نهاية مأسوية لجريمة هزّت الضمائر...

جريمة, حبس / سجن, خطف, جريمة قتل, رئيس المباحث, قسم الشرطة

27 فبراير 2012

لم تكن مجرد قضية خطف عادية، بل انتهت نهاية مأسوية غير متوقعة. فقد ضحى الخاطف بـ150 ألف جنيه كان سيحصل عليها فديةً مقابل إعادة الطفل المخطوف، ولسبب مجهول لا يعلمه إلا هو قرر قتل الطفل المخطوف، وضلل أسرته التي عاشت على أمل استعادة ابنها، وظلت الأم على هذا الأمل حتى جاءت اللحظة التي لن تنساها، وفوجئت بأن ابنها تحول إلى ذكرى، وإلى مجرد صورة تعود إليها بين الحين والآخر لتتذكر ابنها الحبيب.


باح القاتل بكل تفاصيل جريمته منذ لحظة خطفه عبد الرحمن وحتى قتله، ولكنه لم يكشف سبب الجريمة التي أضاعت عليه 150 ألف جنيه وقادته إلى حبل المشنقة.
«أشعر بأن ابني ما زال حياً، صوته يدوي في أذنيَّ، حواره المستمر معي حول المدرسة لا أنساه»... كانت كلمات والدة عبد الرحمن تمزق القلوب، وهي تجلس أمام رئيس النيابة تسترجع اللحظات التي سبقت اختفاء ابنها. حاول ابناها التخفيف عنها، لكنهما كانا يحتاجان إلى من يخفف عنهما، فالأمر صعب.
راحت الأم تتذكر تفاصيل آخر يوم شاهدت فيه ابنها الذي أيقظها في الصباح الباكر ليؤكد لها أن موعد المدرسة اقترب؟ ابتسمت الأم واحتضنت ابنها، وبسرعة اتجهت إلى المطبخ لتعد له طعام الفطور، فيما أعد عبد الرحمن حقيبته وارتدى ملابسه.

لم تكن الأم تدرك أنها المرة الأخيرة التي ستشاهد فيها ابنها الحبيب، مرت الساعات وانشغلت بأعمال المنزل، ولم تدرك أن الساعة قاربت الرابعة عصراً دون أن يعود ابنها، عاد الأب من عمله وطلب من زوجته إعداد الطعام، فتنبهت الأم إلى تأخر ابنها. سألها الأب عن عبد الرحمن، ظهرت الحيرة على وجه الأم التي أكدت لزوجها أن عبد الرحمن لم يعد بعد. انتفض الأب من مكانه واتجه إلى الشرفة، وظل يتابع الطريق بعينيه والأمل يحدوه أن يظهر عبد الرحمن، لكن لا جدوى. ترك الأب الغداء واتجه إلى الشارع ليبحث عن ابنه، وسمع من رفاق عبد الرحمن أنهم كانوا يلعبون الكرة بعد انتهائهم من أداء امتحاناتهم حين التقى عبد الرحمن رجلا وابتعد معه عن المنطقة التي كان فيها الأطفال.


تحذير ووعيد

بحثت الأسرة عن ابنها في كل مكان لكن بلا جدوى، وأفاد شهود أن الشاب الذي استدرج عبد الرحمن ليس غريباً عنه، فهو يعرفه جيداً، وكان الطفل يناديه بكلمة «عمو». وبدأت الأسرة تستعرض أوصاف الشاب الذي استدرج عبد الرحمن، وتطابقت الأوصاف مع أكثر من شخص.
في هذه الأثناء تلقت الأسرة المكالمة المرتقبة، فقد اتصل مجهول بعمّ الطفل وأبلغه أن عبد الرحمن مخطوف، وطلب 150 ألف جنيه فدية مقابل إطلاق الطفل. ولم ينس صاحب المكالمة أن يحذر الأسرة من خطورة إبلاغ الشرطة، فأكدت الأسرة التزامها تعليمات الخاطف الذي قال إنه سيتصل مرة أخرى لتحديد موعد تسليم الفدية وإعادة الطفل إلى أسرته.

بعد يوم تلقت الأسرة مكالمة جديدة على هاتف المنزل هذه المرة، وقال المتحدث الذي كان يحاول إخفاء نبرات صوته، إنه سينتظر مبلغ الفدية أمام البوابة الرابعة لمدخل مدينة الشروق. ثم حدد موعد اللقاء، موضحاً أنه سيأتي في سيارة جيب، ولم ينس أن يحذر الأسرة مرة أخرى من خطورة إبلاغ الشرطة، لكن والد عبد الرحمن أكد أنه لن يبلغ الشرطة وطلب أن يسمع صوت ابنه، وبعد ثوانٍ سمع عبر الهاتف صوت ابنه:
«أرجوك يا بابا.. تعالَ بسرعة، أنا خائف»».

أنهى المتهم المكالمة تاركاً الأب في ذهول وقلبه يخفق بقوة ويتمزق خوفاً على ابنه الحبيب، فيما بكت الأم بحرقة بعد أن روى لها زوجها تفاصيل المكالمة بينه والمختطف، وتمنت لو أنها سمعت صوت ابنها.
طمأنها زوجها وأكد لها أنه سيدفع مبلغ الفدية الذي طلبته العصابة ولن يبلغ الشرطة، مشددا على أنه لا مجال للخوف لأنها مجرد ساعات ويعود ومعه عبد الرحمن.

وصل الأب بسيارته في الموعد والمكان المحددين، وكان يمسك بالحقيبة الممتلئة بالأموال وينتظر وصول سيارة الجيب، لكنه انتظر طويلاً بلا جدوى.
سالت دموع الأب وحاول شقيقه أن يخفف عنه، وأكد له أن العصابة ربما تقوم بعملية تمويه، وفي نهاية اليوم تلقى الأب مكالمة ثانية من أحد الأشخاص يخبره بأن موعد تسليم الفدية تغير بسبب الاحتياطات التي اتخذها البدو الذين خطفوا عبد الرحمن.

حدد الجناة طريق السويس لتسليم الطفل المخطوف، وبعد ساعات اتجه الأب إلى المكان المحدد، ومضت الساعات دون أن يظهر الجناة، فانهار الأب وقرر أن يبحث عن زعماء البدو ليسألهم عن ابنه، لكن البدو أكدوا أنهم لم يخطفوا عبد الرحمن، وشاركوا الأب في البحث عن ابنه. وانقطعت الاتصالات بين الجناة وأسرة عبد الرحمن، وقرر الأب الاتصال بالشرطة، وجلس مع رئيس المباحث الذي عاتب الأسرة على عدم الإبلاغ مبكراً.


البحث عن الجاني

استمع رئيس المباحث الى الأطفال رفاق عبد الرحمن وبدأ رجال المباحث يحددون الأشخاص المشتبه فيهم، ومنهم يحيى السائق الذي كان يعمل عند والد عبد الرحمن، لكنه ترك وظيفته لأسباب مجهولة بعد انقطاعه عن العمل.

قررت الشرطة استدعاءه وعرضه على الأطفال الشهود، وفوجئ يحيى برجال المباحث على باب منزله، فأصابه الارتباك وبشكل لا إرادي حاول الهرب، لكن رجال المباحث تمكنوا من الإمساك به واقتياده إلى قسم الشرطة، وهناك أكد الأطفال من أصدقاء عبد الرحمن أنه الشخص الذي استدرج الطفل.

أسقط في يد يحيى، تلعثم وحاول الإنكار، لكن رجال المباحث أكدوا أنهم سيفتشون منزله، ومن الأفضل له أن يعيد عبد الرحمن إلى أسرته حتى لا تزداد وطأة جرائمه. ظهرت الحيرة على وجه المتهم، وأكد لرجال المباحث أنه سيعيد الطفل، واصطحبهم إلى منزله، وبعد دقائق لم يعثر رجال الشرطة على الطفل.

ازداد غضب ضابط المباحث الذي أكد ليحيى أنه لن يتحمل أكثر من هذا، وأمام غضب رئيس المباحث انهار يحيى، وأكد أن عبد الرحمن لم يعد ينتمي إلى عالم الأحياء، وبحسم صاح الضابط في يحيى:
« أين عبد الرحمن؟ عليك أن تتكلم فوراً وإلا أرسلتك إلى السجن».
يحيى: قتلته. سادت لحظات من الصمت والضابط يحاول أن يجد مبرراً لما يقوله يحيى، وسأله لماذا: وأين جثته؟

لم يجب يحيى عن السؤال الأول، لكنه أكد أنه سيرشد الشرطة الى مكان الجثة، واتجه إلى بدروم المنزل الريفي الذي يسكن فيه وأشار إلى مكان لحفرة حديثة. وبحذر اقترب منه رئيس المباحث وأشار إلى معاونيه ليحفروا في هذا المكان، وتصبب العرق من الوجوه رغم برودة الجو، وبعد ساعة كاملة صرخ أحد الجنود مؤكداً أنه لمح جزءاً من قميص لأحد الأطفال، واستمر الحفر، وأخيراً ظهرت جثة الملاك الصغير، أو ما بقي منها!

الطبيب الشرعي أكد أن الطفل مات مخنوقاً، ورفض يحيى أن يبرر سبب جريمته، واكتفى بكلمات يؤكد فيها أنه مستعد لتقبل أي عقوبة حتى لو كانت الإعدام، واستسلم لقدره.
قررت النيابة حبسه، وإحالته على محاكمة عاجلة بتهمتي الخطف والقتل العمد.