مفتي مصر الأسبق: هذه شروط إثبات النسب...
إثبات النسب, د. نصر فريد واصل, مفتي مصر, د. عفاف النجار, د. سعاد صالح, فتوى, علماء الدين, د. حامد أبو طالب, د. محمد عبد المنعم البري
26 أبريل 2011شروط الزواج
في البداية يوضح واصل أن للزواج في الإسلام أركاناً إذا توافرت فهو زواج صحيح، وركنه الأساسي، الإيجاب والقبول. ويقصد بالإيجاب أن يقول ولي المرأة لمن أراد الزواج «زوجتك فلانة أو ابنتي أو أختي». أما القبول فأن يقول الولي الخاطب، «قبلت الزواج من فلانة». وأما شروط الزواج فهي تحديد الزوجين ورضاهما، وأن يعقده الولي أو وكيله، ووجود شاهدي عدل من المسلمين. ويرى بعض الفقهاء أنه إذا حصل إشهار وإعلان للزواج كفى عن الشهادة على الراجح. واختلف معهم فريق آخر من الفقهاء اشترطوا وجود شاهدي عدل، واستدلوا بقول الرسول، صلى الله عليه وسلم: «لا زواج إلا بولي وشاهدي عدل».
وأضاف واصل: «يعد الزواج بدون شهود في بعض الحالات، أو بدون ولي في حالات أخرى، من قبيل الزواج الفاسد، ويجب لثبوت النسب فيه أن يكون الزواج ثابتاً لا نزاع فيه رغم فساده، سواء كان الإثبات بالفراش، أو الإقرار، أو البينة، حتى يثبت النسب فيه».
وأوضح أن الاختلاف بين الفقهاء في القضايا القابلة للاختلاف، لعدم وجود نص شرعي قطعي، يعد مصلحة كبرى وإثراءً للفكر، لأن فيه إعمالاً للعقل مادام خلافاً لا يضر بالقضية. وفي موضوع الشهود فإن الحكمة من أن يكون في الزواج شهود، هي الإعلان عنه حتى يكون معلوماً ظاهراً وواضحاً للمجتمع الذي يعيش فيه الزوجان، مما يؤكد أن هذا زواج في العلن، وتم برضا وتوافق الرجل والمرأة ووليها، ووجود شهود دون خوف أو سريِّة، على عكس الزواج الذي ينقصه الشهود ويسمى زواجاً سرياً باعتباره تم دون إعلان. ولكنه يصح في رأي بعض الفقهاء مادام هناك إعلان بوسائل أخرى، كمعرفة الولي والأهل ومباركتهم لهذا العقد، مما يتوافق مع قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «أعلنوا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف».
شروط الشهود
وترى العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية الدكتورة سعاد صالح، أن المحافظة على الأطفال من الضياع جعلت غالبية الفقهاء، القدامى والمعاصرين ويفتون بنسب الطفل إلى أبيه، حتى ولو كان هناك خلل أو نقص في الشروط أو الأركان، لأنه لا ذنب له في ذلك. واستدلوا بقوله تعالى: «قل أغيرَ الله أبغي رباً وهو ربُّ كلِّ شيءٍ ولا تكسب كل نفسٍ إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثمَّ إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون» آية 164سورة الأنعام. وقوله: «كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ» آية 38 سورة المدثِّر. ويجب أن نؤكد أن من يتزوج بدون شهود أو ولي آثمٌ شرعاً، وعليه سرعة التوبة وتصحيح الأوضاع بالنسبة الى العلاقة الزوجية أو الأولاد بنسبهم إليه.
وعن الشروط الواجب توافرها في الشهود، حتى لا يتم التلاعب بصفاتهم كما هو الحال بين المراهقين والمراهقات، أوضحت صالح، أن هناك من الفقهاء من اشترط في الشهود أن يكونوا عدولاً ومسلمين وذكوراً، واشترط آخرون تمتعهم بالحرية والعقل والبلوغ وفهم وسماع مقصود الزوجين بوضوح دون لبس. وقد ذهب الأحناف إلى أنه لا يشترط في الشهود أن يكونوا عدولاً، وانه ينعقد بشهادة الفُسَّاق، لأن الزواج يتم أحياناً بشهود غير معلومين، فكيف نعلم أنهم عدول أو فاسقون، ولنا الظاهر ولا نستطيع أن نبحث في قلوب الناس حتى نعرف حقيقتهم. ورغم اشتراط الشافعية صفة العدل في الشهود، قالوا إنه إن شهد على الزواج شاهدان غير عدول صح مع الكراهة، في حين اشترط الحنابلة والشافعية الذكورة في الشهود، فلا تصح عندهم شهادة النساء.
واستدلوا بقوله، صلى الله عليه وسلم: «لا يجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح ولا في الطلاق». أما الأحناف فهم لا يشترطون هذا الشرط، بل يجيزون شهادة رجل وامرأتين، واستدلوا بقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى ...» الآية 282 سورة البقرة. وقاسوا الزواج على البيع الذي ذُكرت بشأنه الآية السابقة، وقالوا إن كلاً منهما عقد. في حين اشترط أبو حنيفة والشافعي أن يكون الشهود أحراراً لا عبيداً. أما الإمام ابن حنبل فهو لا يشترط الحرية ما دام الشاهد أميناً صادقاً تقياً، مستنداً إلى قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" آية 13 سورة الحجرات.
وسائل إثبات النسب
وعن الوسائل الشرعية في إثبات النسب، يقول أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة طنطا الدكتور أحمد عبده عوض: «تتعدد وسائل إثبات النسب، ومنها الفراش، حيث يرى بعض الفقهاء أنه رغم حرمة الزواج بدون شهود، إلا أنه ينسب أبناء الزواج ناقص الشهود إلى أبيهم محافظة عليهم، لقوله صلى الله عليه وسلم: «الولد للفراش». وإثبات النسب عن طريق الفراش مجمع عليه بين الفقهاء. ومن وسائل إثبات النسب كذلك الاستلحاق، وذلك بأن يقر المسـتلحق بأن هذا الولد ولده. واشترط العلماء للاستلحاق شروطاً، أبرزها أن المُقَرَّ له بالنسـب ممن يمكن ثبوت نسبه من المقِرِّ. أما الوسيلة الثالثة لإثبات النسب فهي البينة.
وقد أجمع الفقهاء على أن النسب يثبت لمدعيه بناء على شهادة العدول بصحة ما ادعاه، وأن يشتهر الأمر بين الناس حتى يصير معروفاً بينهم أن فلاناً هو ابن فلان. والوسيلة الرابعة هي القيافة، عن طريق القائف الذي يعرف شبه الرجل بأبيه، ويعرف النسب بفراسته من خلال تشابه الأعضاء بين الوالد والمولود. وقد ذهب الحنفية إلى أن القيافة لا يلحق بها النسب لأنها تخمين، بينما ذهب جمهور العلماء الى الأخذ بها لدلالة السنة والآثار عليها. كما يمكن استخدام البصمة الوراثية كطريقة مستحدثة لإثبات النسب، في حالات التنازع على نسـب الطفل الناتج من زواج بلا شهود، أو حتى إذا فكر الأب في التنصل منه، وخاصة أن البصمة الوراثية من الناحية العملية وسيلة لا تكاد تخطئ في التحقق من النسب، وهي هنا تثبت بيقين قوله تعالى: «ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا» آية 33 سورة المائدة.
أهمية النسب
ويقول عضو مجمع البحوث الإسلامية الدكتور حامد أبو طالب: «لا شك أن إلحاق نسب الطفل بأبيه مقصد شرعي، حتى في حالة الزواج الفاسد، سواء كان بلا ولي أو بلا شهود، رغم أنه لم يقل بصحته جمهور الأئمة الذين رفضوا تحايل من قاموا بهذا الزواج الباطل، اذ يؤكدون أن الله شاهد عليه، فهذا نوع من المغالطة والتلاعب بالألفاظ لتحليل الحرام، لأن هذه العلاقة التي أسست على غير شهود وبلا ولي فاسدة وباطلة شرعاً، ولا يجوز الاستمرار فيها، بل يجب فسخها فوراً، وما نتج عنها من ولد يلحق بالأب إذا كان معتقداً جواز هذا العقد، وحلَّ الاستمتاع وقت العقد لأنه معذور حينئذ بالجهل».
واستشهد أبوطالب بسؤال وُجّه إلى شيخ الإسلام ابن تيمية عن رجل تزوج امرأة بلا ولي ولا شهود، فأفتى بأن هذا الزواج باطل باتفاق الأئمة، لكن إذا اعتقدا أن هذا نكاح جائز، كان الوطء فيه وطء شبهة يلحق الولد فيه بأبيه، أما العقوبة فإنهما يستحقانها على مثل هذا العقد. وبالتالي فإن هذا الزواج فاسد، ويجب عليهما أن يفترقا وأن يتوبا إلى الله تعالى مما أقدما عليه. أما الولد الناشئ عن تلك العلاقة فهو لاحق بأبيه. فيرث منه، وله كل الحقوق كأحد أبنائه إذا كان الأب يعتقد أن زواجه حلال وقت حمل المرأة بهذا الولد. ومن المعروف أن الشرع يسعى لإثبات النسب رعاية لحق الصغير، حتى أنه يلزم الأب بنسبة ولد الزواج الفاسد إليه، لأن عدم الاعتراف به يتنافى مع أصل من أصول الشريعة في حفظ الأنساب، إحقاقاً للحق وباعثاً لاستقرار الأوضاع الصحيحة في المجتمع».
زواج سري
وتقول عميدة كلية الدراسات الإسلامية للبنات في جامعة الأزهر الدكتورة عفاف النجار: «إذا حصل زواج بدون شهود فلا يعد زواجاً شرعياً، وغالباً ما يدفع ثمنه الأبناء إذا ما تهرب الأب من نسبهم إليه، وقد حرَّم الله تعالى الزواج بدون توافر شروطه الشرعية. وما يقال غير ذلك فهو من قبيل المغالطة وتزيين للمنكر والحرام، ولهذا يجب على من تزوجا بلا شهود أن يسرعا بالتوبة إلى الله، ومواجهة ألاعيب النفس الأمَّارة بالسوء، وعقد زواج جديد مكتمل الأركان والشروط وخاصة الولي والشهود».
وعن ترتيب أولياء المرأة المسموح لهم بتزويجها حتى لا يتم التلاعب، قالت العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية الدكتورة عبلة الكحلاوي: «الولاية لها شروط وترتيب، وليس لأي أحد أن يقوم مقام الولي، فالأولياء بالترتيب هم الأب، ثم الجد، ثم الابن، ثم الأخ الشقيق، ثم الأخ لأب، ثم أولادهم، ثم العمومة.
فإن عدمت المرأة جميع العصبات يزوجها القاضي الشرعي. وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن الزواج لا يصح بغير ولي ولا شهود، ولم يستدلوا بالأحاديث النبوية التي توجب ذلك فقط، بل إن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب جاءه زواج لم يشهد عليه إلا رجل واحد فقال: «هذا نكاح السر ولا أجيزه ولو كنت تقدمت فيه لرجمت». كما أكد الترمذي أن العمل على أنه لا نكاح إلا بشهود أكده أهل العلم والصحابة والتابعون، ولم يختلف إلا قوم من المتأخرين. وسبب الشهادة في النكاح هي ألا يكون الزواج سراً، وحفاظاً على الولد ألا يجحده أبوه، ولهذا نجد وجود الشهود في الزواج على قول الجمهور من أسباب صحة العقد وانعقاده، ولا يصح الزواج عندهم بغير شهود. وهناك قلة من العلماء ترى أنه يصح بلا شهود، بل إن بعضهم أكد أنه لم يثبت في الشهادة خبر، فمثلاً إن تم العقد بالشهود واستكتم الزوجان الشهود يصح مع الكراهة عند الشافعي وأبي حنيفة، أما عند مالك فيفسخ العقد، وقال لها صداقها ويفرق بينهما ولا يعاقب الشاهدان.
أكد مفتي مصر الأسبق الدكتور نصر فريد واصل، جواز ثبوت النسب في الزواج الذي تم دون ولي أو شهود، والذي يطلق عليه بعض علماء الدين «الزواج الفاسد». فما هي الأسانيد الشرعية للمفتي الأسبق في فتواه؟ وهل يوافقه رجال الدين أم يعارضونه؟ وهل تنهي تلك الفتوى معاناة الكثير من الزوجات الباحثات عن نسب أبنائهن من زواج حدث دون شهود؟
تحليل البصمة الوراثية
ويؤكد الأستاذ في كلية الدعوة بجامعة الأزهر الدكتور محمد عبد المنعم البري، جواز اللجوء إلى تحليل البصمة الوراثية في إثبات نسب الابن لأبيه، إذا كان الزواج غير مكتمل الشروط أو الأركان، لأن في ذلك إنقاذاً للابن من العار الذي يلحقه طيلة حياته. كما أن استخدام تحليل البصمة الوراثية لإثبات نسب الابن، سواء داخل إطار الزوجية أو خارجها، جائز شرعاً، لأن الاختبار الوراثي يعطي نتيجة تقترب إلى اليقين في نسب الأبناء وإقرار حقوقهم.