أميمة الخميس: هكذا يطمس دور المرأة وتغيّب هويّتها

أميمة الخميس,المرأة السعودية,قيادة السيارة,مدارس

15 مارس 2014

يكون نجاح أي امرأة سعودية مهمّاً لأنه لا يأتي إلا بعد تخطي كل الصعاب والمسؤوليات. انطلقت أميمة الخميس من منزل أديب ومفكر كبير هو عبدالله بن خميس، رحمه الله، تقول: «ساعدني والدي في البدء لأتخطى مرحلة القلق الذي يحدق بالبعض». 
قدمت ثلاث روايات هي «البحريات» و«الوارفة» و«زيارة سجى»، وتطالب بمفتية سعودية للنساء، وتعتبر أن تسمية مدارس البنات بأرقام فيها تغييب لهويتها...

كونك ابنة الأديب عبدالله بن خميس هل ساعدك هذا على التفوّق أم جعل التحدّي أصعب؟
بالعكس، وجودي في منزل تصهل فيه القصائد والمفردات، وجدران أُثثت برفوف الكتب، وصحف تخفق أوراقها بالأركان، كان له دور بارز في نجاحي ولكن في مرحلة معيّنة عرفت أنه يجب قطع الحبل السري وأن أخوض تجربتي بشكل مستقل.

أي رواية من رواياتك هي الأقرب إلى قلبك؟
«البحريات»، ارتباك البداية وقلق التحدي. بقيت أكتبها في رأسي لسنوات، وكان لدي مسودات كثيرة  للصفحات الأولى، قبل أن أصل إلى الصيغة التي خرجتّ عليها. صدرت عام 2006 الذي كان عاصفاً بالطوفان الروائي المحلي، وصادفت صعاباً في النشر ولكن الاحتفال بها فاق تصوّراتي، ليس من جهة النقّاد فحسب بل من جهة الكثير من أفراد المجتمع. هذه الرواية لديها زاوية كبيرة في قلبي. أما «الوارفة» فكانت الدرب الروائي الذي مشيت عليه. عكست هموم المرأة العاملة في مجتمع ذكوري، لكن هذه الرواية ظُلمت لأن الجميع كانوا ينتظرون الحلقة الثانية من «البحريات»، مع أنها نجحت على المستوى النقدي أكثر من «البحريات»، ورشحت لجوائز عالمية. وأعتقد أن «زيارة سجى» هي مرحلة النضج والسيطرة على الأدوات، وتصلني الآن باقات نجاحها.

ما رأيك في نساء الشورى؟ هل أوصلن صوت المرأة السعودية؟
ما زالت تجربتهن في بدايتها، وقبل أن نسأل هذا السؤال أعتقد أنه يجب أن نسأل هل مجلس الشورى نفسه أوصل هموم المجتمع إلى أصحاب القرار والسلطات التنفيذية؟

هل أنت مع انتخابات مجلس الشورى أم ضدها؟
إذا اعتبرنا أن مجلس الشورى هو الهيئة الاشتراعيّة ضمن الدولة المدنية الحديثة، وأنها سلطة مستقلّة، فبالتالي لا بد من أن يكون المجلس منتخباً من كل أطياف المجتمع لأنه يعبّر عن هموم ذلك الشعب وتطلّعاته، عبر ممثلّين له في المجلس.

هل تسمية مدارس البنات بالأرقام هي تغييب للمرأة؟
ليس هناك أسماء لمدارس البنات بل أرقام، وهنا نرى غياب الوعي في المجتمع الذي يكمل مشواره في طمس هوية المرأة، سواء عبر تغييب شخصها أو اسمها، وأرقام مدارس البنات تندرج ضمن جو عام يسعى إلى طمس المرأة وتغييب هويتها.

لماذا انتقلتِ للكتابة من صحيفة «الجزيرة» إلى صحيفة «الرياض» رغم أن والدك هو مؤسس «الجزيرة»؟
كنت أكتب في «الرياض» بشكل منتظم بين 1990 و1993، بعدها كتبت في «الجزيرة». كتابتي ليس لها علاقة باسم والدي، إلا على مستوى الوفاء للترويسة الصحافية على الغلاف التي تحمل اسمه. عدت إلى الرياض كونها ناجحة وواسعة الانتشار، بالإضافة إلى التعامل المهني الراقي الذي تتميز به هيئة التحرير في الجريدة.

كيف تصفين قلمك في كل منهما؟
لا أستطيع أن أحدد لأنني حين أكتب، أكتب بكل إخلاص واهتمام بعيداً من النافذة التي أطل منها. ولكن في «الرياض» ومع اتساع دائرة قرّائي وتفاوت ردود الفعل، أصبحت أكثر حرصاً ودقة على المواضيع التي أكتبها. ولعل رفع سقف الحريات الصحافية نوعا ما، جعل كتابتي تتجاوز ما كنت أقدمه في السابق.

هل لك طقس معين عندما تكتبين رواية؟ وما قصة نافورة الماء التي وضعتها في مكتبك قبل كتابة «البحريات»؟
لي طقوس كثيرة، لأنني أعتقد أن الفنون لا بد من أن تحظى بتلك اللمسة الغامضة الماورائية التي تمنح النص الإبداعي عمقه وتميّزه عن المقال الصحافي، كما أنني من جماعة «الصبح إذا تنفس» أكتب في الصباح، وأشعر بأن طاقات الكون الطازجة جلبها الصباح إلى حافة نافذتي، والنافورة في مكتبي سببها أنني أردت أن تكون مفردات «البحريات» مغطسة بروح الماء.

كتابة الرواية عالم صاخب، فكيف تبحرين فيه بهدوء؟
 بالعكس فكتابة الرواية عالم مفعم بالهمسات. ويجب أن يكون الجو حولي في حالة صمت مطبق كي يتسنى لي الإنصات إلى ما تهمس به الشخصيات في أذني.

-  ما مدى رضاك عن الأندية الأدبية؟
لا يمكن تقويم الأندية الأدبية بشكل عام خارج عن الجو الثقافي، فمن جهة يوصف الأدب بأنه نشاط نخبوي، إضافة إلى أن انضواءه تحت مؤسسة رسمية يمكن أن يقولب الأنشطة تحت أسقف منخفضة، لكن هذا لا ينفي أنه مع  وجود الأندية بحد ذاتها وحتى إن طغى على نشاطاتها وعضويتها «الأكاديميون» على حساب الأدباء، فهي تظل بيتاً يحتضن مشاريع ثقافية تساهم في دعم الحركة الأدبية المحلية وإثرائها.

هل نجح مشروع القراءة مع الإناث وفشل مع الذكور؟
من الملاحظ أن الإناث أكثر ميلا إلى القراءة، لا أعرف جواباً أو تفسيراً علمياً. ولكن ربما لأن الإرث الجيني جعل الذكور في توق إلى الخارج حيث مغامرات الصيد والاكتشاف والاشتباك مع العالم الخارجي لحماية الصغار والدفاع عن السلالة، بينما النساء يتوارين في الداخل حيث الصغار والأمن والحكايات ورسوم الكهف.

الكل ينادي بالتغيير دون أن يكون هناك نص معين نتغير لأجله.
لأن النماذج الحضارية الناجحة والمؤثرة، وقائدة الرموز الحضارية، تقنية أو فكرية، هي رموز تنتمي لثقافة الآخر، الذي يقصينا عنه حواجز فكرية، ومعظم هذه الحواجز من صنع مخيلة تشعر بتهديد حقيقي لهويتها مقابل هيمنة ثقافة الآخر المنتصر، لذا يظل المشروع النهضوي على مشارفنا دون أن يدخل مرابعنا.

-  سلكت المرأة السعودية طريقها للعمل في الشورى، لكن ما زال البعض يشكك في قدرتها على المضي في العمل السياسي، فما رأيك؟
مطلب خوض المرأة غمار السياسة مسرف في تفاؤله مقارنة بوضعنا الراهن.

ألا تشعرين بأن النساء يمارسن دور المتفرج أكثر من دور اللاعب في قضاياهن وما يخصهن ومنها قيادة السيارة؟
 قضية قيادة المرأة للسيارة - رغم عدالتها - ليست القضية الأولى، ومن الأسف أن تربط حركات المرأة النضالية بقضية قيادة المرأة للسيارة. المعلمة التي تذهب إلى منطقة نائية كل يوم في رحلة استشهادية من أجل أن تحافظ على وظيفتها وتمنح عائلتها دخلاً إضافياً هي التي تمارس نضالاً يستحق أن نقف له احتراماً.

-  ألا يسبب عدم وجود ثقافة ديموقراطية بين أفراد المجتمع نشوء صراعات هي في غنى عنها؟
السبب ليس غياب الديموقراطية، فأحياناً قد تجلب الديموقراطية إلى الحكم حزباً عنصرياً وإن كان يعبر عن خيار الغالبية، كما حدث في ألمانيا النازية. الديموقراطية ليست هي الحل دائماً، بل متطلبات النماذج الحضارية المتفوقة في عصرنا كثيرة منها الديموقراطية.

بحكم عملك في وزارة التربية والتعليم، لماذا لا تقدم مؤسساتنا التعليمية الثقافة السياسية والمشاركة الشعبية في مناهجها التعليمية؟
 تركت العمل في وزارة التعليم قبل ثلاث سنوات، وتفرغت لعملي في الكتابة. وأعتقد أن وزارة التعليم لديها قائمة طويلة من الضروريات، ويبدو مطلب الثقافة السياسية ترفا بالنسبة إليها. فالمدارس بحاجة أولا إلى مبان نموذجية ولائقة وتحتوي على التقنية التعليمية التي تحترم التلاميذ الذين أصبحت أجهزتهم الذكية رفيقهم الدائم. بالإضافة إلى طاقم تدريس مدرب ومؤهل ومطّلع على آخر النظريات.

الانفتاح الإعلامي جعل البعض يكره الحرية والديموقراطية. أين يكمن الخطأ هنا؟
لا أعتقد أنهم يكرهون الديموقراطية، ولكنهم ضد الفوضى والتفلّت وتهديد الأمن العام والبعد عن القيم الإنسانية واحترام الآخرين.

نجاحك اللافت في عملك هل تقابله تضحيات من أسرتك؟
استطعت بعد مجهود أن «أعسكر» يومي،  أي أنظمه وفق جداول منضبطة دقيقة بحيث لا أبخس أي طرف حقه. بالطبع قد تحدث الكثير من التداخلات والارتباكات، ولكن أعاود محاولة الانخرط في الجدول من جديد.

بين التربية كموظفة والكتابة الصحافية كإبداع أين تجدين نفسك أكثر؟
كتبت في «ماضي مفرد مذكر»، وهو الكتاب الذي يتحدث عن تجربتي في التعليم كمعلمة، ولاحقاً كمديرة إدارة الإعلام التربوي في الوزارة: «مملكتي ليست من هذا العالم»، أعني بها مجال التعليم بصيغته الراهنة التي يغيب عنها قلق المعرفة وشوق الاكتشاف.

كيف يؤثر التعليم في تكوين شخصية المرأة؟
التعليم يأخذ النساء - وليس جميعهن - إلى مشارف الوعي، حيث تعي المرأة هويتها المستقلة. تعي ذاتها الإنسانية المحتشدة بطاقاتها وآمالها ومواهبها بصورة مستقلّة عن كونها قبعت عبر التاريخ في الغرف الخلفية لتؤدي الخدمات المساندة بصمت. وفي الوقت نفسه يجعلها تعي تموضعها داخل المجتمع.

كيف تتعايش التلميذات والمعلّمات مع المباني المتهالكة والصفوف المزدحمة والأنظمة والتعليمات المتشددة؟
تركت ميدان التعليم منذ فترة طويلة، وكانت البنى التحتية للمدارس متهالكة، ويقال إنها تغيرت الآن وهناك العديد من الإصلاحات الداخلية، والمدارس النموذجية، والمجتمع التربوي يترقب هذا بالتأكيد.

ما زالت سائدة مقولة أن مكان المرأة البيت؟
هذه المقولة باتت من التاريخ، ولا أعتقد أنه الآن مع المردود الاجتماعي والاقتصادي المتنامي للاستثمار في مواهب النساء المتعلّمات وقدراتهن سيبالي بها أحد.