واقعة مثيرة: الشرطة تستعين بدجال للعثور على فتاة مخطوفة!

خطف, شرطة, د. عبلة الكحلاوي, د. عفاف النجار, د. مبروك عطية, دجال

29 مايو 2013

الواقعة غريبة ومدهشة. الشرطة تستعين بدجال لإرشادها إلى مكان اختفاء فتاة!
هذا ما قام به ضباط إحدى قرى محافظة الغربية، فأثاروا حالة من الجدل الحاد. وأصبح السؤال: هل يجوز شرعاً الاستعانة بدجالين، حتى لو كان الهدف نبيلاً مثل العثور على فتاة مخطوفة؟ وهل يبيح الدين ذلك؟ أم يعتبره ادعاءً بعلم الغيب ودليلاً على قلة الوعي والإيمان؟ «لها» تحقق.


في البداية تتعجب الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، من هذا التصرف المنافي ليس للشرع فقط بل للعقل أيضاً، إذ لا يجوز لأحد أن يدَّعي علم الغيب، بل إن من ادَّعاه فقد كفر، كما لا يجوز لأحدٍ أن يعتقد أن هناك من يعلم الغيب، ومن اعتقد ذلك فقد كفر عند بعض المذاهب على حسب درجة اعتقاده، وذلك لمخالفته الصريحة لكل النصوص الشرعية الواردة في القرآن الكريم والأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم التي تؤكد أن الغيب المطلق لا يعلمه إلا الله.

وأشارت إلى أنه من الغريب أن يصدر هذا الفعل من ضباط الشرطة الذين يفترض فيهم أنهم يحاربون الدجل والشعوذة. وهذا إن دلّ على شيء إنما يدلّ على ضعف الوعي الديني لدى المسؤولين عن الأمن، لهذا لا بد من الاهتمام بالتأهيل الديني مثل التأهيل الوظيفي حتى لا تنتشر الخرافات، فيكفي أن نذكر لأمثال هؤلاء قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد».

ورفضت الكحلاوي استناد بعض من يلجأون إلى السحرة والدجالين إلى فتاوى قديمة أباحت اللجوء إلى السحر لفك سحر أو تحقيق خير أو منفعة، بشرط ألا يتسبب هذا بوقوع ضرر بالآخرين، لأن هذه الفتاوى، حتى وإن كان ظاهرها الرحمة والرأفة والمنفعة، إلا أن باطنها العذاب لأنها تفتح الباب لمخالفات عقائدية وأخلاقية بالجملة، فيزين لهم الشيطان أعمالهم، وهذا ما يخالف قوله تعالى: «ثُمَّ جَعَلْنَاكَ على شَرِيعَةٍ مِنْ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ  لا يَعْلَمُونَ. إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ. هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ» الآيات 18- 20 سورة الجاثية.


المهارات الغيبية

أما الدكتورة عفاف النجار، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، فتؤكد أن ندرك أن مفهوم الغيب نسبي، فمثلاً ما قد يعلمه أناس دون آخرين ليس غيباً بالمفهوم العقائدي الذي يخرج من يعتقد فيه من الملة، وإنما لديه مهارة أو علاقات توصله إلى معلومات تخفى على كثيرين، فقد يكون هذا الدجال على علم بمن اختطفوا الفتاة ويدلّهم عليها ويدعي أنه يعلم الغيب، في حين أن لديه معلومات غير متوافرة للآخرين. ولهذا الأفضل أن تقوم الشرطة بدورها ولا تترك الناس ضحية للدجالين، حتى لو ادعوا مقدرتهم على إعادة المخطوفة.
وأوضحت أنه «لا بد من التفرقة بين من لديه مهارة معرفة المعلومات أكثر من غيره؛ وبين من يدعي علمه بالغيب عن طريق تسخير الجن، فهذا سلوك لا يجوز شرعاً، ولهذا حرّم الإسلام السحر وتسخير الجن الذين قد يخبروننا بما لا نعلم من المعلومات عن شخص مختفٍ، كما هو الحال في هذه الحادثة: «وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلّ شَيْطَانٍ رّجِيمٍ  إِلاّ مَنِ اسْتَرَقَ السّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مّبِينٌ» الايتان 17-18 سورة الحجر. أي أنه مازال من الجن من يسترق السمع لمعرفة أحوال البشر وما خفي عنهم، ومعنى الآيتين أنه رغم حفظ الله للسماء من كل شيطان مرجوم مطرود من رحمته كي لا يصل إليها. إلا أن هناك من اختلس السمع من كلام أهل الملأ الأعلى في بعض الأوقات، وقد يخبر الجن الذي استرق السمع إلى وليه ببعض ما استرقه قبل أن يحرقه الشهاب، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ناسٌ عن الكهان فقال: ليس بشيء، فقالوا: يا رسول الله إنهم يحدثوننا أحياناً بشيء فيكون حقاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلك الكلمة من الحق يخطفها من الجني فيقرها في أذن وليه فيخلطون معها مائة كذبة»».


معرفة الجن للغيب 

يؤكد الدكتور مبروك عطية، الأستاذ في جامعة الأزهر، أن الجن لا يعلمون الغيب كما يدعي الدجالون، لقوله تعالى: «قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ» آية 65 سورة النمل. وذكر الله جهل الجن بمعرفة الغيب في قصة تسخير الله لهم لخدمة نبي الله سليمان عليه السلام وعدم علمهم بموته، فقال الله تعالى: «فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ على مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أن لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ» آية 14 سورة سبأ.
وحذر عطية الذين يدعون أنهم «يعلمون الغيب، أو لديهم القدرة على معرفة مكان المختفي أو الغائب، بأن كل هذا من الكهانة، وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الاعتقاد بهذا، لأنه يضيع ثواب الصلوات، فقال: «أن من أتى عرافاً فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يوماً». يلاحظ أن عدم قبول الصلاة بسبب السؤال فقط، أما إن صدَّقه فإنه يكون كافراً، لأنه إذا صدَّقه بعلم الغيب كذَّب الله القائل: «عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أَحَداً * إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً» الآيتان 26- 27 سورة الجن».

وتساءل عطية: «هل هذا الدجال أفضل من الرسول صلى الله عليه وسلم؟ حيث يدعي هذا الدجال علم الغيب لدرجة أن ضباط الشرطة أحضروا له البخور ليعلم مكان الفتاة المختفية بسبب قدراته الخارقة وعلم الغيب، وقد أمر الله تعالى نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يعلن للملأ بقوله: «قلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إن أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إليَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَي وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ» الآية 50 سورة الأنعام. وبالتالي لا يجوز اللجوء إلى الساحر مهما كانت الأسباب، حتى لو ادعى أنه قادر على تحقيق منفعة أو إعادة الغائب أو المخطوفة، كما هو الأمر في تلك القضية، لأن قدر الله نافذ بعودتها أو عدم عودتها، فلا نطلب رأفة الله بنا وقت المحن بمعصية قد تصل إلى الكفر إذا صدقنا الساحر».


تحذير

ويرى الدكتور حامد أبو طالب، العميد السابق لكلية الشريعة والقانون وعضو مجمع البحوث الإسلامية، أن هذه الأفعال من الدجال، حتى لو أخبر الشرطة وأهل البنت المختطفة بمكانها الصحيح، لا يؤخذ منها أي دليل إدانة أو إثبات من الناحية الدينية أو الأحكام القانونية، حيث يتطلب البينة غير القابلة للتشكيك من خلال الوسائل المتعارف عليها بين البشر، وليس من خلال الدجل، ولهذا فإن البينة في الدعاوى عند أكثر العلماء هي ما يبين الحق ويظهره ويوضحه بلا أدنى شك، ولهذا نهى القرآن عن تصديق أي فاسق يأتي بالخبر قبل التيقن منه، فقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا أن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا على مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين» آية 6 سورة الحجرات.

وحذر أبو طالب من الترويج للدجالين حتى وإن صدقوا في بعض الأخبار، لأن هذا يروج للباطل وينشر الخرافات، من كثرة ترديد الكلام عن الأفعال الخارقة للدجالين في إحضار المختفين والغائبين بصورة أكبر من الشرطة، المخول لها هذا الأمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع» قال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: «إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنع وهات، وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال».
وأنهى أبو طالب كلامه، مؤكداً أن «بعض الفقهاء أفتوا بأنه يجوز استخدام السحر في الخير أو تحقيق منفعة، مثل البحث عن تلك البنت، حيث لا يتسبب هذا بإلحاق الضرر حيث يحقق المنفعة لبعض الناس دون أن يلحق الضرر بالآخرين. إلا أننا نحذر من الأخذ بتلك الفتاوى التي يبدو أن أصحابها أصدروها بحسن نية، ولم يدركوا عواقبها الواقعية وتأثيرها على عقيدة الإنسان».


لا منفعة بالمعاصي

وعن جواز استخدام السحر في تحصيل منفعة، يقول الدكتور محمد داود، أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة قناة السويس: «يحرَّم شرعاً اللجوء إلى الساحر لأي سبب، لأنه لا يجوز استخدام السحر لتحصيل أي منفعة، ومن استخدم السحر يحرم من نعمة الله، لأنه خالف ما قرره الله بشأن الساحر، فقد قال تعالى: «وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى» آية 69 سورة طـه. وقد أوضح لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: «اتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله لا يُنال ما عنده إلا بطاعته». وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: «إن الرجل ليُحرم الرزق بالخطيئة يعملها».
وحذر الدكتور داود من أن الدجال غالباً ما يحمل لقب «شيخ» ليخدع الناس بأنه مُلهَم من الله، بل ويدّعي أنه من الأولياء الصالحين الذين يُطلعهم الله على الغيب، وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: «لقد كان فيمن كان قبلكم من الأمم ناس محدَّثون، أي ملهَمون، من غير أن يكونوا أنبياء، وإن يكن في أمتي أحد فإنه عمر بن الخطاب». فهل هذا الدجال الذي يدعي أنه ملهم، مثل عمر بن الخطاب الذي كان القرآن موافقاً له؟

وأنهى الدكتور داود كلامه بالتأكيد أنه إذا توافق ما يخبرنا به الساحر مع الحقيقة، فهو من قبيل الصدفة التي لا يقام لها وزن في الإسلام، وليست بينة اتهام لإنسان ما أنه اختطف هذه البنت، وليس كلامه أيضاً تبرئة من الناحية الشرعية لإنسان يتم توجيه الاتهام إليه أنه وراء اختطافها، لأن البينة تتطلب شهوداً عُدولاً مشهوداً لهم بالصلاح والتقوى، ويفهمون جيداً قوله تعالى: «... وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ على اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إن اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا» الآيتان 2-3 سورة الطلاق.


ميراث اجتماعي

عن تفسير علم الاجتماع لتلك الحادثة، يقول الدكتور نبيل السمالوطي أستاذ علم الاجتماع في جامعة الأزهر: «يعتبر هذا انحطاطاً ثقافياً وفكرياً وفشلاً مهنياً وسذاجةً ثقافيةً وغباءً عقلياً، لهذا لا بد من إعادة التأهيل الثقافي والفكري للشعب بوجه عام، ومسؤولي الداخلية بوجه خاص، حتى لا يتم افتتاح فرع للدجالين والسحرة ملحق بوزارة الداخلية، تكون وظيفته مساعدة إدارة البحث والتحريات ويتم الاستناد إلى آراء الدجالين في اتهام هذا أو تبرئة ذاك».
وأشار إلى أن اللجوء إلى السحرة والدجالين ميراث قديم عند شعوب الشرق بوجه عام والشعوب العربية وخاصة الشعب المصري، وقد سجل القرآن براعتهم في السحر الذي ما زالت آثاره باقية حتى اليوم، فيما يطلق عليه الأثريون «لعنة الفراعنة»، ولهذا يجب العمل الجاد على التحرر من هذا الميراث المرفوض شرعاً وعقلاً، لأن الوصول إلى الحقائق؛ مثل اكتشاف مكان اختفاء فتاة ما؛ يكون بالوسائل العقلية وبجهود المباحث وليس الدجالين، ولن يكون هذا إلا بنشر الوعي الديني والاستنارة العقلية والتأهيل المهني.


التوتر

حللت الدكتورة سناء سليمان، أستاذ علم النفس في كلية البنات جامعة عين شمس، القضية، فأكدت أن الدجال ومسؤولي الشرطة أساؤوا استثمار اللهفة والتوتر النفسي لدى أسرة الفتاة المختطفة في وقت الفوضى، التي تعيش فيها البلاد، مما يزيد تعرضها للأخطار، ولهذا كانوا مستعدين لتصديق أي أحد يقول أي كلام. فالمثل الشعبي يقول: «الغريق يتعلق بقشة»، لكن المشكلة أن يقوم ضباط الشرطة بالتجاوب مع هذا التوتر النفسي، الذي قد نعذر أهل البنت فيه لكن لا نعذر المسؤولين عن الأمن، لأن هذا التجاوب الشرطي يرسخ ثقافة الخرافة ويجعلهم ينفضون أيديهم من المسؤولية عن حماية الشعب.
وأشارت الدكتورة سناء إلى أن «ثقافة الخرافة»، والادعاء بمعرفة الغيب وتحقيق المعجزات، تزيد وقت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، التي يعجز الإنسان في ظلها عن توفير الحماية لنفسه وليس لغيره، مما يزيد الشائعات عن حالات الاختطاف والاغتصاب والقتل، وغيرها من الجرائم التي تجعل الشعب في حالة توتر دائم، وقابلاً لتصديق أي كلام يقال، ويبحث عن الأمان حتى وإن كان باللجوء إلى السحرة والدجالين.