عندما تغيب قوانين تحديد سن الزواج..

حقوق المرأة, طلاق, مواقع الزواج الإلكتروني, المجتمع السعودي, حقوق الطفل / الأطفال, زواج القاصرات

12 أبريل 2010

شريفة هي الطفلة التي أصبحت زوجة في سن العاشرة، وعلمت بطلاقها في سن العشرين، عن طريق المحكمة بعد عشر سنوات من تعليقها. هي حالة من حالات مسلسل زواج القاصرات في السعودية الذي باتت حكاياته تظهر بشكل مستمر. ولكن قصتها لاتتوقف عند زواجها طفلة وطلاقها شابة، فشريفة أحد أفراد أسرة كبلت بالفقر والجهل والمرض ولم تجد من يمد يد المساعدة.
هي جزء من مأساة عائلة ليس لها هوية، وحرم أفرادها أبسط حقوق الإنسان في التعليم، والعلاج، والسكن الآمن. أسرة عرفت وقاست من الظلم الإجتماعي وعرفت معنى الجوع والخوف مع وجود العائل وبعد وفاته. تخلى عنهم الجميع من أعمام وأخوال وأقرباء فعصفت بهم الحياة في كل إتجاه، ولم يلاقوا من يمد لهم يد العون، ويساعدهم على اجتياز محنتهم، حتى تعرفوا على « منظم إجتماعي» درس حالتهم وحاول أن يخرجهم من مأساتهم. ولكن ماهي خياراته ووسائلة في ظل حالتهم وفي ظل القوانين المعمول بها في السعودية؟

«لها» تابعت حالة شريفة وأسرتها ووقفت على وضعهم الإجتماعي والقانوني.

تعود شريفة بذاكرتها إلى يوم زواجها قبل عشر سنوات عندما تقدم رجل كبير في السن «شيبة»، على حسب قولها، لخطبتها من والدها. فتقول: «أتذكر وجود أبي مع رجل شيبة والمملك الذي عقد قراننا، وقال لي والدي أنه لابد أن أذهب معه وسأكون زوجته... كنت خائفة جداً ولم أعرف معنى ما كان يقوله لي والدي. خرجت من المنزل، وفي تلك الليلة تعبت كثيراً ونقلت إلى المستشفى».
كانت تلك الليلة «ليلة الدخلة» التي وصفتها شريفة وفيها انهارت تماماً واضطر الزوج لنقلها إلى المستشفى. ومن ثم عادت إلى منزل الزوجية عندما تماثلت للشفاء لتخدم زوجها الذي لم تعرف اسمه وكانت تناديه «ياجد». وقالت شريفة: « لم يدفع لي مهراً، ولم يقدم لي ذهباً، ولم يجعل لي بيتاً خاصاً بي. كان يعاملني معاملة قاسية جداً وكان متزوجاً من امرأتين، كانت إحداهما تضربني. كنت أقوم بخدمة كل من في المنزل ليلاً نهاراً، وكنت أجبر على العمل، وأنام في الليل مع أبنائه وعندما يحين دوري مع الجد كنت أذهب إلى أي منزل يكون فيه، فلم يكن لي منزل مستقل. عانيت كثيراً في منزله وعشت أياماً صعبة وكنت أعامل أسوأ من أي خادمة. فكنت أكنس حوش المنزل الكبير يومياً وأنا أبكي، وكنت أشتكي لوالدي الذي كان يرفض مساعدتي».
كان سوء المعاملة هو سمة المنزل الذي عاشت فيه شريفة، كما قالت. فإلى جانب الخدمة والتنظيف والغسل والطهو والضرب والسب والإهانة، لم تسلم من تحرش أبناء زوجها الكبار ومضايقتهم لها جسدياً». كان أبناؤه الكبار يضايقونني كثيراً. وكانوا يتحرشون بي جسدياً. في إحدى الليالي جاء أحد أولاده وحاول أن يتهجم عليّ، ولكن الله ستر لوجود أخي معي في ذلك الوقت، فوقف أمامه ومنعه عني. وعندما أخبرت زوجي بما حدث اتهمني بالكذب وقال إن ما حدث غير صحيح، وطلب مني أن أتحمل أولاده ونساءه».
لم يستمر الزواج طويلاً، فبعد تسعة أشهر ألقى بها الزوج في الشارع دون أن يوصلها إلى منزل والدها.«اختلف زوجي مع والدي وقرر أن يعيدني إليه، فخرج بي من المنزل ورمى بي في الشارع دون أن يوصلني إلى أهلي».
مرت الأيام والسنون ولم يظهر الزوج وشريفة معلقة، لا هي متزوجة ولا هي مطلقة. حين توفي والدها قررت أن تقدم طلب خلع في المحكمة بمساعدة المنظم الاجتماعي.«تقدمت لمحكمة الدمام وعلمت أني مطلقة من أكثر من عشر سنوات. لم أكن أعرف إسم زوجي الكامل لسنين، وكان أبي يرفض أن يساعدني بأي طريقة. تقدمت للمحكمة مراراً والمحكمة طلبت إسمه وعندما عرفت اسمه الكامل تقدمت وعرفت أني مطلقة. عشر سنوات وأنا أعتقد أني على ذمة رجل. تقدم لي بعض الأشخاص للزواج ولكني كنت اعتقد أني متزوجة».

مأساة أكبر تعيشها عائلة شريفة...
المأساة لا تقف عند شريفة، بل هي جزء من مشكلة عائلة كاملة غاب عنها الأب والعائل فبقيت تصارع الفقر والجهل والمرض. فشريفة فرد من عائلة مكونة من ثمانية أفراد لم يضمهم والدهم لبطاقة العائلة وليس لهم أي هويات تثبت وجودهم كمواطنين في المجتمع.
بحسرة وبألم تتحدث سميرة الدوسري، والدة شريفة، عن حياتها وحياة أبنائها قائلة: «نحن في مأساة لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى. أولادي لم يتعلموا ولا يستطيعون أن يتلقوا العلاج، فهم ليس لهم هويات ووالدهم لم يستخرج لهم أي شهادات. وهذه ابنتي شريفة عانت الكثير والآن صحتها في تدهور مستمر وتعاني من مشكلات نفسية».
لاتستطيع سميرة أن تتمالك نفسها وتجهش في بكاء مستمر، وهي تحكي عن حياتها وحياة أطفالها، وكيف عاشت تتنقل مع رجل من مدينة إلى أخرى، فتضع في كل مدينة طفلاً دون أن يحصل على أوراق ثبوتية. عاشت مع رجل لم يتحمل مسؤولياته، كما قالت. كان دائم السفر تاركاً أسرته مرهقة بالديون والفقر، حتى قررت أن تخالعه في المحكمة لأنه لا ينفق عليها، ولكن تحصل على 800 ريال من الضمان لتطعم أولادها السبعة، تقول: «عشت ثلاثين سنة مع رجل لا يستطيع أن ينفق على أولاده ولم يعلمهم، وكنا نتنقل من بلد إلى آخر دون استقرار.
شكوته إلى المحكمة لأنه لا ينفق على أولاده ولا عليّ، حتى حكم لي القاضي. وزوج شريفة وهي في عمر 10 سنوات ثم تركها معلقة لعشر سنوات دون أن يساعدها، حتى توفي وقررنا بمساعدة أهل الخير أن تشتكي شريفة على زوجها في المحكمة».
من شهرين إستطاعت والدة شريفة أن تحصل على 1600 ريال من الضمان الاجتماعي لها ولشريفة فقط لأنها لم تستطيع أن تثبت هوية أولادها الآخرين. «ظروفنا صعبة جدا ونحن لا نتلقى أي مساعدات لا من إخواني ولا من أعمام أبنائي، فجميعهم يرفضون أن يساعدونا ولا نعلم ماذا نفعل. فنحن نعيش على مساعدات من أهل الخير وفي منطقة سيئة نلاقي فيها أنا وأبنائي وبناتي جميع المضايقات. فأولاد الحارة لايتوقفون عن الإساءة إلينا والتحرّش بأولادي، وسبق أن تقدمت بشكوى لدى الشرطة».

العائلة حالة نموذجية لمأساة إجتماعية
المنظم الإجتماعي فيصل العتيبي، الوكيل الشرعي لشريفة والمتبني لقضيتها، تعرف على عائلة شريفة من خلال عمله لمشروعه الإجتماعي، مركز وفاق للأنظمة والخدمات الاجتماعية. درس حالة عائلة شريفة عن كثب كونها حالة نموذجية تتعدد فيها المآسي والمشكلات الإجتماعية التي سببها الجهل والفقر. فيقول: «شريفة تعرضت لمجموعة من المآسي بداية من حرمانها التعليم، زواجها وهي قاصر ومن رجل أكبر منها بسبعة عقود. عاشت إنفصال الأب والأم ومن ثم عاشت حالة اليتم. عاشت عشر سنوات من حياتها وهي تتنقل من بيت إلى آخر ومن مكان إلى آخر بحثاً عن الطعام والرزق. هذه العائلة حرمت التعليم وحتى مساعدات الضمان والجمعيات الخيرية لعدم امتلاكها هوية وأوراقاً ثبوتية».
وأشار العتيبي إلى أن وضع العائلة صعب جداً، ومع ذلك فهو يعتبر أم شريفة أماً عظيمة إستطاعت أن تتحمّل كل الفقر والمرض والتشتت وحرمان أبنائها العلاج والتعليم، وتخلي الجميع عنها، وتحافظ عليهم، رغم صعوبة صدمات الحياة التي تعرضوا لها، من الانحراف والعمل غير الشريف. وقال إن  هذه العائلة تعرضت لظلم نتيجة ضعف النسيج الإجتماعي. «في الماضي كنا نجد التكافل الاجتماعي أما اليوم فلا نجد أي نوع من التكافل الاجتماعي ولم يقدم لهم أي من أهلهم أي دعم أو مساعدة. أضيفي إلى ذلك الوضع الصعب الذي تعيشه هذه الأم وأبناؤها في الحارة من عنف وضرب وقلة إحترام».
وبحكم دوره كمنظم إجتماعي، قام العتيبي بتحديد المشاكل ومحاولة حلها. بدءاً بقضية زواج شريفة. ومن هنا توجه إلى المحكمة بصك الزواج حتى عرف أن شريفة مطلقة من 10 سنوات. قال: «االأمر الغريب أن الشيخ أو القاضي طلب من شريفة أن تلتزم بعدة! كيف وهي لاتعلم عن هذا الزوج شيئاً من 10 سنوات؟ اليوم نحن في انتظار وصول صك الطلاق وسنقيم دعوى لتحديد ما إذا كانت المسؤولية تقع على الزوج أم على المحكمة التي لم تبلغ شريفة بطلاقها».
وأكد العتيبي أنه يعمل على حل مشاكل هذه الأسرة بالأولويات، وهي محاولة إيجاد مسكن آمن لها، ثم استخراج الأوراق الثبوتية وشهادات الميلاد لأبناء الأسرة حتى يتمكنوا من الإلتحاق بالمدارس. «المشكلة التي تعيق موضوع الأوراق هي ولادة كل منهم في منطقة مختلفة مع عدم وجود شهادات تبليغ ولادة، ونحن نسعى لجمع هذه الأوراق حتى نستخرج شهادات الميلاد، ثم نتمكن من ضمهم إلى بطاقة العائلة حتى يحصلوا على حقهم في التعليم والعلاج والضمان الإجتماعي».
وشدد على أهمية دور المنظم الاجتماعي وضرورة إنضمامه إلى المراكز الإجتماعية الموجودة في الأحياء الفقيرة. فكل مركز لا بد أن يكون لديه إحصاء عددي ونوعي عن الحالات الموجودة في الأحياء حتى يستطيع المنظم الإجتماعي أن يتابعها عبر المراكز الإجتماعية حتى يحل جميع مشاكلها ويوصل كل أسرة إلى بر الأمان. وقال إن المراكز الإجتماعية تقوم بدوار غير كاملة وابتعدت كل البعد عن الدور الحقيقي لها. «المراكز الإجتماعية موجودة كمبانٍ ومواقع لكنها لاتقوم بدورها الحقيقي».

يماني: السعودية لا تحدد سن للزواج والزوج مسؤول عن تبليغ الطلاق
أكد المحامي نايف يماني عدم وجود سن نظامية أو قانونية في السعودية للزواج. «ما يحدد الزواج في السعودية هو موافقة ولي الأمر على زواج إبنته».
وفي ما يتعلق بتبليغ الزوجة بالطلاق وتسلم الصك، أوضح أن صك الطلاق من حق الزوجة، وأن الزوج عليه أن يبلغها بالطلاق، وإذا رفض الزوج التبليغ عليه إعلام المحكمة بذلك لتتمكن من تبليغ الزوجة وإتخاذ الإجراءات اللازمة.
من جانب آخر، تحدث يماني عن الوضع النظامي للأطفال اللذين لم تستخرج لهم أوراق ثبوتية قائلا: «إن وضع هذه الأسرة سيكون معقداً إذا لم توجد تبليغات ولادة يمكن على أساسها إستخراج شهادات ميلاد ويالتالي ضم الأولاد إلى بطاقة العائلة. فتبليغات الولادة هي الأساس لإستخراج الأوراق الثبوتية، وهذا الأساس الذي ستعمل عليه الأحوال المدنية. في حالة عدم وجود التبليغات على العائلة التقدم لوزارة الداخلية للبحث في أمرهم عن طريق إدارة الجنسية، وقد تطلب شهوداً، ويمكنهم في النهاية إجراء إختبار دي إن آي. الحقيقة أمامهم طريق طويل ليستطيعوا الحصول على أوراق ثبوتية».