قصة زوجتين حصلتا على أحكام بضم أطفالهما...

القانون, خلافات الزوجية, إتفاقية القضاء, خلافات العائلات, قرار المحكمة, محكمة الأسرة

23 أبريل 2012

جمع بينهما موعد واحد في محكمة الأحوال الشخصية، ورغم أنه لا تربطهما أي علاقة، فإن قصتيهما تكادان تكونان متشابهتين، تحملان آلاماً واحدة، وسيناريو مؤسفاً، وطرفاً ثانياً داس على القانون وهو الأب الذي رفض تنفيذ حكم القضاء بتسليم الأطفال لأمهم.
شكرية وفاطمة زوجتان شابتان نجحتا في الحصول على أحكام قضائية ضد زوجيهما، اعتقدتا أن الحياة ستبتسم لهما من جديد بعد سنوات أمضتها كل زوجة في عذاب مع زوج أذاقها الأهوال. وتؤكد أوراق القضيتين أن قصتي شكرية وصديقتها تكادان تكونان صفحتين متشابهتين في هذا السيناريو المؤلم، زواج تعيس يساوي دماراً، وللأسف فإن الضحية هم الأبناء
.


ثلاثة أطفال في عمر الزهور وجدوا أنفسهم محرومين من الأم في أحوج الفترات التي يحتاج فيها الطفل إلى أمه وحنانها المتدفق، ولهذا تقضي المحاكم بضم الأبناء إلى حضانة أمهاتهم في سن طفولتهم، لكن هذه القرارات صارت حبراً على ورق، وأصبحت شكرية وفاطمة تمثلان صفحة جديدة من هذا السيناريو الذي أصاب عشرات الأمهات اللواتي قررن أن يتحدين جبروت الآباء بإنشاء جماعة على صفحات «الفيسبوك» يحكين فيها مآسيهن.
وفي محكمة الأحوال الشخصية جمعت المصادفة الأمَّيْن الشابتين فاطمة وشكرية، رغم عدم وجود علاقة سابقة بينهما. تجاذبت فاطمة أطراف الحديث مع جارتها في المقعد، وكانت المفاجأة حينما اكتشفت فاطمة أن صديقتها الجديدة شكرية لها قصة تكاد تتطابق مشاهدها مع حكايتها.

الاثنتان محرومتان من أبنائهما بفرمان من الأب، ورغم صدور أحكام قضائية بضم الأطفال لأمَّيهما، إلا أن الأبوين اختفيا بالأبناء في مكان مجهول، ليصبح لا سبيل للأمهات سوى اللجوء إلى القضاء من جديد بحثاً عن حل آخر، ولكن ما السبيل في ظل وجود ابنتيْ فاطمة وابن شكرية في مكان مجهول؟ فلتحصل كل أم على مئة حكم بضم الأطفال لكن بلا جدوى.


المستحيل

المثير أن الزوجين تعاملا مع زوجتيهما بالسيناريو نفسه، فبعد الخلافات المستمرة بين الأزواج قرر كل زوج أن ينفصل عن زوجته، وأكد لها أن عليها ألا تفكر في حضانة أبنائها مرة أخرى.
وانتقلت العلاقة الزوجية من المنزل الهادئ إلى ساحات المحاكم وأقسام الشرطة، الأمَّان كانتا تعلمان أن القضاء المصري سوف ينصفهما، فالأطفال الثلاثة ما زالوا في فترة الحضانة لهما، لكن ما الجدوى ما دام الشيطان قد لعب بعقلي الأبوين، والعناد كما يقول المثل الشعبي يولد الكفر. الزوجتان تلقيتا الرسالة نفسها من الزوجين السابقين، «انسيا كل شيء يربطكما بأطفالكما»، لكن الزوجين كانا يطلبان المستحيل، والمأساة لم تبدأ في هذه اللحظة، بل بدأت قبل سنوات، حين تم الزواج دون فترة كافية من الدراسة، والنتيجة الحتمية هي مشكلات وحياة غير مستقرة، وفي النهاية انفصال.

قبل عشر سنوات ارتبطت فاطمة بزوجها حسين الذي كان يعمل محاسباً، الزواج تم بطريقة تقليدية ودون قصة الحب المعتادة، رغم أن فاطمة كانت رومانسية تتمنى أن تتزوج بشكل خيالي حالم، لكنها في النهاية لم تجد غايتها فاستجابت لطلب والديها ووافقت على الزواج من حسين دون أن تتخيل أن حياتها ستتحول إلى جحيم.
المشكلات توالت في منزل الزوجية، لكن والدة فاطمة كانت تؤكد لها أن الخلافات بين الأزواج شيء طبيعي، خاصة في بداية الحياة الزوجية وذلك بسبب اختلاف الطباع. وبسبب كلمات الأم ونصائحعا هدأت فاطمة قليلاً، وتحملت طباع زوجها الحادة، ولكنها أدركت بعد فترة أن الأمور تجاوزت المشكلات الطبيعية في كل منزل، لأن الزوج كان دائم التطاول على زوجته التي كانت تحاول أن تلتزم الهدوء، غير أنها اضطرت في النهاية للذود عن كرامتها. فكرت فاطمة في الانفصال عن زوجها، لكنها تراجعت من أجل الحرص على مستقبل ابنتها يارا، إذ كانت ترغب في توفير حياة مستقرة لابنتها بعيداً عن التوتر، ولكن هذا الحلم كان بعيد المنال.

ازدادت المشكلات، وأنجبت فاطمة ابنتها الثانية سارة، وتعقدت حياتها الزوجية بعد أن أدرك الزوج نقطة ضعف زوجته التي لم تقو على تحمل أسلوبه، وبدأت تترك منزل الزوجية وتتجه لتعيش في منزل أسرتها، ولكن الأسرة كانت تطلب من فاطمة إبرام الصلح مع الزوج، وكانت الزوجة تضغط على نفسها من أجل أطفالها ومن أجل استمرار الحياة. كانت تأمل في هدوء الأوضاع داخل منزلها، لكن الزوج كان يزداد حدة وعصبية وتطاولاً على زوجته التي قررت ألا تهين نفسها فترة أكثر من عشر سنوات تحملتها على حساب صمتها، واتجهت إلى المحاكم لتقيم دعوى طلاق. في تلك الأثناء أنصف القضاء فاطمة، وحصلت على أحكام إدانة ضد زوجها السابق في قضايا تبديد منقولات زوجية وسب وقذف، وقضت المحكمة بحق الأمِّ في ضم الطفلتين إلى حضانتها، لكن زوجها السابق اختفى ومعه الطفلتان، وتبخر حلم الأم في أن تجتمع مع فلذتيْ كبدها.


الموت يومياً

القصة الثانية بطلتها شكرية، التي لم تتجاوز عامها الثلاثين، لكنها عانت كثيراً في حياتها الزوجية مع إبراهيم، المهندس الشاب الذي دمر حياتها على حد تعبيرها أمام محكمة الأسرة، شكرية أكدت أنها تموت كل يوم مئة مرة، بعد أن أصدر زوجها السابق فرماناً بحرمانها من ابنها الوحيد الذي لم يتجاوز عمره 18 شهراً. حصلت شكرية على قرارات من المحكمة ونيابة الأسرة بحقها في ضم ابنها إلى حضانتها بعد انفصالها عن زوجها، المحكمة استندت في قرارها إلى أن الطفل في هذه السن يحتاج إلى حنان الأم أكثر من احتياجه لرعاية والده، لكن الأب اختفى ومعه ابنه، وأرسل رسالة لزوجته السابقة أكد خلالها أنه لن يترك ابنه، وسيربيه بشكل أفضل من زوجته السابقة. لم تصدق شكرية أن زوجها جاد في تهديده، واتجهت إلى المحاكم سعياً وراء حقها، خصوصاً بعد أن قتلها الشوق لابنها الحبيب الذي حرمها منه زوجها، ولكن الطفل يوسف اختفى مع والده الذي ترك شقته السابقة، ليصبح الحكم الذي تحوزه الأم حبراً على ورق. قبل عامين ارتبطت شكرية بزوجها إبراهيم ولم تستمر فترة الخطوبة طويلاً، فالمؤشرات كانت تؤكد أن هذا الزواج سيكون متكافئاً لأن الظروف الاجتماعية لشكرية وإبراهيم تكاد تكون متشابهة، لكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن، وسرعان ما دبت الخلافات بين الزوجين بعد أسابيع قليلة من زواجهما.

الزوج كان شديد العصبية، غيرته الشديدة كانت تحكم تصرفاته، والزوجة فشلت تماماً في استيعاب غضب زوجها والسيطرة على ردود فعله، وتفاقمت المشكلات بين الزوجين. وكان الزوج دائم الاعتداء على زوجته حتى وهي حامل، وحين أنجبت طفلها يوسف لم تهدأ المشكلات بينها وزوجها، واستمرت الخلافات لتصل إلى أقسام الشرطة بعد أن قدمت الزوجة بلاغاً ضد زوجها تتهمه بالتعدي عليها بالضرب المبرح. أقامت شكرية جنحة ضرب ضد زوجها أمام المحكمة، وغادرت الزوجة منزل الزوجية وطلبت حريتها، ورفضت مساومة زوجها بالتنازل عن طفلها. ومضت الشهور والزوجة في المحاكم، وفشلت أن ترى ابنها في ظل رفض الأب تماماً كل المساعي لإبرام الصلح لصالح الطفل الصغير. وعندما حصلت شكرية على حكم بضم ابنها فشلت في تنفيذه، بسبب اختفاء الطفل مع والده الذي انتقل إلى مكان مجهول لا تعلمه الزوجة. وتحولت قضيتا شكرية وفاطمة إلى ملف في عالم حرمان الأمهات من أبنائهن.