لا تجبر زوجتك على السفر!
حقوق المرأة, سفرجل, د. مهجة غالب, الشيخ يوسف البدري, د. عبلة الكحلاوي, د. أحمد عمر هاشم, د. سعاد صالح, فتوى, قضية / قضايا الزواج, د. محمد عبد المنعم البري
08 مارس 2011

مبررات مقبولة
ويقول الدكتور عبد الله بركات، العميد السابق لكلية الدعوة في جامعة الأزهر: «أمر الإسلام كلاً من الزوجين أن يحسن معاشرة الآخر، ومع هذا فقد خص الأزواج نصًا بحسن المعاشرة، فقال تعالى: «وعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» آية 19 سورة النساء. من هنا ننصح الزوج الذي تأتيه فرصة للسفر أن يتدارس الأمر مع زوجته ويستمع الى وجهة نظرها ويحترمها طالما أن لديها مبررات مقبولة، وألا يتعسف في استعمال حق الطاعة ويجبرها على السفر معه، فقد أوصانا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالنساء فقال: «اتقوا الله في النساء فإنهنَّ عوان عندكم أخذتموهنَّ بأمانة الله واستحللتم فروجهنَّ بكلمة الله لكم عليهنَّ ألا يوطِئْنَ فُرُشَكم أحدًا تَكرهونه ولهنَّ عليكم رزقُهنَّ وكسوتُهنَّ بالمعروف». مع تأكيدنا أن طاعة الزوج مقدمة على طاعة الوالدين والإخوة، وهي مأمورة بطاعته لأنه جنتها ونارها لقوله، صلى الله عليه وسلم: «إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحصَّنت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي الأبواب شئت».

حق الزوج
أما الدكتور محمد عبد المنعم البري، الأستاذ في كلية الدعوة جامعة الأزهر فيقول: «طاعة الزوجة لزوجها واجبة طالما لا يأمرها بمعصية لله، بل إن الطاعة من الحقوق الواجبة، بصرف النظر عن رغبة المرأة، فقد سُئل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن حق الزوج على زوجته فقال: «حقه عليها ألاّ تخرج من بيتها إلا بإذنه، فإن فعَلَت لَعَنَتها ملائكة الرحمة وملائكة العذاب حتى ترجع إلى بيتها أو تتوب. قيل: يا رسول الله، وإن ظَلَمَها؟ قال: وإن ظَلَمَها». وليس من حقها رفض السفر معه إذا كان في حاجة شديدة إليها، فقد قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها، ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه»، و«القتب» رحل صغير يوضع على البعير».
وحذر البري الزوجة من عواقب معصية زوجها، لأن هذا يكون مصدر شقاءٍ وبؤس عليها في الدنيا والآخرة، ويجعلها من زوجات السوء اللاتي استعاذ منهن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قائلاً: «اللهم إني أسألك أربعاً وأعوذ بك من أربع، أسألك لساناً صادقاً وقلباً خاشعاً وبدناً صابراً وزوجةً تعينني على أمر دنيايّ وأمر آخرتي، وأعوذ بك من ولدٍ يكون عليّ سيداً ومن زوجةٍ تشيبني قبل وقت المشيب ومن مالٍ يكون مشبعةً لغيري بعد موتي ويكون حسابه في قبري، ومن جار سوءٍ إن رأى حسنةً كتمها وإن رأى سيئةً أذاعها وأفشاها».

مراعاة حقوق الآخر
في البداية أوضحت الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، أن «الإسلام اهتم بالمرأة وجعل لها حقوقًا مثلما جعل للرجل، وراعَى أن تكون بعض الأحكام متوافقة مع طبيعة المرأة. ومن يتأمل عقد النكاح يجده يوجب حقوقًا والتزاماتٍ متبادلة بين الزوجين بشرط ألا يضر أحدهما بالآخر. فمثلاً أوجب على الزوجة طاعة الزوج بشرط ألا يكون ذلك في معصية، وفي الوقت نفسه على الزوج أن يراعي حقوق زوجته إذا كان مسافرًا وترتب على ذلك ضرر بالغ بها، كأن تكون الراعية الوحيدة لوالديها المسنين، أو أن يترتب على سفرها خسائر في أموالها، أو فصلها من عملها إذا كان قد تزوجها وهي عاملة. في هذه الحالات ننصح الزوج بألا يجبر زوجته على السفر معه، وأن يراعي مشاعرها وخصوصياتها».
وطالبت الكحلاوي كلاً من الزوجين بمراعاة حقوق الآخر ومشاعره ومصالحه، «لأن الحياة الزوجية أساسها المودة والرحمة كما جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون» آية 21 سورة الروم. ومن ثمَّ فإن الزواج ليس استعبادًا، يكره الرجل فيه زوجته على السفر معه دون مراعاة لنفسيتها، ومن الأفضل أن يحاولا التفاهم وأن يتدارسا الآثار الإيجابية والسلبية للسفر على كل منهما، ويقررا معًا، لأن كلاً منهما لا يستطيع الاستقرار بعيدًا عن الآخر. ومع هذا فقد أوجب على كل من الزوجين معاشرة الآخر بالمعروف بقوله سبحانه: «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ» آية 228 سورة البقرة. وننصح الزوج أن يتصف بالفضل والتضحية والتحمل والإيثار إذا وجد أن ضررًا بالغًا سيلحق بزوجته إذا سافرت معه، وهو هنا يكون مطبقًا لقوله تعالى: «ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة» آية 9 سورة الحشر».
وعن الواجب على الزوجين إن اختلفا في قرار السفر قالت الدكتورة عبلة: «يمكن للزوجة إذا فشلت في إقناع زوجها بموقفها الرافض للسفر أن تلجأ إلى الموثوق بهم من أقاربه لعلهم يقنعونه بالتعاون مع الحكماء العقلاء من أهلها، حيث يتم قياس الضرر الأكبر والأصغر، ويتم تحمل الضرر الأصغر لتجنب الضرر الأكبر، فإن فشلت في إقناعه فهي مخيرة بين السفر معه مضطرة حفاظًا على أسرتها، خاصة إذا كان لديها أولاد، أو أن تطلب منه الطلاق للضرر الواقع عليها نتيجة السفر، وهي هنا ليست آثمة».

الظلم حرام
اما مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح، فتؤكد أن «طاعة الزوجة لزوجها ليست انتقاصًا لإنسانيتها، وإنما هي تأكيد للحقوق والواجبات المتبادلة ولهذا فإن الزوجة إذا رفضت السفر مع زوجها بلا مبرر مقنع تكون ناشزًا، وللزوج الحق في تأديبها (حسب الدين الإسلامي) بالوعظ والنصيحة ثم الهجر في الفراش ثم الضرب غير المبرح، لقوله تعالى: «وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ» آية 34 سورة النساء. ويمكن أن يرفع الأمر الى القاضي إذا فشلت محاولات التحكيم باختيار حكمين من أهله ومن أهلها للإصلاح تنفيذًا لقوله تعالى: «وإن خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا» آية 35 سورة النساء.
فإن أطاعته لا يجوز له الانتقام حتى لا يكون مخالفًا للوصية النبوية: «استوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئًا غير ذلك إلاّ أن يأتين بفاحشة بيِّنة فان فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً، إن على نسائكم حقاً ولنسائكم عليكم حقًا فحقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذنَّ في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن».
وأكدت الدكتورة سعاد أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، أوضح لنا فضل طاعة الزوج في غير معصية بقوله: «أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة». وقد نهى الله عن الظلم وتوعد صاحبه. و«لذلك ننصح الزوج أيضًا بمراعاة ظروف زوجته، وبألا يتعسف في استخدام حق الطاعة، ويفسر النصوص الشرعية من منظور متشدد وقاسٍ، وعليه أن يتذكر قوله، صلى الله عليه وسلم، «من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه، فليتق الله في الشطر الثاني». وقوله: «الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة».

التشاور واجب
وتنصح الدكتورة مهجة غالب، رئيسة قسم علوم القرآن في جامعة الأزهر، الزوج والزوجة بأن «يكون أمرهما شورى بينهما، وأن يضعا المصلحة المشتركة فوق المصلحة الفردية، وأن يتصف كل منهما بالتضحية من أجل شريك حياته، فقال تعالى في وصف المؤمنين: «وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ» آية 38 سورة الشورى. وليس هذا عيبًا، فقد كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يستشير زوجاته ويأخذ بآرائهن في بعض الأمور المهمة. وهذا لا يتنافى مع حق الزوج على زوجته في السفر والانتقال بها، لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه كانوا يسافرون بنسائهم. واشترط الحنفية للسفر بالزوجة أن يكون الزوج مأمونًا عليها. ولا يجوز للزوجة أن تمتنع بلا مبرر مقنع عن السفر مع زوجها، بل عليها طاعته، وإذا امتنعت عن السفر معه كانت ناشزا. واشترط الفقهاء لوجوب سفر الزوجة مع زوجها ألا يقصد الزوج بسفرها معه الإضرار بها، وألا يلحقها بسفرها معه ضرر نفسي أو معنوي، فإن كان هناك ضرر من حقها رفع أمرها الى القضاء».

مراعاة المصالح
ويدعو الدكتور أحمد عمر هاشم، الرئيس الأسبق لجامعة الأزهر، الأزواج الراغبين في السفر الى مراعاة مشاعر زوجاتهم، «خاصة اذا كانت إنسانية مثل رعايتها لوالديها أو غيرها من الغايات المشروعة التي لا تستطيع الزوجة الاستغناء عنها، وإن تركتها سيسبب لها ذلك تمزقًا. ومن الرجولة أن يفكر الزوج في التضحية من أجلها، وقدوته في ذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لأنه القائل: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي». ويجب على الزوج، إذا احترم رغبتها ولم يسافر، ألا يذلها أو يعيّرها أو يقصر في حقوقها كرد فعل. فقد سأل صحابي رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ما حق المرأة على الزوج قال: «تطعمها إذا طعِمتَ وتكسوها إذا اكتسيتَ ولا تضرب الوجه ولا تقبِّح ولا تهجر إلاّ في البيت». أي يحسن عشرتها. وليعلم أن الله سيحاسبه حسابًا عسيرًا إذا قصر في حق زوجته. وفي الوقت نفسه على الزوجة التفاني في طاعة زوجها، لأن كلاً منهما مسؤول عن الآخر، فقد قال، صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، الأمير راعٍ والرجل راعٍ على أهل بيته والمرأة راعية على بيت زوجها وولده، فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته».

الطاعة
ويقول الشيخ يوسف البدري، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية: طاعة الزوج مقدمة على غيره، حتى ولو كان الوالدين، بدليل أن أم المؤمنين عائشة سألت رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «أي الناس أعظم حقًا على المرأة؟ قال: زوجها، قالت: فأي الناس أعظم حقًا على الرجل؟ قال: أمه». ولهذا ننصح الزوجة بطاعة زوجها ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، حتى ولو تعارض ذلك مع رغبتها لأن عدم الطاعة يعد نشوزًا يفسد العواطف، والزوجة كلما أخلصت في طاعة زوجها ازداد حبه لها، وقد جاء في الأثر: «جهاد المرأة حُسن التبعُّل».
وخفف الشيخ البدري من حدة اعتراضه على فتوى الدكتورة عبلة الكحلاوي قائلاً: «ينبغي على الزوج تدارس مزايا السفر مع زوجته وعيوبه، والنظر بعين الرحمة الى ظروفها. ولكن إذا تعارضت الآراء فإن رأي الزوج يجب أن يسود، لأنه في الغالب مبني على العقل وليس العاطفة، وهو المسؤول عن عواقب القرار، وهنا على الزوجة الطاعة حتى تكون من أفضل النساء التي قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن مواصفاتهن لأحد الصحابة: «ألا أخبرك بخير ما يكتنز المرء، المرأة الصالحة، إذا نظر إليها سرته وإذا أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته». ومن نتائج طاعة الزوجة لزوجها جلب السعادة لها في الدنيا والآخرة، ولننظر إلى هذا الحوار بين رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وإحدى الصحابيات، حيث سألها: أذات بعل؟ قالت: نعم، قال: كيف أنت له؟. قالت: لا آلوه، «أي لا أقصر في طاعته»، إلا ما عجزت عنه. فقال: «انظري أين أنت منه فإنه هو جنتك ونارك».

هناك من يرى أن على الزوجة أن تطيع زوجها في قرار السفر دون نقاش، ومهما كان الضرر الواقع عليها من هذا القرار، لكن الدكتورة عبلة الكحلاوي أفتت أخيراً بأنه لا يحق للزوج إجبار زوجته على السفر لغير ضرورة ملحة، وهو ما أثار جدلاً فقهياً بين علماء الأزهر الذين انقسموا تجاه الفتوى ما بين مؤيد ومعارض، فماذا قالوا؟