يولا خليفة: 'لم يعترف مارسيل بي فنياً لأنني زوجته'

يولا خليفة,مارسيل خليفة,فنانات لبنانيّات,لبنان

05 يونيو 2013

يبدو الحوار مع يولا خليفة حالماً ومسالماً على الدوام. هو حوار امرأة هادئة كهواء ربيعي له مزاجه الخليفي البرّي والأليف في آن واحد.
لم يحمل ألبومها الثاني «آه وآه» عنوان أغنية، بل جسّد حالتها الفنية التي تفيض شجناً وتفوح ياسميناً وحبقاً وصراخاً يلوّن أزقة المسافات وأزمنة القصائد ...

- حمل عنوان الألبوم الأول «آه». هل تضاعفت مشاعرك في ألبومك الثاني «آه وآه»؟
الآه مضاعفة بشكل مقصود، وكأنها تكمل الآه السابقة والنفس الأول عبر فصل آخر مكمل. هي تنهيدة عميقة تظهر الأحاسيس ولذلك أتت متمّمة. كتبت في مقدمة الألبوم الأول أن الآهات لم تنتهِ بل ما صدر منها قليل مقارنة بالكمّ الموجود.
لا أعلم إن كانت الآهات انتهت مع هذه الأسطوانة ... بمعنى أنني سأقدم أعمالاً مختلفة لاحقاً.

- وصفت تجربتك في الألبوم الأول بالإفلات من القفص، ماذا عن الثاني؟
لم أكن مسجونة لكن كنت مطبقة على أحاسيسي ولا أسمح لها بالخروج. لقد خرجت إلى الفضاء العام مجدداً مع الألبوم الثاني. أشعر بأنني أقل خجلاً وفي حاجة إلى منح حياتي قيمة أكبر اليوم.

- ما كان خجلك السابق خصوصاً أنك فنانة منذ عام 1978، تاريخ انضمامك إلى فرقة «الميادين»؟
أنا بطبعي خجولة نتيجة تربيتي. كما أن ظروفي دفعتني إلى أداء دور المدافع عن خصوصية العائلة الفنية وحمايتها من الإستباحة.
دخلت الفن صبية صغيرة تريد تغيير العالم. كانت لي طموحات سياسية واجتماعية وفكرية وفنية في الجامعة.
وكنت متفلتة منذ الصغر ولم أكن أسيرة، لكن في سنوات معينة اتخذت قرار الإبتعاد بنفسي للتفرغ العائلي. رفضت تجزئة عطائي مناصفة بين الفن والعائلة. ولم يكن الأمر محسوماً في كل تلك المرحلة.

- هل ثمة أعمال فنية أنجزتها وبقيت في الأدراج؟                        
لم أكن موجودة في تلك الفترة، وأفاجأ أحياناً بقدرتي كإنسانة على قمع ذاتي وإقفال الأفق أمامي. لا أدرك من أين أتيت بهذه القدرة. لكنني إنسانة أخرى اليوم.

- من أنت اليوم؟
أعيش حياة جديدة، يولد الإنسان أكثر من مرة برأيي. ولدتُ مجدداً بعد مخاض أليم وعذابات، خرجت إلى النور مجدداً وأعيش أحلى لحظات حياتي.

- هل اكتملت العائلة الفنية لآل خليفة بغناء يولا خليفة خصوصاً أنك لم تحتفظي باسم عائلتك «قرياقوس»؟
لم ألغِ اسم عائلتي لكن أحمل اسم عائلة زوجي واعتبره مسؤولية. اسم عائلتي أصعب لفظاً، ولا يبدو لبنانياً (تضحك).
كان مارسيل يتقصّد ألاّ يعرف عني بيولا خليفة في الجولات الفنية، وشعرت لاحقاً بحاجتي إلى حسم الأمر. أنا يولا خليفة بعد ثلاثين عاماً من الزواج بكل بساطة.

- افتتحت ألبومك الثاني بقصيدتك الجنوبية «دعني أحبك»...
كتبت «أنا منك أنا بنت تلك البيادر»، ولدت في حي «البيادر» في جزين بجنوب لبنان. طفولتي كانت بين الصخور البيضاء وسنابل القمح حيث النورج الذي لم يعد موجوداً وبات جزءاً من التراث. حتى في ألبومي الأول ذكرت بلدتي عبر مقطوعة «صنوبر جزين».
افتتحت الألبوم الثاني بقصيدة حنين للمكان الأول لأعرّف عن هويتي. ما زلت أزور جزين لأشحن نفسي بطاقة إيجابية عبر مناظر الصخور والجبال الشاهقة وشلالها وخيرات طبيعتها. منحتني جزين ومشاويرها وعصافيرها وألوانها ذخيرة أعرف قيمتها اليوم.

- كيف ترتّب اللقاء الفني بين الأم والإبن في قصيدة «دعني أحبك»؟
لحنت هذه القصيدة لكن رامي ألّف لها موسيقى ثانية، لم يرافقني في ألحاني. أردنا أن نشكل مفاجأة، وأنا سعيدة بهذا التعاون.

- بمَ تلقبين رامي الذي يعزف على أوتار البيانو بأسلوب فريد ولا يكتفي بالمفاتيح البيضاء والسوداء؟
أثبت بيانو رامي خليفة ذكاء المبدع النابع من دراسة مع عدم الإكتفاء بالسائد، بخياله الواسع ودفء أفكاره.
يعيش رامي في مناخ حرّ، وهو مصاب بعدوى حب الإنفلات المبدع من التقليد. أحب التقليد والتراث والأغاني القديمة لكن أميل إلى التجديد.
أعتبر هذا العمل قفزة نوعية ولا يشبه أي عمل فني آخر، لمسة جديدة، نصاً وموسيقى وأداءً. وقد خدم رامي فكرتي جيداً. تصعب العلاقة مع القريب، وهي أكثر تطلباً ومسؤولية.
مسؤوليتي تجاه عائلتي أكبر من مسؤوليتي تجاه الأصدقاء مثلاً. لكنها في الوقت نفسه جميلة ومقيّدة بالحب المجاني. لم أشعر بأنني الوالدة التي تطلب من ابنها التعاون بل توجهت إليه كفنان.
المسافة ضرورية فنياً حتى مع العائلة، مع مارسيل وبشار أيضاً. لم يعاملني مارسيل كزوجة يوماً في الفن. لقد كنت في فرقة «الميادين»، وبات الأمر أصعب حين تزوجنا.
لا يمكن أن يعترف بي فنياً لأنني زوجته. كان لدي إصرار إضافي على إبراز طاقتي كفنانة. قد يكون ذلك سبب تأخر لقاء الثلاثة في ألبومي. منحوني الثقة اليوم بعدما طلبت من نفسي الكثير ولم أقدم شيئاً تقليدياً.

- كيف اختلفت كفنانة بين الألبوم الأول والثاني؟
الأسطوانة الأولى كانت كالطفل الأول، أو كاكتشاف أول، كان عفوياً وجريئاً. الألبوم الثاني أكثر جرأة. قدمت عطاء ذاتياً، كتبت نصاً وألفت لحناً، هو عمل جديد من الألف إلى الياء.
بينما استعدت أعمالاً في الألبوم الأول وقدمتها في قالب جميل وكان التسجيل حياً. أصنف ألبومي الثاني كلاسيكياً معاصراً، له مزاج واحد رغم اختلاف أمكنة إنجازه. الطابع الشرقي موجود لكنه غير تقليدي بل منفتح على التجريب والإختبار.
تعاونت مع الموسيقي بيتر هربرت في فيينا وهو معنا في فرقة «الميادين» ويحب موسيقانا. نقلت هذه التجربة عظمة الموسيقى في فيينا إلى عالم آخر. هذا الألبوم من إنتاج شركتَي Traditional Cross Roads و»نغم»..

- عبارة بشار في قصيدة «ترحال»، «يا أمي يا ألمي» مؤثرة جداً ...
بشار حبيبي أهداني هذه المقطوعة الإيقاعية وكأنها تعبّر عن قصتي معه. كتب النص ولحنه وعزف كل آلات هذه المقطوعة التي تجسد حالة الأم والإبن حيال الغربة والبعد.
هكذا نشأت على ألم أمي وفراق شقيقي المسافر الذي لا تراه. هي للأم التي تعيش حالة انتظار.
أعيش هذه الحالة وأحاول التغلب عليها بالموسيقى والفرح. أعيشها اليوم أكثر مع حرماني من أحفادي الثلاثة، إرنست وغابريال وكياندر.

- كلّهم صبية؟
نعم، أعيش وسط كبار العائلة وصغارها بسعادة.

- «عندما أحبك أمتلئ بالعصافير» وكأن هذه القصيدة متأثرة بشعر درويش...
النص للشاعرة السورية عائشة أرناؤوط. درويش موجود في خلفيتنا الثقافية، لكن لكل شاعر خصوصيته. اتجهت في هذا الألبوم أكثر إلى الشعر النسائي.

- باستثناء بشار؟
نعم، لقد راودتني هذه الفكرة منذ زمن. الرجال كثر من حولنا وفي مجتمعنا. أحب تعزيز حضور المرأة ولذلك حرصت عليه تكريماً لها.
رغبت في أن أحيط نفسي بالعازفات أيضاً والملحنات اللواتي لا يمارسن مهنة التلحين كرحاب الحلو. أعرف قسماً من الشاعرات منذ زمن، وقسم منهن يعيش في باريس.
وثمة من رحل، الشاعرة دعد حداد أخذت منها نصاً في الألبوم الأول «أنا من تحمل الزهور إليها قبرها» وفي الألبوم الثاني «وأنا طفلة». أحب شعرها وأشعر بأن كلماتها تتساقط كورق الخريف رقيقة وحساسة.

«في جناحي»
أنا من قال أنا فقالوا لن تكون
أنا، أنا، أنا
أنا الابن الوحيد لملايين النساء
كلهن هززن مهدي الصغير
وكلهن زغردن لعرسي الحزين ...

- كيف تعرّفين أخين ولات الشاعرة التي كتبت «في جناحي»؟
هي شاعرة سورية كردية تعيش في السويد، من النساء الملتزمات بقضايا المرأة والحرية والإبداع. أنحني لهذه الشاعرة. «في جناحي» من ألحان رانيا عواضة، هي للأطفال الذين يسقطون كل يوم. أحياناً أنظر إلى أحفادي وأتساءل كيف لي ألاّ أخاف وألاّ يتسلل الخوف إلى داخلي؟ يجب أن نحمي الطفولة ونرعاها ونقدم لها كل جميل، لا الحروب الطاحنة حيث يموت الأطفال من القتل المباشر.

- ما هي المدة التي كُتبت فيها النصوص؟
لم تكتب النصوص خصيصاً لي بل أخترتها من الدواوين. هي نصوص «كلنا من تراب» و»حين تلمس» لهالة محمد و»لا تنظر» لمرام المصري لأنني أعرفهما منذ زمن.

«لا تنظرْ»
لا تنظر إلى هذه الكدمة الزرقاء
ولا إلى الجرح الذي يعلو قلبي
لا تنظر إلى التجاعيد التي بدأت تحفر حول عيني
ولا إلى الشعرات البيضاء التي تنبت في رأسي
فقط لروحي... عشب آذار الجديد

- أي رجل تخاطب مرام المصري في قصيدة «لا تنظر»؟
مرام فنانة رقيقة وشاعرة حساسة ودمعتها سخية. طرحت في قصيدتها، قضية المرأة المقموعة والتي تتقدم في السن. والمقموعة لا تتوجه لمن يعنفها بل للإنسان طالبة منه أن ينظر إلى روحها المتجددة.
رغم العنف والألم تنبثق الروح على الدوام. هي موجهة للمجتمع العربي الذي لا ينصف المرأة، ولا أستثني لبنان الذي لم يمنح المرأة حقها في منح الجنسية لأبنائها.
لا قوانين تحمي المرأة، وعدم المساواة مع الرجل معيب. بلدنا جميل لكننا نشوهه، نشوّه حتى الطبيعة بالحجر وهذا مؤلم.

- ما أكثر ما يخيفك اليوم؟
العنف المخيف والتطرف، ونبذ الإختلاف الإيجابي. كيف تمكّنا من نسيان الحرب الأهلية التي ما زلنا نعاني آثارها؟ تنقلت بالأمتعة وحضنت أطفالي صغاراً وهربنا من مكان إلى مكان.
اختبرت الدمار النفسي. كنا نسكن في بيروت، وكنا ننجو بأعجوبة. لا أنسى بعض الذكريات، كان رامي يلعب على الشرفة وبعد أن ابتعد سقطت قذيفة وتكسر الزجاج حيث كان.
يعيش المواطن العربي حياة مراهق محفوفة بالمجازفة والمطبات واحتمال السقوط. لا أمان. أتساءل أحياناً لمَ لمْ أولد في فنلندا؟

- هل كان ليولد هذا الألبوم لو أنك فنلندية؟
بالطبع لا. أعرف كم أنني أنتمي إلى كل جزء في هذا الوطن، ومعجونة بهذا الوطن. لكن الواقع ظالم مقارنة مع أسلوب حياة الدول الأوروبية مثلاً.
خيار المواطن العربي بات الحياة والموت أخيراً. هل مكتوب على المواطن العربي تقديم هذه التضحيات الهائلة؟ نستحق أن نعيش أفضل بكلفة أقل. لي ثقة بهذه الحياة وبالتغيير لكن الثمن باهظ جداً.

- ماذا حققت في الأسطوانة الأولى؟
مسيرتي الذاتية كإمرأة وإنسانة وفنانة. هذا هدفي من إصدار الأعمال المنفردة. الغناء هو حجة أو وسيلة لأحقق ذاتي وتصالحي مع الحياة ومع من حولي وإعادة القوة إلى داخلي.

- هل كان مارسيل خليفة قلقاً من الأسطوانة الثانية أيضاً؟
بقي قلقاً، فهو في موقع مسؤول وحسّاس ولا يقبل الخطأ وينزع إلى المثالية. لكن خوفه تبّدد لأنني كنت على قدر المسؤولية، وتلاشى كوني مسكونة بالفن وأطمح إلى الأفضل ولا أقبل تقديم فن غير مكتمل بل مدروس وليس وليد حاجة التعبير فقط.

- لم يحضر في هذه الأسطوانة لزاماً أيضاً كما تكرّرين. ألن تقدما عملاً مشتركاً؟
اشترك ورامي في تلحين قصيدة «حين تلمس». عملنا المشترك ليس لزاماً. لقد صدرت لنا قصيدة «تعاليم حورية» في أسطوانة مارسيل الأخيرة «سقوط القمر» رغم أننا أديناها على المسرح منذ زمن.
هذا العمل مخصص لدرويش. شعر مارسيل بأن باتت لدي مؤهلات أكبر.

- ما رأيك بـ «سقوط القمر»؟
أحببت هذا الألبوم كثيراً. فمنذ فترة لم يصدر لمارسيل أعمال غنائية بل موسيقية. أحببت «ونحن نحب الحياة» و»آه يا جرحي المكابر» التي أرغب في أدائها.

- هل سيوافق مارسيل؟
طبعاً.

- هذه إجابة عائلية لا فنية...
عائلية لكن الوضع تبدّل اليوم.

- هل الفن الذي تقدمينه موجود في العالم العربي؟
هناك تجارب نادرة. ثمة أعمال فيها فلسفة مبالغة بلا نكهة. أنا مع الحرية الموسيقية ولا أحب القيود الفنية.
فالفن مفتوح على كل الاحتمالات، حتى الموسيقى التجارية رغم أنني ميالة إلى موسيقى الشعوب، الغناوة المغربية والصحراوية الموريتانية. أحب ما تقدمه الفلسطينية المتجدّدة كاميليا جبران.
تعزف على العود وصوتها جميل وغريبة في ما تغنيه. أشعر بأنها دائمة البحث. علينا أن نبحث وألاّ نكتفي بالمعروض... كذلك ريما خشيش وتانيا صالح وجاهدة وهبي وأميمة الخليل. هي دائمة البحث أيضاً لصوتها ولنفسها كإنسانة.