سقوط ذئب المطلّقات والأرامل

دور الضحية, الحياة الزوجية, المرأة المطلّقة, بلاغ, الأرامل, أجهزة أمنية

09 يوليو 2012

مهارته كانت تكمن في لسانه المعسول، ضحاياه عشرات من المطلقات والأرامل ممن اكتشفن بعد فوات الأوان أن زوجهن نصاب هارب من 30 حكماً بالسجن. استولى منهن على مئات الآلاف من الجنيهات، ولم تستمر أي زيجة للعريس النصاب أكثر من 54 يوماً كان خلالها يستولي على ما يريد ثم يختفي تماماً لتكتشف الضحية أنه لم يكن سوى زوج مزيف! فما هي حكايته؟


وضعت أجهزة الأمن في الجيزة فصل النهاية لمغامرات المتهم الوسيم الذي خدع العشرات من النساء اللواتي يبحثن عن الحب دون أن يدركن الفخ المنصوب لهن.
أولى ضحايا هذا النصاب الخطير منى التي تبلغ الأربعين من عمرها، مطلقة منذ ثلاث سنوات، اقترب منها هذا الرجل وهو يعلم تماماً ظروفها، وكأنه قد أجرى عليها تحرياته قبل أن يختلق حجة للتعرف عليها داخل أحد أندية مصر الجديدة. كانت منى تجلس بصحبة إحدى صديقاتها في حديقة النادي، اقترب شوقي من صديقتها التي كان على معرفة سابقة بها، وقدمته إلى منى بأنه شوقي مهندس ميكانيكي، ويملك مصنعاً لتشكيل المعادن، وجلس معهما وبعد دقائق انصرفت صديقتها ليخلو لهما الجو معاً.


حيلة الثعلب

بدأ المهندس شوقي يستعرض مواهبه أمامها في اللعب بالألفاظ واستعراض إمكاناته المادية، وبدأ يهمس لها بأن زوجته قد توفيت منذ ثلاث سنوات ولا يزال يبحث عن امرأة تملأ الفراغ الذي تركته زوجته، وراح يظهر لها وفاءه لذكرى زوجته، وأفاض في وصف محاسنها وتطرّق بعد ذلك إلى مشاعر الحرمان التي يعيشها ويرغب في أن يهجرها الى الأبد، شريطة أن يجد الزوجة المناسبة.
فتح لها النصاب طريقاً للحديث عن نفسها بعدما اطمأنت، واستطاع أن يجذب اهتمامها بحديثه الشيق الذي ابتلع الوقت دون أن تشعر به.

قالت له منى إنها مطلقة منذ ثلاث سنوات أيضاً، بعد قصة زواج فاشلة استمرت أكثر من 15 سنة أسفرت عن ابنتين، تقيمان مع والدهما. وخرجت منى كما تقول بأموال كثيرة من هذه الزيجة أضافتها إلى الأموال التي ورثتها عن والدها ووالدتها، لكنها خسرت كثيراً وما خسرته يفوق كثيراً ما كسبته ولا يعوضها عنه مال، فقد عاشت وحيدة إلا من اتصالات متفرقة تطمئن فيها إلى ابنتيها، لا أحد يشعر بها أو يسأل عنها. وكل من تقدم للزواج منها قرأت في عينيه نظرات الطمع بأموالها، أو استغلال وحدتها والطمع بها كامرأة مطلقة. ومن كثرة تجاربها فقدت ثقتها بأي رجل أياً كان. ووجد شوقي في كلامها السبيل للنفاذ إلى قلبها وعقلها، بعدما شاركها الإحساس بأنه أيضاً يعاني من نظرات الطمع في عيون النساء، ورغبة أي امرأة يتعرف اليها بأن تقوده إلى مكتب المأذون لتحصل على توقيعه على دفتر شيكات باسمها. وانتهى اللقاء بعد أن تبادل الاثنان أرقام الهاتف على وعد بالاتصال مرة أخرى، وتحديد موعد آخر لاستكمال الحديث، بعدما اعتذر لها بأن وقته لا يسمح بأن يكمل معها اللقاء الأول، وتظاهر أمامها بانشغاله في أعمال عليه أن ينهيها.

انتهى اللقاء الأول وقد وضع شوقي بذور علاقته مع منى التي سرعان ما رواها في المساء باتصال أحكم به سيطرته على عقلها. وتوالت بعد ذلك اللقاءات بينهما. وفي كل مرة كان شوقي يغرس أشجار الأمل داخلها ويرويها بكلمات الغزل والحب، إلى أن جاء الوقت الذي طلب فيه منها الزواج بعدما تأكد تماماً أنها لن ترفض طلبه، ولن يؤاتيها أي شك في أنه يخدعها. وبالفعل وافقت منى على طلبه دون تفكير، بعدما بهرها بكلامه وأفعاله وتصرفاته، وبقي أن يقنعها بأن تقيم معه في فيلته لكي يكون بجوار مصنعه، لكنها رفضت وفضلت الإقامة في منزلها بمصر الجديدة، ووافق شوقي وتم الزفاف.


الخطة

بدا شوقي وديعاً معها، لا يترك دقيقة واحدة تمر عليه دون أن يبث لها حبه وأشواقه وإعجابه بها، الى الدرجة التي جعلتها تنسى كل شيء في حياتها ولا تتذكر إلا أنها سقطت في بحور غرامه، ولم يعد لها في الدنيا غيره. وبعدما تأكد له هذا الإحساس شرع في تنفيذ الشطر الثاني من خطته، وهو أن يجد طريقة ما يستولي بها على أموالها... وبعد مرور أقل من شهر على زواجه منها في تنفيذ خطته، وهي إقناعها بأنه يريد أن يتوسع في مشروعه، وبدلاً من أن يملك مصنعاً صغيراً لتشغيل المعادن، يريد أن يفتتح مصنعاً كبيراً، وأطلعها على دراسة الجدوى التي تؤكد أن الكلفة الإجمالية ستكون أربعين مليون جنيه ستتم تغطيتها في غضون ثلاث سنوات، وسيحقق المشروع أرباحاً طائلة. وما زاد من إقناعها أنه أوهمها بشراء أرض المصنع بمبلغ مليوني جنيه وجعلها تشاهد بعينيها الأرض على الطبيعة وأوراق تسجيلها، ومن ثم اطمأنت منى بعدما التهمت الطعم الذي ألقاه لها، وقررت مشاركته.

وكان أول مبلغ طلبه منها هو مليون ومئة ألف جنيه كدفعة أولى من أجل تأسيس المصنع، لكي يتسنى له طلب قرض من أحد البنوك لاستكمال بقية الإنشاءات وشراء المعدات. وبمجرد أن أمسك بيديه مبلغ المليون ومئة ألف جنيه، لاذ بالفرار دون مقدمات، حتى أنه في ذلك اليوم كان يجلس مع زوجته في أحد مطاعم الوجبات الجاهزة لتناول طعام الغداء، فتركها وانصرف بحجة شراء سجائر وخرج من المطعم ولم يعد... انتظرته كثيراً في المطعم وهي تحاول أن تتصل به، لكنه أغلق هاتفه المحمول وهرب بلا عودة، واكتشفت منى أن عقد زواجها منه مزيف، فاسمه ليس حقيقياً وكذلك رقم بطاقته، حتى أن المأذون الذي عقد قرانهما مزيف أيضاً، فوثيقة زواجهما ليس لها أصل في المحكمة التابعة لها، لتبدأ منى رحلة بحث عن زوجها المزيف.

الفخ

من بين ضحايا النصاب أيضاً يسرا صاحبة البلاغ الثاني، سيدة في نهاية الأربعينات من عمرها، امرأة أرستقراطية لها جذور تركية ما زالت تحتفظ بها على الأقل في لهجتها. مطلقة منذ عشر سنوات، ولم يخطر ببالها أبداً الزواج من أي رجل من الكثيرين الذين تقدموا لها، فهي لا تزال في سن تسمح لها بذلك، وتحتفظ بجمالها وأنوثتها التي تتفنن في إظهارها بكلماتها التركية التي تزين بها حديثها.
لا تعرف يسرا كيف ظهر هذا الرجل في حياتها، كان في البداية يبدو لها غامضاً، فقد كان يظهر في أوقات غريبة ويختفي فجأة. لفتها بنظرات عينيه ومظهره الأنيق، تقدم منها ذات يوم وهي تخرج من منزلها وحاول مصافحتها، وهو يقدم نفسه لها على أنه ضابط في جهة أمنية سيادية... خطفها منذ الوهلة الأولى، لكنها اطمأنت له بعدما أكد لها أنه معجب بها ويرغب في الحديث معها.

لم تستطع يسرا أن ترفض دعوته بأسلوب كان يمزج فيه بين الغموض والإثارة والرقة والذوق، وبالفعل امتثلت لدعوته وكان ذلك في صباح يوم شتوي، وتناولا الفطور معاً حين اكتشفت أنه يعلم عنها الكثير، وانتهى اللقاء على وعد منها بلقاء آخر. وتلته لقاءات أخرى كثيرة انتهى آخرها في منزلها وكان الحاضرون والدتها وشقيقها ومأذوناً واثنين من الشهود، جاؤوا بصحبته لإتمام زواجهما، وكان اسمه في هذه المرة مجدي، وكانت حجته في الزواج السري منها أنه متزوج من سيدة تملك نفوذاً وقد يكون علمها بزواجه من أخرى سبباً في إحالته على التقاعد وتدمير مستقبله. لكنه وعدها بأن مدة الزواج السري لن تستغرق سوى أشهر قليلة، بعدها سيخرج إلى المعاش ولن يضيره شيء. وكانت كلماته مقنعة لها، أو هكذا أوحى لها بأسلوبه أن تتقبلها، وتم الزواج وبدأ شهر العسل وبدأت معه خطته للاستيلاء على أموالها بتأسيس شركه للسياحة، ثم أخذ أموالها وهرب بلا عودة.


عالم البيزنس

أما قصة البلاغ الثالث فتصلح لأن تكون فيلماً سينمائياً من فرط الأحداث المثيرة التي تحويها، فبطلة هذه القصة امرأة في نهاية الثلاثينات من عمرها. أخذها طموحها الى الزواج من رجل أعمال ثري جداً يكبرها بأربعين عاماً على الأقل، وبالتالي تركها في منتصف عمرها ورحل، فأصبحت تحمل لقب أرملة بالإضافة إلى لقب سيدة أعمال تملك محلات ملابس جاهزة ومركز تجميل شهيراً وهبته حياتها. اسمها أميرة وهي كذلك في مظهرها وتصرفاتها وقيادتها لأعمالها. وكان سهلاً جداً على هذا الرجل أن يقتحم حياتها من باب البيزنس، شاهدته للمرة الأولى في أحد الأندية الاجتماعية، وكان يومها بصحبة سيدة أعمال تعرفها كان في طريقه للنصب عليها على ما يبدو، لكنه تركها وغير وجهته نحو أميرة بعدما قرأ سيرتها الذاتية على ألسنة كل المدعوات في حفلة النادي.

اقترب منها وعرفها بنفسه على أنه رجل أعمال كان يقيم في أوروبا سنوات عمره كلها، وأخيراً أعاده الشوق إلى بلاده ليفتح شركة استيراد وتصدير، من بين نشاطاتها استيراد الملابس الجاهزة وأدوات ومستحضرات التجميل من كبريات الشركات العالمية. وهكذا رسم لنفسه الطريق السريع إلى عقلها قبل قلبها، وأوجد مجالاً مشتركاً يضمن ألا ينقطع بينهما الحديث عنه، وهو المجال الذي تعمل فيه. وبالفعل التقطت أميرة الطعم الذي ألقاه لها، ووعدها بزيارتها في اليوم التالي في مكتبها بأحد المحلات التي تملكها، بعدما ألحت عليه للقيام بذلك. لكنه في اليوم التالي اعتذر لها عن الموعد المحدد بينهما، وأرسل لها فتاة تحمل لها كتالوغات الملابس ومستحضرات التجميل التي أوهمها أن شركته تعمل بها، فاعتبرت أميرة ذلك إهانة لها فهي اعتادت أن يلبي الرجال كل رغباتها وتأمر فتطاع، وكان ذلك دافعاً لها لكي تفك طلاسم هذا الرجل الذي يرفض زيارتها. وسارت الأمور كما كان يرغب عندما تمسكت أميرة بزيارته لها في مكتبها، وبالفعل وبعد إلحاح لبى رغبتها وبعد عدة مقابلات استطاع إقناعها بالزواج منه. لكن بعد 15 يوماً فقط من زواجهما غافلها وهرب وسرق المجوهرات التي تقدر قيمتها بأكثر من مئتي ألف جنيه، فمعظمها من الألماس الحر، لتستيقظ أميرة على كابوس مفزع وهي أنها أصبحت ضحية جديدة من ضحايا هذا النصاب، فهو لم يستطع النصب عليها وبالتالي سرقها.

تجمعت البلاغات الثلاثة أمام اللواء حسين عماد، مساعد الوزير ومدير مباحث الأموال العامة، الذي أمر بتشكيل فريق بحث لكشف ملابسات تلك البلاغات. وأخيراً أكدت التحريات أن وراء تلك البلاغات نصاباً خطيراً يدعى حسن، موظف سابق في إحدى الهيئات فُصل بعد اتهامه بعدة قضايا نصب واحتيال، وصدر ضده 30 حكماً بالسجن. وأوضحت التحريات أيضاً أن المتهم يتنقل من مكان إلى آخر، ولديه منزل في محافظة المنوفية. على الفور تحركت مأمورية تحت إشراف اللواء حسين عماد، وتم القبض على المتهم الذي اعترف بجرائمه وأحيل على النيابة التي أمرت بحبسه أربعة أيام على ذمة التحقيق.
وأمام النيابة توالت الاعترافات المثيرة للمتهم الذي أكد أن هدفه كان اصطياد المطلقات والأرامل، للحصول على ممتلكاتهن، وأنه كان يستغل صديقاً له ليلعب دور المأذون المزيف.