ظاهرة منتشرة في السعودية 'الإيمو'...

الإيمو, السعودية, اضطرابات نفسية, الشيخ د. محمد النجيمي, الدكتور ماجد الفهد

17 مايو 2014

ظلال عيون داكنة، زي غريب قد يشبه أحد الملابس التنكرية، أقراط في مختلف أنحاء الجسم، وشوم ذات شعارات غريبة، قصات شعر لافتة، مظهر شاذ بكل المقاييس. إنها فئة تطلق على نفسها «الإيمو» والتي نشأت مع بداية الثمانينات، وترتبط بشكل وثيق بموسيقى «الروك أند رول»، وهذا المسمى مشتق من كلمة (Emotion) التي تعني العاطفة، وقد اتخذ «الإيمو» هذا المسمى للانغماس بسوداوية في تيار الحزن والمعاناة والانعزال. برغم من انتشار هذة الفئة في الغرب، فإن هناك تزايداً ملحوظاً لهذه الظاهرة في أوساط الشباب والفتيات في السعودية... «لها» تحقق.


غربتي شجعتني على تغيير مظهري

الغربة والشعور بالوحدة والانعزال، والرغبة في تكوين صداقات، دفعت حازم جمال (23 عاماً)، إلى تغيير مظهره كليا، فهوسه المفرط بموسيقى الروك الصاخبة، مع بعض عواطف الحزن والوحدة، ترجمها على شكله الخارجي، فثقب إحدى وجنتيه وأذنه، مع بعض الوشوم، وتغيير تسريحة الشعر وأسلوب الملابس. وقد ساعدته غربته في بلاد غير عربية على تقبّل الناس له على هذا النحو، فهو يرى أن مظهره يعكس مشاعره وعواطفه التي من حقه أن يعبّر عنها بالطريقة التي يريد. ورغم اقتناعه التام بمظهره فإنه عند عودته في إجازات إلى عائلته يعيد مظهره إلى ما كان عليه سابقا، تفادياً لانتقاد والديه وأقاربه.


أنظمة المدرسة تحدّ من حريتها وتتلهف لدخول الجامعة

موسيقى الروك وما تتضمنه من كلمات تلمس مشاعر الغضب والحزن، لمست كيان بيان جهاد طالبة الثانوية التي تبلغ من العمر 17 عاما، والتي دفعها تقلّب مزاجها وبعض التجارب العاطفية السيئة، إلى إدمان سماع تلك الأغاني، وتقمّص أفكار مغنيها وأشكالهم. ورغم معارضة أسرتها لثقب شفتيها، إلا أن إصرارها على ذلك وضعهم تحت الأمر الواقع. وهي ترى أن مظهرها الغريب، وشعرها الداكن والمقصوص على طريقة «الإيمو»، وطريقة وضعها لكحل العيون، تجعلها مميزة وسط صديقاتها، ولكن مضايقة المعلمات لها في المدرسة تعكّر عليها مزاجها وتحدّ من حريتها، لذلك تحاول دوما الاختباء من تحت أنظار المعلمات، وتتلهف لدخول الجامعة حيث ستتاح لها فرصة الحصول على حرية أكبر.


مظهر«الإيمو» خاص للحفلات

أما طالبة الجامعة ناريمان محمد (22 عاماً) فتقول إن تشويه وجهها وجسمها بثقب أو بوشم، أو صبغ شعرها بصبغة دائمة، مرفوض من عائلتها، لذلك اشترت حلقاً ممغنطاً يمكن وضعه دون الحاجة إلى ثقب. وكذلك تملك ملصقات للجسم يمكن وضعها وإزالتها وقت ما تشاء، وطلبت حديثاً خصلاً مستعارة باللون الأزرق لتضعها بشكل موقت. وهي ترى أن كل جيل يختلف عن الجيل الذي قبله من ناحية الموضة والمظهر، فكما كانت موضة «الشارلستون» رائجة ومنتقدة وقتها، ترى أن مظهر«الإيمو» هو الرائج حاليا في أوساط الفتيات.


التهاب حاد سبّبته محاولة طالبة ثقب أذن طالبة أخرى

ولعل ظاهرة التشكّل بمظهر «الإيمو» تشكل عدوى تتزايد بين أوساط الطالبات في المدارس وحتى الجامعات، فالطالبة سوزان أشرف (16 عاماً)  التي لا تزال في المرحلة الثانوية، ذهبت إلى المستشفى إثر التهاب حاد في أذنها نجم عن تهورها وطلبها من إحدى صديقاتها ثقب أذنها، باستخدام الإبرة والثلج. فصديقتها التي اعتادت فعل ذلك لم تتوقع أن تكون حالة سوزان مختلفة، فبعد أن وضعت لها الثلج لتخدير المكان، وثقبت أذنها بالإبرة، شعرت سوزان بعدها بساعات بحرارة وانتفاخ واحمرار في المنطقة، مع صديد، إضافة إلى ألم لا يحتمل، ومن بعدها لم تعد تفكر في ثقب أذنها على الإطلاق.


تسريحة» الإيمو» تتلف الشعر

وعن القصات الغريبة وألوان الشعر اللافتة، تقول سميرة الجنيدي (31 عاماً) مصففة الشعر في أحد صالونات التجميل في جدة: «هناك إقبال متزايد من الفتيات والمراهقات على قصة شعر«الإيمو»، وصبغات الشعر الملونة بألوان غريبة مثل الأزرق والأحمر والبنفسجي والأخضر. اتعجّب من موافقة أهالي هؤلاء الفتيات على تشويهه منظر شعر بناتهن بتلك القَصّة، والتي تقتضي تشفير النصف الأمامي لشعر الرأس بشكل قصير وعشوائي، مع محاولة  «تنفيشه»، أو تسريحه بالعكس، للحصول على حجم أكبر للشعر، وترك النصف الخلفي طويل ومنسدل، مع صبغة الأطراف، أو خصل باللون الذي تريده، وصبغ هذه الألوان الغريبة يتطلب أولا تفتيح لون الشعر لدرجة تقارب اللون الأبيض. وهذه العملية بلا شك تتلف الشعر، ولا يفترض أن يُسمح لبنات مراهقات لم تتجاوز أعمارهن 16 عاماً بالإقدام على هذه الخطوة المتهورة».


 سلوكيات «الإيمو» تترجم الألم النفسي على الشكل الخارجي وإيذاء النفس

تشير الدكتورة بيان الواعظ استشارية في طب الأسرة على كون «الإيمو» فئة تتعمق بشكل كبير في مشاعرها، فهم فئة حساسة جدا، وأحيانا خجولة وصامتة، وغالبا ما تعاني من الحزن والاكتئاب. ويأتي هذا التأثر بفعل الأغاني الصاخبة التي تؤثر جدا على سلوك هذه الفئة وميولها، فترى الفتاة أو الشاب يحاكي ويتقمّص شخصية مغني الروك المشهور، ويقلد شكله وحتى أحياناً بعض سلوكياته، وكل ذلك في إطار لفت الأنظار، وترجمة الحالة العاطفية على الشكل والسلوك، وهذا بالتأكيد ناجم عن الكبت والحرمان العاطفي التي يعاني منها هؤلاء الشباب والمراهقون، فيكتسون السواد، ويضعون الكثير من المساحيق والظلال الغامقة، ويرتدون الملابس الخارجة عن المألوف، مع ثقب أجزاء من الجسم. وأوضحت الواعظ أن ثقافة هذه الفئة تتمحور حول ترجمة مشاعر الغضب والألم النفسي على الجسد، فترى الكثيرين منهم يجرحون أنفسهم عمدا وبالذات في منطقة الرسغ. وبالتأكيد فإن الانغماس في هذه الحالة قد يؤدي بدون شك إلى وجود دوافع انتحارية وإيذاء عند هذه الفئة، وتكمن الخطورة أيضا في امتلاك هذه الفئة غالباً ميولاً غير سوية. ومن المعروف عنهم أنهم ينادون بالجنس الثالت، وهذه خطورة لكونها تنتشر كالعدوى بين المراهقين والمراهقات.
وترى الواعظ أن سبب لجوئهم إلى هذه السلوكيات يعود إلى بيئة المنزل التي قد تكون غير مشجعة، ولا تحتوي المراهقين الذين يمرون بفترة عصيبة من التأجج العاطفي. وكذلك هناك لوم على المدرسة والجامعة التي تركز بشكل أساسي على التحصيل والتلقين دون الاهتمام بصقل مواهب هؤلاء الشباب ومهاراتهم، كذلك دون فرض نظام حماية يحمي هؤلاء الفتيات أو الشبان من الانقياد إلى تلك الثقافة. وأضافت أن طريقة التعامل مع الشاب أو الفتاة «الإيمو» في المدرسة أو الجامعة غالباً ما تتخذ أسلوب إهانة أو توبيخ أو نصيحة تلقينية، وهذا بالتأكيد ينعكس سلباً. فهذه الفئة بحاجة إلى اهتمام نفسي، وأحياننا علاج، والنظر إلى حالة هذا الشاب أو الفتاة الاجتماعية وسط الأسرة.

 

الاكتئاب له علاقة مباشرة بإزدياد ظاهرة «الإيمو»

وتلفت الدكتورة الواعظ النظر إلى دراسة أشرفت عليها قبل ثلاثل سنوات، وكانت تحت رعاية البرنامج المشترك لطب الأسرة، وأُخذت فيها عينة من طالبات المدارس الثانوية والمتوسطة من مختلف مناطق جدة، والتي شملت تقريبا ألف فتاة عبّأن استبيانات كان هدفها الكشف عن معدل الاكتئاب لدى الفتيات. وقد تم استخدام معدل مقياس عالمي يسمى «مقياس بك للإكتئاب»، وجرى بعدها جمع العينات بسرية تامة وإحصاؤها، وربطها بمسببات مهمة أهمها وفاة الأم أو الأب، والعنف الأسري، والتحرش الجنسي. وخلصت نتائج الدراسة إلى وجود نسبة 15.8 في المئة لديهم أعراض اكتئاب حاد، و 39.6 في المئة لديهم اكتئاب متوسط، و19 في المئة من لديهم اكتئاب خفيف أو مبكر. ولوحظ  من خلال الدراسة أن نسبة الاكتئاب ترتفع عند الفتيات اللواتي فقدن أحد والديهم أو تعرضوا لعنف أسري، كما ينخفض معدل الاكتئاب لدى الطالبات اللواتي لديهن نشاطات رياضية ومواهب. وتعد هذه النسبة التي كشفت عنها الدراسة نسبة مرتفعة مقارنة ببلدان أخرى مثل عُمان والسودان وتركيا، وهذا بلا شك له ارتباط وثيق جدا بانتشار ظاهرة «الإيمو» في أوساط المدارس والجامعات.
و كشفت دراسة علمية صادرة عن جامعة الأميرة نورة في الرياض وشاركت فيها الدكتورة لطيفة الشعلان، والدكتورة نورة القضيب، والدكتورة الجوهرة الصقية، إنتشار ثقافة «الإيمو» كثقافة فرعية بين طالبات الجامعات في السعودية. وقد أجريت الدراسة على 1275 طالبة من فئة «الإيمو»، وتبيّن أن فكرة الانتحار موجودة لدى البعض منهن لإنهاء معاناتهن في الحياة، كما يسود اعتقاد واسع بينهن أن الحياة لا فائدة منها، وأن الموسيقى تساهم في التخفيف عن مشاعرهن.


جذب الأنظار يوهم «الأيمو» بالتميّز والخروج عن المألوف

يرى الدكتور ماجد الفهد المستشار الإجتماعي والقانوني إن سلوك «الإيمو» ومظهرهم الخارج عن المألوف، ينساق إليهما الشباب والفتيات بدافع لفت النظر وجلب الاهتمام. فمعظم هؤلاء الشباب والفتيات يتخذون هذا السلوك أو يتحلون بهذا المظهر الشاذ، لشعورهم بعدم اهتمام الناس بهم، وقد يكون أيضا تأثير الأصدقاء، والانخراط في الثقافة الأجنبية، وإعجابهم بها بطريقة ما ، دفعتهم للتحلّي بهذا المظهر. «وأعتقد أن معظم أفراد هذه الفئة يفتقرون إلى الصفاء الروحي، المتمثل بالعبادات والصلاة  والأذكار بشكل أخص. وينعدم دور الأهل الذي يجب أن يهتم بالجوانب النفسية لهذا المراهق أو الشاب الذي يفتقر إلى الثقة بالنفس، كون ذلك مهماً لجعل الفرد مرتبطاً بالمجتمع، ومن ثم الأسرة». ويشدد الدكتور الفهد على كون دور المدرسة والجامعة رئيسياً لمحاربة هذه المظاهر والسلوكيات الشاذة.


تشخيص وعلاج نفسي وشرعي

يرى الشيخ الدكتور محمد النجيمي الأستاذ المشارك في المعهد العالي للقضاء، وعضو مجمع الفقه الإسلامي، أن إجراء دراسات تكشف هذه الظواهر في أوساط المدارس والجامعات، وتعطي فرضيات لمسبباتها، وتقترح حلول لعلاجها، هي الخطوة الأولى للعلاج. «كما أن هناك ضرورة لدفع المدراس إلى دعم منهج تربوي وتثقيفي يزيد وعي الطلاب والطالبات بالثقافة الإسلامية، بطرق عملية ومحببة لا تعتمد على التلقين النظري. وأعتقد أن هؤلاء الشباب الذين يمرون بحالة نفسية سيئة يعبّرون عنها بمظهر أو سلوك خارج عن المألوف هم بحاجة إلى تشخيص  وعلاج نفسي دقيق أولا، ومن ثم اللجوء إلى العلاج الشرعي المكمل».