Home Page

لقاء بين...

ضحايا السحر, جرائم السحر, رجل / رجال دين, جدل ديني

17 سبتمبر 2012

آنا فينا باحثة رومانية جاءت إلى مصر لشغفها بدراسة السحر وتأثيره على حياة المصريين، وحصلت على الماجستير في الجامعة الأميركية بالقاهرة، وتُحضِّر حالياً لأطروحة الدكتوراه وموضوعها «الطب النفسي والعلاج بالقرآن وحقيقة دورهما في علاج السحر». ولأن جانباً من دراستها ميداني، قامت بزيارة لأحد الشيوخ المشهورين بالعلاج بالقرآن وهو الشيخ إبراهيم عبد العليم.
«لها» حضرت تلك الزيارة، والتقت الباحثة الرومانية للتعرف على ما توصلت إليه خلال أبحاثها عن السحر، كما التقينا الشيخ إبراهيم عبد العليم الذي فجَّر لنا مفاجأة، مؤكداً أن معظم من يذهبون إليه يعانون الوهم وليس المس بالجن.

في البداية سألنا آنا فينا عن سر عشقها للشرق العربي الذي تعيش فيه منذ عام 2008 فأجابت: «في البداية أنا مسيحية، لكني أحترم عقائد الشعوب وعاداتها، ولهذا أحرص على ارتداء الزي الإسلامي عندما أذهب إلى العلماء أو المشايخ المعالجين بالقرآن. كما إنني اعشق التماسك الأسري في المجتمعات العربية، ويسعدني كثيراً الشعور بدفء المشاعر الأسرية رغم التأثير النسبي للحياة المادية عليها، لكن هذه الماديات تأثيرها أقل بكثير منه في المجتمعات الأوروبية. وعشقي للشرق العربي لم يبدأ من مجيئي إليه، وتحديداً إلى مصر عام 2008 فقط، بل بدأ قبل ذلك بسنوات، فقد عشقته من خلال القراءة عنه وعن الإسلام والمسيحية الشرقية والعادات والتقاليد، ولهذا رغبت في خوض التجربة ميدانياً بعد أن قرأت عنه كثيراً، وازداد ارتباطي به بعد تخصصي في دراسة «علم الإنسان».

- لماذا اخترت موضوع دراسة نظرة الأطباء والمعالجين بالقرآن للسحر وعلاج المصابين بالمس الجني؟
فوجئت بكون الاعتقاد بتأثير الجن في حياة العرب عامةً، والمصريين خاصةً، كبير جداً، وتنسب نتائج كثير من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية إليه. ويشعر الناس، خاصة النساء، بالتأثير القهري للجن على حياتهم، ويذهبون إلى المعالجين بالقرآن والأطباء النفسيين. إلا أن الغالبية العظمى للأسف تقع ضحية للدجالين والمشعوذين الذين يحمل كثيرون منهم لقب «شيخ»، بهدف خداع السذج من المرضى الذين يعتقدون أن الجن دخل أجسادهم وقلبها رأساً على عقب.

 هل قمت بزيارات ميدانية للتثبت من هذا المفهوم؟
نعم قمت بزيارة لمستشفى الأمراض العقلية والنفسية في العباسية ومستشفى الدكتور أبو العزايم، والتقيت الأطباء والمرضى واستمعت إليهم. كذلك زرت كثيراً من المعالجين بالقرآن، بل وذهبت إلى بعض الكنائس التي تعالج السحر، واستمعت أيضاً إلى الشيوخ والقساوسة والمرضى الذين يذهبون إليهم.

- وماذا وجدت في المستشفيات والكنائس وأماكن العلاج بالقرآن؟
وجدت جدلاً قديماً ما زال مستمراً بين الأطباء ورجال الدين عن علاقة الإنسان بالجن، كما يسميها المعالجون بالقرآن، أو الأرواح الشريرة، كما يسميها القساوسة. فالأطباء ينكرون أي علاقة أو تأثير للجن على الإنسان، ويؤكدون أن ما يقال عن ذلك مجرد أعراض لأمراض نفسية يجب معالجتها طبياً عن طريق الأدوية، ولهذا يبدأ الطبيب فوراً العلاج الكيميائي، رغم أن المريض يكون في حاجة إلى من يستمع إليه ويساعده للخروج من مشكلته بالاقتراب منه نفسياً، وليس بالدواء الكيميائي الذي قد يكون علاجاً لعرَض وليس شفاءً لمرض. كما أن هناك جدلاً بين علماء الإسلام أنفسهم حول تأثير الجن على الإنسان، وقد تقابلت مع بعض علماء الأزهر ورصدت أدلة كل من المؤيدين والمعارضين لدخول الجن جسد الإنسان وتأثيره عليه.     

- هذا عن رأي الأطباء النفسيين، لكن ما هي نتيجة لقاءاتك مع الشيوخ والقساوسة؟
غالبيتهم العظمى تؤمن بالمس والسحر وإمكان دخول الجن إلى جسم الإنسان، وخاصةً في حالات الغضب والحزن الشديد أو الفرح الشديد. وكذلك تؤمن الغالبية بشدة بالتأثير الكبير للحسد في حياة الإنسان، ويتم إجمال تأثير الجن على حياة الإنسان في ما يطلق عليه «الأعمال»، وأخطرها ما يطلق عليه «السحر السفلي أو الأسود» الذي يعتبر الأصعب في العلاج والأخطر في التأثير على حياة المريض. والغريب أن هناك تشابهاً كبيراً في طرق علاج الشيوخ والقساوسة للمرضى المتأثرين بالجن، إذ يقرأ الشيخ القرآن سواء بشكل مباشر على المريض أو يقرأ على ماء ويطلب من المريض شربه أو الاستحمام به، وهو ما يفعله القسيس في الكنيسة، لكنه يقرأ من الإنجيل ويقيم الصلوات الدينية على الماء أيضاً ويرشه على المريض أو يجعله يشربه أو يستحم به. والأغرب أنني وجدت كثيراً من المرضى المسلمين يعالجون من السحر في الكنيسة ومنهم محجبات، وكذلك وجدت بعض المسيحيين يعالجون عند شيوخ، تماماً مثلما يذهب المرضى إلى المعالجين النفسيين بصرف النظر عن ديانتهم، لأن المريض كالغريق الذي يتعلق بقشة بصرف النظر عمن يقدمها له.

- ما أغرب ما لاحظته خلال حضورك جلسات العلاج من السحر سواء عند المعالجين بالقرآن أو في الكنائس؟
أغرب ما وجدته أن «القطة السوداء في الكوابيس المزعجة» هي كلمة السر التي يبدأ بها المعالج عمله لإثبات وجود الجن في جسد المريض، رغم أنه لا يوجد أساس علمي لذلك، وكذلك قد يكذب المريض ويدعي ذلك للهروب من المشكلات التي يعيش فيها، فينسبها إلى تأثير الجن عليه، وأنه ليس له يد فيها أو أنه مغلوب على أمره، والجن هو السبب، أي أنها وسيلة هروبية وليست حقيقة. الشيء الغريب الذي لاحظته أيضاً حرص الأسر على تزويج بناتها في سن مبكرة، حتى قبل أن تصل إلى سن البلوغ، فإذا لم يتحقق ذلك فإن الجن هو المتهم الأول في تعطيل زواجها حتى تصل إلى سن «العنوسة» التي تبلغ لدى بعض الأسر عشرين عاماً. ولهذا فإن الأمهات غالباً ما يصطحبن بناتهن إلى الشيوخ أو القساوسة لفك «السحر أو الأعمال السحرية» التي تسببت بتأخر زواج البنت رغم أنها لم تتجاوز عشرين عاماً. وهنا تقع كثير من البنات والسيدات ضحايا لعمليات النصب والدجل والشعوذة والابتزاز، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ونسي الجميع تأثير العوامل الاقتصادية والاجتماعية وتسببها بتأخير سن الزواج، بسبب التقاليد الصعبة التي تجعل توفير متطلبات الزواج المبالغ فيها، مثل الشقة والأجهزة، حلماً بعيد المنال لدى كثير من الشباب الذي يعاني البطالة. الأطرف أنه إذا تم الزواج وتأخر الحمل لأسابيع وليس شهوراً، تظن الزوجة وأمها أن هناك أعمالاً سحرية أخرت الحمل، ولهذا لا بد من الذهاب إلى الشيخ أو القسيس لفك العمل وطرد الجن أو الأوراح الشريرة التي أخرت الحمل.

- ألم تلاحظي ارتباط الاعتقاد بتأثير الجن أو السحر بمسيرة الحياة الزوجية نفسها؟
الجن عند بعض الأزواج هو «الطرف الخفي» الذي ينسبون إليه كثيراً من المشكلات الزوجية، رغم أنه قد يكون بريئاً في كثير من الأحوال أو المشكلات التي يكون سببها عدم التفاهم أو غياب الكفاءة أو افتقاد الحب أو خيانة زوجية أو أي سبب آخر غير الجن... لكن اللجوء إلى عالم الغيب هو أسهل وسيلة هروبية لتبرير المشكلات، إلى درجة أن بعض الزوجات والأزواج  يدعون أنهم متزوجون من ذكور وإناث من الجن، وهذا أمر غير معقول، لكني فوجئت بأن هذا مقبول في المجتمعات العربية، ويذهب الجميع إلى الشيخ أو القسيس لإنهاء هذا الزواج غير العقلاني.

- سمعت أنك كنت تشاركين بعض المعالجين بالقرآن في معالجة بعض المريضات. هل هذا صحيح؟
أنا حضرت أكثر من مائة حالة علاج بالقرآن، وبالطبع لم أشارك في شيء لأنني لست متخصصة. لكنني كباحثة اكتشفت أن أكثر من 95 في المئة من الحالات عبارة عن «وهم» وسرعان ما يتم شفاؤها عند مواجهتها بحقيقة ما لديها، أو التعرف في جلسة خاصة على أصل المشكلة أو سببها ونساعدها في حلها، وأستطيع القول إنني ساهمت في إخراج كثير من الحالات من الوهم النفسي الذي ترك آثاراً عضوية على أصحابها، وقد انخرطت في هذا حتى إنني أصبحت على يقين أن الجن بريء من غالبية المرضى الذين يدعون أنهم ضحاياه.

- ما هو الفرق بين نظرة المجتمعات الأوروبية والأميركية إلى الجن وتأثيره على الإنسان وبين نظرة المجتمعات الشرقية؟
من خلال قراءاتي الكثيرة في قضية القوى الخفية أو الجن، كما يطلق عليه العرب، وجدت أن الاعتقاد بوجود قوى خفية تؤثر على حياة الإنسان منتشر في مختلف المجتمعات الإنسانية، لكن بدرجات مختلفة حسب المعتقدات الدينية. فالأفكار نفسها موجودة في الدول التي يؤمن أهلها بالبوذية والهندوسية، بل وفي المجتمعات اللادينية أيضاً. أي أن هذا الاعتقاد هو من الموروثات الإنسانية العامة التي تختلف من حيث شدة الإيمان بها أو الاعتقاد بسيطرتها على الإنسان وتأثيرها عليه، وفيه من مكان إلى آخر ومن زمان إلى آخر، لكنها موجودة وتختلف في مسمياتها من الجن إلى الشياطين إلى الأرواح الشريرة، وهناك طقوس مختلفة لمواجهتها في كل مجتمع.


الوهم

انتقلنا بالحوار إلى الشيخ إبراهيم عبد العليم، الذي حصل اللقاء في مكتبه، فكشف مفاجأة مذهلة مفادها أن الغالبية العظمى ممن جاؤوا إليه مدّعين أنهم مسحورون أو ممسوسون من الجن هم في الحقيقة «حالات وهم» تختلف في شدتها من إنسان إلى آخر، حسب الفترة التي عانى فيها المريض الوهم الذي يعرف علمياً بأنه «شعور حقيقي بأعراض المرض»، رغم أنه اعتقاد غير حقيقي، مثله مثل الحمل الكاذب. لكن الصعوبة تكون في كشف حالة الوهم ومساعدة المريض على الخروج منها حتى يتم التخلص من الأعراض العضوية المصاحبة للوهم.

وأشار الشيخ إبراهيم إلى أنه يعكف على إعداد دراسة تطبيقية على الوهم منذ 12 سنة، فقد جرى تصوير كل الحالات المصابة بالوهم عندما جاءت للعلاج وحالتها بعد مصارحتها بحقيقة ما لديها، والغريب أن علاج بعض هذه الحالات لم يستغرق سوى دقائق معدودات وتحسنت حالة صاحب الحالة تماماً دون أن يتناول أي أدوية، مثلما يفعل الأطباء الذين ينظرون إلى كل حالة على أنها مرضية لن تعالج إلا بالأدوية، رغم أن الوصول إلى حقيقة الوهم وإخراج المريض منه أسهل وأسرع كثيراً من التعامل الطبي معه، لأن تناول الأدوية بغير ضرورة يحول الإنسان إلى مريض عضوي إذا كان مصاباً بالوهم، في حين أن علاجه يجب أن يكون عن طريق الكلام والدخول إلى أعماق نفسيته وانتشاله مما هو فيه ومساعدته بالتفاهم مع المحيطين به.

واعترف الشيخ إبراهيم بوجود «كثير من الدجالين والمشعوذين الذين يوهمون المرضى بأنهم «شيوخ» ولديهم قدرات خارقة على التعامل مع الجان وإخراجه، سواء كانت الحالة مساً أو سحراً أو زواجاً بين الجن والإنس. ومن المؤسف أن كثيراً من الجرائم الأخلاقية والابتزاز المالي يحدث بسبب دخول دجالين لا يخشون الله إلى هذا المجال واتخاذه حرفة، خاصةً أنه لا يوجد في مصر ضوابط للقضية، على عكس بعض الدول مثل السعودية التي يخضع فيها المعالج للقرآن لاختبارات حقيقية قبل التصريح له بمزاولة العلاج بالقرآن. ولهذا تتم إجازة من يجيد التعامل مع الحالات المسحورة، وهي قليلة جداً، في حين يتم منع الدجالين، وهذا ما طالبنا به الأزهر مراراً وتكراراً».

وأنهى الشيخ إبراهيم عبد العليم كلامه بمفاجأة، مفادها أنه إذا كانت الغالبية العظمى ممن يدعون أنهم مسحورون هم مرضى بالوهم الذي تعد آلامه العضوية والنفسية أشد من كل الأمراض، فعلاجه الصحيح أسهل من كل الأمراض، «وهذا ما سأكشف عنه عملياً خلال مؤتمر دولي، سأعرض فيه مئات الحالات التي جاءت إليّ على أنها مسحورة، وهي في الحقيقة مصابة بالوهم وعولجت سريعاً».