من البخار إلى الديزل إلى الكهرباء، من شبكة سكك الحديد المنسابة في أحضان الطبيعة بكل وجوهها إلى جوف الأرض وبطن البحر يخترق الأنفاق، ويعود ليخرج ويتوقف عند محطّاته حيث الركاب يراقبون الوقت ويصغون إلى هدير عجلاته، تعلمهم بقدومه وضرورة تأبهم لركوبه.
للقطار حكاياته منذ أن أطلق صفّارته الأولى عام 1814 وسار على سكّته، وكما كان له دور عظيم في حياة الناس العاديين كذلك كان له دور كبير في حياة الأدباء والفنانين والشعراء والفلاسفة الذين ابتدعوا روايات وقصصاً عن القطار.
فها هو الفنان سلفادور دالي بلغ عشقه للقطار الذي كان يلتقي فيه معشوقته غالا إلى الحد الذي أظهره في الكثير من أعماله ولوحاته التشكيلية. بعض محطات القطار في مدن العالم تبدو أكثر من أنها مجرد محطات انتظار، أو نقطة عبور، إنها تحف فنّية، الإنتظار فيها يتحوّل إلى تجوال في عالم يضجّ بالفن.

كومسومولسكايا Komsomolskaia في موسكو
تعتبر محطة كومسومولسكايا أو «ساحة البوابات الثلاث» الأجمل لخط القطارات رقم 5، لأن كل تفاصيلها تضج بالهندسة المعمارية التي تعكس ترف المخيلة.
فأعمدتها الرخامية وقبتها الصفراء وجدارياتها الفسيفسائية وثرياتها تمنح المنتظرين في حضن هذه المحطة الانطباع بأنهم يجولون في أحد القصور الباروكية لعهد القياصرة.
اللوحات فيها مستوحاة من خطاب ستالين عام 1941 خلال استعراض الجيش الأحمر، وتعكس قوة الجند والساعات العظيمة «للقتال من أجل الحريّة» في الإتحاد السوفياتي السابق.
من السهل على المنتظرين الإستمتاع بما تضمّه هذه المحطة خارج ساعات الذروة، فكومسومولسكايا تقع على خط كولتسيفايا الذي يشهد حركة كثيفة خلال اليوم.

محطّة برجمان في دبي
كلمة الوميض هي الصحيحة عندما تستحضر الذاكرة مترو الأنفاق في دبي، فجميع محطات هذا المترو تعكس هندسة وزخرفات تستعرض العناصر الأربعة: الأرض والهواء والماء والنار.
ورغم أن النمط الهندسي العام استلهم من المستقبل فإن اللمحة الشرقية والأقواس تستحضر الهندسة المعمارية التقليدية للإمارات، لتعطي لمحة سريعة عن ماضي دبي، وهي مجموعة أبنية على شكل المحار في مدينة كان سكانها في الماضي يمارسون مهنة صيد اللؤلؤ.
ومحطة برجمان التي تعرف أيضًا بمحطة خالد بن الوليد واحدة من أروع محطات المترو بثرياتها الفريدة والأنوار الزرقاء التي توحي للمنتظرين في المحطة بأنهم في أعماق البحار.

بايكر ستريت في لندن
بحسب السير أرثور كونان دويل هنا في شارع بايكر عاش الشهير شرلوك هولمز. لذا فإن ظلال هذا التحرّي بدخان غليونه حاضرة على نقوش جدران المحطّة.
يعتبر شارع بايكر واحداً من أكبر محطات مترو لندن الذي يخدم خمسة خطوط مواصلات. تنقل بعض مقطوراته السياح إلى متحف مدام توسو أو إلى متنزّه ريجينت، والمحطة هي واحدة من أولى المحطات الميتروبوليتان، المترو الأقدم في العالم لأنه بدأ السير منذ عام 1863.
تقع محطة بايكر ستريت عند تقاطع خطوط مترو سيركل وهاميرسميث أند سيتي وجوبيلي وبايكرلو، أما الخطوط الأقدم فهي هاميرسميث أند سيتي.

محطة نامور في مونتريال كندا
يعود تاريخ شبكة قطار الأنفاق في مونتريال إلى العام 1960، فمنذ تشييدها تستعرض محطات الأنفاق الأعمال الفنية الكيبكية، بداية من الفن المعماري والقباب الزجاجية التي يخترقها النور الطبيعي بسخاء إلى المنحوتات المتناثرة في أرجائها.
وتشكل محطة انتظار نامور التي شُيدت عام 1984 متحفًا للفن الحديث، ففي وسطها منحوتة ألومنيوم غريبة من أعمال بيار غرانش. و يستحضر هذا العمل الفني بنيات ذرية أو فقّاعات هندسية تمنح المحطة جوًا أثيريًا ساحرًا.
تقع محطة نامور على خط أورانج، وهنا المفارقة فالألوان الحديدية التي تطغى على المحطة لا علاقة لها باللون الأرجواني للخط الذي تحمل اسمه.

وسترفيلد في ميونخ
تقع هذه المحطة عند المدافن الشرقية لميونيخ في مقاطعة بافاريا، وهي من أعمال أيور وفيبر المعمارية، منحت القناديل الأحد عشر للمصمم إنغو مورير شهرتها.
فقد أضفت الإنارة بانعكاساتها الضوئية الحمراء والصفراء والزرقاء على جدران المحطة حيوية ومتعة للنظر وكأن المسافر ينتظر في أحد النوادي الليلية، فيمضي وقت الإنتظار بسرعة الأضواء التي تشغل المحطة.
يقع بالقرب من المحطة فندق لايمر هوف Laimer Hof الذي تستحضر هندسته الخارجية شكل قصر ريفي بنمط النيو- عصر النهضة.

تي- سنترالين، في ستوكهولم
يعرف مترو ستوكهولم الذي يحمل اسمًا جميلاً تونل- بانا بالمتحف الأطول في العالم فمعظم محطاته تحوي أعمالاً فنيّة.
الصخور تعرّت في لحظة اخترقتها الأنفاق واحتفظت بها على خط ب، فتشكلت أقواسًا طبيعية فوق المساحات الرحبة لمحطات الإنتظار. وتعتبر
تي-سنترالن المحطة المركزية والرئيسية لشبكة القطار. تمتاز بأسقفها المقببة المطلية بالأصفر والأزرق التي نفّذها الفنان الفنلندي بير أولاف أوتفيدت.
وتستريح الأسقف على أعمدة مغلّفة بمكّعبات مظلّلة وجدارية تمثل عمّال تونل-بانا على صقالاتهم.