في مصر...

سلمى المصري, د. يوسف القرضاوي, د. محمد رأفت عثمان, د. آمنة نصير, الشيخ يوسف البدري, د. عبلة الكحلاوي, علماء الدين, د. جمال أبو السرور, ختان الإناث

22 أكتوبر 2012

رغم أن معظم علماء الدين أجمعوا على أن ختان الإناث ليس من الإسلام، لكن لا يزال الجدل حول قضية الختان يطلّ برأسه بين فترة وأخرى، وتظهر تصريحات تعيد فتح هذا الملف الشائك وتعيد مطاردة الختان للإناث مرة أخرى.
ورغم أن الدكتورة أميمة كامل، مستشارة الرئيس المصري، نفت ما نسب إليها من تصريحات تقول فيها إن التي لم تختتن ناقصة الإيمان، عاد الجدل حول الختان، وكان لا بد أن نستعيد آراء علماء الدين ليحسموا الموقف من هذه القضية الحساسة.


في البداية تؤكد الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، أن الأدلَّة من القرآن والسنة والإجماع والقياس ليس فيها دليل على وجوب ختان الإناث، ولا على استحبابه كما يزعم البعض أنه واجب أو مستحب أو مكرمة، خاصة مع ما ينتج عن هذه العادة السيئة من مفسدة وضرر جسدي ونفسي واجتماعي بشهادة الأطباء المتخصصين الذين يعدون أهل الذكر الواجب الأخذ برأيهم.

وأشارت الدكتورة عبلة إلى أنه «حتى إذا افترضنا أن الختان مباح لكنه سبَّب ضرراً على الناس، وجب منعه بناءً على قاعدة «لا ضرر ولا ضرار». وقد أكد الأطباء أن الختان يضرُّ بالإناث ضرراً مؤكَّداً، لذا يجب إيقاف هذا الأمر ومنع هذا المباح منعاً للضرر والضرار، لأننا تعرفنا على المعلومات الطبية التي لم تكن متوافرة لدى العلماء القدامى، لأن عصرهم لم يعطهم من المعلومات ما أعطانا عصرنا، ولهذا قال الفقهاء: إن الفتوى تتغيَّر بتغيُّر الزمان والمكان والحال».


تفنيد الافتراءات

شن الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، هجوماً شديداً على من ينسبون ختان الإناث إلى الإسلام وكأنه واجب شرعاً، فيؤكد أن الأدلة الشرعية التي يستند إليها المؤيدون لختان الإناث ضعيفة، لأن مصادر الأحكام في الإسلام أربعة، هي القرآن الكريم والسنة الصحيحة والإجماع والقياس، وليس فيها أمر صريح يوجب ختان الإناث.

ويرى الدكتور القرضاوي إنه إذا ثبتت الحاجة إليه لبعض الإناث، وفق تشخيص الطبيب المختصِّ، وجب أن تستثنى تحقيقاً للمصلحة ودرءاً للمفسدة، وإذا كان بعض الفقهاء، ومعهم بعض الأطباء، يحبِّذون ختان البنات خوفاً عليهن من استثارة الشهوة الجنسية في فترة المراهقة أو البلوغ، وخشية أن يؤدِّي ذلك إلى وقوعهن في الحرام أو اقترابهن منه، فإنه من المقرَّر شرعاً لدى الراسخين من العلماء أنه لا يجوز المبالغة في سدِّ الذريعة، كما لا يجوز المبالغة في فتحها، فإن المبالغة في السدِّ تفوِّت على الناس مصالح كثيرة بغير حقٍّ. وبناءً على هذا الأصل المقرَّر المتَّفق عليه يكون ختان المرأة، بقطع جزء من جسمها بغير مسوِّغ يوجبه الأطباء الثقات، أمراً غير مأذون به ومحظوراً شرعًا.

وفنّد القرضاوي آراء من يربطون الختان بالعفة قائلاً: «رأينا بلاداً كثيرة من بلاد المسلمين، ومنها الجزيرة العربية التي نزل فيها الإسلام، لا يختتن نساؤها ولم نجد فيها آثاراً سلبية ظاهرة لدى الفتيات من أجل ترك الختان، وقد توجد انحرافات أخرى تشترك فيها المختونات وغير المختونات، الأصل إبقاء خلق الله سبحانه على ما خلقه وعدم تغييره إلا إذا ورد نص صريح بذلك مثل ختان الذكور، أما غير ذلك فلا تغيير لخلق الله القائل «صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ» آية 88 سورة النمل. ولهذا كان تغيير خلق الله من عمل الشيطان وكيده للإنسان وتزيينه للباطل أو ما نهى عنه الإسلام أو نسبة ما ليس منه إليه، فقال: «وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ» 119 سورة النساء».

وأنهى الدكتور القرضاوي كلامه بالتأكيد أنه إذا كان قطع هذا الجزء من جسم المرأة يترتَّب عليه أذى أو ضرر معيَّن لها، في بدنها أو نفسها أو يحرمها من حقٍّ فطري لها، مثل حقِّ المتعة مع زوجها، كان ذلك محظوراً شرعاً لأنه ضرر على المرأة فُرض عليها بغير إرادتها، والإسلام يُحرِّم الضرر والضرار ومجموع نصوص القرآن والسنة تمنع الضرر والضرار.


قياس خاطئ

ورداً على من يربطون ختان الذكور والإناث بالحكم نفسه لوجود نصوص عامة فيها كلمة «الختان»، يقول الدكتور محمد رأفت عثمان، عضو مجمع البحوث الإسلامية والعميد الأسبق لكلية الشريعة جامعة الأزهر: «ختان الذكور مختلف لما ورد فيه من أدلَّة شرعية ظاهرة صحيحة الثبوت صريحة الدلالة، باعتباره من سنن الفطرة ومن مواريث المِلَّة الإبراهيمية، واعتباره من شعائر الإسلام، ولإجماع المسلمين على هذه السُّنَّة منذ بدء الإسلام إلى اليوم إذ لم يُعرف شعب ولا قطر عربي أو إسلامي بالشذوذ عن هذه القاعدة».

 وأوضح أن الحكم الشرعي بختان الذكور يؤيده إجماع أطباء العصر على ما في ختان الذكور من فوائد صحية وطبية ووقاية من الأمراض، ولهذا فإن ختان الذكور أمر مُجمَع على شرعيته وعلى نفعه، اتَّفق على ذلك الفقهاء والأطباء الثقات الذين لا يجاملون، وإنما يتحدثون بحقائق طبية، ومستحيل أن يقر الإسلام أمراً ضاراً بالإنسان سواء كان رجلاً أو امرأة. أما قياس الحكم على الإناث فهو خاطئ ومرفوض».


إثم الأب والأم

تؤكد الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية، أن الأب أو الأم اللذين يجريان عملية الختان لابنتهما دون استشارة الطبيب لمعرفة وجود ضرورة من عدمها، آثمان شرعاً وفرطا في المسؤولية التي حملها الله لهما بالمحافظة عليها وعدم إيقاع الضرر بها، وهذا ما يخالف قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهى مسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في مال أبيه وهو مسؤول عن رعيته، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته».

  وأشارت الدكتورة آمنة إلى أنه رغم أن هذه القضية عمرها مئات السنين، ما زال الجدل مستمراً حولها لشيوع التقاليد والعادات، وكذلك تقليد بعض المذاهب القديمة التي اجتهد أصحابها في ضوء أدوات عصرهم رغم اختلاف الزمان والمكان. وقد وصل الأمر إلى تقديس ما جاء في كتب القدماء وعدم مخالفتهم للاعتقاد أن موضوع ختان الإناث وردت فيه أحاديث صحيحة أو حسنة يجب العمل بها ولا يجوز مخالفتها.   

وتعجبت الدكتورة آمنة من استمرار الجدل حول قضية ختان الإناث في مصر قائلة: «الغريب أن هذه القضية لم تحسم تماماً في مصر حتى الآن، رغم أن كثيراً من الدول العربية والإسلامية ومنها السعودية مهبط الوحي لم تثُر فيها هذه القضية على الإطلاق، لأن نساءها توارثن من قرون عدم الختان».


أحاديث ضعيفة

أوضحت الدكتورة فايزة خاطر، رئيسة قسم العقيدة في جامعة الأزهر، أن القرآن الكريم لم يتعرّض لقضية الختان تعرُّضاً مباشراً في أي سورة من سوره المكية أو المدنية، وكذلك كل ما ورد من أحاديث حول ختان الإناث في السنة لم يصحَّ منها حديث واحد صريح الدلالة على الحكم، أو أجمع على تصحيحه الأئمة. ومن المعلوم المجمَع عليه عند أهل العلم أن الحديث الضعيف لا يُؤخذ به في الأحكام، وإنما تساهل مَن تساهل في روايته والاستفادة منه في الترغيب والترهيب وفضائل الأعمال ونحوها، أما الأحكام وما يتعلَّق بالحلال والحرام والإيجاب والاستحباب فلا يجوز شرعاً.

وأشارت الدكتورة فايزة إلى أنه للأمانة العلمية إلا حديث واحد صحيح، لكن لا دلالة فيه على وجوب الختان، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا التقى الختانان»، والمراد هنا ختان الرجل، ولهذا جاءت رواية الإمام مسلم «ومسَّ الختانُ الختانَ» فلم يجئ بلفظ التثنية، وذلك للدلالة على اللقاء الزوجي دون خدش للحياء، وإنما بالإشارة ليفهم المعنى المقصود.

وتؤكد الدكتورة مهجة غالب، عميدة كلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، أن الإسلام بريء من ختان الإناث، لأنه دين يعمل على حماية الإنسان، امرأة أو رجلاً، وتحريم العدوان عليه في نفسه أو جسده أو عقله أو كرامته وعِرضه أو غير ذلك. لكن الكثير من الممارسات الخاطئة التي لا علاقة لها بالإسلام، ومنها ختان الإناث، ما ورد فيها ضعيف لا يصح أن يقام عليه حكم شرعي، اتخذها كثير من الغربيين وسيلة للطعن في الإسلام واتهامه بانتقاص حقوق المرأة والاعتداء عليها جسدياً ونفسياً، والإسلام بريء من ذلك تماماً.


مكرمة

على النقيض من كل ما سبق، يؤيد الشيخ يوسف البدري، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية سابقاً، استمرار ختان الإناث بدون أي تحريم شرعي أو تجريم قانوني، مؤكداً أن الفقهاء اتفقوا على أن الختان في حق الرجال والخفاض في حق الإناث، وهو التسمية الصحيحة له، أمر مشروع إلا أنهم اختلفوا في كونه سنة أو واجباً شرعاً، وبالتالي لا يجوز القول بأنه ليس من الإسلام.

وأوضح أن هناك رأياً قوياً بأن الختان للرجال والنساء من صفات الفطرة التي دعا إليها الإسلام وحث على الالتزام بها، لقوله تعالى: «ثمَّ أوْحيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعَ ملَّةَ إبراهيمَ حنيفاً ومَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» آية 123 سورة النحل. وقال صلى الله عليه وسلم: «اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة»، وجعل الرسول، صلى الله عليه وسلم، الختان، بدون تفرقة بين الجنسين، من سنن الفطرة فقال: «خمس من الفطرة الختان والاستحداد ونتف الإبط وقص الشارب وتقليم الأظافر»، وهذه الفطرة يجب أن يلتزم بها شرعاً الرجال والنساء، لقول الله تعالى: «فطرة الله التي فطر الناس عليها» آية 30 سورة الروم. وقد فسر أكثر العلماء ذلك بأن الختان من الفطرة إذا ربطنا الآية بالحديث السابق.

ورفض البدري القول بأن ختان الإناث ليس من الإسلام، مؤكداً أن أضعف الأقوال الفقهية تجعله للنساء مكرمة وليس بواجب عليهن، وقد استدل الفقهاء بحديث أم عطية حين قالت: «إن امرأة كانت تختِّن بالمدينة، فقال لها النبي، صلى الله عليه وسلم: «لا تنهكي، فإن ذلك أحظى للزوج، وأسرى للوجه». وفي رواية أخرى إنه عندما هاجر النساء كان فيهن أم حبيبة، وقد عرفت بختان الجواري، فلما رآها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لم ينهها عن ذلك، وإنما قال لها: «يا أم حبيبة إذا أنت فعلت فلا تنهكي، فإنه أشرق للوجه وأحظى للزوج»، ومعنى «لا تنهكي» لا تبالغي في القطع والخفض، وكذلك قول الرسول، صلى الله عليه وسلم: «يا نساء الأنصار اختفضن (أي اختتن) ولا تنهكن» أي لا تبالغن في الخفاض، فهل هناك أدلة أكثر من هذا على أن خفاض الإناث من الإسلام ؟!


أضرار طبية

عن رأي الأطباء، باعتبارهم أهل التخصص في القضية، أكد الدكتور جمال أبو السرور، أستاذ النساء والتوليد في جامعة الأزهر، أن الإسلام دين يحترم التخصص، ولهذا كان تأكيد الأطباء المعاصرين المختصين بأمراض النساء والجنس أن ختان النساء يضرُّ بالمرأة في الغالب ويحرمها من لذَّة مشروعة، وهي كمال الاستمتاع بزوجها، لأن الأعصاب الجنسية في المرأة تكون مركزة في البظر.

وأوضح الدكتور أبو السرور أن الختان، كما تمارسه القابلة بقطع البظر أحياناً أو قطع جزء من الشفرة، يعني عملياً حرمان المرأة كل أعصاب الحسِّ الجنسي، وهذا له تأثيره المدمر على أنوثة المرأة وعلى رغبتها في العلاقة الزوجية، وهو إهدار لآدميتها ومشاعرها ويصيبها بالبرود الجنسي، بل ويعتبر ختان الإناث أحد أسباب الطلاق وتفكُّك الأسر في الإسلام.


تصريحات تثير ضجة حول ختان الإناث في مصر


مستشارة الرئيس المصري: لم أقل إن التي لم تُختتَن ناقصة الإيمان

كانت الدكتورة أُميمة كامل، مستشار الرئيس المصري لشؤون المرأة، قد نفت التصريحات التي نسبتها إليها إحدى الصحف، ومفادها أن التي لم تخضع للختان غير مكتملة الإيمان باعتباره من الدين.

وأوضحت أنها لن تتراجع عن رفع الأمر إلى القضاء، بسبب الإساءة البالغة التي تعرضت لها في الأوساط النسائية التي تعرف عنها، كطبيبة، معارضتها الشديدة لختان الإناث، لاقتناعها بأن ختان المرأة عادة اجتماعية أكثر من ارتباطه بالدين، وأن المخرج الوحيد لتلك الصحيفة هو تكذيب الخبر بشكل واضح لا لبس فيه.

واستشهدت الدكتورة كامل في موقفها الرافض للختان بأن الأحاديث التي وردت بشأن ختان المرأة ضعيفة، مشددة على أن ختان المرأة هو عادة سيئة وأن الإسلام بريء منها، وهذا ما يؤكده كبار الفقهاء في العالم، بالإضافة إلى فتاوى المجامع الفقهية التي تنفي نسبة الختان إلى الإسلام.

وأنهت كلامها بالتأكيد أن الختان عادة يجب التصدي لها بالقانون، ونشر الوعي الديني والثقافي في المجتمعات التي تنتشر فيها عملية الختان بأن الإسلام بريء منها، بدليل أن دولة مثل المملكة العربية السعودية التي نزل فيها الإسلام لا تنتشر فيها هذه العادة.

وكانت التصريحات المنسوبة إلى مستشارة الرئيس قد أثارت ضجة كبرى في الأوساط الدينية والنسائية، ووجدت معارضة شديدة، حتى أن المجلس القومي للمرأة سارع إلى إصدار بيان دان فيه ما نشرته الصحيفة على لسان الدكتورة أميمة كامل قبل أن تقوم هي بتكذيبه.

ودانت فيفيان فؤاد، مديرة التدريب في المركز القومي للسكان، ما نسب للدكتورة أميمة كامل من أن عملية الختان مرتبطة بالدين، ومن لا تخضع لها إيمانها منقوص، وإنها ليست عملية جراحية وإنما عملية تجميل يجب إجراؤها بعد سن البلوغ وعلى يد طبيب تجميل، ولا يوجد مرجع طبي عالمي أو مصري يجيز إجراء عملية ختان للمرأة، بل إن نقابة الأطباء والقانون يجرِّمان بشكل واضح عملية ختان المرأة.