مشكلة غريبة: زوجي يغار من هواياتي!

الزواج, الغيرة, ممارسة هواية, زواج

13 يوليو 2014

في فيلم «مراتي مدير عام» شعر صلاح ذو الفقار بالغيرة من تفوق زوجته «شادية» عليه في العمل، وبدأ يفتعل المشكلات قبل أن يراجع نفسه في النهاية. إنها الغيرة التي تصيب بعض الرجال من أي نجاحات تحققها زوجاتهم. واقعياً تصبح المشكلة التي عالجها الفيلم نادرة في مجال العمل، لكن الأمر يختلف إذا انتقلنا إلى مجال الهواية، حيث يشعر رجال كثر بالغيرة من هوايات زوجاتهم، وهو أمر قد يحدث في اتجاه عكسي أيضاً، ليطرح السؤال نفسه: هل تنتج هذه الغيرة من اهتمام صاحب الهواية بها على حساب شريك حياته؟ أم أن الطرف المعترض أناني يريد الاستحواذ على الآخر تماماً؟ وهل الغيرة من الهوايات تمثل نوعاً جديداً من المشاكل الزوجية التي تشعل الكثير من البيوت؟


«زوجي يشجعني»

ترى الفنانة الشابة مريم نوح أن غيرة الأزواج من هوايات زوجاتهم تختلف من شخص لآخر، وتؤكد أن هناك من يتفهم ما تحبه زوجته ويسعدها ويشجعها عليه، وهناك من لا يريد أن ينجرف اهتمامها نحو أي شيء غيره، حتى لو كانت تسعد بهذا الشيء، وهذا النوع من الرجال يتسم بالأنانية. وتضيف: «جميع الرجال يشتركون في الغيرة من أي شيء يشعرهم أنهم ليسوا على رأس أولويات زوجاتهم، سواء كان ذلك الشيء شؤون البيت أو الأبناء أو الهوايات أو الأصدقاء، لذلك معرفة كل طرف لما يحبه الآخر من هوايات أمر ضروري قبل الزواج، وقد يجنب الطرفين العديد من المشاكل في الحياة الزوجية. كما أن أي رجل متفهم وواعٍ لا بد أن يفرح لوجود هوايات لدى زوجته».
وتشير مريم إلى تجربتها الشخصية قائلة: «زوجي لم يشعر بالغيرة أبدأ من حبي للغناء الذي بدأ معي منذ طفولتي، بل كان يشجعني في معظم الأحيان، وهذا يرجع إلى شخصيته المتفهمة والواعية من جانب، وأيضاً لأنني نشأت على أن يكون البيت والزوج والأبناء على رأس أولوياتي، لأنهم الإنجاز الحقيقي في الحياة، وهو الشيء الذي سيبقى للإنسان وتأتي بعده أي اهتمامات أو هوايات أخرى أو عمل أو أصدقاء، لأن عدم نجاح الحياة الأسرية نتيجة عدم الاهتمام بها يعد خسارة كبيرة لا تقارن بأي شيء آخر. وفي النهاية، ذكاء المرأة يجعلها توازن بين بيتها وعملها وهواياتها».
 

الغناء والصيد

ويلتقط منها أطراف الحديث زوجها رجل الأعمال محمد عبد الرحمن، قائلاً: «لم أشعر بالغيرة من حب زوجتي للغناء، بل كنت أشجعها لمعرفتي مدى حبها له وشعورها بالسعادة أثناء ممارستها لهوايتها ولإيماني بموهبتها، خاصةً أنها توازن بين بيتها وهوايتها، ولم تول أي شيء اهتماماً أكبر من بيتها وعائلتها، لذا لم أشعر أبداً بالضيق من ممارستها لهوايتها. لكنني أشعر أحياناً بضيق مريم من هوايتي المتمثلة في الصيد، لأنها تتطلب وقتاً طويلاً جداً يكون على حساب الوقت المخصص للبيت والأبناء، وعندما أشعر بضيقها لا أستطيع أن أستمتع بالصيد، وأفضل عندئذٍ أن أمضي الوقت مع عائلتي أو أن أصطحبها معي لكي تستمتع بما أفعله».

ويرجع محمد غيرة أحد الطرفين من هواية الطرف الآخر إلى سببين، الأول عدم رغبة أحد الزوجين أن يهتم شريك حياته بأي شيء أكثر من الاهتمام به، والثاني أن الطرف الذي يغار لا يملك هو هواية ينشغل بها. لكنه لا يفترض أن تنتاب الأشخاص الطبيعيين أي غيرة من هوايات زوجاتهم إذا حققن أي إنجاز فيها، وهذا يتوقف على مدى وعي الشخصيات المختلفة وثقتهم بأنفسهم.
ويرى محمد أن الاتفاق على الهوايات قبل الزواج لن يجدي في تجنب المشاكل التي قد تنجم عن الاهتمام الزائد بها، لأن فكر الطرفين قبل الزواج يختلف تماماً عنه بعد الزواج، فكل منهما يرى أن وقت الفراغ لدى الآخر يكون من حق العائلة والبيت بدرجة أهم من استهلاكه في ممارسة هواية.
 

أنانية

يؤكد كريم درويش، بطل العالم في الاسكواش، أنه وزوجته إنجي لم يعانيا من غيرة الهوايات منذ بداية زواجهما، بل إن أي إنجاز يحققه طرف منهما يجعل الآخر يشعر بأنه صاحب هذا الإنجاز، ويضيف: «اعتدنا تشجيع بعضنا على تنمية هواياتنا منذ أن كان يجمعنا فريق المنتخب ونحن في الثالثة عشرة من عمرنا، ولم يكن بيننا أي تنافس أو غيرة، وبعد الزواج حاولنا تنظيم وقتنا حفاظاً على الاستقرار الأسري، بحيث تكون أسفارنا وإجازاتنا في نفس التوقيت، حتى لا يشعر أحدنا بانشغال الآخر عنه».
ويصف الزوج الذي يغار من هواية زوجته ويجعل هذه الغيرة مجالاً للمشاكل بينهما، بأنه شخص أناني، وستسبب هذه الأنانية مشاكل عديدة مع زوجته، لأنه غير مقبول أن تمارس الزوجة أي هواية لمدة طويلة من سنوات عمرها، ويأتي الزوج ليحكم عليها بالتخلّي عما اعتادت عليه لسنوات بين يوم وليلة لكي يحوز كل اهتمامها.
ويرى أن الزوجة في هذه الحالة يجب أن تحاول تحقيق المعادلة الصعبة، بأن تستمر في ممارسة هوايتها دون أن تشعر زوجها بأي تقصير نحوه، بل وتشعره بأنه أول اهتماماتها.


نوع الهواية

من جانبها ترى زوجته إنجي خير الله، لاعبة الاسكواش، أن الزوج صاحب الشخصية السوية لن يغار من هواية زوجته، وإذا شعر بنوع من الغيرة تكون إيجابية، حيث إن نجاحها في مجال ما أو حرصها على ممارسة هوايتها بانتظام سيحفزه على الابتكار والتفوق في عمله أو الاهتمام بهواياته.
وتؤكد أهمية مصارحة الطرفين لبعضهما قبل الزواج باهتمامات وطموحات كل منهما، وتصف الزوج الذي يمنع زوجته من ممارسة هوايتها بأنه شخص أناني، لأن من يشعر أن زوجته تحب شيئاً وتستمتع به مع حرصها على مراعاة بيتها وزوجها، ومع ذلك يصر أن يحرمها من متعتها، لا يمكن وصفه إلا بالأنانية، وإذا استسلمت زوجته لأنانيته لن تصل إلى حل، وستكتشف أن صفته هذه ستمتد إلى مواقف أخرى مماثلة ولن يتوقف الأمر عند حد منعها من هواياتها.

وتشير إلى أن منع بعض الرجال لزوجاتهم من ممارسة هوايات معينة قد يرجع إلى أسباب أخرى بعيدة عن الأنانية، مثل نوع الهواية التي قد لا يتقبلها الزوج مثلاً.
وتحكي إنجي تجربتها قائلةً: «بدأت هوايتي في لعب الاسكواش منذ كان عمري 12 سنة، وتابعت ممارستي لها بعد زواجي من كريم قبل ست سنوات، وخلال هذه الفترة لم أشعر بغيرة زوجي أو ضيقه من ممارستي للاسكواش، بل شجعني على تحقيق طموحاتي وتحلى بالصبر وقدم العديد من التضحيات، إلى درجة أنه وافق على تأجيل الإنجاب لمدة خمس سنوات في بداية زواجنا. وأقدر له ذلك كثيراً، لأن أي شخص في هذا الموقف لا يحترم طموحات زوجته كان سيفكر في نفسه ويرغب في الإنجاب بسرعة دون أي اعتبارات أخرى».

وتتابع: «منذ زواجنا أحاول الموازنة بين الاسكواش والبيت، بحيث تتزامن فترة انشغالي وسفري لخوض الدورات والمسابقات مع وقت سفر زوجي، حتى لا ينشغل كل منا عن الآخر طوال الوقت. وفي المقابل كان زوجي دائماً يشعرني بأن نجاحي من نجاحه، على عكس بعض الرجال الذين يفضلون أن ينجحوا وحدهم».
وتشير إلى أن بعض زميلاتها كن متفوقات في هواياتهن واحترفنها، لكنهن اضطررن إلى إهمالها بعد الزواج لأسباب مختلفة، منها عدم تشجيع زوج كل منهن لطموحاتها وشعورها بضيقه مما تفعله، أو لأنها لم تستطع الموازنة بين بيتها وهوايتها.


«سي السيد»

ترى دعاء عبد الجواد، مصممة مجوهرات وخبيرة تنمية بشرية، أنه لا يحق للزوج أن يعارض زوجته في ممارسة هوايتها أو يبدي استياءه منها طالما أنها لم تقصر في أداء دورها في بيتها، لأن تصرفاته إذا لم تكن في محلها ستنعكس على نظرتها إليه وسيقلل ذلك من شأنه عندها. لكن في حالة تقصير الزوجة في أدوارها يحق للزوج الاعتراض على هوايتها التي تحول دون مصلحة البيت والأبناء، من أجل الحفاظ على كيان الأسرة. وتشير إلى أن بعض الرجال يغارون من زوجاتهم لمجرد أنهن اجتماعيات ولديهن القدرة على الكلام وكسب مودة من حولهن.
وتؤكد أن معظم الرجال لا يعرفون كيفية تشجيع زوجاتهم في أي جانب، وأن معظم من يشجعون زوجاتهم على ممارسة هواياتهن ينتمون إلى طبقة راقية جداً تهتم بهذه الأمور ولديها الوقت، أو أن الزوج يريد راحة البال التي قد تتحقق بانشغال زوجته عنه أكبر وقت ممكن. أما الجانب الأكبر من الرجال فيريدون فرض سيطرتهم على البيت، بأن يكون كل منهم «سي السيد» الذي تتفرغ زوجته لخدمته وخدمة بيته، ويكون هو محور حياتها دون أي شيء آخر، ولا يريدها أن تتألق في عمل ما خارج منزلها.

وتصف هذا النوع من الرجال بأنه معقّد وأناني وليس لديه ثقة بنفسه. وتحكي دعاء قصة إحدى السيدات التي كانت تعمل معها، وكانت موهوبة للغاية ولديها القدرة على التعلم بسرعة، لكنها واجهت العديد من المشاكل مع زوجها، لأنه كان يحاربها بأقصى جهد لديه ولا يريدها أن تتألق في أي عمل، ويفضلها محدودة المعرفة في شؤون الحياة، حتى لا تعترض على حياتها معه. واستمر في أفعاله غير الطبيعية حتى اعتذرت السيدة عن العمل وخضعت لإرادة زوجها.
وتضيف دعاء: «معظم السيدات ليس لديهن حرفية إدارة الوقت، وبالتالي نجد معظم من لديهن هوايات تتطلب كثيراً من الوقت مطلقات، لعدم قدرتهن على تحقيق التوازن بين بيوتهن وهواياتهن، كما أن الكثير منهن عندما تتحول هواياتهن إلى مصدر ربح يتجه تفكيرهن إلى التخلص من القيود المحيطة، وتكون البداية في التمرد على الزوج».


الوقاية
 خير من العلاج

«الغيرة هي استحواذ يشعر صاحبه بالسعادة من خلال ملكيته للأشخاص والأشياء، وبدون هذه الملكية تظهر معاناته من اهتزاز ثقته بنفسه وتوتره». هكذا يفسر الدكتور هاشم بحري، رئيس قسم الطب النفسي في جامعة الأزهر، شخصية من يغار من هواية زوجته، مؤكداً أن سعادة الرجل الذي يعاني من هذه الصفة تزداد كلما ازدادت ملكيته، سواء للزوجة أو هواياتها أو للأولاد. ويرى أن هذا الزوج أناني يريد أن يسخّر كل ما يملكه لإسعاده، ويفكر بطريقة «أنا ومن بعدي الطوفان»، ويكون غير واثق بنفسه أو أفعاله، لأن الرجل الذي يتمتع بالثقة بالنفس وقوة الشخصية يحب أن تكون زوجته أيضاً قوية الشخصية ولديها استقلالية وطموح عالٍ، وبالتالي لن يمنعها عن هواياتها أو يغار منها. أما الرجل ذو الشخصية الضعيفة فيحاول أن يقوي نفسه بإضعاف من حوله والسيطرة عليهم، حتى يشعر بالقوة وأنه عملاق بينهم، لذا يمنع زوجته من الظهور في أي نشاط أو هواية تستطيع أن تبدع فيها. ويشير إلى أن 70 في المئة من الرجال في مصر من النوع الذي يفضل ضعف الزوجة وعدم تألقها في أي مجال، ويحاول الظهور في موقع قوة، لأن معظمهم تمت تربيتهم بطريقة مدللة لا ينتج عنها رجل قوي بمعنى الكلمة.

ويوضح أن الوقاية خير من العلاج في هذه الحالات، وينصح الفتاة بأن تحسن اختيار شريك حياتها، الذي يجب أن يتمتع بقوة الشخصية والثقة بالنفس، وألا تقلق من شبح العنوسة الذي يجعلها تتعجل في اختيارها.
ويضيف: «تستطيع الفتاة أن تختبر من اختارته أثناء الخطوبة وتحكم على ثقته بنفسه وعدم قمعها في المستقبل، من خلال رصد مدى اهتمامه بآرائها وتحكمه في كل أمور حياتهما المستقبلية دون الرجوع إليها. أما إذا كانت السيدة قد تزوجت من شخص يغار من اهتماماتها أو هواياتها، فعليها عدم الاستسلام أو إعطاء زوجها الفرصة لأن يكسرها، لأن كل تنازل ستقدمه سوف يليه تنازل آخر، لكن عليها فعل ذلك بطريقة غير مباشرة، كأن تشعره بالاهتمام. ومن ناحية أخرى لا تستسلم للوضع وتحاول أن تمارس هواياتها، أو تفعل الشيء الذي يشعرها بقيمة نفسها».


افتعال
 المشاكل

يرجع الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع، غيرة الزوج من هوايات زوجته إلى عوامل عدة، منها شخصيته وثقافته والطبقة التي ينتمي إليها. ويوضح أن معظم الرجال يعتقدون أن أي وقت لدى زوجاتهم يعد من ممتلكاتهم، وعندما تشغل الزوجة وقتها بأي هواية يتجه تفكير الرجل إلى أن هذا الوقت من حقه، وأن ما تفعله نوع من التعدي على ممتلكاته، رغم أن ممارسة الزوجة لما تحبه في وقت فراغها هو حق إنساني لا يجوز لأي شخص منعها منه، خاصةً إذا لم تهمل واجباتها نحو زوجها وبيتها، لأن ذلك يعد نوعاً من القهر والدكتاتورية، وفي حالة منعها عن هوايتها المفضلة ستتحول إلى امرأة محبطة كارهة لمن حولها ولحياتها.

ويضيف أن هناك نوعاً آخر من الرجال يعشقون المرأة الضعيفة التي لا تتمتع بأي نوع من الابتكار أو الوضع الاجتماعي، وحبذا إذا كان تعليمه أفضل من تعليمها، ليشعر برجولته وقوته. وهذا النوع من الرجال لديه نقص في شخصيته ويعاني من عدم الثقة بالنفس، وإذا تألقت زوجاتهم في أي مجال حتى على المستوى الاجتماعي، فإنهم يفتعلون العديد من المشاكل بسبب غيرتهم، وأيضا ليجعلوا الزوجة تكره ما تبدع فيه.
ويرى صادق أن الرجل الواثق من نفسه سيشجع زوجته أن تمارس أي هواية تشغلها عنه، بدلاً من أن تصل إلى مرحلة من الملل تعود عليه سلباً في النهاية.