رفضن عبارة 'وأنا مالي' المتطوّعات فتيات لا يعرفن المستحيل!

العمل التطوعي, قضية / قضايا إجتماعية, المرأة

20 يونيو 2013

تحدّين شعار «وأنا مالي»، وقرّرن خوض تجربة العمل التطوّعي، رغم كل ما بها من صعوبات تبدأ بمخاوف الأهل وتنتهي بقيود المجتمع. فهل المتطوعة فتاة من نوع خاص؟ وكيف تقنع ذويها بتطوعها في عملٍ ما وسط مخاوف الأهل المتزايدة على بناتهم؟ والأهم كيف تواجه القيود التي يفرضها المجتمع على الفتاة التي تقرر النزول إلى الشارع، حتى لو كان من أجل عمل تطوّعي؟


الخروج الأول

داخل عقلها المزدحم بتفاصيل يومية اعتادت تنفيذها بدقة، تستقر ذكريات عشر سنوات كاملة عاشتها مع «التطوع» في مؤسسة «صناع الحياة» التي صاحبتها منذ البداية. لم تنس يوماً خروجها الأول وسط محاولات والدتها لمنعها من خوض حرب متواصلة مع المجتمع الذي نظر إليها كما ينظر إلى «الهاربين من مصح الأمراض العقلية»، لكنها قبلت التحدي منذ بدايته، عندما استجابت لدعوات الدكتور عمرو خالد قبل عشر سنوات، وانطلقت مع مجموعة من أصدقائها للعمل بالتوعية في الشارع بورقة كتبوا عليها «حلمك إيه؟». وقفت عاجزة عن الرد، عندما أجابها أحد المارة على السؤال الذي حملته، ببصقة التصقت بوجهها وكانت كفيلة بعودتها إلى المنزل تجرّ أذيال الخيبة، بعد أن تأكّدت أن المجتمع يرفض خروجها، ولكنها لم تستسلم للمواقف الصعبة التي ظلّت عالقة في ذاكرتها. وضعت صراخ والدتها وسخرية الجيران ورفض الأهل وقسوة المجتمع جانباً، وأكملت الطريق بخطوات مترددة سرعان ما تحوّلت إلى أشواط جريئة قطعتها هويدا أبو الفضل، حتى تحولت من متطوعة تغلق في وجهها الأبواب إلى الناطق الإعلامي ومديرة العلاقات العامة في مؤسسة «صناع الحياة» التي رسمت خطوطاً واضحة في عالم التطوع.

«حرب متواصلة»، هي العبارة التي تصف بها هويدا رحلتها مع العمل التطوعي الذي لم يكن يعترف به الشارع. ولا تنسى التفاصيل أثناء حديثها عن الزيارات المستمرة لمقار أمن الدولة، التي لم تكفّ قواتها عن منعهم من العمل، بخطابات الاستدعاء المتواصلة لها ولغيرها من الشباب الذين حاربوا لإقناع الجميع بجدوى العمل التطوعي في بداية الأمر. لم تتوقف الحرب على مكاتب قوات الأمن، بل امتدت لتشمل رفض الأهل والخوف المستمر من الخروج ومواجهة الشارع، ومحاولات المنع المتكررة التي أعطت هويدا دافعاً للاستمرار، مؤمنةً بالرسالة التي قررت الدفاع عنها حتى إثبات العكس.

تقول: «بداية الأمر كانت أشبه بالمستحيل، وسط رفض الأهل والخوف غير المبرر على الفتاة وسط مجتمع شرقي لا يعترف بخروجها من المنزل سوى للدراسة ثم العودة الى بيت زوجها. علاوة على رفض الناس لفكرة التطوع بشكل عام، ومحاولات التضييق من أمن الدولة في عنفوان النظام السابق قبل عشر سنوات كاملة من الآن. كنا نفتقد الحلم ونبحث عن فرصة للخروج، ولم نكن نعلم وقتها أن هذه التجربة سوف تساهم في رسم حياتنا وتغيير حياة الآلاف من الفقر والجهل والإدمان، وهي الرسائل التي عملنا على تحويلها من أحلام إلى حقائق ملموسة».

وتضيف: «المجتمع لا يقبل المرأة «القائد، وحتى الآن ينظر إلى المتطوعة على أنها «رجل». بعد سنوات من المواقف الصعبة والرفض المستمر بدأت فكرة إثبات نفسها، وبدأت شعبيتنا في الشارع المرأة تكتسب قوام واضح المعالم. ما واجهته لم يكن محاولة للعناد بقدر ما اعتبرته تحدياً صارخاً لكل من حاول «وضعي في إطار غير القادرة على التغيير». أول حملة حقيقية «لصنّاع الحياة» كانت مشروع «حماة المستقبل»، ومن بعده بدأت دائرة العمل تتسع، حتى قامت الثورة وشهد العمل انفراجة واسعة، لكنها لم تخلُ من النظرة الرافضة للفتيات التي انتقلت من قيود أمن الدولة إلى قيود تهميش الفتيات بـ«العيب والحرام». ما زال التهميش صرحاً لم ننجح في إسقاطه، ومازالت نظرة المجتمع إلى الفتاة على أنها «ست مكانها المنزل» هي ما يسيطر على ثقافة الشارع».


«صحبة مُصلِحة»

لم تكن نظرتها إلى المجتمع اكتملت بعد عندما قررت النزول للمرة الأولى لزيارة عالم التطوع بدافع الفضول. حقيبتها المدرسية التي وضعتها جانباً قبل أشهر فصلت بين مرحلتها الثانوية والجامعية. لم تزل محتفظة بذكريات الطفولة عن عالم « الكبار» الذي دخلته هبة عشماوي بأول زيارة شاركت فيها مع إحدى الجمعيات لدار أيتام، وهي التي لطالما ظنت أن دور الأيتام مجرد مكان مهمل تزوره الشخصيات العامة «كل سنة مرة»... لم تكن تتوقّع أن تغيّر هذه الزيارة حياتها، بعدما اصطدمت بالنظرات الجامدة للأيتام بوجه من دخل جدرانهم الباردة، في محاولة منهم لرسم بسمات مصطنعة لمدة لا تتجاوز الساعة، يعودون  بعدها إلى سجن الغرف المغلقة في دارهم البائسة... بتردد حاولت كسر الصمت بينها وبين هؤلاء الأطفال، قبل أن تقلب ردود فعلهم موازين استيعابها البسيط للعالم الذي تزوره للمرة الأولى.

«لماذا تكلّميننا وسوف تغادرين بعد قليل ولن تعودي؟»... الجملة التي ظلت عالقة في ذهن هبة هي ما شجعها على الرد بثقة: «لن أغادر». لم تكن تلك الجملة بالنسبة إليها مجرد رد سريع للخروج من الموقف الذي أعطاها حافزاً لاختراق هذا العالم، وتأسيس مبادرة مكونة من مجموعة من الفتيات أطلقن على أنفسهن اسم «صحبة مُصلِحة»، انطلقت صحبتهن للتوغل داخل عالم الأيتام، وتغيير نظرة المجتمع إلى الفتاة التي ظن الجميع أنها غير قادرة على الاستمرار.
«صحبة مُصلِحة»، هو عنوان المبادرة التي تديرها هبة عشماوي منذ سنوات، استطاعت خلالها وضع رؤية محددة لما تحلم بتحقيقه، حددت الأهداف ووضعت شرطاً أساسياً قررت التمسك به مهما كلّفها الأمر، وهو أن تكون مبادرتها «للفتيات فقط». وهو الشرط الذي تحدّت به نظرات الرفض وعبارات السخرية من المحيطين بها، والتي اعتادت تجاهلها، مثل عبارة «أنتن بنات وليس بينكن رجل»، وكان ردها التلقائي «نحن بنات بمئة رجل».

«كان حلمنا أن نغيّر حياتهن ونتغير معهن». هكذا بدأت هبة عشماوي (23 عاماً) مؤسسة مبادرة «صحبة مُصلِحة» حديثها عن المبادرة التي دخلت بها عالم «العمل العام» وسط مضايقات المحيطين، وأضافت: «الفكرة بدأت بزيارات متقطعة لمجموعة من دور الأيتام التي حاولتُ مع مجموعة من صديقاتي التردد عليها طوال سنوات دراستي في الجامعة، حتى وضعنا شكلاً واضحاً لرسالتنا داخل هذه الدور. بدأنا باكتشاف قدرات الأطفال والتعرف على مشاكلهم داخل الدور المختلفة، ومشاركة «الأمهات البديلات» حكاياتهن مع الأطفال، حتى تطورت الفكرة من الزيارات الأسبوعية إلى الوجود الدائم. وضعنا المناهج التي يحتاجها الأطفال للخروج إلى مجتمع لا يعترف بهم، وبدأنا تعليمهم اللغات والعلوم والدراسات وتشجيعهم على القراءة، إلى جانب ورش العمل في الرسم والإبداع والسماح لهم بالتمثيل وتنظيم حفلة سنوية كبرى في نهاية كل عام».
وحول ما واجهته من نظرات رافضة وإحباط حاول الجميع فرضه على مبادرتها الناجحة قالت: «اعتدت على النظرات الرافضة من المجتمع الذي ينظر إلى الفتاة باعتبارها كائناً أضعف لن يستطيع مواجهة الواقع، ولم ألقِ اهتماماً بالآراء التي حكمت بفشلي قبل أن أبدأ، وتركت عملي مع الأيتام يتحدث عن قدرة الفتيات على الخروج إلى الشارع».


عهد الرسول

على سبيل الخطأ أو الجهل اعتقد البعض أن تطوّع المرأة في العمل العام «حرام»، دون محاولة لمراجعة قصص الصحابيات اللواتي ضربن أمثالاً قوية في التطوّع قبل قرون مضت، وهو ما أوضحته الداعية الإسلامية إيناس مصطفى التي بدأت حديثها عن تطوّع المرأة بالاستشهاد بمجموعة من القصص عن السيدات في زمن الرسول، صلى الله عليه وسلم، وعلى رأسهن السيدة رفيدة الأسلمية أو من عرفت بأول طبيبة في الإسلام، والتي بدأت قصة عملها التطوعي بمداواة جروح المصابين في ميادين القتال وتجولت وسط الرجال دون التعرض لمثل ما تواجهه فتاة العصر الحديث من مضايقات.

وتقول إيناس مصطفى: «الإسلام لم يمنع مشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية، وهو ما يظنه عن جهل بعض الآراء المتشددة التي ترى أن المرأة مكانها المنزل، على عكس ما شجّعه رسولنا الكريم من عمل السيدات في مجال التطوع الذي خاضته مجموعة من السيدات، على رأسهن السيدة رفيدة الأسلمية والسيدة زبيدة زوجة هارون الرشيد، وغيرهما من السيدات اللواتي أسسن التطوّع في عهد الرسول والعهود اللاحقة».
تضيف: «لا يوجد نص شرعي يمنع نزول المرأة ومشاركتها في العمل التطوعي، وما يقنن خروجها هو آراء لا تمت للدين بصلة، فالدين يسمح لها بالنزول ومواجهة المجتمع في إطار الحفاظ على تعاليمه ومراعاة الضوابط الشرعية التي لا تغيب عن أصول العمل المجتمعي». 


مبادرة

ممرات ضيقة لا توحي بوجود حياة تذكر، هي ممرات حياتها داخل القرية التي سيطرت على حدودها تقاليد صارمة لا تسمح بمرور الأحلام بالانسيابية التي اعتادت إلهام التجول بها وسط جمود نظرات المحيطين بها أثناء خروجها من قريتها في الشرقية للعمل بالصحافة في القاهرة. في نهاية أحد هذه الممرات يستقرّ منزلها الكبير الذي طبعت عليه القرية ملامح ريفية لا توحي بالعالم الآخر الذي رسمت خطوطه داخل غرفة «الخزين» في المنزل. أزاحت الكراكيب المتناثرة ووضعت أوراقها الملونة على الحائط الذي رسمت عليه أحلام أطفال القرية الذين بدأت استقبالهم في ما أطلقت عليه اسم «الخان» بمنزلها الكبير الذي أرادت إلهام الجمال تحويله من منزل ريفي إلى ملجأ للإبداع لأطفال قرية بسيطة الحال بمحافظة الشرقية.

لم تكن تعلم أن باب الإبداع الذي فتحته للأطفال، هو باب آخر لنيران المجتمع التي انفجرت في وجهها من أهالي القرية وأولياء أمور الأطفال الذين رفضوا الأمر في البداية. هدفها من المبادرة كان تغيير حياة الأطفال وتعليمهم أن الفن والإبداع لا يدعوان للخجل. فتحت لعقولهم الصغيرة باباً للرسم والتلوين والتمثيل والإخراج، وتعليمهم تحدي قيود الصمت التي فرضتها عليهم تقاليد القرية.

«الموضوع لم يكن سهلاً». بعبارة بسيطة تلخّص جهد الأعوام الماضية في نشر فكرة «الخان» داخل القرية. تحكي إلهام الجمال بداياتها مع فكرة الخان، قائلة: «فكرة الخان هي محاولة لرسم خطوط ملونة في عالم مظلم. بدأت الفكرة عندما شعرت بحال بنات أخي اللواتي سيطرت عليهن مفاهيم مغلوطة في مجتمع كل ما فيه «عيب وحرام». وما وجدته في أطفال القرية البسيطة من تدنٍ في المستوى الثقافي والتعليمي، هو ما شجّعني على مساعدة هؤلاء الأطفال والخروج بهم من هذا المصير، ونقل ما تعلّمته إليهم بطرق بسيطة وغريبة على أهل القرية. بدأت بتجهيز المقر، واشتريت الألوان وأدوات الرسم والكتب ودعوت الأطفال لزيارتي. حاولت تعليمهم ثقافة الحوار والمشاركة المجتمعية وأصول الدين الحقيقية بعيداً عن التشدّد، وكانت الطاقة الإيجابية التي خرجت بمواهبهم هي ما شجعني على الاستمرار رغم محاولات أهل القرية بغلق الخان».

قصة إلهام التي تبدو مبهجة في تفاصيلها لم تخلُ من حرب أخرى، بدايةً من أهالي الأطفال الذين حاولوا منعهم من التردد على الخان، مروراً بنظرات اللوم، وصولاً إلى محاولة عمدة القرية إغلاق الخان وتشويه صورته متحجّجاً بكونه «لا يليق بفتاة محترمة!». لم يشجعها على الاستمرار سوى ما لمسته من تغيّر واضح في تصرفات الأطفال الذين تغير تفكيرهم أمام عينيها شيئاً فشيئاً، فشاركوها النقاش وبدأوا في تنظيم انتخابات مصغرة خاصة بهم، تجاوبوا معها وعشقوا الغرفة الصغيرة التي اعتادوا تنظيفها بعد الانتهاء من يوم طويل من الإبداع المستمر.


«حالة واحدة»

بين جدران اليأس الذي أحاط بها في محاولتها للتغيير، وجدت لنفسها طريقاً وضعت علاماته بوضوح لمساعدة غيرها. لم تشغلها يوماً نظرات المجتمع، فهي على يقين أن ما تقوم به واجب فرضته عليها الظروف من حولها، طالما نظرت إلى معدلات الفقر التي عكفت على درسها ورؤيتها تتزايد يوماً بعد الآخر. رفضت الوقوف مكتوفة اليدين أمام حالات صرخت من عيونها توسلات المساعدة، فأطلقت فكرتها غير عابئة بعواقب الأمر، فرسالتها أكبر من التوقف أمام ما أطلقت عليه «آراء رجعية»، ترفض وجود الفتاة في المجتمع.

«حالة واحدة»، هو اسم مشروع هبة حسني الذي بدأ بفكرة حصلت بها على المركز الثالث في مسابقة «ماراثون الأفكار» الذي نظمه مؤتمر «عرب نت» لتشجيع الأفكار الشابة في مجال العمل المجتمعي. فكرتها هي إنشاء موقع إلكتروني لعرض الحالات المحتاجة ومساعدتها من خلال التبرعات ومشاركة الجمهور الذي حاولت الوصول له بموقعها الإلكتروني الذي غير حياة مجموعة كبيرة من الحالات التي وقعت فريسة للفقر.

«لا توصف سعادتي عند نجاحي بفك كرب محتاج»، هكذا بدأت هبة حديثها عن المشروع الذي أنقذ حياة عدد من الغارمين، ووضع أساساً لحياة جديدة لأرامل ومطلقات في مناطق نائية حاولت هبة الوصول إليها من خلال الجمعيات في الأقاليم والمحافظات. وعن تفاصيل المشروع تقول: «المشروع هدفه مساعدة من وقع في أسوار الكرب، من خلال عرض الحالة على الموقع وانتظار استجابات المشاركين. في بداية الأمر لم أتوقع تحمّس الناس للفكرة التي أثبتت نجاحها مع مرور الوقت، بتجاوز أعداد المشاركين المئات في فترة قصيرة استطعنا خلالها تغيير عدد حالات مختلفة من المحتاجين، ورسم خطوط جديدة لحياتهم التي ظنوا أن الفقر قد أجهز عليها».
تكمل: «ثقافة العمل التطوعي ما زالت تخطو برفق في المجتمع الذي لم يعترف بعد بأهمية المشاركة، وخاصة للفتيات اللواتي يواجهن هجوماً غير مبرر عند النزول الى الشارع، ولكن ما نحاول تحقيقه يستحقّ المحاولة».


تفعيل الوقف

ما تنادي به لا يقتصر على تقبّل المجتمع للعمل التطوعي، فهي لا تكف عن المطالبة بحقوق واضحة للعمل التطوعي والجمعيات الأهلية بين دهاليز مجلس الشورى الذي وقفت فيه مدافعة عن حقوق الشباب في التطوّع والمشاركة الإيجابية في المجتمع. نهى سلامة عضو مجلس الشورى عن الشباب ومؤسسة فريق «بداية للتنمية البشرية»، هي من تحدّثت عن العمل التطوّعي ودور الفتاة المصرية في فتح أبواب لا تنتهي في الانتقال بالتطوع من حدود الرفض إلى واقع جديد يقبل التحدي.

تقول: «العمل التطوعي بصفة عامة شريك أساسي في بناء الوطن، خاصة في ظل ما نواجهه من محاولات للنهوض بالمجتمع، وبناء ما هُدم في ظل النظام السابق الذي أحكم قبضته على المجتمع الأهلي بالكثير من المضايقات وإلغاء الوقف الذي تستند إليه منظمات المجتمع المدني. وهو ما نحاول تفعيله من خلال تشريع قانون يضمن حقوق منظمات المجتمع المدني وحركتها بحرية لخدمة المجتمع، على أن يسهّل هذا القانون فرصة العمل وفتح باب التبرع الذي أغلقه النظام القديم تماماً في وجه الجمعيات».

أما عن تطوع الفتيات ودورهن في المشاركة في منظمات المجتمع المدني، فتقول: «المجتمع لا يقبل حتى الآن وجود الفتاة بحرّية وسط الرجال، إلا أنها ظاهرة في طريقها الى الزوال، خاصة بعد أن تجاوزت أعداد المتطوعات من الفتيات أعداد المتطوعين من الشباب، إلى جانب ما تملكه الفتاة من الوقت والصبر والقدرة على الاستمرار، رغم المضايقات المحيطة بها. والدليل على هذا هو الانفراج الهائل في عدد المبادرات الشبابية التي أعقبت الثورة، والتي وقفت فيها الفتاة قوية لتثبت وجودها، وهي علامة إيجابية على تغيير نظرة المجتمع الى العمل العام للفتاة أو خروجها دون مضايقات أو محاولات للإحباط».


القانون

ما تواجهه يومياً من محاولات الدفاع المستمر عن حقوق المرأة، لم يلق على آرائها طابع الدهشة أثناء حديثها عما تتعرّض له المتطوعات من مضايقات اعتادت التعامل معها في رحلتها الطويلة مع العمل العام. لمياء لطفي الناشطة الحقوقية والباحثة في مؤسسة المرأة الجديدة، كان لها رأي آخر في دور المتطوعات في تغيير مسارات العمل التطوعي في مصر في السنوات الأخيرة.
تقول: «العمل التطوعي ليس مقتصراً على الرجل، وهو ما أثبتته عن جدارة نماذج ناجحة من الفتيات، غيّرن نظرة المجتمع إلى الفتاة التي تخرج للتطوع في ظل المضايقات التي يعانيها المجتمع المدني بشكل عام، وخاصة في ما يتعلّق بالفتيات».

أما القانون الذي يسمح بممارسة العمل الأهلي، فترى لمياء أنه ليس كافياً، وفي حاجة إلى تعديلات جذرية لتغيير مفهوم التضييق على منظمات المجتمع المدني، وتوسيع فرصة دخول المنح وتشجيع دعم المنظمات الأهلية. كما ترى أن القانون الذي يناقَش حالياً لا يحل الأزمة بل يزيدها تعقيداً ويسمح بتدخل الأمن بشكل أكبر. أما عن استمرار مشاركة الفتيات فترى أن مشاركة المرأة في العمل العام تسمح بتشجيعها على المشاركة في الحياة السياسية ونفض السلبية والخروج للمجتمع بخطوات أكثر ثباتاً، وتؤكد أن الفكرة تحتاج إلى «بنت جريئة ونموذج ناجح» لتغيير ثقافة المجتمع عن التطوع.