زوّجوها دون علمها، فما حكم رجال الدين؟

علماء الدين, زواج باطل, الزوجة, د. سعاد صالح, د. نصر فريد واصل, د. حامد أبو طالب, هدى الكاشف, د. عفاف النجار

11 يوليو 2014

بعض القضايا تثير الدهشة وتفتح أبواباً من علامات الاستفهام والتعجب، وحكاية «رحمة» التي تزوجت دون علمها واحدة من هذه القضايا الغريبة، فقد استغل والدها حق الولاية وزوجها دون علمها أو موافقتها، مدعياً أن هذا حقه! وإذا كانت تلك الحالة متكررة وتصمت فيها كثيرات على اعتبار أنهن أصبحن أمام الأمر الواقع، لكن رحمة رفضت الصمت ولجأت إلى القضاء تطالب ببطلان عقد زواجها. فما هي تفاصيل حكايتها؟ وماذا يقول علماء الدين عن هذا النوع من الزواج؟

في محكمة الأسرة، نادى الحاجب على القضية رقم 2376 لسنة 2014، فدخلت امرأة تدعى رحمة خالد في بداية العشرينات من عمرها، لتطالب ببطلان عقد زواجها، والسبب أنها زوجة دون علمها وإرادتها!
قالت رحمة: «فوجئت برجل يحمل عقد زواج مني بموافقة والدي، الذي زوَّجني به باعتباره وليّاً شرعياً دون أن يأخذ رأيي، وعندما رفضت أصر أن يصطحبني بالقوة لمنزل الزوجية، وسانده والدي لأجد نفسي أتعرض للاغتصاب على يد رجل يدعي أنه زوجي».

وأضافت: «هربت من بيت الزوجية مراراً، لكن في كل مرة كان والدي وهذا الرجل الذي يدعي أنه زوجي يعيدانني من جديد، رغم أن هذا الرجل يعلم جيداً أنني أبغضه لكنه يصر على اغتصابي, نعم هذه هي الكلمة المناسبة لما يحدث معي، لأنني لا أعتبره زوجي، وإن كانت لديه ورقة زواج بتوقيع والدي. أرجوكم ارحموني وخلصوني من هذا العذاب».
انتهت كلمات رحمة لتقرر المحكمة تأجيل القضية إلى حين الاستماع إلى أقوال الأب والزوج.


ضوابط
شرعية

تشير مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، إلى أن الإسلام جعل لبعض العلاقات الإنسانية قدسية خاصة أكثر من غيرها، وأشهرها علاقة الآباء والأمهات ببناتهم، حيث أمرهم بتبادل البر، ولهذا أوصى الله كل من الطرفين بالآخر فأوصى الأبناء بالآباء والأمهات، فقال الله تعالى: «وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا. رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا» الآيات 23-25 سورة الإسراء، وفي نفس الوقت أمر الآباء بأن يبروا بناتهم وأبنائهم، فقال رسول الله قال صلى الله عليه وسلم: «بروا آباءكم تَبرَّكُم أبناؤكم، وعفُّوا تَعفَّ نساؤكم».

وأشارت الدكتورة سعاد صالح إلى أن الزواج بدون موافقة الفتاة باطل، فما بالنا إذا تم بدون علمها، فهذه جريمة ارتكبها الأب قاسي القلب الذي باع ابنته لرجل أشبه بتجار الرقيق الأبيض أو المغتصب، ويجب فسخ ما أبرماه من عقد زواج غير شرعي حتى لو كان موثقا عند مأذون ألف مرة، لأن ما بني علي باطل فهو باطل.
واستشهدت الدكتورة سعاد بواقعة أقل سوءاً والأب فيها أقل قسوة ومع هذا أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم للزوجة حق فسخ عقد الزواج، فقد  جاءت فتاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: «إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته». قال الراوي: «جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر إليها. فقالت: قد أجزت ما صنع أبي، لكن أردت أن تعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء»، فهذا حديث صريح أن تزويج الفتاة رغماً عنها يجعل لها حقاً في فسخ هذا العقد الذي قام به الأب- باعتباره وليها الشرعي-  إذا أرادت رفع الضرر عليها، ولهذا من حق «رحمة» فسخ عقد زواجها وعقاب أبيها وزوجها على ما ارتكباه من ظلم لها.  


إنصاف
القضاء

حضّ الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر الأسبق، القضاة إلى سرعة الفصل في مثل هذه القضايا التي تغتال فيها الكرامة الإنسانية مثل قضية «رحمة»، فهذا واجب شرعاً على القضاء بتكليف إلهي، حيث قال الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا» آية 58 سورة النساء.
وأشار مفتي مصر السابق، إلى أن ولاية الأب على ابنته في الشرع مشروطة برعاية مصلحتها، باعتباره أكثر خبرة منها في الحياة وأعلم بعالم الرجال منها، ولهذا فهو يختار لها من يسعدها وليس من يضرّها أو يذلها أو من تعيش معه رغماً عنها، وليس ظلمها واتخاذ قرار سري بتزويجها من لا تعرفه أو تحبه، ولينتظر هذا الأب غير الرشيد والزوج المتواطئ غضب الله وانتقامه في الدنيا والآخرة، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة»، وقوله أيضاً: «دعوة المظلوم وإن كان كافراً ليس دونها حجاب»، فما بالنا إذا كان الظالم هو الأب، والمظلوم ابنته التي يجب أن يكون أحرص الناس عليها، ولهذا فإن مثل هذا الرجل لا يستحق أن يكون أباً، لأنه خائن للأمانة التي ائتمنه الله عليها.


أب
عاضل

الدكتور حامد أبو طالب، عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، أنه مثلما يكون الأب عاضلاً لابنته إذا تقدم لها الخاطب الكفء الذي لا يرد ورغم ذلك رفضه، نفس الوضع الظالم ينطبق على مثل هذا الأب، الذي زوَّج ابنته بدون علمها، بل يجب أن تسقط بذلك ولايته على من يتولى عليها وتنتقل لغيره، حتى ولو كان القاضي، إذا امتنع الأولياء جميعاً عن تزويجها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «السلطان ولي من لا ولي له».
واستشهد الدكتور أبو طالب، على عدم صحة هذا العقد الذي أبرمه الأب بدون علم ابنته، بما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية: «ليس للولي أن يجبرها على نكاح من لا ترضاه، ولا يعضلها عن نكاح من ترضاه، إذا كان كفؤاً باتفاق الأئمة، وإنما يجبرها ويعضلها أهل الجاهلية والظلمة»،
كما أفتت دار الإفتاء المصرية «بأن عضل الولي للمرأة مسقط لولايته عليها وتنتقل الولاية لمن بعده».  


غير
جائز

تشير الداعية الإسلامية هدى الكاشف إلى أنه إذا كان لا يجوز شرعاً للأب أن يمنع ابنته من الزواج، فإنه كذلك لا يجوز له شرعاً تزويجها بدون علمها أو رغماً عنها، وإذا فعل ذلك فإنه يكون باطلاً شرعاً، ولهذا يجب على القضاء إنصاف «رحمة» ومثيلاتها، وإزالة الظلم الذي هو ظلمات يوم القيامة، ولهذا حرم الله الظلم على نفسه، فجاء في الحديث القدسي عن النبي صلى الله عليه وسلم  فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا، يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم».
وأوضحت هدى الكاشف أن قيام أب بتزويج ابنته بدون علمها ليس زواجاً صحيحاً، وإلا فكيف تتحقق المقاصد السامية للزواج الذي جعله الله آية من آياته، حين قال تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» الآية 21 سورة الروم. فهل مثل هذا الزواج غير شرعي حتى لو كان الأب قد قام به مدعياً أن هذا حقه باعتباره ولي أمر ابنته..
وأنهت كلامها مطالبة القضاء بضرورة فسخ عقد الزواج، ومعاقبة الأب والزوج اللذين ارتكبا جريمة في حق «رحمة»، بعد أن تعديا على حقوقها، وهذه العقوبة واجبة شرعاً، تنفيذاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من لا يَرحم لا يُرحم». 


افتقاد
الوعي الديني

تطالب الدكتورة عفاف النجار، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، بنشر الوعي الديني لدى الآباء باعتبارهم أولياء أمور بناتهم، بالضوابط الشرعية للولاية التي ليست وصاية أو تشريفاً، وإنما تكليف ومسؤولية أمام الله، وواجبه أن يعمل ما فيه مصلحتها، لأن الولي يجب أن يكون راعياً أميناً على رعيته، لهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهل بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته».
وأشارت الدكتورة عفاف إلى أن مثل هذا الأب يجب أن تسقط ولايته، لأنه غير أمين على ما ائتمنه الله عليه، وقد خالف هذا الأب بالاشتراك مع الزوج أحكام الشرع، وقاما بمؤامرة أقرب إلى الخيانة للأمانة، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في الأمر بردها: «أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك»، وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: «لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له»، فيُفترَض أن الأب الولي عاهد ابنته على رعاية مصلحته وتزويجها بمن تحب أو توافق عليه.


الإصلاح
بلا فضيحة

 رغم اعتراض الدكتور محمود مزروعة، العميد الأسبق لكلية أصول الدين جامعة الأزهر، على ما فعله هذا الأب والزوج، لكنه يرى أنه يجب أن تكون المعالجة بعقلانية من خلال تصحيح الخطأ وليس إسقاط الولاية من الأب، حتى لا نضيع هيبته لدى ابنته، فنكون كمن عالج مشكلة بأخرى.
وطالب مزروعة برفع الوعي الديني لدى الآباء بما له وما عليه باعتباره الولي الشرعي لها، فإن استجاب فيكون الأمر خيراً وإن لم يستجب فتنتقل الولاية لمن يليه، فإن لم يوجد لها ولي فإن القاضي ولي من لا ولي لها.
وأنهى الدكتور مزروعة كلامه بدعوة أي فتاة تتعرض للظلم من وليّها ألا تفضحه أمام وسائل الإعلام والقضاء مباشرةً، بل عليها أن تحاول حل مشكلتها أولاً في النطاق العائلي من خلال أقاربها ومن لهم تأثير على وليها، حتى لا تدخل في باب العقوق للأب بمعصيته، لأن خطأ الأب في استخدام ولايته لا يجيز عقوقه، لأن بر الوالدين واجب شرعاً، وواجب على أقاربها إنصافها ورفع الظلم عنها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان».


مخالف
للقانون

عن رأي القانون في ما ارتكبه الأب والزوج، قال المستشار عبد الله الباجا: «هذا الزواج باطل شرعاً وقانوناً، لأن فيه تغريراً وخداعاً وعدم علم للزوجة بما حدث، ويشترط في العقود الشرعية التراضي وعدم الإكراه حتى يكون العقد نافذاً وموجباً لتنفيذ بنوده».
وأوضح أن القانون لا يعترف بالعقود التي يكون فيها جهالة، فقد جهلت هذه البنت بكل ما فعله أبوها، ومع الشخص الآخر الذي أصبح زوجها بدون علمها، ولهذا لها أن تطعن أمام القضاء الذي سيحكم بفسخ هذا العقد الظالم ومحاكمة الأب والزوج على ما ارتكباه في حقها من مخالفات للشريعة والقانون.
وأنهى الباجا كلامه بالتأكيد أن لرحمة ومثيلاتها أن تتقدم إلى القاضي بطلب لفسخ عقد التزويج، لأنها يحق لها ذلك، لأن ولاية الأب على البنت البكر البالغة الرشيد في قرار زواجها، سواء استقل بالقرار أو شارك البنت فيه، إنما ينطلق من مراعاة مصلحة البنت، لأنها بكر لا تجربة لها في الحياة الزوجية، وغير مخالطة للرجال ومعرفتها بهم محدودة، على عكس وليها الذي يجب عليه أن يعمل لمصلحتها، وليس بيعها فيما يشبه الصفقة  من أجل مصلحة.


وأد
نفسيّ

طالبت الدكتورة فاطمة عبد المقصود، أستاذة علم النفس في جامعة عين شمس، بتغيير الأفكار السلبية والعادات الجاهلية عن المرأة في المجتمعات العربية، حيث مازال بعض الآباء يعتقدون أن بناتهم ملك خاص لهم، يفعلون بهن ما يريدون دون وازع من ضمير أو خوف من الله أو ردع من القانون.
وأشارت إلى أن وسائل الإعلام والتثقيف ومؤسسات التعليم مطالبة بأن تنشر الوعي لدى مسؤولي الأسر من الآباء والأمهات أن بناتهم أمانة لديهم، ولسن سلعة يمكن بيعها في صفقة تؤدي إلى أرباح للأسرة، سواء مادية أو معنوية، فمكانة البنت يجب أن تكون أسمى من ذلك بكثير، فهي تمثل الطريق إلى الجنة إذا أحسن والدها تربيتها وتزويجها بمن تحب دون إكراه، أو طريق إلى النار لأنه سيصيبها بعقد وأمراض نفسية قد تؤدي إلى انتحارها، مثلما فعل والد «رحمة»، الذي وأدها معنوياً.