نهاية أشهر بلطجي في مصر!

سلمى المصري, تجارة المخدرات , حبس / سجن, رجل / رجال مباحث, إتفاقية القضاء, النيابة المصرية, قسم الشرطة

03 أكتوبر 2011

كما عاش حياته بشكل أسطوري، قرّر أن ينهيها بهذا الشكل، وانتحر بعد خمسة أيام فقط من دخوله السجن، وكأنه يقول للشرطة إنه لن يسمح لأحد بهزيمته، وأنه لن يقف أمام القضاء.
هكذا قال لضابط المباحث الذي قبض عليه، لكن الضابط لم يظن أن
«خنوفة»، أشهر بلطجي في مصر، كان يخطط للتخلص من حياته بشكل بشع!
شنق رأفت عبد الشكور الشهير بـ
"خنوفة"، نفسه داخل محبسه الانفرادي في سجن طرة، لينهي بيده أسطورته التي استمرّت سنوات من أعمال البلطجة المخيفة...


المشهد في سجن طرة لم يكن يحتاج إلى تعليق: عشرات من رجال مباحث السجون، وخبراء المختبر الجنائي والأطباء الشرعيين يملأون جنبات السجن، وبالتحديد داخل زنزانة صغيرة في أطراف السجن. التف الجميع حول مشهد واحد، شاب في منتصف العقد الثالث من عمره كان مشنوقاً، جسده يتدلى من سقف الزنزانة الانفرادي التي كان يقيم فيها، في مشهد أشبه بما نراه في أفلام السينما.
وصل رئيس نيابة المعادي، وبدأ يمارس عمله من خلال فحص جثة السجين المنتحر، ومعاينة الزنزانة، وعاد إلى باب الزنزانة الانفرادي ليقرأ اسم السجين المنتحر: رأفت عبد الشكور، الشهير بـ«خنوفة».

توقف رئيس النيابة عند هذا الاسم، وعاد بذاكرته إلى الوراء، وبالتحديد إلى خمسة أيام مضت حينما ملأ خبر القبض على أشهر بلطجي في القاهرة صفحات الجرائد، وذلك بعد أن أجهد أجهزة الأمن في رحلة البحث عنه التي استمرت خمسة وخمسين يوماً كاملة!
ومن يطالع حكاية البلطجي الأشهر يتأكد من أن هذه النهاية طبيعية لشاب كان يؤكد لعصابته أنه لا يخشى الموت، ولكنه يتوقع أن تنتهي حياته برصاصة مفاجئة!


المغرور!

بمجرد القبض عليه أكد لمن يحيطونه أنه لن يذهب إلى المحاكمة، ولم يفهم الجميع ماذا يقصد البلطجي الشهير، ويبدو أنه كان يخطط إما للهرب أو للتخلّص من حياته. كان يدرك أنه ربما سيواجه حكم الإعدام، أو على الأقل السجن لأكثر من خمسين سنة بعد ارتكابه عشرات الجرائم.
قبل ثورة يناير كان خنوفة مجرد تاجر مخدرات من بين المئات من أمثاله، وبعد اندلاع أحداث الثورة تملكه الغرور وأكد للمحيطين به أنه سيكون له شأن كبير، وسيتحدث في وسائل الإعلام المتعددة!

وكما أثلج خبر القبض عليه صدور سكان منطقة مصر القديمة التي فرض عليها سطوته، تلقف المئات خبر موت خنوفة بفرحة عارمة. أخيراً انتهت أسطورته المرعبة التي كانت أشبه بما شاهدناه في فيلم "الجزيرة"، حين ردد الفنان أحمد السقا: "أنا الحكومة"!
هذه العبارة كان يرددها خنوفة كثيراً، عندما كان ينطلق مع أعوانه المسلحين ليجوبوا شوارع منطقة مصر القديمة، ويطلقوا الرصاص في الهواء لإثارة الذعر وفرض سيطرتهم على المكان.

عصابة خنوفة وصل عددها إلى ثلاثمئة مسلح، كلهم  من المطاريد والهاربين من الأحكام القضائية، لم يكن لديهم ما يخسرونه، والتقت أهدافهم جميعاً تحت راية واحدة وهي الخروج على القانون ومقاومة الشرطة.
وحين كان سكان مصر القديمة يشاهدون خنوفة وعصابته، كانوا يتذكرون الليلة السوداء التي عاشوها وتحدثت عنها العاصمة المصرية كلها، وذلك عندما داهمت الشرطة أوكار تجار المخدرات والبلطجية والهاربين من الأحكام القضائية، وألقت القبض على العشرات منهم واقتادتهم إلى قسم شرطة مصر القديمة.

وظهرت أسطورة خنوفة في هذا اليوم، حين تجمع تحت قيادته العشرات من البلطجية المسلحين وحاصروا قسم الشرطة، وأطلقوا النيران بسخاء ليسقط قتلى وجرحى وليهرب بعض المقبوض عليهم.
غير أن أجهزة الأمن عقدت العزم على ضبطه بكل السبل، فاستدعت زوجته ووالدته لمناقشتهما، وسؤالهما عن مكان اختفاء البلطجي الهارب.
وقرر خنوفة أن يأتي بنفسه إلى قسم الشرطة ليطلق سراح أمه وأخته، لكنه قرر أن يجعل هذا المشهد دراماتيكياً، فاصطحب معه مئتي بلطجي مسلحين بالبنادق الآلية، واتجه إلى قسم شرطة مصر القديمة، بعد أن قرر أن يحيل المكان إلى بحور من الدماء.


الرعب

على مدار أربع ساعات كان المشهد مرعباً، رصاص وصرخات وقتلى وجرحى، أصاب خنوفة برصاصاته أحد ضباط الشرطة، وحرق كشكاً لضباط المرور، وأحرق دراجة نارية كان يستخدمها رجال المرور.
لم ينته مشهد الرعب عند هذا الحد، بل قرر خنوفة أن ينقل المعركة إلى مكان آخر، واتجه بعصابته إلى شارع صلاح سالم الرئيسي، وقطع الطريق، وأتلف أكثر من عشرين سيارة شاء حظ أصحابها العاثر أن يجعلهم يسيرون أمام العصابة المسلحة في هذا التوقيت.

أحرق خنوفة وعصابته إطارات السيارات واستمرت أحداث الشغب بعض الوقت، قبل أن تتمكن قوات الأمن المركزي من السيطرة على الموقف، وهربت عصابة خنوفة إلى مكان آخر ليبدأ فصل جديد من مسلسل الرعب!
سجل جرائم البلطجي الشهير كان يتضمن أحكاماً قضائية ضده تصل إلى السجن عشرين سنة، وجرائم مخدرات، وبلطجة، وفرض سيطرة واستيلاء على أراضي الدولة وسرقة بالإكراه... كل أنواع الجرائم ارتكبها، ولم يعد يخشى القبض عليه، كان متأكداً من أن عصابته المسلحة سوف تواجه أي هجوم من الشرطة!

ولكن هذه الثقة لم تمنع خنوفة من أن يبقى شديد الحذر ويخفي مكان إقامته، وتغيير الوكر الذي يبيت فيه كل بضعة أيام، ولكنه في الوقت نفسه كان يؤمن نفسه تجاه تسلل رجال الشرطة السريين.
في هذه الأثناء كان اللواء أحمد جمال، مساعد وزير الداخلية ومدير الأمن العام، يكلف اللواء أسامة الصغير، مدير الإدارة العامة لمباحث القاهرة، محاصرة خنوفة وضبطه قبل أن ينشر جرائمه في أماكن أخرى، وتنكر أكثر من خمسة عشر ضابط مباحث في زي باعة جوّالين وجامعي قمامة وبدأوا يتسللون إلى منطقة عزبة أبو قرن التي يختفي فيها خنوفة.

بعد أسبوع كامل توصل رجال المباحث إلى مكان الوكر الذي يختفي فيه البلطجي الشهير الذي كان يستخدم عشرة من رجاله المسلحين لحراسته ليلاً ونهاراً، وبدأ رجال المباحث يدرسون المكان جيداً للتأكد من وجود ثغرات تتيح للشرطة اقتحامه.
حدد مدير أمن القاهرة ساعة الاقتحام، وداهمت قوات الشرطة وكر خنوفة الذي قاوم ورجاله باستماتة، ولكن المفاجأة لعبت دورها في سقوط جميع أعوان البلطجي الشهير في قبضة الشرطة.
لم يلبث خنوفة أن استسلم، ولكنه قرر أن ينهي حياته بعد خمسة أيام فقط من القبض عليه، واستخدم ملاية في صنع مشنقة داخل الزنزانة الانفرادي التي كان يقبع فيها، وصرّحت النيابة بتشريح جثته ليسدل الستار على حكايته.