طلاق 'الفار' لحرمان الزوجة من الميراث...

طلاق, د. آمنة نصير, د. عبلة الكحلاوي, د. ملكة يوسف, علماء الدين, الشيخ جمال قطب, ظلم المرأة, مشكلة / مشاكل وخلافات الميراث

30 أبريل 2012

جدل ديني أثارته مآسي كثير من الزوجات اللواتي لم يخرجن من رحلة الحياة بغير ورقة طلاق ومؤخر صداق قليل لا يذكر، بعد أن غدر بهن الأزواج وطلقوهن لحرمانهن من الميراث، وهو ما يطلق عليه شرعاً «طلاق الفار». وقد انقسم علماء الإسلام إلى ثلاثة فرق، منهم من يرى أنها ترث، في حين يرى آخرون أنها لا ترث، وطالب فريق ثالث بعدم التعميم ودرس كل حالة على حدة، ولكل فريق أدلته الشرعية... فماذا قالوا؟


في البداية يعرف الدكتور عطية فياض، أستاذ الفقه في جامعة الأزهر، «طلاق الفار» بأن يُطلِّق المريض في مرض الموت زوجته طلاقاً بائناً بغير رضاها ثم يموت وهي في العدة لحرمانها من الميراث.
وعن حكم الشرع في هذا الطلاق قال الدكتور عطية: «اختلف الفقهاء في ذلك، فمثلاً قال الإمام مالك: ترث بعد انقضاء عدتها وبعد زواجها بآخر، وذلك إنصافاً لها ومعاقبته بعكس مراده، أو معاملة المطلق بنقيض قصده. ويرى أبو حنيفة أن الحكم في هذه الحالة يتغير، وذلك بأن تكون عدتها أطول الأجلين، «عدة الطلاق أو عدة الوفاة»، بمعنى إن كانت عدة الطلاق أطول اعتدت بها، وإن كانت عدة الوفاة هي الأطول كانت هي العدة، بمعنى أوضح أنه إذا انقضت الحيضات الثلاث في أكثر من أربعة أشهر وعشرة أيام اعتدت بها، وإن كانت الأربعة أشهر وعشرة أيام أكثر من مدة الحيضات الثلاث اعتدت بها، وذلك كي لا تحرم المرأة من حقها في الميراث الذي أراد الزوج الفرار منه بالطلاق».

وأنهى الدكتور عطية كلامه بعرض آراء بقية الفقهاء قائلاً: «عند أبي يوسف أن المطلقة، في هذه الحالة التي استهدف فيها المطلق حرمانها من الميراث، أن تعتد عدة الطلاق وإن كانت مدتها أقل من أربعة أشهر وعشرة أيام، ويرى الشافعي أنها لا ترث كالمطلقة طلاقاً بائناً في الصحة، وحجته أن الحياة الزوجية قد انتهت بالطلاق قبل الموت فقد زال السبب في الميراث، ولا يعتد بظن نية الزوج في الفرار لأن الأحكام الشرعية مرتبطة بالأسباب الظاهرة لا بالنيات الخفية، بدليل أن الفقهاء اتفقوا على أنه إن طلقها طلاقاً بائناً في مرضه فماتت المطلقة قبله فلا ميراث له فيها لانتهاء رابطة الزواج بينهما».
وعن رأيه الشخصي يقول: «إذا كان هناك تعمد من الزوج لتطليق زوجته لحرمانها من الميراث، فهو آثم ويحق لها الميراث».


ظلم

وأوضحت الدكتورة ملكة يوسف، أستاذة الشريعة في جامعة القاهرة، أن أكثر الفقهاء «يرون عدم حرمان من طلقها زوجها وهو على فراش المرض من الميراث إذا تأكد أن الطلاق كان بنية منعها من أن ترثه، بل إن مدة العدة قد تتحول من الحيض إلى الأشهر في حق من حاضت حيضة أو حيضتين ثم يئست من الحيض، فإنها حينئذ يجب عليها أن تعتد بثلاثة أشهر، لأن إكمال العدة بالحيض غير ممكن لانقطاعه، ويمكن إكمالها باستئنافها بالشهور بدل الحيض، حرصاً على أن تنال حقوقها منه وإفساد مؤامرته عليها، بمعاملته بعكس قصده، بالإضافة إلى ما ينتظره من عذاب الله لما ارتكبه من ظلم لزوجته وتعديه على حدود الله القائل: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» آية 45 سورة المائدة».
وتتساءل الدكتورة ملكة: «وماذا سيفعل هذا الزوج الظالم وقد خالف قول الرسول، صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة»؟».


الغرض

ويؤكد الدكتور صبرى عبد الرؤوف، أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر، أن جمهور الفقهاء يرون أن «طلاق الفار» لا يعتد به شرعاً، ولا يمنع الزوجة من الميراث، وذلك استناداً إلى القاعدة الفقهية التي تقول: «من استعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه»، خاصة أن الطلاق هنا الغرض منه أن يفر الزوج من توريث زوجته أو منعها حقها من الميراث. وغالباً ما يحدث ذلك في حالة الزواج الثاني للرجل ولديه أولاد من زوجته الأولى، وقد يجبرونه على ذلك أو يفعل ذلك إرضاءً لهم وحرماناً لزوجته الثانية حتى لا تشاركهم في الميراث، وقد نسي هذا الزوج المريض وورثته تحذير الرسول، صلى الله عليه وسلم، للظالمين من دعوة المظلوم بقوله: «اتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب»، ويقول الله للمظلوم في الحديث القدسي: «وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين».

ويضيف عبد الرؤوف: «هذه الحالة، نظراً لما فيها من عدم وضوح الأسباب التي جعلت الزوج يلجأ إلى هذا بشكل قطعي وثابت، اختلف فيها الفقهاء على عدة أقوال، أولها أن ترث الزوجة خلال سنة من الطلاق بعد الوفاة، وثانيها ترث الزوجة وإن طال الزمن ما لم تتزوج، وثالثها يرى أن يظل الميراث لها حتى وإن تزوجت بآخر، وأنا شخصياً أرجح  القول الأول بأن الزوجة ترث إذا مات زوجها خلال سنة، ما لم تتزوج، وإذا تزوجت لا ترث، وكذلك في حالة إذا طلبت هي الطلاق».
 وأشار إلى أن هذا الحكم ينطبق أيضاً على الزوجة التي قد تكون العصمة بيدها وأنهت الزواج وهي على فراش المرض، مكيدة لزوجها ولحرمانه من الميراث منها، أما إذا خلعته ورضي بذلك وأخذ المال مقابل الطلاق، ففي هذه الحالة لا حق له في الميراث، لأن الطلاق مقابل المال يقطع العلاقة بينهما، لأنه أخذ فداء لهذا الميراث.


مدة العدة

تؤكد الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية، أنه إذا طلَّق الرجل امرأته طلاقاً رجعياً ثم مات وهي في العدة اعتدَّت بعد الوفاةِ، لأنه توفي عنها وهي زوجته، أي إنه إذا طلَّق الرجل امرأته طلاقاً رجعياً ثم مات عنها وهي في العدة اعتدَّت بعد الوفاة كعدة المتوفى عنها زوجها، لأن كل امرأةٍ مطلقةٍ طلاقاً رجعياً هي في حكم الزوجة وترث كل حقوق الزوجة وهي في العدة، وتتحول العدة من الحيض إلى العدة بالأشهر، وهي عدَّة الوفاة ومدتها أربعة أشهرٍ وعشر، لأنها لا تزال زوجةً له ولأن الطلاق الرجعي لا يزيل الزوجية. ويثبت التوارث بينهما إذا توفي أحدهما وهي في العدّة، أي تأخذ كامل ميراثها إن كانت مطلَّقةً وهي في العدَّة.

 

وحذرت الدكتورة آمنة، الزوج الذي يتعمد حرمان زوجته من الميراث بالطلاق وهو على فراش المرض، بأنه قد اقتطع لنفسه قطعة من النار يعذب بها في الآخرة، ولن يبارك الله لبقية ورثته في ما ورثوه منه، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم، في الحديث القدسي، على لسان رب العزة: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضالٌّ إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنَّكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك عندي إلا كما ينقص المخيط إذا دخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه». ولذلك نسأل الزوج الذي يطلق زوجته على فراش المرض لحرمانها من الميراث: ماذا ستأخذ معك؟ فلا تلومنَّ إلا نفسك بعد أن خسرت الدنيا والآخرة.

وأنهت الدكتورة آمنة كلامها بالتأكيد أن بعض الأزواج يبلغ بهم اللؤمُ أن يطلقوا زوجاتهم وهم في مرض الموت، ليحرموهن من الإرث، بدون  سبب من جانب الزوجة المسكينة، وليس هناك خلاف أو مشاحنة، وإنما طلَقها لا لشيء إلا ليحرمها من الميراث، فتزين له شياطين الإنس والجن ما يفكر فيه ويقولون له: طلقها وادفع مهرها المؤجَّل، مؤخر صداقها، ووفر لبقية الورثة حصتها الكبرى من الميراث، والتي تفوق كثيراً ما يدفعه لمؤخرها.


تحذير

وتؤيد الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، ما ذهب إليه غالبية الفقهاء القدامى والمعاصرين، بأن الله سبحانه وتعالى يعامل هذا الزوج معاملةً بعكس قصده، بأن ترث الزوجة فيه، وهذا قمة العدل لإفساد الظلم والتصدي لمؤامرات الظالمين. ويكفي مثل هذا الزوج أن يخسر رضاء الله عزَّ وجل، فقد خسر الدنيا والآخرة، وقد قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «من آثر دنياه على آخرته خسرهما». ولاشك أن مثل هذا الشخص آثر دنياه على آخرته فخسرهما معاً، لأنه من ابتغى أمراً بمعصيةٍ كان أبعد مما رجا وأقرب مما اتقى.

وحذرت الكحلاوي المتقاعسين عن رد الظلم عن هذه المظلومة التي يرغب زوجها الظالم في حرمانها من الميراث بطلاقها، من أن غضب الله سيشملهم جميعاً لأنهم لم يقوموا بواجبهم في التصدي للمنكر والظلم، مما يؤدي إلى انتشار الفساد الذي قال الله تعالى عنه: «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» الآية 41 سورة الروم. وقال تعالى أيضاً: «وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» آية 25 سورة الأنفال.


تذكير

وتذكر الدكتورة فايزة خاطر، رئيس قسم الفقه في كلية الدراسات الإسلامية بالزقازيق جامعة الأزهر، الأزواج الذين يطلقون زوجاتهم وهم على فراش المرض بدون سبب، إلا لحرمانهن من الميراث، بقول رسول الله صلي الله عليه وسلم: «اتقوا دعوة المظلوم ولو كان كافراً»، وعليه، وهو مودع للدنيا ومقبل على الله في الآخرة، أن يكثر من فعل الطاعات وليس المعاصي، فقد قال صلى الله عليه وسلم في ذلك: «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلا فَقْرًا مُنْسِيًا أَوْ غِنًى مُطْغِيًا أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا أَوِ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوِ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ».

وأرسلت خاطر تحذيراً شديد اللهجة لهؤلاء الأزواج قائلة: «احذروا أن تكونوا ممن قال الله على لسانهم: «يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً» الآية 49 سورة الكهف. أو تكونوا ممن قال فيهم الرسول، صلى الله عليه وسلم: «أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطُرحت عليه، ثم طُرح في النار»، وقد قال في حديث آخر: «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة».


التعميم مرفوض

يرفض الشيخ جمال قطب، الرئيس السابق للجنة الفتوى في الأزهر، التعميم في القضية، لأن الطلاق على فراش المرض قد يكون طبيعياً بسبب عدم وفاء الزوجة أو تذمرها من طول فترة مرضه وإهانتها لزوجها، مما يدفعه إلى طلاقها، وهنا يجب ألا تأخذ القضية حكم «طلاق الفار»، حيث يذهب الفقهاء إلى صحة طلاق الزوج لزوجته إذا كان مريضاً مرض موت كصحته من الزوج غير المريض، ما دام كامل الأهلية، وبالتالي ذهبوا إلى إرثها منه إذا مات وهي في عدتها من طلاق رجعي سواء أكان بطلبها أم لا، وأنها تستأنف لذلك عدة الوفاة، فإذا كان الطلاق بائناً ومات وهي في العدة، لا ترث منه.

وطالب قطب بدرس كل حالة على حدة، حتى يكون الحكم الشرعي عليها صحيحاً، وذلك عن طريق معرفة تفاصيل الحياة بين الزوجين قبل الطلاق. وأضاف: «إن كان طلاق مكيدة وحرمان فإنني أؤيد ما ذهب إليه غالبية الفقهاء بأنها ترث منه، معاملةً له بنقيض قصده، وتعتد بأبعد الأجلين، ويعد فاراً بهذا الطلاق من إرثها. واشترط الفقهاء للحكم بأن الطلاق طلاق الفار أن يكون بغير طلبها ولا رضاها، وأن تكون أهلاً للميراث من وقت الطلاق إلى وقت الوفاة، فإن كان الطلاق برضاها كالمخالعة لا ترث، لأن سبب الفرقة ليس من الزوج، فلا يعد بذلك فاراً من إرثها».

وأنهى الشيخ جمال قطب كلامه لافتاً إلى أنه إذا لم تطلب الزوجة الطلاق مطلقاً، أو طلقها زوجها طلاقاً رجعياً، فطلقها واحدةً أو أكثر ثم مات وهي في عدتها ورثت منه، لأنها لم تطلب البينونة أو الطلاق النهائي ولم ترض به. وعلى المحيطين بالزوج المريض أن يتقوا الله ويمنعوه من ظلمه، لأنه من صفات الأمة الإسلامية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال تعالى: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ» آية 110 سورة آل عمران. وقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه وإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان».