سوزي: حلم الأمومة قادني إلى السجن!

سلمى المصري, جريمة, حبس / سجن, طبيب الجلد, قناطر, الإتجار بالبشر

24 يناير 2011

سوزي هي السجينة الأميركية الوحيدة في سجن النساء في القناطر، عمرها اقترب من الخمسين، ورغم ذلك فإنك لا تستطيع أن تدرك سنها عندما تشاهدها للمرة الأولى. فهي مبتسمة دائماً، عاشقة للحياة، تجاوبت بسرعة مع السجينات من حولها، وسرعان ما اكتسبت ثقتهن وصداقتهن.
عشقها للأطفال قادها الى السجن في قضية اتجار بالبشر بالاشتراك مع 11 متهماً، منهم زوجها المصري الأصل الأميركي الجنسية. كان كل حلمها أن تصبح أمًّا، ومن أجل تحقيق هذا الحلم تورطت في جريمة كبرى قادتها إلى السجن بعدما قرر القضاء حبسها عامين
.
أوراق قضيتها تؤكد أن اتهاماتها شنعاء، فهي متهمة بالاشتراك في شراء طفل مصري مجهول النسب بمبلغ كبير، وتزوير شهادة ميلاده، والاستعداد لتسفيره إلى الولايات المتحدة الأميركية ليعيش باسم آخر ويتم نسبه إليها.
لم تكن سوزي تدرك خطورة جريمتها، وأكدت لرئيس النيابة ورجال الأمن أنها وزوجها أخذا الأمر ببساطة، واعتقدت أن المسألة مجرد عرض وطلب، فوالدة الطفل المجهول الأب طلبت 26 ألف جنيه مقابل بيع الطفل، فوافقت سوزي، ودفع زوجها رجل الأعمال هذا المبلغ مقابل الحصول على الطفل.
تقول السجينة الأميركية: «دون أن أدري تورطت في هذه الصفقة مع آخرين. دفعنا الأموال لشراء الطفل، وظننت في البداية أن هذا كل شيء، لكنني اكتشفت أن المسألة ما زالت تحتاج إلى الكثير من الإجراءات حتى أحقق حلمي بالكامل، وأحظى بطفل أضمه إلى عائلتي الصغيرة. لكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن، ففي اللحظة التي اعتقدت فيها أن الحياة أصبحت وردية وجدت نفسي متهمة في هذه القضية».

كنت طبيبة
تضيف: «ظللت فترة طويلة دون زواج، كنت أعمل طبيبة أمراض نساء وولادة في أميركا وسمعت كثيراً عن مصر، وجوها الساحر، والأهرام وأبو الهول وشرم الشيخ. لكنني كنت أعتقد أنها مجرد مجتمع بدائي يعيش في العصور الوسطى.
حسمت أمري وقررت أن أسافر إلى مصر، وبمجرد وصولي إلى القاهرة اكتشفت أنني عشت وهماً كبيراً حين صدقت أن مصر بلد بدائي. وجدت تحضراً من أهلها وحياة جميلة دفعتني إلى التفكير جدياً في الإقامة بها».
تواصل سوزي: «بدأت رحلة البحث عن عمل، والتحقت بوظيفة وتعرفت على زوجي الحالي رجل الأعمال المصري الأصل، الأميركي الجنسية. جمع بيننا الحب، وطلب الزواج مني فوافقت على الفور، لأنني أحببت مصر، وزوجي ذو الأصل المصري كان يكمل هذه الصورة عندي.
كانت حياتنا سعيدة لا يعكر صفوها إلا عدم وجود أبناء، وكان زوجي يدرك أن هذا الحلم الذي أعيشه يعكر صفو حياتي، وكنت أعلم أن سني تجاوزت الخمسين، ولم يُعد أمامي أي فرصة لتحقيق هذا الحلم، فقررت تبني طفل، ووافقت على كل الخطوات التي اتخذها بعض المعارف لمساعدتي في تحقيق هذا الحلم. لكنني علمت من السفارة الأميركية أن الأوراق التي قدمتها لتبني الطفل دليل على تورطي في عصابة للاتجار بالبشر، فقد أوقعني حظي مع بعض محترفي الاتجار بالبشر، وهؤلاء هم من ساعدوني في شراء طفل لقيط من أمه التي حملته سفاحاً وعمره أسبوعان، ودفعت لهم مبلغ 26 ألف جنيه مقابل شراء الطفل ونسبه إلي. ولم أكن أعلم أن هؤلاء حاولوا التلاعب بالأوراق الرسمية، وزوروا شهادة ميلاد الطفل، واستخرجوا له جواز سفر مزوراً، فكنت ضحية حلم الأمومة وهؤلاء المجرمين».
وتؤكد سوزي أنها لم تكن تدرك حجم هذه الجريمة إلا عندما وقفت أمام المحكمة وشاهدت ممثل الادعاء وهو يطالب لها بأقصى عقوبة، رغم أنها كانت ولا تزال مقتنعة بأنها كانت تحاول أن تحصل على حقها الطبيعي في الحياة بأن تكون أمًّا، ولكنها خالفت القانون المصري والإنساني.
وكانت سوزي شديدة الصراحة خلال لقائنا معها في السجن أثناء إحدى الزيارات الاستثنائية، وأكدت أنها كانت ترفض الحوارات خلال المحاكمة حتى تترك المحكمة تقول كلمتها، ولكنها الآن بإمكانها أن تتحدث.

الحذر!
تقول: «عندما جئت إلى السجن وجدت الحذر في عيون معظم السجينات، خاصة أنني أميركية. وخلال أيام أصبحن جميعاً صديقاتي. وجدنني مثلهن، بسيطة أتعامل معهن كأخت كبرى أو صديقة، تعلمت بعض كلمات اللغة العربية مثل: إزيك، أنا كويسة، صباح الخير، وغيرها من الكلمات البسيطة. وتحاول بعض السجينات اختباري بشكل دائم في تعلم اللغة العربية، وأنا سعيدة بهذا الجو الذي لم أتوقعه.
وهنا في السجن وجدت في السجينات الشهامة و«الجدعنة» بلغة أولاد البلد، وحتى ضابطات السجن وجدت منهن بعض الصديقات اللواتي يتعاملن مع السجينات بكل حب وبحزم أيضاً. وسعدت بالزيارات الاستثنائية التي توافق عليها إدارة السجن في المناسبات والأعياد، وقد زارني شقيق زوجي للاطمئنان إلى أحوالي، وسألته عن أحوال زوجي الذي يقضي عقوبة السجن أيضاً.
كنت أتمنى أن ألتقي زوجي لكن أيام السجن كانت تحول بيني وبينه، وعلمت أنه تبقى فترة وجيزة قبل الإفراج عني بسبب حسن السلوك، فقد حافظت طوال تلك الفترة على سلوكي داخل السجن حتى أحصل على هذه الميزة التي لا توجد في سجون كثيرة في دول متقدمة».
وتختم سوزي: «لم أخطط لحياتي بعد أن أحصل على حريتي وأخرج من السجن، لكنني لن أعود فوراً إلى أميركا. سأعيش فترة في مصر وأستمتع بجوها الساحر، وأزور معالمها السياحية، وأحاول أن أنسى الذكريات الأليمة لهذه القضية، والآن أحسب الأيام المتبقية قبل أن تحين لحظة الإفراج عني وزوجي».