ظاهرة الانتحار تنتشر بين النساء أكثر من الرجال في فلسطين

إنتحار, الدين, فلسطين, ظاهرة

07 يونيو 2014

لوحظ في الفترة الأخيرة انتشار ظاهرة الانتحار في المجتمع الفلسطيني، إذ أقدم شاب على الانتحار في محافظة طولكرم فألقى نفسه في قناة مياه بسبب وضعه الاقتصادي السيّئ، فيما أقدم شاب آخر  في محافظة الخليل على شنق نفسه بعدما تركته خطيبته. وتختلف أسباب الانتحار والأعمار التي تقدم عليه من مجتمع إلى آخر، وتتعدد أساليبه بين الشنق وتناول الأدوية وغيرها. وللإطلاع على أسباب ظاهرة الانتحار في فلسطين أجرينا هذه الحوارات مع الجهات المختصة.
 

قال الاختصاصي في علم النفس محمد العوري عن الأسباب التي تدفع الإنسان للانتحار: «الانتحار ظاهرة غير طبيعية انتشرت في مجتمعنا الفلسطيني بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة نتيجة دوافع معينة يمر بها الشخص تحفزه على الوصول إلى مرحلة الإقدام على الانتحار، مما يعني أن الوصول إلى هذه المرحلة ليس صدفة ولكن نتيجة تراكمات يمر فيها الإنسان». وأضاف: «من الأسباب المؤدية إلى الانتحار، الأسباب الاقتصادية كانتشار الفقر في فلسطين، وعدم وجود فرص عمل بشكل ملحوظ في ظل وجود أسر تحتاج إلى العديد من المتطلبات. ويصل رب الأسرة إلى مرحلة لا يستطيع أن يتحمل كل المسؤوليات المالية العائلية فيكون الانتحار وسيلة لإراحته من هذا الواقع الصعب الذي يعيش فيه. وهناك الأسباب النفسية. فكثير من الأشخاص الذين يعانون أمراضاُ نفسية مزمنة مثل الفصام العقلي لا يملكون الوعي ويحملون بعض الأفكار غير المنطقية التي تدعو هذا الشخص إلى قتل نفسه».

وأشار العوري إلى أن الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية هي مسببات أخرى لإقدام الانسان على الانتحار قائلاً: «تعمل هذه الأوضاع كلها على التأثير في الشخص للوصول إلى مرحلة الانتحار لأن الإنسان يتأثر بالبيئة التي يعيش فيها. فإذا كانت البيئة سليمة سينعكس هذا الأمر بشكل ايجابي على الشخص، أما إذا كانت مضطربة فستنعكس بشكل سلبي عليه. وهناك أيضاً ضعف الإيمان الديني، ونحن نعلم أن إنهاء حياة إنسان معيّن أمر مرفوض في الدين والمنطق والعقل».

وأوضح أن مسألة الانتحار تختلف من دولة إلى أخرى فقال: «إن الانتحار يختلف من مجتمع إلى آخر. في المجتمعات الاسكندينافية كالنروج والسويد والدنمارك، ترتفع نسبة الانتحار رغم أن كل الأمور التي يحتاجها الإنسان متوافرة هناك ولكن موضوع الانتحار لديهم يأتي كوسيلة للبحث عن ماهية الموت وتجربته. وإذا قارنّا هذا الموضوع مع مجتمعنا الفلسطيني فسنجد أنه مختلف.  وحتى نبحث في موضوع الانتحار يجب أن ننظر إلى السياق الاجتماعي الثقافي قبل التحدث عن الأسباب لأن كل مجتمع لديه أسبابه وظروفه. هناك جزء من الناس يتكيّف مع الظروف ويبحث عن حلول واقعية كي يساعد نفسه للخروج من الأزمة التي يمرّ بها وهناك جزء آخر لا يستطيع التحمل فيصل إلى مرحلة الإحباط ويقدم على الانتحار».

وتطرق العوري إلى دور الأسرة فقال: «إن الأسرة هي الحلقة الأولى التي ينشأ فيها الشخص والتي يتطور خلالها، لذلك يكون للأسرة الدّور الأكبر في ملاحظة سلوك الأولاد، فإذا لاحظت أن هناك سلوكاً مضطرباً فعليها التعامل معه بشكل جدّي ومتابعته مع طبيب نفسيّ لأنه قد يكون مقدمة لتصرّفات أخطر قد تصل إلى وضع حد لحياته أو لأحد أفراد العائلة». وتابع: «للأسف لمجتمعنا نظرة سلبية إلى استشارة طبيب النفسي ويصفون الشخص بالمجنون. يجب على الأسرة تحفيز هذا الشخص لزيارة الطبيب النفسي وكسر الحواجز التي يضعها المجتمع».

أما عن وجود سن معينة للانتحار فقال: «لا يوجد سن معينة لأن مسألة الانتحار فردية ومرتبطة بشخصية الشّخص والظروف التي يمر بها».

أما عن تقليد بعض الممثّلين الذين ينتحرون في المسلسلات فقال: «أثناء بث مسلسل «باب الحارة»، التقيت عدداً من الأساتذة والمرشدين النفسيين الذين أكدوا أن كثيراً من الأطفال يحضرون معهم السكاكين إلى المدارس ويحاولون تقليد أبو شهاب أو أبو النار، وحدثت بعض الاعتداءات، لكن الولد  لا يدرك حقيقة الموضوع، وإذا تطوّرت تصرّفاته قد يصل  إلى مصير مجهول».

وتكلّم عن الأشخاص الذين يردّدون جملة أنه سينتحرون، وقال: «هؤلاء الأشخاص يعانون اضطرابات نفسية، وإذا كان طفل يعاني إهمال والديه سيشعر بالتهميش والنقص وسيحاول أن يفعل أشياء كثيرة ليلفت الانتباه، منهم من يدّعي المرض، وآخرون يلجأون إلى سلوك أخطر مثل الإقدام على الانتحار. لدينا أشخاص يعانون إضرابات نفسية، وفي الجلسات يصرّحون بنيّة الانتحار ليوصلوا رسالة لأحد الأشخاص. هنا يجب أن أوجد جواً من الصراحة والثقة بيني وبين المريض لأفهم الأسباب التي جعلته يفكر بهذه الطريقة».

ومن جهتها، أشارت المستشارة القانونية لمحافظة رام الله والبيرة وعضو الهيئة الإدارة لطاقم شؤون المرأة الدكتورة أريج عودة إلى موضع الانتحار وقالت: «لا أعتقد أن هناك نسبة كبيرة بين النساء ولكن هناك الكثير من عمليات قتل النساء على خلفية الشرف ومنها حالات كانت مظلومة، ولكن في ما يتعلّق بموضوع الانتحار لا أعتقد أن نسبة من يقدمن على الانتحار كبيرة لأن هذه القضية متعلقة بالوعي الديني ولا يزال المجتمع المسلم يعتبر أن قتل النفس حرام، وبالتالي قد لا تلجأ نساء كثيرات إلى الانتحار وأعتقد أنني اذا وجدت حالات كهذه فإنني سأربط أسبابها بالهروب من مواجهة الواقع، لأن عندما تنفذ السبل أمام المرأة تلجأ إلى الهروب أكثر من إقدامها على الانتحار».

وأضافت: «نسبة النساء اللواتي يُقتلن هي أكبر من نسبة اللواتي يقتلن أنفسهن، بالإضافة إلى قصص نساء أجبرن على الانتحار كي لا يتحمل الأهل أي عقوبة».

وأوضحت تقارير سابقة صدرت عن إدارة التخطيط والبحوث في الشرطة الفلسطينية في الضفة الغربية أن نسبة محاولات الانتحار في الضفة الغربية قد سجلت ارتفاعاً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، وأن نسبة الفتيات اللواتي يحاولن الانتحار أعلى من نسبة الشباب، الأمر الذي بات يقلق الكثير من المسؤولين حول الدوافع الحقيقة وراء هذا الأمر. وتوضح اللقاءات السابقة أن موضوع الانتحار في فلسطين بات ملحوظاً في الآونة الأخيرة ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى العامل الاقتصادي، ولكن يبقى الوعي الديني عاملاً مهماً في منع الذين يفكرون الانتحار من الإقدام عليه.