اطلبي تعويضاً عن فسخ الخطبة

د. يوسف القرضاوي, د. مهجة غالب, فسخ خطوبة, د. حامد أبو طالب, د. صبري عبد الرؤوف, د. عبد الفتاح الشيخ, تعويض, جدل ديني

28 يناير 2013

كثيرات يتعرضن لفسخ خطبتهن، سواء كان ذلك بالاتفاق أو بقرار تعسفي من الرجل، وأحياناً كثيرة تلحق أضرار بالفتاة التي فُسخت خطبتها، بعضها أضرار أدبية وبعضها الآخر مادية. فهل يجوز تعويض الفتاة عن تلك الأضرار؟ الدكتور يوسف القرضاوي اقترح تعويض الفتاة ضمن مجموعة اقتراحاته التي قدمها للمجلس الأعلى لشؤون الأسرة في قطر، لكن هذا الاقتراح أثار جدلاً دينياً بين مؤيد ومعارض، فماذا يقول كل طرف؟


في البداية يوضح الدكتور محمد داود، أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة قناة السويس، المعنى الشرعي للخطبة فيقول: «هي طلب الرجل الزواج بامرأة معينة خالية من الموانع، وقد يكون الطلب منه شخصياً أو ممن ينوب عنه، والحكمة من الخطبة هي السماح لكلا الطرفين بالتعرف على الآخر، وقد أجازت الشريعة للرجل والمرأة أثناء الخطبة التعارف وتبادل الكلام كل منهما للآخر، كما أجاز الفقه الإسلامي النظر بالنسبة للرجل إلى الوجه والكفين فقط لمن يرغب في الزواج بها، وفي هذا الإطار المرأة أولى من الرجل في أن تطلع على أخلاقه وميوله حتى يكون عرض الزواج مبنياً على أسس متينة، ولا تجوز الخلوة بين الرجل والمرأة لأنها محرمة شرعاً، حيث يقول صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلونَّ بامرأة ليس معها ذو محرم منها، فإن ثالثهما الشيطان».

وأوضح الدكتور داود أن قضية التعويض للمخطوبة، التي تم فسخ خطبتها بعد فترة طويلة، قضية اجتهادية لم يرد فيها نص صريح في القرآن أو السنة، ولهذا فهي قضية خلافية، حيث يرى بعض الفقهاء أنه لا مانع من التعويض عن الأضرار المادية أو المعنوية التي تترتب على فسخ الخطبة، كشراء بعض الأمتعة أو ترك وظيفة أو تفويت خاطب آخر أو الإساءة الى سمعتها بمجرد العدول عن خطبة استمرّت لسنوات، رغم أنه لم يرد نص صريح أجمع عليه الفقهاء القدامى. وأشار إلى أنه يمكن إقرار التعويض في الفقه الحديث انطلاقاً من قواعد الشريعة العامة، كقاعدة تحريم التغرير والقاعدة التي أرساها الحديث النبوي الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار»، ويكون القياس هنا على هذا الفسخ من الأمور التي يتم فيها تطبيق نظرية التعسف في استعمال الحق، التي أخذ بها كل من المذهب المالكي الذي قام بالاستناد للتعويض عن ضرر العدول بمبدأ الالتزام، وهو ينص على أنه في الوعد بشيء يُقضى بتنفيذ الوعد إن كان مبنياً على سبب ودخل الموعود بالسبب، أي فيجب الوفاء بالوعد المعلّق على سبب وباشر الموعود السبب ونفذه، مثل: تزوَّج امرأة وأنا أقرضك مالاً، فإذا تزوَّج فعلاً وجب عليه إقراضه، أما مجرد الوعد فلا يلزم الوفاء به بل الوفاء به من مكارم الأخلاق.


الضرر

رفض الدكتور عبد الفتاح الشيخ، الرئيس الأسبق لجامعة الأزهر، الإقرار بمبدأ التعويض عن فسخ الخطبة قائلاً: «الخطبة ليست بعقد ملزم، وبالتالي فإن مجرد العدول عنها لا يكون سبباً موجباً للتعويض، لكن إذا اقترنت بالعدول عن الخطبة أفعال أخرى ألحقت ضرراً بأحد الخطيبين، جاز الحكم بالتعويض على أساس المسؤولية التقصيرية، أي الخطأ الذي سبب ضرراً بالغير».

 وأوضح الدكتور عبد الفتاح الشيخ أنه يجب أن نفرق بين حالتين، أولاهما إذا كان للعادل دخل في الضرر الذي لحق الآخر بسبب عدوله، كأن يطلب الخاطب إعداد جهاز خاص أو يطلب من المخطوبة ترك وظيفتها فتتركها بناءً على رغبته، أو تطلب المخطوبة إعداد الخاطب مسكناً خاصاً، فيجوز الحكم بالتعويض عن الضرر لعدوله عن الخطبة، لتسبب العادل في الضرر وتغريره الطرف الآخر، أما الحالة الثانية فهي ألا يكون للعادل عن الخطبة دخل في الضرر الذي لحق الطرف الآخر بسبب العدول، فلا يحكم بالتعويض على العادل، إذ لا يوجد منه ضرر أو تغرير.


سبب شرعي

تؤكد الدكتورة سعاد الشرباصي، أستاذة الفقه في جامعة الأزهر، أنه من المقرر شرعاً أن المخطوبة تبقى أجنبية عن خطيبها رغم رضاها بخطبته، وبالتالي تعامل معاملة الأجنبية ويحرم عليه وعليها شرعاً الخلوة بينهما، ولو بحجة أنه يريد أن يراها وتراه في هذه الخلوة قبل عقد الزواج، كما لا يجوز أن يصاحبها ويخرج معها بحجة أنها خطيبته ورضيت بخطبته، لكن يجوز له أن يجلس معها بحضور أحد محارمها، لأن الخطبة لا تزيد على مجرد وعد بالزواج وليست عقد زواج، وبالتالي فمن حق كل من الخاطب أو المخطوبة العدول عن الخطبة دون الالتزام بأي تعويض، والأفضل بلا شك عدم العدول إلا لضرورة أو لسبب شرعي.


بلا إلزام

ترى الدكتورة مهجة غالب، عميدة كلية الدراسات الإسلامية للبنات جامعة الأزهر، أنه من المقرر شرعاً أن الرجوع عن الخطبة جائز، سواء كان هذا الرجوع من الخاطب أو من المخطوبة أو من وليها، لكن هذا الرجوع يكره إن لم يكن لسبب مقبول شرعاً، كما لو تبين للمخطوبة أو وليها في الخاطب ما يدعو إلى رد خطبته، أو رأى الخاطب في مخطوبته ما يدعو إلى الرجوع عن خطبته.  وأشارت الدكتورة مهجة إلى أنه لم يذكر الفقهاء أنه على من يعدل عن الخطبة أن يعوض الطرف الآخر عن أي ضرر لحقه بسبب هذا الرجوع، ومعنى ذلك أنهم لا يرون ترتيب أي تعويض على الراجع عن الخطبة، وترى الدكتورة مهجة أنه إذا ترتب على الرجوع في الخطبة ضرر بالغ بالطرف الآخر بناءً على اتفاقات قام أحدهما بسببها ببيع أو شراء أشياء خاصة بالزواج، أو ترك عمله أو تراجع عن سفر أو غير ذلك، فيجوز لمن تراجع بلا مبرر شرعي أن يدفع تعويضاً بالتوافق بين الطرفين وليس إلزاماً يأثم إن تركه، وإن كان من المقرر شرعاً أنه يجب الوفاء بالوعد طالما كان هذا مستطاعاً، إذا عرفنا الخطبة بأنها وعد بالزواج لقوله تعالى: «وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إن الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً» آية 34 سورة الإسراء.
عقاب

يؤكد الدكتور صابر طه، عميد كلية الدعوة الإسلامية جامعة الأزهر، أن الرجوع عن الخطبة ليس سبباً للتعويض، لأن الراجع عن الخطبة استعمل حقه في الرجوع، وبالتالي لا شيء عليه، لكن إذا اقترن بالرجوع عن الخطبة أو سبق هذا الرجوع قول أو فعل صادر عنه، يترتب عليه عقاب شرعي، كما لو رمى الرجل الخاطب مخطوبته بالخطيئة لتبرير رجوعه عن الخطبة، ففي هذه الحالة تحق عليه المسؤولية الجنائية ويجب عليه حد القذف إذا لم يستطع إثبات ما قذف به مخطوبته.

وأوضح الدكتور صابر أن الادعاء بأنه وقع ضرر أدبي بسبب الرجوع عن الخطبة، فلا تعويض مادياً عنه شرعاً، حيث لم يرد نص صريح في القرآن أو السنة بشأن ذلك. ويفرق الدكتور صابر طه بين العدول لسبب شرعي عن الخطبة، وهذا لا يوجب تعويضاً مادياً للمتضرر، وبين وجود ضرر مادي وقع على الطرف الآخر بسبب الرجوع عن الخطبة، كأن تكون المخطوبة استقالت من وظيفتها لتلحق بالخاطب في بلده بعد إتمام عقد الزواج، فإن التعويض عن الرجوع في الخطبة يكون ملزماً، أو يكون الخاطب قام باستئجار مسكن هو غير محتاج إليه لولا عزمه الزواج، أو أن يكون قد انتقل من بلده الذي يعيش فيه ووظيفته فيه ليسكن في بلد مخطوبته بعد عقد الزواج.


احتساب التعويض

وعن طريقة احتساب التعويض، يقول الدكتور صبري عبد الرؤوف، أستاذ الفقه في جامعة الأزهر: «لا توجد وسيلة متفق عليها بين الفقهاء في احتساب التعويض، لكننا نجتهد فنؤكد أنه إذا كان المضرور هو الراجع عن الخطبة وضرره بسبب رجوعه، فهو الذي يتحمل الضرر حتى ولو كان رجوعه بسبب مقبول، لأنه هو الذي أضر نفسه واستعجل في الخطبة قبل القدر الكافي من البحث والتحري، وكذلك الوضع بالنسبة الى المخطوبة إذا رجعت عن الخطبة هي أو وليها، لأنهما المقصران في البحث والتحري عن الخاطب».

 وأوضح الدكتور صبري أنه إذا كان المضرور هو الطرف الآخر، في هذه الحالة لا يتحمل الراجع أي تعويض للطرف الآخر، لأن الراجع استعمل أمراً جائزاً له وهو حق الرجوع عن الخطبة، لكن إذا اتفق الطرفان، عن طريق حكماء من العائلتين مثلاً، على إقرار التعويض فإن لهم تقدير ذلك التعويض في مجلس عرفي مثلاً، أو أن يرفع المتضرر أمره للقضاء للبحث في الأدلة والحكم بناءً عليها، سواء بالتعويض أو عدم الاستحقاق، وذلك في ضوء استعراض القاضي لأقوال المذاهب الإسلامية، حيث انقسمت الاجتهادات بين التقرير بمبدأ التعويض ومبدأ عدم جواز هذا التعويض إلى رأيين أساسيين، أولهما ينادي بالتعويض على سند من المسؤولية العقدية، لأن الخطبة وفقاً لهذا الرأي ما هي إلا وعد بالتعاقد على الزواج. وثانيهما ينادي بالتعويض على سند من المسؤولية التقصيرية في صورة من صور الخطأ فيها، وهى التعسف في استعمال الحق، لأن الخطبة في نظر هذا الرأي ليست بعقد على الإطلاق، وهذا هو الرأي الراجح عند من كثير من رجال القانون الذين يصدرون الأحكام القضائية.


نظرية التعسّف

ربط الدكتور حامد أبو طالب، العميد الأسبق لكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر، بين قضية التعويض وبين ما عرفته الشريعة الإسلامية بـ«نظرية التعسف في استعمال الحقوق» ووضعت قواعد وأحكام لإعمال الجزاء على هذا التعسف، إعمالاً للقاعدة الشرعية الأصولية «لا ضرر ولا ضرار»، لأنه لم تعرف الشريعة الإسلامية نظاماً مطلقاً للحق دون النظر إلى تبعات هذا الحق أو الأضرار التي تقع على الطرف الآخر، لهذا وضع الفقه الإسلامي «نظرية التعسف» فى باب «التعدي بطريق التسبب»، بمعنى أن المتعسف في استعمال حقه قد تعدى على غيره عند استعماله لحقه المشروع، لهذا وضع الفقه الإسلامي قاعدة تؤكد عدم جواز إلحاق الضرر بالغير أثناء استعمال الشخص لحقه المشروع وترتيب الجزاء على هذا الاستعمال التعسفي.

وأنهى الدكتور أبو طالب كلامه بالتأكيد على أنه يلزم التعويض إذا قصد الراجع في خطبته الإضرار بالغير، لأنه يعتبر شخصاً متعسفاً في استعمال الحق إذا لم يقصد من هذا الاستعمال سوى الإضرار بالغير، سواء كان عن عمد أو إهمال، ويقع على عاتق من يدعي حصول ضرر من استعمال الشخص لحقه عبء إثبات ذلك الضرر.


رأي
قانوني

رصد الدكتور جعفر عبد السلام، أستاذ القانون في جامعة الأزهر، موقف القضاء المصري من «نظرية التعسف فى العدول عن الخطبة»، فقال: «توجد جذور عميقة فى الشريعة استند إليها المشرع المصري منذ عشرات السنين، وصدرت بها أحكام وفقاً للمادتين الرابعة والخامسة من القانون المدني، منها حكم أصدرته محكمة استئناف مصر عام 1930 تؤكد فيه «أنه، وإن كان للخاطب شرعاً حق العدول عن الخطبة، إلا أن هذا العدول لا يخليه من المسؤولية المدنية إذا ثبت أنه أساء استعمال هذا الحق وأضرّ بمخطوبته». وحكم آخر لمحكمة قنا الجزئية عام 1933 تؤكد فيه «أن الشريعة أعطت للخاطب حقاً معيناً، لكنها لم تنص على حرمان المرأة أو وليها من حق التعويض عما لحقها من الضرر من جراء العدول». وهناك حكم ثالث لمحكمة النقض عام 1960 تؤكد فيه أنه «يتعين للحكم بالتعويض بسبب العدول عن الخطبة أن تتوافر شرائط المسؤولية التقصيرية، بأن يكون هذا العدول قد لازمته أفعال خاطئة في ذاتها، ومستقلّة عنه استقلالاً تاماً، ومنسوباً لأحد الطرفين، وأن ينتج عنه ضرر مادي أو أدبي للطرف الآخر».