته ورفض تلبية طلبها بالعودة إليها فهو آثم شرعاً ومضيع لحقوقها ومن حقها رفع أمرها إلى القاضي وطلب الطلاق للضرر».