Home Page

الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر: نرفض ظلم المرأة باسم الدين

عادات وتقاليد, شيخ الأزهر, قضية / قضايا إجتماعية, فتوى, د. أحمد الطيب, عادات الجاهلية, ظلم المرأة

04 مارس 2013

رغم أن الحوار مع فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، له دائماً أهميته لصراحة ووضوح آرائه ولعلمه الغزير، فإن أهمية الحوار معه تزداد الآن وسط حالة من التشتت الديني في المجتمع المصري والعربي، وموجة من الفتاوى والآراء الدينية الجديدة التي تثير الجدل واللغط وتدفع المرأة الثمن الأكبر لها، بل ووسط محاولات أيضاً لإضعاف دور الأزهر الشريف المعروف بدفاعه الدائم عن سماحة الإسلام ووسطيته. من هنا تزداد أهمية الحوار مع الدكتور أحمد الطيب الذي رغم انشغالاته ومسؤولياته العديدة، لم يتردد في أن يمنح «لها» من وقته لحسم الكثير من القضايا الشائكة والمثيرة، خاصة تلك التي تهم المرأة.


-
ما هي نظرتكم إلى قضايا المرأة باعتباركم ترأسون المرجعية الدينية الأولى في العالم الإسلامي؟
قضايا المرأة من أهم التحديات التي تواجه العالم العربي في الوقت الراهن، ولهذا يرفض الأزهر، المشهود له بالوسطية والاعتدال عبر تاريخه الذي يزيد على الألف عام، وقوعها أسيرة للتغريب والتقاليد الوافدة التي لا تتناسب مع مجتمعاتنا وأخلاقنا. وفي الوقت نفسه نرفض ظلم المرأة باسم تقاليد جاهلية يحاول البعض إلباسها عباءة الدين لظلم المرأة أيضاً، رغم أنها الأم والابنة والزوجة والأخت، وإذا كانت تمثل نصف المجتمع عدداً، فهي مربية النصف الآخر بالاشتراك مع الرجل.

- كيف يمكن مواجهة التقاليد الظالمة المرأة في مجتمعاتنا باسم الدين؟
الحل بنشر الوعي الديني بين مختلف فئات المجتمع مما يساعد على بيان الحق من الباطل، وكذلك الحلال من الحرام في كل ما يتصل بقضايا المرأة. ولا بد أن يتواكب ذلك مع طفرة شاملة في التنشئة والتعليم والثقافة والإعلام ليقوم كل منها بدوره في تصحيح المفاهيم الخاطئة. ويمكن التوعية بقضايا المرأة من أعضاء البرلمانات العربية، باعتبار أن هذا واجب عليهم تجاه النساء اللواتي هن أمهاتهم وزوجاتهم وبناتهم وأخواتهم، ولعل هذا من القضايا التي ناقشتها مع الأستاذ أحمد الجروان رئيس البرلمان العربي، والوفد المرافق له من رجال ونساء، خلال استقبالي لهم قبل أيام في مشيخة الأزهر، وأكدت لهم أن هناك تحديات كثيرة أمام البرلمان العربي، تأتي في مقدمها قضية المرأة العربية وضرورة العمل على تحريرها من بعض العادات والتقاليد التي ما زالت تعيش معنا كعادات وهي ترجع إلى ما قبل الإسلام، ومع هذا للأسف يحاول البعض إلصاقها بالإسلام وهو منها بريء.

- ما هي القضايا التي ترى فيها ظلماً للمرأة في مجتمعاتنا العربية وترى ضرورة أن يكون للبرلمانيين العرب دور في تغييرها؟
القضايا عديدة وسبق أن أوضح الأزهر حكم الشرع فيها، إلا أن المرأة ما زالت تعاني من بعض الأمور التي لا تستند إلى شرع ولا دين، مثل إكراهها على الزواج بمن لا تحب أو ترضى عنه، وكذلك حِرمانها من الميراث لصالح الذكور خشية تفتت الثروة، أو النظر إلى زوج البنت وأولاده منها على أنهم أغراب لا يجوز حصولهم على ميراثها كاملاً، وكذلك تفضيل الذكور على الإناث في المعاملة أو التعليم، أو التذمر من إنجاب البنات إلى درجة قد تصل إلى الاعتراض على مشيئة الله. على الجانب الآخر، يرفض الأزهر تغريب المرأة وجعلها تسير وفق النموذج الغربي المنفلت من تعاليم الأديان.

- إذا كانت هذه بعض القضايا التي تهم المرأة، ألا يقدم الأزهر حلاً شاملاً وعلاجاً شافياً لها من خلال وثيقة من وثائقه التي حققت نجاحاً كبيراً في بيان الصواب من الخطأ في الكثير من مناحي الحياة؟
هذا ما حدث بالفعل، وسيصدر الأزهر خلال أيام قليلة وثيقة شاملة عن المرأة وكل قضاياها من المنظور الإسلامي، وهذا جزء من دور الأزهر في تحقيق السلام على مستويات الفرد والجماعة والأسرة، المكونة من الرجال والنساء، باعتبارها نواة المجتمع. ونحن نؤمن بأن هناك طاقات هائلة لدى المرأة العربية لو استغلت على النحو الأمثل سيكون لمجتمعاتنا مستقبل أفضل. وللعلم فإنه كان المفترض إصدار تلك الوثيقة عن حقوق المرأة في الإسلام في كانون الأول/ديسمبر الماضي، إلا أن أعضاء مجمع البحوث طلبوا مزيداً من الوقت لمراجعتها ومناقشتها حتى تصدر بصورة مثالية وشاملة تتضمن كل ما يهم المرأة، ويمكن الاستفادة منها في إحداث تغييرات دستورية وقانونية مستقبلاً، وستكون مرجعية في كل قضايا المرأة من المنظور الشرعي والرد على جميع الشبهات التي يوجهها البعض تجاه حقوق المرأة في الشريعة الإسلامية، كما ستؤكد المكانة المتميزة للمرأة في الإسلام ودورها البارز في نهضة وبناء المجتمعات العربية والإسلامية. ولهذا أؤكد أن وثيقة المرأة ستكون بمثابة مرجعية يمكن الاستعانة بها في التشريعات الخاصة بالمرأة في مصر.

- ألا ترون أنه يمكن أن تحدث تحفظات عنها من المؤسسات النسائية مثل المجلس القومي للمرأة؟
من ينظر إلى أعضاء اللجنة المشاركة في إعداد تلك الوثيقة سيجد أنها ممثلة لمختلف التيارات والمؤسسات، ومنها المجلس القومي للمرأة، كما أنها تضم مسلمين ومسيحيين حتى تتم مناقشة كل قضايا المرأة وهمومها، لأنني أعتقد أن هناك رياحًا عاتية آتية من الخارج تهدف إلى زعزعة الضوابط الأخلاقية للمرأة المسلمة تحت دعاوى المساواة والتحرر، ولا تفرّق هذه الدعاوى بين حقوق المرأة في الإسلام وغيرها في الغرب. ومن المؤسف أن البعض يجهل أو يتجاهل أن الإسلام حطم القيود والأغلال الظالمة التي كبَّلت المرأة عبر التاريخ، ومن يُرد التعرف على المزيد يقرأ عن موقف الإسلام من المرأة وموقف الحضارات قبله وبعده، وسيجد أن هناك فرقاً كبيراً، حيث سيجد التكريم الحقيقي لها والمحافظة على حقوقها موجوداً في الإسلام، في وقت كانت حضارات الغير تشكك في آدمية المرأة أصلاً، وتقوا إنها روح شريرة. ولهذا أؤكد أن الشريعة الإسلامية كرمت المرأة وأعطتها حقوقها كاملة، في الوقت الذي لم تحظ فيه المرأة في أي قانون، شرقًا كان أو غربًا، بمثل تلك المكانة، ولن يسمح الأزهر بأن تُسلب منها هذه الحقوق التي منحها إياها الله.

- استقبلتم قبل أيام وفداً نسائياً بقيادة الأمينة العامة للمجلس القومي للمرأة السفيرة ميرفت تلاوي فماذا كان رأيهن في وثيقة المرأة التي يوشك الأزهر أن يعلنها؟
أعربت أعضاء المجلس القومي للمرأة عن سعادتهن باستعادة الأزهر لدوره الريادي وإصداره للعديد من الوثائق في الفترة الأخيرة، والتي كان لها صدى واسع داخلياً وخارجياً، وهن في انتظار وثيقة تاريخية شاملة وغير مسبوقة حول حقوق المرأة، لأن المرأة ليس لها سندٌ تحتمي به إلا الشريعة الإسلامية التي تصون حقها في الإرث وتحميها من العنف بكل صوره، بل إنها تجرم العادات والتقاليد التي يحرص عليها بعض أفراد المجتمع عبر الموروث الاجتماعي المنهي عنه شرعاً.

- هل هناك أمل في أن يستمر هذا التواصل بعد إصدار وثيقة المرأة أم أنه تعاون موقت؟
نحن على أتم استعداد للتعاون مع كل منظمة تستهدف مصالح البلاد والعباد وتصحيح المفاهيم الخاطئة، ولهذا وافقت على الفور على طلب السفيرة ميرفت التلاوي من الأزهر استمرار التواصل مستقبلاً، من خلال المشاركة في إعداد كتب خاصة عن حقوق المرأة في الإسلام، على أن تتم ترجمتها إلى اللغات الأجنبية وإرسالها إلى الأمم المتحدة والدول الأعضاء فيها، للتعريف بمكانة المرأة في الإسلام للعالم، بالإضافة إلى طرح كتب مبسطة في الأوساط الشعبية تهدف إلى إزالة الفهم الخاطئ لدى البعض حول حقوق المرأة في الإسلام، وعقد سلسلة من الندوات المشتركة في المحافظات. ودعونا الإعلام المصري إلى أن يلعب دوراً مهماً وتنويرياً حقيقياً في هذه المرحلة الحرجة، مما يعود بالخير على البلاد والعباد.

- قد يفهم البعض أن الوثيقة الجديدة تهم المسلمات فقط وبالتالي لدى المصريات غير المسلمات تخوف منها، فماذا تقولون؟
نحن حريصون على الجميع بلا تفرقة، ولعل ما يجسد ذلك مشاركة مسيحيين ومسيحيات في إعدادها، وكذلك لا يمكن إغفال ما أكدته مارجريت عازر، الأمينة العامة المساعدة للمجلس القومي للمرأة، من أن وثيقة الأزهر الخاصة بالمرأة هي الملاذ الأخير والوحيد للدفاع عن حقوق المرأة، بل إنها تتصدى للتفسيرات الخاطئة التي تصدر من غير المختصين، والتي يتم من خلالها انتهاك حقوق المرأة. لهذا لا بد من الفهم الصحيح للدين الإسلامي بعيدًا عن التشدد والتهميش لدور المرأة في المجتمع، وإذا حدثت أي تعديلات في مواد الدستور فسوف تكون وثيقة حقوق المرأة ضمن الأولويات التي يجب أن ينص عليها في الدستور، بل نطالب مجلس الشعب القادم بأن يصدر القوانين الخاصة بالمرأة طبقًا لهذه الوثيقة التي من بنودها مشاركة المرأة للرجل فى الحقوق العامة على أساس الجدارة والكفاءة وليس النوع.

- خرجت علينا أصوات بعض أدعياء الدعوة الذين يحرّمون عمل المرأة أو توليتها أي مناصب إذا تم السماح لها بالعمل للضرورة الملحة، فماذا تقولون؟
من المؤسف أن هذه الأقوال تسيء إلى الإسلام، لأنه لا يوجد نص شرعي يمنع المرأة من العمل الشريف أو تولِّي المناصب القيادية. وقد أثبتت المرأة جدارتها وكفاءتها بالفعل في العديد من الدول العربية والإسلامية، حيث تولت أرفع المناصب وأصبحت وزيرة وسفيرة وقاضية وعميدة، وغيرها من المناصب التي لم تعد حكراً على الرجل، فليست العبرة في الجنس بل في الكفاءة والقدرة على العطاء والأداء في حدود مبادئ الشريعة الإسلامية وروحها. ومن الغريب أن مثل هذه الأفكار ليست مقصورة على مصر أو حتى الدول العربية فقط، بل إنها تمتد إلى بعض الدول الإسلامية، وقد أوضحت هذا لوفد من علماء إندونيسيا عند زيارتهم مشيخة الأزهر قضية عمل المرأة وتوليها المناصب القيادية.

- يتهم البعض الإسلام بأنه دين ذكوري يحابي الرجال على حساب النساء، بل إنه ينظر إليهن على أنهن درجة ثانية، فما رد فضيلتكم؟
هذه الافتراءات على الإسلام ليست وليدة اليوم، بل تمتد إلى عمر الإسلام وروَّج لها المستشرقون وغير المسلمين منذ قرون، وما زال الترويج لها مستمراً، رغم أن نصوص الإسلام الصريحة تدحض هذا تماماً، بل تثبت العكس بما تحمله من تكريم للنساء بشكل فريد وغير مسبوق في التاريخ. ولست مبالغاً إذا قلت إن الإسلام أحدث ثورة بيضاء أخرجت المرأة من العدم إلى الوجود ومن الظلمات إلى النور، فصان إنسانيتها وحقوقها قبل الغرب بمئات السنين، ولابد أن يتوقف الإنسان المنصف عند النصوص الشرعية الصريحة ثم يحكم على موقف الإسلام من المرأة، فمثلاً يقول تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إن أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إن اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» آية 13 سورة الحجرات. فالأصل واحد ومشترك والأفضلية للتقي بصرف النظر عن نوعه، وقد قال الله ذلك في كثير من الآيات الأخرى، منها قوله سبحانه: «فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ» آية 195 سورة آل عمران. ولنتأمل التوصية النبوية بالنساء في بداية الحديث ونهايته الذي يقول فيه رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبتَ تُقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء»، ولم يكتف الرسول بالتوصية، بل أكد حقيقة موقف الإسلام من النساء والرجال، فقال: «إنما النساء شقائق الرجال، ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم»، فأين التمييز الذكوري في دين قدم إنجاب الإناث كهبة من الله على الذكور، فقال تعالى: «لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ» الآيتان 49-50 سورة الشورى.

- لكن البعض يبرر إذلاله للمرأة باسم الدين أن حواء هي من أخرجت آدم من الجنة وجلبت له الشقاء في الأرض؟
هذه مقولة ظالمة وخاطئة، لأنها تُحمّل المرأة، ابتداءً من أمنا حواء، مسؤولية شقاء البشرية، لأنها أغوت آدم حتى أكل من الشجرة المنهي عنها، وهذا ما يخالف نصوص الشرع، بل إن هذه المقولة مصدرها التوراة وأسفارها وملحقاتها، في حين من يقرأ القرآن يدرك أن التكليف الإلهي بعدم الأكل من الشجرة كان لآدم وزوجه: «وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ» آية 35 سورة البقرة. وقد أغواهما الشيطان وأزلهما بالخداع والحيلة والقسم كذباً، ثم تابا معاً فقال تعالى: «فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ. وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ. فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إن الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ. قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ» الآيات 20-23 سورة الأعراف. وقد جاءت آيات في سورة «طه» تؤكد أن أبانا آدم هو المسؤول الأول عن المعصية وأن حواء كانت تابعة له، فقال تعالى: «وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا. وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى. فَقُلْنَا يَا آدَمُ إن هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى. إن لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى. وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى. فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لّا يَبْلَى. فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى. ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى» الآيات 115-122 سورة طه.

- فيما يسير الأزهر فوق الأشواك لتوحيد الصف المصري، يسعى البعض إلى تصنيفه أو إدخاله في الصراع السياسي الدائر حالياً، فماذا تقول فضيلتكم؟
أقول للجميع: سيظل الأزهر بعيدًا عن السياسة، فهو لا يلعب دورًا سياسيًا بل كل مبادراته وأفكاره تنطلق من واجبه الوطني، وخاصة أن الفكر الإسلامي يسع كل التيارات والأفكار الوسطية. ولهذا رأى الحكماء أن الأزهر من أهم سبل الخروج من الأزمات التي تواجه الأمة كلها، وليس مصر فقط، ولعل هذا واضح من بيانات الأزهر حول مختلف الأوضاع في مصر والعالم الإسلامي، لهذا نسعى لمد جسور التواصل بين مختلف الدول والتيارات والقوى وتفعيل كل المبادرات والجهود المؤدية إلى الاستقرار والتنمية.

- يقال إنكم طالبتم بتدريس مادة «الحوار» في المناهج الدراسية حتى تكون لدينا ثقافة الاختلاف وقبول الآخر. هل هذا صحيح؟
لابد أن ندرك أنه لا تفاهم ولا تصالح إلا من خلال الحوار الجاد والهادف لتوحيد الصف على مستويي الداخل والخارج، ولهذا لا بد من تدريس علم «الجدل والحوار» في التعليم، لأن الجميع يحتاج إلى لغة الحوار والتفاهم، مع التأكيد أن الإسلام استخدم الحوار في مواضع عديدة، منها ما هو محمودٌ فقال الله تعالى: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إن رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» آية 125 سورة النحل. وحذرنا من الحوار المذموم فقال: «ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ» آية 40 سورة غافر.

- أنتم من شيوخ الأزهر الذين درسوا في الغرب وعاشوا فيه فترة، فكيف ترى مقولة الشاعر جوزف كيبلنغ الذي كتب أنشودة الشرق والغرب واستهلَّها بمقولته الشهيرة «إنَّ الشرق شرق والغرب غرب وأبدًا لن يلتقيا». فهل يعني هذا أن الصراع أبدي؟ ومن المسؤول عنه؟
يؤكد التاريخ أن الحضارة الغربية ترفض دومًا الحضارة الشرقية، خاصَّةً في القرنين التاسع عشر والعشرين، وكنا نعتقد أن ثقافة الرفض تنتهي مع الثورة التكنولوجيَّة، وأصبح الشرق بعدَها كتابًا مفتوحًا، لكننا فُوجِئنا بالغرب يُديرُ لنا ظهرَه مرَّةً أخرى، وأُعِيدت مقولةُ كيبلنغ بصِياغاتٍ مختلفة، مثل نظرية «نهاية التاريخ» للفيلسوف فرنسيس فوكو ياما، ونظرية «صِراع الحضارات» لصمويل هانتنغتون، مما يؤسس لنظرية «اللون الأبيض» التي نشرها الغرب بعد الحرب العالميَّة الثانية، ويعترف حكماء الغرب بأنها نظريَّة عنصرية تؤكدُ تفوق الجنس الأبيض على بقية الأجناس. لهذا أؤكد باستمرار للغربيين الذين أقابلهم أن نظرية صِدام الحضارات ليست إلا مغالطات، بل إنها كلمة باطل يُراد بها باطل، وقد انتقدها العديد من المفكِّرين الغربيِّين المنصفين مثل جون اسبتيزو الذي أثبت أن التهديد الإسلامي للحضارة الغربية خرافةٌ، بل إن اسبتيزو كشف أكاذيب هانتنغتون وتغييره في التاريخ ومغالطاته من أجل وضع الإسلام في مواجهة الغرب ليقع الصِّدام في النهاية.

- أين تكمن المشكلة الحقيقية من وجهة نظر فضيلتكم؟
المشكلة عند الغرب تتمثل في الإسلام ذاتِه، لأنَّه حضارة مختلفة وأهله مُقتنِعون بأنه الأفضل، في حين يرى بعض الغربيين أنهم أبناء حضارة قاهرة يجب اتباعها. وهذه النظرية لا تمتُّ إلى الواقع بصلة، لأنها تفترض أن الغرب كله كتلة واحدة، وأنه ثقافة واحدة وهذا خطأ، بدليل أن فرنسا، التي عشت فيها فترة، تقاوم تغلغل الثقافة الأميركية والعربية على حد سواء. ومن المؤسف أن بعض علماء الغرب تجاهلوا عن عمدٍ قانون التفاعل الإيجابي بين الحضارات وانزلقوا وراء صراع الحضارات.

- ما زالت الفضائيات تتحدث عن فتوى منسوبة إلى أحد أساتذة جامعة الأزهر أباحت قتل المعارضين للحكَّام، فما رد فضيلتكم على الفتاوى التي تسيء إلى الإسلام؟
حرمة الدماء كبيرة في الإسلام، ولهذا ناقش مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر القضية ورفض هذا الفهم الخاطئ، واستعمال النُّصوص في غير مواضعها وفهمها فهمًا غير صحيح، ونبه الأزهر إلى أن هذه الآراء تفتح أبواب الفتنة وفوضى القتل والدِّماء، ولهذا ندعو الجميع إلى الالتزام بموقف الشريعة الإسلامية التي تؤكّد حرمة الدماءِ، وأن القاتل العمد لا يدخل الجنة ولا يجد ريحها، وأن القاتل والمتسبب بالقتل سواء بالتحريض أو بالرأي شريكان في الإثم والعقاب في الدنيا والآخِرة. وناشدنا  المصريين بل والمسلمين جميعًا ألا يستَمِعوا إلى هذه الآراء الشاذة والمرفوضة عقلاً ونقلاً، حرصًا على سلامة الوطَن ووحدة أبنائه واللتين تُعتَبران من أهم المقاصد التي جاءت بها شريعة الإسلام والمسلمين.

- بعض أعداء الإسلام يستغلون تلك الفتاوى للإساءة إلى الدين، فما رد فضيلتكم؟
لا بد أن نفصل بين بعض التصرفات الخاطئة من المنتسبين إلى الإسلام وتعاليم الإسلام في ما يتعلق بالحوار في الإسلام، الذي ليس مقصوداً منه إثبات التفوق من شخص على شخص أو مبدأ على مبدأ ولو بالباطل والزور والكذب، وإنما هو أشبه ما يكون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أي أن يكون الحوار من أجل الدعوة بالحسنى وهداية الناس إلى المعروف ونهيهم عن المنكر، بشرط ألا يهبط الحوار إلى مستوى أن يتحدث الإنسان في ما لا يعرفه، وهو ما يحدث الآن للأسف الشديد من بعض أدعياء العلم الذين يتحدثون في كل شيء وفي مختلف التخصصات ويردون على كل سؤال، وهو ما لا يمكن أن يكون صحيحًا الآن مع تفرع العلوم وتشعبها، مما قد يضطر هؤلاء أن يجادلوا بالباطل ويسيئوا ليس إلى أنفسهم فحسب بل إلى الإسلام ذاته، في ظل قيام بعض المتحاورين بالصراخ وتعلية الصوت. وهذا النوع من الحوار غير موجود  في الإسلام، حتى أن الإمام الشافعي وصف هذا الحوار بقتال الحيوانات، لأنه ليس حواراً من أجل الوصول للحق، لكنه جدل من أجل المخاصمة والمغالبة.