كارثة قطار الموت هزّت مصر ضحاياها 53 طفلاً

سلمى المصري, طفل / أطفال, قطار بيروت, كارثة طبيعية

23 نوفمبر 2012

كارثة بكل المقاييس هزت المشاعر وأدمت القلوب وجعلت الدموع تتساقط، فالضحايا 53 طفلاً بريئاً كانوا في طريقهم إلى مدرستهم، وجاء القطار حاملاً معه الموت ليصطدم بالحافلة التي تقلهم، وفي لحظات اغتال أحلامهم البريئة. الحادث لم يكن عادياً خاصة مع الحكايات المأساوية المذهلة فيه لآباء وأمهات كانوا ينتظرون عودة أبنائهم من المدرسة ولم يتخيلوا أبداً أنهم لن يعودوا.

شهد مركز منفلوط في محافظة أسيوط حادثاً مروعاً راح ضحيته 53 طفلاً، وأصيب فيه أكثر من عشرة أطفال، وذلك بعد أن اصطدم قطار متجه من محافظة أسيوط إلى القاهرة بحافلة مدرسية تنقل التلامذة يومياً من قرية الحواتكة إلى قرية بني عدي حيث معهد نور الإسلام الأزهري، وخلال مرور السائق بالمزلقان فوجئ بالقطار يدهسه ويحول الأطفال إلى كتل لحمية ممزوجة بحديد الباص. وراح ضحية الحادث سائق الباص وحوالي 53 طفلاً وأصيبت المشرفة وأكثر من 10 أطفال أُدخلوا العناية المركزة لخطورة حالتهم. هرع إلى مكان المأساة الفور سيارات الإسعاف والشرطة وعشرات المسؤولين وأهالي القرى المحيطة بالمنطقة، وخلال دقائق وصل الخبر إلى أسر التلاميذ الذين هرعوا إلى مكان المزلقان والرعب يكسو وجوههم، وتسمروا أمام مشهد الدماء وكراسات التلاميذ وكتبهم المتناثرة على الأرض، واختلط مداد الحبر بالدماء البريئة التي ستتحول إلى لعنة على المتسبب بهذا الحادث.


حكايات
دامية

الحكايات المؤلمة لا تنتهي، وقد يفشل أعظم مؤلفي الدراما السوداء في أن يسطر قلمه المشاهد المؤلمة التي شهدها موقع الحادث... إحدى هذه الحكايات صاحبها أشرف هاشم الذي فقد أطفاله الثلاثة أحمد ومحمد ومحمود. كانت كلماته تمزق القلوب وتسيل الدموع من العيون. الأب ظهر أمام الجميع وكأنه يهذي وهو يتحدث مع أبنائه الثلاثة الذين فقدهم في هذا الحادث الأليم. أدار الأب حواراً من طرف واحد بينه وأحمد ومحمود ومحمد، كان يعاتبهم على نسيان حقائبهم التي كان يمسك بها، بعد أن عثر عليها في أنقاض الحادث... الدماء كانت تغرق الحقائب الصغيرة، وكراسات الصغار التي دونوا عليها درس الأمس، ولم يكتب لهم القدر أن يسطروا درس اليوم المشؤوم.

لم يستوعب الأب الشاب ما حدث لصغاره، ولم يتخيل أنه سيعود إلى المنزل ولن يجدهم كعادته... لن يستقبله أحمد المشاكس بضحكاته وقفشاته، ولن يجلس الأب كعادته ليلاعب محمود ابنه الأصغر الذي كان الحديث معه كفيلاً بأن يزيل تعب اليوم كله، كان الأب ينظر حوله ويتأمل جيرانه الذين كانوا يواسونه ودموعهم تغالبهم، بينما يواصل النداء: «يا أحمد يا محمد شنطة أخوكم محمود فين»، وانحنى مجدداً على بقعة دماء ليمسحها بكفه، فتدخل أحد أقاربه واحتضنه قائلاً له: «وحّد الله».

 وأمام مستشفى منفلوط كانت زوجته تعتقد أن أبناءها جرحى في الداخل، وقالت لزوجها إنهم تأخروا، فأجابها أن أحمد سيظل مهملاً كعادته لأنه ترك حقيبته ملقاة في الشارع، وانفجر المحيطون بهم في البكاء وهم لا يتصورون أن الأب والأم سيفيقان على الواقع المؤلم ليكتشفا أن أبناءهما الثلاثة قد راحوا ضحية الحادث البشع.


أين أولادي؟

تتواصل الحكايات الإنسانية التي تمزق القلوب، فما أصعب اليوم والأيام الآتية على الآباء الذين فقدوا أعز ما يملكون في الدنيا، ومن ضمن هؤلاء حمادة أنور عبد الرشيد، أمين الشرطة في جهاز الأمن الوطني، رب أسرة تسهر عيناه ليلاً على حماية أهالي أسيوط ورعاية أبنائه الخمسة، لم يتصور أن القدر يخبئ له ما جرى مع طلوع الشمس، فقد تسبب الإهمال بخطف أبنائه الأربعة أدهم، وأروى، ونور، وريم، ولحقت بهم ابنة عمهم سندس محمود عبد الرشيد.

 الذهول كان يكسو ملامحه، ولم يتمالك نفسه وهو يتلقى التعازي من جيرانه وأقاربه، فراح يؤكد لهم أن أبناءه لم يموتوا بل هم في المستشفى، واضطر أصدقاؤه لأن يتركوه حتى يعيش مع أحزانه التي لن تنتهي ولن يمحوها الزمن مهما حدث.

أحد الآباء الآخرين بكى وهو يعترف بأنه ضرب ابنه حتى يلحق بالحافلة ولا يتأخر عنها، ولم يكن يعلم أنه يضرب ابنه في ذلك اليوم ليلحق بالموت.

أما أهالي المصابين فكانت فجيعتهم كبيرة، الأمر الذي دعاهم إلى إحداث العديد من المشكلات داخل المستشفى، وأدى ذلك إلى تدخل الأمن والفصل بينهم وأهالي الضحايا، وإغلاق الطوارئ بباب حديدي وجنازير منعاً لاحتكاك أهالي المصابين بالأطباء. وأبدى الأهالي استياءهم من سوء الخدمة وتأخر الأطباء في إسعاف الجرحى.

وقال محمد صلاح الدين عباس، خال تلميذين توفاهما الله وطفل لا يزال على قيد الحياة في حالة حرجة، إن الطفلين توفيا نتيجة نزف داخلي، وهما معاذ سعد (ثماني سنوات) وعمر عبد الرحيم (13 سنة) ، مضيفاً أن ابن شقيقته الطفل فارس بهاء مصطفى (ست سنوات) لا يزال في غرفة العمليات، يعاني كسورا وجروحا متفرقة، وأن إدارة المستشفى طلبت منه شرائح ومسامير ليشتريها من خارج المستشفى.
يأتي ذلك فيما أكد أحد المسؤولين في المعهد الديني أنهم تحملوا كل تكاليف الأشعة الخارجية والشرائح، فيما نفى الأهالي ذلك تماماً، مؤكدين أن الخدمة سيئة للغاية وأنهم حتى الآن يتحملون كل نفقات العلاج الخاصة بأطفالهم.

وقال سعد حسين جاحر إن ابنه أحمد (10 سنوات) مصاب بنزف داخلي بالمخ وحالته خطيرة جداً، وأنه منذ الثامنة صباحاً لم يجد طبيب المخ والأعصاب المختص حتى ينظر حالته ويقرر تقويم الحالة، وأنه ينتظر قضاء الله في نجله.

وأضاف بهاء الدين مصطفى، والد فارس (سبع سنوات)، أن نجله مصاب بكسور متفرقة وأنه احتاج إلى شراء العديد من الشرائح والمسامير من خارج المستشفى، وأن حالة ابنه تسوء بشكل سريع، كما طالب بإقالة الحكومة ووضع المسؤولين عن الحادث تحت طائلة القانون.


انهيار

الطفل عاصم زكريا، (10 سنوات) مصاب بكسور متعددة دخل على إثرها غيبوبة، وحين أفاق بدأت النيابة الاستماع إليه باعتباره أحد الشهود العيان، إلا أن حالته الصحية تدهورت بعد سماع أقواله وطلب الأطباء وقف الاستجواب لتدهور الحالة ودخوله غيبوبة مرة أخرى، الأمر الذي دعا أهله إلى الانفعال الشديد على كل الموجودين في المستشفى وإحداث ضجة وضوضاء.

أروى حسن عبد الرحمن، (10 سنوات) قالت وهي تحاول التقاط أنفاسها نتيجة الإصابات الكثيرة في جسدها، إن هذه لم تكن المرة الأولى التي يمر بها الباص والمزلقان مفتوح، وأنهم بمجرد محاولة عبور المزلقان فوجئوا بالقطار الذي دهس أجسادهم الصغيرة، ودخلت في حالة انهيار عصبي بعد علمها بوفاة شقيقها في الباص.

واستمعت النيابة إلى الشهود، ومنهم سعاد عبد التواب عبد السلام (32 سنة) مشرفة الباص التي كانت برفقة التلامذة وقت وقوع الحادث، وأكدت أن الباص يحمل يومياً 60 تلميذاً وتلميذة ويقلهم من قرية الحواتكة إلى المعهد الديني النموذجي ببني عدي، وفي حالة إغلاق المزلقان ينتظر الباص حتى يتم فتحه، «إلا أننا هذه المرة وجدنا الطريق مفتوحاً وأثناء مرور الباص لم ندر بأنفسنا إلا ونحن هنا».


علماء الدين: شهداء وشفعاء لآبائهم

يقول الشيخ جمال قطب، الرئيس الأسبق للجنة الفتوى: «بلا شك أن هؤلاء الأطفال شهداء، بل إنهم قد يكونون في درجة أعلى من الشهادة، لأنهم غير مكلفين لعدم وصولهم لسن البلوغ. وأوضح قطب أن الشهيد تحضر الملائكة لحظات فراقه للحياة الدنيا، أي أن ملائكة الرحمة كانت موجودة وقت حادث قطار أسيوط، لأن هؤلاء الأطفال الذين استشهدوا تحت القطار يعدون بلا شك من الشهداء ينعمون عند الله في الآخرة، لأنهم شهداء في سبيل طلب العلم الديني، فقال الله تعالى: «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ» الآيات 169 - 171 سورة آل عمران.

وأنهى كلامه بتوجيه العزاء إلى أهالي الشهداء، مؤكداً أن فلذات أكبادهم سيجعلهم الله شفعاء لهم في الآخرة، ولن يرضوا بدخول الجنة حتى يأخذوا آباءهم وأمهاتهم معهم، قال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَمُوتُ بَيْنَهُمَا ثَلاثَةُ أَوْلادٍ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ، إِلا أَدْخَلَهُمَا اللَّهُ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ الْجَنَّةَ، قَالَ: يُقَالُ لَهُمْ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ، فَيَقُولُونَ: حَتَّى يَدْخُلَ آبَاؤُنَا، فَيُقَالُ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ». وعن قرة بن إياس قَالَ: «كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَلَسَ يَجْلِسُ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ يَأْتِيهِ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ فَيُقْعِدُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَهَلَكَ فَامْتَنَعَ الرَّجُلُ أن يَحْضُرَ الْحَلْقَةَ لِذِكْرِ ابْنِهِ فَحَزِنَ عَلَيْهِ، فَفَقَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَالِي لا أَرَى فُلانًا؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ بُنَيُّهُ الَّذِي رَأَيْتَهُ هَلَكَ، فَلَقِيَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ بُنَيِّهِ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ هَلَكَ، فَعَزَّاهُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: يَا فُلانُ أَيُّمَا كَانَ أَحَبُّ إِلَيْكَ: أن تَمَتَّعَ بِهِ عُمُرَكَ أَوْ لا تَأْتِي غَدًا إلى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلا وَجَدْتَهُ قَدْ سَبَقَكَ إِلَيْهِ يَفْتَحُهُ لَكَ؟ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ بَلْ يَسْبِقُنِي إلى بَابِ الْجَنَّةِ فَيَفْتَحُهَا لِي لَهُوَ أَحَبُّ إليّ، قَالَ: فَذَاكَ لَكَ». وعند أحمد: فَقَالَ الرَّجُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَهُ خَاصَّةً أَمْ لِكُلِّنَا؟ قَالَ: بَلْ لِكُلِّكُمْ».