'يوميات أمّ عاملة' المهندسة هيام بسيوني: المرأة قادرة على قهر الصعاب

المرأة, عمل المرأة, هيام بسيوني, قضية / قضايا الأسرة

01 فبراير 2014

أثبتت المرأة أنها قادرة على النجاح في تلك المعادلة الصعبة التي يحاول البعض تعجيزها وإحباطها بسببها، معادلة النجاح داخل البيت كزوجة وأم، وخارجه كامرأة عاملة لا تقلّ تفوقاً عن أي رجل متفرّغ لعمله فقط. المهندسة هيام بسيوني، أحد النماذج النسائية الناجحة داخل بيتها وخارجه، التقتها «لها» لتكشف لنا كيف استطاعت النجاح كزوجة وأم لثلاثة أبناء، وكمهندسة معمارية تدير شركتين وتنزل إلى المواقع المختلفة لممارسة عملها.


من أنت في سطور؟
أنا المهندسة المعمارية هيام بسيوني، خريجة كلية الهندسة جامعة القاهرة قسم العمارة عام 1992، عملت بعد تخرجي سنتين، ثم تزوجت عام 1994 وسافرت إلى المملكة العربية السعودية حيث درّست التصميم المعماري لمدة ست سنوات في إحدى الجامعات السعودية، وبعد عودتي إلى مصر درّست هندسة العمارة في إحدى الجامعات الخاصة. ثم عملت في شركات عربية ومصرية كبرى لمدة ست سنوات، وبعدها قررت الاستقلال وأنشأت شركتين خاصتين بي. 

ما هو دور والديك في نشأتك؟
والدي كان موظفاً في الإذاعة والتلفزيون، وكان كثير الأسفار إلى الدول العربية، لتحسين دخل الأسرة ، ولهذا كانت أمي هي الجندي المجهول في حياتنا بكل ما تعني هذه الكلمة من معانٍ. ولست مبالغة إذا قلت إنها بسبب السفر الدائم لوالدي، كانت تقوم بدوري الأب والأم معاً، بل إنها كانت شمعة تحترق لتضيء الحياة لأولادها الثلاثة. ورغم أننا جميعاً تزوجنا وأصبحت لنا حياتنا الأسرية المستقلة، ما زالت ترعانا وأولادنا، خاصةً أنا، فهي تقيم معي لفترة طويلة منذ أن رزقنا الله طفلي زين قبل عام، وتربيه مثلما ربتنا أنا وأشقائي، وخاصة أنني أرفض تماماً قيام مديرة المنزل بتربية أولادي.

ما أثر هذه الظروف العائلية على اختيارك الدراسة في قسم العمارة الذي لا يكثر إقبال الفتيات عليه؟
ساعدتني ظروفي العائلية في الاعتماد على النفس، وإدراك أنه لا يوجد في الحياة شيء اسمه المستحيل، وأن المرأة قادرة على فعل المعجزات إذا كانت لديها إرادة وتصميم. لهذا اخترت هذا القسم الصعب حتى أثبت أن المرأة كائن قادر على قهر الصعاب وممارسة أي مهنة يراها البعض «ذكورية»، فقد ربتنا أمي على المساواة بين الولد والبنت حتى ولو كنا بنتين ولنا شقيق وحيد، لهذا كانت التربية على الثقة بالنفس أساس الانطلاق لدينا.

ماذا عن حياتك الأسرية؟
لي تجربتان في الزواج، الأولى عندما تزوجت بعد تخرجي بعامين، أي عام 1994 من زوجي الأول، وأثمر هذا الزواج ولداً وبنتاً هما هادي (17 سنة) ونور (15 سنة)، وهما يدرسان في المرحلة الثانوية بإحدى المدارس الأميركية. وقبل حوالي ست سنوات حدث الانفصال بهدوء بيني وبين والدهما حرصاً على مستقبلهما، وتم الاتفاق على أن يعيش هادي ونور معي، حتى بعد زواجي الثاني من المهندس ورجل الأعمال عمر سلام، وقد أثمر هذا الزواج طفلاً عمره سنة واحدة اسمه زين. 

ما هو دور الزوج في نجاحك؟
زوجي منفتح جداً ويقدر طموحي كزوجة ويساعدني بكل قوة، ولعل هذه النظرة الإيجابية إلى المرأة تعود إلى أنه عاش في أوروبا فترة طويلة جداً مع أسرته ويحمل الجنسية الإيرلندية، وهذا ما سهل التوافق والتفاهم بيننا، لأن شخصيتي تتناسب أكثر مع الشخصيات الطموحة المنفتحة التي تقدّر دور المرأة في الحياة العملية والأسرية، وهذا ما وجدته فيه.

وما دورك في نجاح زوجك؟
زوجي خريج كلية الهندسة، وسافر بعد تخرجه مباشرة إلى إيرلندا حيث كان يعمل في شركة عالمية هي IBM لمدة 11 سنة، إلا أنه لم يكتف بذلك، وإنما درس السياحة والإرشاد السياحي، فقرر إنشاء مطعم كبير عصري، ويتفرغ لهذا المشروع الخاص، بجوار المنزل، مع السعي للتوسع فيه مستقبلاً حتى يكون له فروع مختلفة. وهنا تكاملت أحلامي مع أحلامه، فقررنا أن يكون مشروعه ومكتبي في مكان واحد بجوار منزلنا ومدارس الأولاد، فصممت الإنشاءات الخاصة بمشروعه ونفذتها بشكل عصري جداً، أثار إعجاب كل من شاهدها. وقد أدى التعاون العائلي في الواجبات الأسرية والمشاركة العملية من خلال تجاور مشروعي ومشروعه، إلى إحساسنا بأن نجاحي هو نجاحه والعكس.

ما هي المبادئ التي حرصت على تربية أولادك عليها؟
أنا مقتنعة من خلال نشأتي أن دور البيت لا بد أن يتكامل مع دور المدرسة لتحقيق منظومة «التربية والتعليم» بشكل صحيح، لهذا غرست في ولديّ الاعتماد على النفس، ويشهد كل من يعرفهما بذلك، فأعطيتهما الثقة بالنفس والاعتماد على الذات، وكأنهما منفصلان عن الأسرة، حتى تكون لديهما القدرة على اتخاذ قرارات جريئة في حياتهما بعد استشارة الأسرة.

لديك هادي ونور في سن المراهقة التي تتطلب معاملة خاصة، فكيف تتعاملين معهما في ظل انشغالك في العمل لفترة طويلة يومياً؟
وجود كل ما يتصل بالأسرة في مكان واحد ساعدني كثيراً على التواصل مع ولديَّ بشكل إيجابي، حتى أنني أعرف تفاصيل حياتهما اليومية، وهما كذلك يعرفان تفاصيل حياتي اليومية، لكن يظل لكل منا خصوصيته التي يحترمها الآخر. بمعنى أدق أنا وولداي الآن أصدقاء في هذه السن الحرجة، وأستمع إلى مشكلاتهما ويستمعان إلأى مشكلاتي ونتعاون في حل أي مشكلة، خاصةً أنهما وبشهادة الجميع ناضجان جداً، وهذا ما ساعدني على اجتياز صعوبات التعامل معهما هذه المرحلة الحرجة بنجاح، خاصةً أنني أتفهم طبيعة هذه المرحلة واختلاف الأجيال، لهذا أجعلهما يعيشان سنهما بلا تضييق أو تسيّب.

لماذا اتجهت إلى العمل الخاص؟
الحقيقة أنني أعشق العمل الحر، كما أن الأقدار لعبت دوراً في ذلك منذ ثلاث سنوات تقريباً، حين تم الزواج وحدث حمل، فقررت بالاتفاق مع زوجي التوقف موقتاً عن العمل، رغم أنني كنت مديرة إدارة في الشركة. ثم كان القرار الجريء بعد الإنجاب، وهو إنشاء شركة خاصة بي في مجال التصميم المعماري والتشطيب، وأنشأت شركة أخرى في مجال التسويق العقاري والأراضي، وهي ليست شركة سمسرة عادية، بل إنني أقوم بهذه المهمة بشكل عصري وحضاري مثلما يتم في الدول المتقدمة.

من هو مثلك الأعلى في الحياة العملية؟
الدكتور محمود الشيمي، أستاذي في كلية الهندسة جامعة القاهرة الذي كانت له بصمة كبيرة في طموحي وتصميمي على النجاح، وبعد تخرجي أصبح مثلي الأعلى المهندس الفرنسي جيرار جردينيه، فرغم أنه في السبعين من عمره، إلا أنه نشط ومنظم ومحب للحياة جداً، وهو دائم الترحال والمجيء إلى مصر، وغيرها من الدول العربية، لتصميم فنادق ومبانٍ ضخمة في مختلف المجالات، من خلال لمسة سحرية وتصميم مبتكر استفدت منه كثيراً في حياتي العملية، وعملت معه سبع سنوات وما زال هناك تعاون بيننا.


شهادة الزوج والأولاد

يؤكد الزوج المهندس عمر سلام أن تعرفه على زوجته المهندسة الطموحة هيام بسيوني نعمة كبرى من الله، لأنه من خلال حياته في الغرب لفترة طويلة، شاهد النظرة الإيجابية إلى المرأة الناجحة، وإذا كانت المقولة المأثورة «وراء كل رجل ناجح امرأة»، كذلك «وراء كل امرأة ناجحة زوج يشجعها ويقف بجانبها».
وقال: «ساعدتنا العقلية المنفتحة في تلاقي طموحاتنا في الحياة، وخاصةً بعدما رزقنا الله زين، فقررنا أن نكون معاً أطول فترة ممكنة يومياً حتى تتواصل مسيرة نجاحنا. وكان القرار الصائب هو تجميع حياتنا كلها في مكان واحد، بحيث يكون البيت والمدرسة والعمل في أماكن متجاورة يتم التنقل بينها سيراً على الأقدام، مما زاد التماسك الأسري ورعاية الأولاد وتوفير الوقت والعيش في مكان صحي، بعيداً عن زحام القاهرة، لأن الاستقرار الأسري له دور كبير في التربية الأسرية السليمة، ويساعد أفراد الأسرة على تحقيق طموحاتهم».
ويؤكد كل من هادي ونور أن أمهما هي كلمة السر والتفوق في حياتهما، وتبث فيهما روح التفوق والنبوغ وتتابعهما في حياتهما، وتستطيع تنظيم حياتها بدقة دون تعارض بين واجباتها كأمٍّ ناجحة وسيدة أعمال تتطور باستمرار وتعمل على سعادة أسرتها وتماسكها. وقد تعلّما منها النظام والحزم والتفكير السليم وعدم التسرع والتفاعل الإيجابي مع المجتمع. 


كيف يسير يوم عملك؟

بسبب عملي غير الروتيني، وبالإضافة إلى كونه عملي الخاص في التصميمات المعمارية والمقاولات والتسويق العقاري، فليس هناك برنامج روتيني محدد يومياً، بل لا يوجد يوم شبيه بالآخر. لكن بشكل عام هناك إيقاع شبه معتاد يبدأ بالاستيقاظ مبكراً لتجهيز هادي ونور للمدرسة، وبعد تحضير الفطور لهما أستريح قليلاً ثم أقوم بدوري كأم مع طفلي زين، وأحياناً بمساعدة أمي. ثم أنزل إلى عملي سواء في الموقع المعماري الذي فيه الإنشاءات أو المكتب، أو لمقابلة عملاء للاتفاق على تصميم أو إنشاء أو تشطيب أو بيع عقارات أو أراضٍ، وغيرها من الأعمال التي أمارسها من خلال الشركتين الخاصتين بي. وأحاول في كثير من الأحيان الرجوع إلى البيت منتصف اليوم لتناول الغداء مع الزوج والأولاد، والاطمئنان عليهم ومعرفة ما أخذوه في المدرسة، بالإضافة إلى المتابعة الهاتفية لهم من أي مكان أكون فيه خلال العمل. وأنا من عادتي النوم مبكراً لأستيقظ مبكراً وأبدأ يومي بنشاط وحيوية، أما زوجي عمر فإنه يرجع في وقت متأخر بسبب ظروف عمله، لهذا نحاول باستمرار الحصول على أجازات نمضيها مع الأسرة والأقارب والأصدقاء للمحافظة على الاجتماعيات.

CREDITS

تصوير : عبد الحميد عيد