ظاهرة الستاند اب كوميدي في الكويت تحتكر الضحك حالياً

كوميديا, نورا العميري, مشاري البلام, مبارك المانع, عيسى العلوي, محمد الحملي, الرأي النفسي, خضر البارون, فيصل البصري, الكويت

18 مايو 2014

وسط كل الظروف الصعبة التي يعيشها الفرد العربي بسبب الأزمات السياسية والتغيرات الهائلة في اهتمامات الشارع خصوصا بعد ثورات الربيع العربي، صارت الابتسامة صفراء ذابلة والضحك من القلب ليس له محل في حياتنا اليومية مع أن ثقافة الضحك والكوميديا هي المتنفس المرح الوحيد المتاح للناس... الكوميديا الساخرة مطلوبة لكنها باتت تشهد ظاهرة من التراجع الفني في مستوى ما يقدم من أفكار واطروحات لا تلامس وجدان الناس ولا قلوبهم.  «لها» طرحت قضية تراجع الكوميديا باحثة عن الأسباب عند أهل الكوميديا وعند الاختصاصيين الاجتماعيين.


نورا العميري

رأت الفنانة نورا العميري أن الناس في حالة تعطش للكوميديا بصورتها الراقية والايجابية، والتي تعبّر عن أحلام البشر ومشاكلهم بصورة أو بأخرى. وقالت: «رغم الإقبال على الأعمال الكوميديا إلا ان الأمر ليس سهلاً من ناحية تقديمه، فهناك مشكلة في النصوص والأفكار الجيدة التي يمكن تقديمها وتضحك الناس، حتى صار المسرح الكوميدي فقيراً».
وعن صعوبة تقديمها لأدوار كوميدية، قالت: «قلة من الكتاب قد يعطون الممثلات أدواراً كوميدية وشخصياً واجهت هذا الأمر، مما يجعل القوالب الكوميدية تنحصر في الشباب. حتى أنه  لدينا في الخليج يقوم الممثلون بالأدوار النسائية، وبهذا يتم الاستغناء عن وجود الممثلة في العمل الكوميدي».
وأشادت بالدور الذي لعبه وقوفها أمام مدرسة كبيرة مثل طارق العلي مما جعلها أكثر جرأة.


مشاري البلام

الفنان مشاري البلام قال: «أنا حالياً بعيد عن الكوميديا، بسبب فقداني الحماسة للعمل الكوميدي حيث من السهل أن تبكي الناس لكن من الصعب أن تضحكهم، ولا أرى في النصوص التي تعرض عليّ ما هو جيد أو كوميدي حقيقي حتى أتحمس وأقدمه. وشخصياً أحب الكوميديا حتى في الدراما والتي تعتمد على الموقف وتكون ضمن السياق الدرامي للعمل ومتوافقة معه، لا دخيلة عليه، لأنني لا أحب فكرة أن أستدر الضحكات من الجمهور لأنها ستكون ضحكات بلهاء ليس لها قيمة على الإطلاق».
وحول تفسيره لقلة الأعمال الكوميدية التي تقدم، قال: «لا أعرف أين تكمن المشكلة الحقيقية أو ما هي  الأزمة، ولكن بات من الواضح أن الأعمال الدرامية هي الطاغية ولها حصة الأسد. يبدو إن حالة الحزن تتمدد والناس تفضل البكاء على الضحك، وذلك بعد أن عشنا فترة كانت الكوميديا هي المتسيّدة في الساحة، لكنها الآن تنحسر على مستوى الوطن العربي الغارق في مآسيه. والأمر في النهاية بالنسبة إلى المنتجين والفضائيات هو سوق يعتمد على العرض والطلب».


مبارك المانع

من جانبه، قال الفنان مبارك المانع: «إذا نظرنا إلى الأمر من زاوية فنية بحتة أو من ناحية الفنان أو الممثل سنجد أن توهج الكوميديا يعتمد أساسا على الكاريزما، وهناك فنانون لديهم كاريزما عالية على المسرح ولكنهم لا يمتلكون الحس الكوميدي،  في حين نجد فنانين شباباً يمتلكون الحس الكوميدي ومنهم متخرجون وطلاب في المعهد العالي للفنون المسرحية لكنهم يعانون الخوف لحظة اعتلاء خشبة المسرح. وباعتقادي أن مشكلة هذا الجيل الأساسية هي غياب الفرص الحقيقية التي يتقدمون من خلالها في هذا الفن الصعب ليحققوا نجوميتهم فيه». وأكد أن الجمهور العربي صار يعي قضايا أمته ويعيش همومها ولن يضحك ببلاهة على أقل حركة أو كلمة تقال على خشبة المسرح، أو في فيلم أو مسلسل. وأكمل موضحا: «بالنسبة إلى مهمة رسم الابتسامة  وإضحاك الجمهور فلا اعتبر أنها أمر سهل أو صعب إلا حين أقوّم الأمر حسب نوعية الجمهور الحاضر، فإذا كان اغلبهم من فئة عمرية كبيرة ستختلف ردة فعلهم عن من هم أصغر منهم في العمر، وما قد يضحك الجيل الأكبر قد لا يضحك الشباب والعكس صحيح، ولهذا فالأمر يتطلب ميزاناً وحساسية خاصة من الفنان ليوازن بين الرسالة التي يحملها العمل وفي الوقت نفسه يراعي مسألة إضحاك الناس وإسعادهم».
وحول النظرة الاجتماعية التي تعتبر ممثلي الكوميديا أقرب إلى «أرجوزات» و«مهرجين»، قال المانع : «الكوميديا فن راقٍ وعلم له أصول، ولا يستطيع أي شخص أن يخرج ويقدم ما عنده إلا وفق قواعد واضحة وإلا فلن يتقبله الناس، كما عليه أن يأخذ الخطوط الحمراء في عين الاعتبار وألا يتخطاها حتى لا يقع في المحظور، فالكثير من الأشياء التي قد تقال في الحياة لا تنقل على الخشبة وتلقى أمام الجمهور».
وعن تفسيره لقلّة عدد الفنانات الكوميديات، قال: «أعتقد عموما أن الفنانات يتحسسن من الكوميديا،  ويخفن الظهور بصورة قد لا يتقبلها الجمهور».


عيسى العلوي

أما المنتج عيسى العلوي فقال: «الابتسامة هي جزء من حياتنا والروح تطلبها، ولكن لكل مجتهد نصيب والممثلون يجتهدون، وفي النهاية لكل شخص وجهة نظر يجب أن تحترم، وكل شيء يصعد نجمه ثم يأفل. ولا أقول إن الكوميديا ممكن أن تأفل في يوم ما بل ستظل متوهجة حسب الوضع السياسي في العالم العربي، فحين تكون هناك مجزرة في سورية أو مصر فالناس لن تستطيع الذهاب إلى المسرح لتضحك أو تغير الريموت كونترول من القنوات الإخبارية لمتابعة عمل كوميدي، فمشاعر الناس ووجدانهم مرتبطة بالحدث في كل مكان في الوطن العربي الكبير».
وأضاف: «رغم ذلك نحن ندعم الابتسامة لنخفف عن الناس مشاهد الدماء والحروب،  ونحن ندعم الكثير من الشباب الموجودين اليوم على الساحة الفنية ليقدموا أفضل مالديهم من طاقات وقدرات في مجال الكوميديا، ومن ثم تكون الكرة في ملعبهم في ما يخص عملية أثبات مواهبهم وبروزهم ويعتمد ذلك على اختياراتهم».


محمد الحملي

وقال الفنان محمد الحملي: «الاتجاه إلى الكوميديا موجود والكوميديا تظل مطلب الناس ومعشوقتهم، وهناك أكثر من عمل يتم تحضيره حاليا من قبل الفنانين الكوميديين، ولكن الكوميديا تحتاج إلى عناية دائمة لأهدافها النبيلة ورعاية في أشكالها الفنية وأن تقدم بطريقة صحيحة لا عبر المدرسة التقليدية التي انتهت مع الزمن. وحتى المنتج عليه العبء الأكبر بحيث يدرس العمل الكوميدي جيدا لتقديمه بصورة كاملة ووافية». أضاف: «أرى أن الشباب الكويتي  فقد الثقة التي يريدها من الجهات الداعمة التي تبخل في إعطائه فرصة.  لا تفهموا أنني أشعر باليأس  بل أؤمن بأن القادم أفضل، وأرى أنني كمواطن في هذه الدولة أريد أن أعطي الكثير ولكن أرى أن هناك من يقف ضدي، وهناك مافيات تقف بين عطائي وبين دولتي. وعندما أحصل على جوائز فهي في النهاية ستكون باسم الكويت. ويفترض أن نكون محل ثقة ولدينا رقابة ذاتية، ونحن فنانون نسعى إلى المحافظة  على اسمنا، ولكن الإداري الذي يحكم على عملنا وأفكارنا لم يدرس الفن وليس له علاقة بالفن وهذا في كل المجالات». واختتم الحملي، حديثه قائلاً: «الجمهور وفيّ للكوميديا يحبها ويتتبعها، لكن جزءاً من المشكلة أنه لا يوجد لدينا دور عرض مستمرة، فهي محدودة بإمكانات فقيرة لا تليق بالحضور، هذا بخلاف أسعار المسارح وأجور الفنانين، ولهذا يسهل علينا أن نقدم عروضنا خارج الكويت».


رأي الطب النفسي خضر البارون: الناس تريد الترفيه

الطبيب النفسي خضر البارون قال: «لا شك ان الضحك بات المتنفس الوحيد أمام الإنسان حتى يبتعد عن كل تعاسة الغم والنكد والضغوط التي يعيشها يومياً والمصاعب التي يواجهها، وعندما لا يجد من يضحك معه على المستوى الشخصي فإنه يبحث عن الضحك. وهناك من يذهب لمشاهدة مسرحية حتى يضحك ليرفّه عن نفسه، وهناك من يبحث عن برنامج كوميدي في المحطات  الفضائية، بل إن البعض متعطش للضحك بحيث أنه حتى لو حدث أمامه موقف تافه أو طريف إلى حد ما فإنه قد يدخل في نوبة ضحك، لأنه من داخله لديه الرغبة الملحة في ذلك، ويريد أن يضحك ويرفّه عن نفسه وسط متطلبات الحياة التي لم تعد بسيطة كما كانت في السابق، في ظل عدم المساواة الموجود  في المجتمع من نواحٍ اقتصادية واجتماعية وغيرها من ضغوط العمل».
وأكمل قائلاً: «إذا كان هناك من يريد وظيفة فإنه يحتاج إلى مئات الواسطات لينجح في الحصول عليها، وحتى لو أراد المرء أن يُنشئ مشروعاً خاصاً به سيواجه العقبات والعراقيل ويحتاج الى واسطات كثيرة،  لأن سوق التنافس صعب جداً. وأمام واقع كئيب لايحقق أحلامه يمارس الهروب من الإحباط و يريد ان يرفّه عن نفسه بأي  صورة. ومن الخطأ  صحيا وطبيا ان يعيش الإنسان حياة جادة كل الوقت من دون ترفيه أو روحانية تؤدي إلى الاسترخاء، وهذا الأمر صحي لا بد منه». أضاف: «ما يحدث من تراجيديا واقعية ومجازر وأحداث مأسوية بعد الثورات في البلدان العربية، أدى إلى تراجع الاهتمام بالكوميديا لأن الضحك يناقض ما يحدث في العالم. لكن هذا يزيد الضغط النفسي والعبء العصبي عند الناس، ولهذا صار الكل يشتكي من العصبية الزائدة في تصرفاته... وبرزت ظاهرة الشباب (ستاند أب كوميديانز) الكويتيين الذين يقدمون عروضاً كوميدية ساخرة، كما أن الناس صاروا يتبادلون مقاطع من صنعهم  ومن بيوتهم ومحيطهم العائلي ومواقفهم الشخصية تدور في قالب كوميدي على مواقع التواصل الاجتماعي ليضحكوا الناس، والأمر لم يعد خاضعاً  لمعايير فنية بقدر ما بات الضحك من أجل الضحك».


فيصل البصري الستاند أب كوميديان الأول

في بحث الكويتيين عن الضحك بعيداً عن الهموم والضغوط وفي البحث عن سعادة تبعث على الأمل والراحة، برزت ظاهرة جمهور يتابع عروض ونجوم الستاند اب كوميدي الشهيرة في اميركا وأوروبا.
يعتبر الشاب فيصل البصري الستاند أب كوميديان الأول في الكويت حسب الأرقام وأعداد المتابعين التي تتابع حساباته على تويتر وإنستغرام، وكان هو الكويتي الاكثر شعبية في شبكة التواصل الاجتماعي حسب استفتاء صحيفة «الوطن». وامتد نشاط البصري إلى يوتيوب عبر برنامج بعنوان «هاااا شو»، وهو برنامج كوميدي ساخر حظي بنسبة متابعة عالية. إلا أنه توقف عن تقديم البرنامج «لأني لم أستطع إكماله لظروف عملي وصعوبة تسجيل الحلقات وكتابتها».
واتجه لتقديم عروض ستاند اب كوميدي مباشرة للجمهور، فيها الكثير من السخونة السياسية والجرأة الاجتماعية بنقد قاسٍ إلا إنه مضحك للغاية، وبلغت قيمة تذكرته 100 دينار وبإقبال كبير. ويقدم في عروضه انتقادات كوميدية للواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الكويت  بمشاركة زملاء آخرين من بينهم شيخة الخالدي، وهي الفتاة الكويتية الوحيدة التي تشارك في عروض الستاند اب كوميدي، وكذلك نجوم من السعودية .
ومع أن الكويت كان لها الصدارة في المجالات الفنية إلا أن المتابع لساحة الستاند أب كوميدي يلاحظ تفوّق دول الخليج الأخرى في هذا الفن. وعلل فيصل البصري ذلك بقوله: «ليس ثمة دعم لجميع المجالات الفنية في الكويت. الدعم مقتصر على المسلسلات غير الهادفة».